كلاسيكيات الموسيقى العربية * أرشيف * استماع *  تحميل *  نقد فنى *  تحليل موسيقى* أفلام * صور *  تسجيلات * كلاسيكيات الموسيقى العربية
كلاسيكيات الموسيقى العربية * الخمسة الكبار * سيد درويش * محمد القصبجى * زكريا أحمد * محمد عبد الوهاب * رياض السنباطى * نجوم الغناء العربى * أم كلثوم * عبد الوهاب * فيروز * عبد الحليم * ألحان التراث * موشحات * قصائد * أدوار * كلاسيكيات الموسيقى العربية

الجمعة، 18 فبراير 2011

العود العربي أقانيم الثورة و الوتر -2-


التجريبية في التأليف، "مارسيل خليفة" نموذجا
يمكن أن نحدد تجربة مارسيل خليفة المؤلف و العازف اللبناني (1950) في مسارين اثنين، مساره كمغني، ومساره كمؤلف موسيقي، و كمؤلف لآلة العود خصوصا. و إن كانت صورة مرسيل كمغني هي الأشهر، فإن صورته كمؤلف هي الأهم رغم كون الصفة الأولى تغمر صفته الثانية، إذ غالبا ما يتم اختزال الرجل في الغناء، بل و في الغناء النضالي، ولا يهتم إلا بما هو قومي و ثوري في أعماله، و يضرب صفحا عن أعماله الإنسانية والعاطفية ، رغم أن هذه الأعمال لا تقل أهمية، بل تتجاوز في كثير منها أعماله الحماسية النضالية.
كانت بداية مرسيل خليفة مع الغناء، و لم يتعاطى الرجل للعمل الموسيقي الخالص إلا في وقت متأخر، غير أن المتتبع المنتبه لبداياته كان سيدرك و لا شك أن طموحات مارسيل وطاقاته الموسيقية تتجاوز حدود الغناء، إذ لم يكن الرجل يكتفي بالتأليف الخطي أو الأداء اللحني، بل كان يحول الأغاني إلى تجارب موسيقية، فيغامر بتلحين قصائد يعسر تلحينها، و يصوغ مقدمات و فصول و خواتم "أركسترالية"، بتوزيع يجعل من أغنياته معماريات لحنية يستحضر فيها عددا كبيرا من الآلات، صوتية ونحاسية و وترية وإيقاعية، و هو أمر غير معهود في الموسيقى العربية ؛ و يكفي الإنصات إلى أعمال من مثل "الجسر" أو "تصبحون على وطن" أو "أحمد العربي" أو غيرها ليتبين أن هذه الأعمال لم تكن مجرد أغنيات، بل كانت "ورشات" نغمية تعد بالآتي.
من الصعب توثيق البداية التأليفية الخالصة لمارسيل خليفة كما قلنا، لأنه كان ومنذ البداية، يُضمّن ضمائمه الغنائية بعض المقطوعات اللحنية الخالصة؛ غير أنه من الممكن أن نقول، خصوصا فيما يخص آلة العود، أن بدايته كانت مع عمله "مداعبة"، وهو تأليف لثنائي عود، قوامه حوارات بين أربعة عازفين يتوزعون العزف فيما بينهم، وقد أعلن مارسيل، بعد هذه المحاولة، أنه يشتغل مع مجموعة من صناع آلة العود لإنجاز رباعي لآلة العود، و ذلك على صورة ما هو حاصل في آلة الكمان، حيث نجد (الكمان و الآلتو والفيولونسيل و الكونترباص)، غير أن هذا المشروع لم ينته إلى شيء على ما يبدو.

سيتوج هذا الاجتهاد بإنجاز عمل آخر ثنائي (Duo) هو "جدل" و الذي شكل حينها ثورة في تقليد التعامل مع آلة العود، و هو ما يزال إلى اليوم أحد أهم ما كتب لآلة العود على مستوى التأليف.
و الحقيقة أن المتتبع سيجد أن "جدل" هو وفاء للوعود التي قطعها مارسيل في "مداعبة"، و لم يكن العزف الذي قام به مارسيل نفسه لهذا العمل رفقة العازف "شربل روحانا" وآخرين بأقل قيمة من التأليف، والحق إن "جدل"، يبقى، أمام فقر التأليف العربي الهارموني، إنجازا إستثنائيا.
سيتوج مارسيل خليفة جهده هذا بعمل آخر حاول فيه أن يخلق حوارا بين آلة العود و بين أوركسترا سمفونية وهو متتالية "كونشرتو الأندلس". و الواقع أن هذا العمل كان - كما يعرف المختصون- مغامرة محفوفة بالمخاطر لآلة العود، فإنتاج الكونشرتو الذي هو في أصله الكلاسيكي الغربي "سجال" تدخل فيه الآلة مع أوركسترا، معناه أن آلة العود قادرة صوتيا وموسيقيا على تحمل ثقل قيادة و منافسة فرقة موسيقية كاملة، و هو أمر إن كان ممكنا بالنسبة لآلات راسخة في هذا الباب (البيان، الكمان، الكلارينيت)، فقد كان مشكوكا فيه بالنسبة لآلة وثرية منقورة أولا، و لآلة شرقية غنائية ثانيا. غير أن هذا العمل، في نظرنا، نجح في رفع جزء من هذا التحدي و أبان أن آلة العود ليست أقل من الكمان أو البيان قدرة؛ و أن العجز لا يلحق بالعود في ذاته كآلة، بل بالقصور في التأليف لها.
كونشرتو الأندلس يتكون من 12 قطعة، تتوزع بين اللونغا و الفالس و المارش و أشكال أخرى، و الجميل في هذا العمل أنه استدخل أعمالا عربية قديمة من مثل طقاطيق سيد درويش و بعض الموشحات، بعد أنه جدد بنيتها و أعاد توزيعها، لتتحول من صورتها البسيطة إلى أعمال فنية قوية.
أدى مارسيل متتالية (suite) "كونشرتو الأندلس" في أماكن عدة و رفقة فرق موسيقية عريقة مثل اوركسترا"مدينة بولون" الفرنسية تحت إدارة ألفرد هرزوك، و أركسترا مدينة كييف و فرقة مدينة سان فرانسسكو الأمريكية لموسيقى الصالة. ولهذا كان هذا العمل قفزة في مسار آلة العود، فلم يعد العود قبل "كونشرتو الأندلس" هو نفسه العود بعده، بل صارت الطرق أمامه ممتدة لملاقاة آفاق رحبة واسعة، و هذا ما زكاه مارسيل نفسه حين اشتغل على إنتاج "ديو" جديد يجمع آلة العود بآلة الكونترباص رفقة العازف الألماني (بتير هربرت)، و ما فتح الباب أمام مؤلفين آخرين للعمل في نفس الوجهة.
يبقى أن نشير بخصوص مارسيل إلى أن الأعمال المذكورة ليست وحدها المخصوصة بالموسيقى الخالصة؛ بل هناك أعمال أوركسترالية أخرى من مثل مجموعة "بساط الريح" و "حلم ليلة صيف"، أضف إلى ذلك مجموع القطع المبثوثة في ضمائمه المختلفة لم نتطرق إليها من مثل مقطوعة "فرح" و "حلم" و "طلع الضو" و "صرخة"...لأن حديثنا في هذه الدراسة كان مقصورا على الأعمال المتعلقة بآلة العود، و لأن مثل هاته الأعمال تحتاج مساحة أوسع.