الأحد، 8 مايو 2016

فيروز - يا أنا يا أنا وسيمفونية موتسارت رقم 40

من المؤكد أن أغنية فيروز "يا أنا يا أنا" قد لاقت نجاحا كبيرا وأحب الناس سماعها ليس فقط وقت تقديمها لأول مرة بل في كل وقت بعد ذلك.
رغم نجاح الأغنية انقسم الجمهور، والنقاد، إلى فريقين إزاء تقييمها من ناحية اللحن. فقد اكتشف هواة الموسيقى، ومحترفوها بالطبع، أن اللحن نسخة من اللحن المميز للسيمفونية رقم 40 للموسيقى النمساوي التاريخي موتسارت، (1756 - 1791)، أحد أقطاب الموسيقى الكلاسيكية الأوربية وسابق لبيتهوفن (1770 - 1827).

لم يجد البعض أية مشكلة في أن تغني فيروز كلمات عربية على لحن غربي، واعتبر أن هذا تعريف المستمع العربي بالموسيقى الأوربية وتوسيع لدائرة التذوق الفني. في إطار تأييد التجربة أيضا قيل إن الأخوين رحباني قدما بصوت فيروز ألحان سيد درويش تقديرا له ويمكن اعتبار تقديم ألحان موتسارت إعجابا وتقديرا لفنه. بينما هاجم البعض الآخر التجربة باعتبارها "سرقة" فنية.
في ذلك الوقت (أوائل السبعينات) كان الأخوان رحباني قد قدما صوت فيروز في أعمال كثيرة وأصبحت نجمة بفضل صوتها وما قدماه لها من كلمات وألحان، ولم تكن هناك حاجة لاستخدام موسيقى موتسارت لإنجاح أغنية ما.
 اقتباسات سابقة
لم يكن اقتباس الرحبانية لموسيقى موتسارت في لحن أغنية السابقة الأولى، ففي عام 1961 ظهرت أغنية هندية على نفس اللحن في فيلم سينمائي (نورد هنا مقطع فيديو للأغنية الهندية) ولاقت الأغنية أيضا نجاحا كبيرا. ومن هنا يظهر أن نجاح الأغنية يرجع لجودة اللحن وليس للكلمات. كما لم تكن هذه الأغنية الوحيدة التي صاغها الرحبانية على لحن أجنبي بصوت فيروز، فهناك مثلا أغنية "كانوا يا حبيبي" على لحن روسي شهير وغيرها.
 الشكل القانوني
من الناحية القانونية، اللحن المقتبس يتجاوز الحد القانوني للاقتباس، 4 مازورات، ، ومع ذلك ليس هناك ما يجرم استخدام لحن موتسارت أو غيره حينما يصبح ملكية عامة بمرور أكثر من 50 عاما على وفاة صاحبه، ولا يتعرض المقتبس للمساءلة القانونية لاقتباسه لحنا قديما.

لكن الخطأ الذي وقع فيه الأخوان رحباني خطأ أدبي أكثر منه قانوني، وهو عدم الإشارة إلى اسم صاحب اللحن الأصلي. وهي عادة "رحبانية" اتبعاها في كل الاقتباسات، وهي السبب في الانتقاد الشديد الذي وجه إليهما واتهامهما بسرقة الألحان. وهو الخطأ الذي تسبب في مغالطات كثيرة لاحقا أهمها ذكر مواقع عديدة لاسم الأخوين رحباني في خانة الملحن أمام أغاني غنتها فيروز من ألحان سيد درويش وموتسارت وغيرهما. وهذا ليس من شأنه فقط إغفال حقوق المبدعين الآخرين ولكنه يلصق تهمة السطو بالرحبانية. 
في سياق الدفاع عن الرحبانية قيل لاحقا أنه لم يكن من الضروري إعلان الاقتباس صراحة أو الإشارة إلى اللحن الأصلي بحكم أنه لحن معروف رغم أن أصول العمل الفني تقتضي ذلك. لكن كما أشرنا فإن ترك الأمر لاكتشاف الجمهور لا يخلو من المخاطرة، خاصة أن الاقتباس هنا لم يكن عفويا أو كما يطلق عليه أحيانا "توارد خواطر" أو "تأثر"، بالعكس فإن وصف الاقتباس هنا غير دقيق والوصف الأصح هو وضع كلمات عربية على ذات اللحن الأوربي. 
وهذا بدوره يمثل "عادة" لبنانية شائعة بين الفنانين اللبنانيين، وهي لا تشكل اقتباسا بل حبا وإعجابا ببعض الألحان الأوربية ذات الأنغام المتجانسة مع ألحان الشرق، أو بمعنى آخر "تعريب" الأغاني الأجنبية. 
 أصداء الفن الأندلسي في موسيقى موتسارت
المفارقة الكبرى في قصة الاقتباس يبدو أن موتسارت نفسه قد اقتبس لحنا عربيا قديما في نفس السيمفونية وهو لحن الموشح الأندلسي الشهير "لما بدا يثنى" في بداية الحركة الثالثة (الدقيقة 15.24). 
تقدر الفترة الزمنية بين لحن الموشح ولحن السيمفونية بنحو 500 عام. وهناك أيضا فرق زمني بنحو 200 عام أخرى بين لحن السيمفونية وأغنية فيروز.
أكثر من هذا وجد الباحثون 29 مازورة من سيمفونية موتسارت هذه مدونة في اسكتشات بيتهوفن الموسيقية، ويعتقد نقاد الموسيقى الكلاسيكية أن نفس الحركة التي اقتبسها موتسارت من الموشح الأندلسي هي التي أوحت إلى بيتهوفن نغمات الحركة الثالثة في سيمفونيته الشهيرة "القدر". هكذا يظهر لنا عالمية لغة الموسيقى وكيف أنها تصل بين الشعوب والحضارات غير مكترثة بحدود جغرافية أو زمنية، د. أسامة عفيفي، يا أنا يا أنا، فيروز.
نستمع هنا إلى أغنية فيروز، والأغنية الهندية، والسيفونية رقم 40 لموتسارت

*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق