المطربة كارول سماحة |
قدمت السينما الأغاني المصورة منذ بدأت الأفلام الغنائية في الظهور، وكانت الأغاني تصور في سياق الفيلم، وفي أحيان كثيرة خارج السياق. لكن مع أواخر القرن العشرين بدأت موجة جديدة من الأغاني المقطوعة المصورة خارج نطاق السينما. في الواقع لم يكن هذا اختراعا جديدا، فقد سبق ظهور هذا النوع في أمريكا وأوربا ومن ثم انتقل إلى الشرق.
عبد الحليم - حكاية شعب - كليب سينمائي
وظهر أول تسجيل لأغنية مقطوعة مصورة سينمائيا في مصر عام 1959 بعبد الحليم حافظ في أغنية "حكاية شعب" التي تحكي قصة بناء السد العالي، وصورت بعض مقاطعها في موقع السد في أسوان، مع صور لخلفيات تاريخية تحكي العمق التاريخي لامتداد النضال ضد الاستعمار منذ أوائل القرن العشرين، بالإضافة إلى مقاطع ظهر فيها المطرب يخاطب مباشرة عمال السد وهم يشاركونه الغناء. لم يكن التليفزيون قد دخل الخدمة في مصر بعد، فقد بدأ إرساله عام 1960، لكن هذا "الكليب" السينمائي طاف البلاد طولا وعرضا وقامت وحدات سينمائية متنقلة بعرضه في الشوارع والميادين.
وطني الأكبر - كليب سينمائي - ألحان محمد عبد الوهاب
في الستينات ظهرت أغنيات جديدة مصورة سينمائيا خارج نطاق الأفلام تم إذاعتها عبر التليفزيون، بعضها وطني كأنشودة وطني الأكبر والجيل الصاعد من ألحان محمد عبد الوهاب لمجموعات من أفضل الأصوات مثل وردة، شادية، فايزة، صباح، عبد الحليم، وعبد الوهاب أيضا. وكان البعض الآخر ديني مثل الابتهالات وأغاني المناسبات الدينية كشهر رمضان أو الحج.
محمد عبد الوهاب - حكيم عيون - دويتو سينمائي - فيلم رصاصة في القلب |
ويدلل هذا على الفرق الجوهري بين أغاني الأفلام وأغاني الفيديو في أن الأولى أنتجت كمادة سمعية في المقام الأول، بينما أنتجت الثانية كمادة مرئية بالدرجة الأولى.
شادية - أغنية سينمائية |
ومن المفارقات الكبرى في عالم الإعلام أن "يستمع" الناس إلى أغنية على موقع فيديو على الإنترنت مثل "يوتيوب" من المفترض أن يكون موقعا مرئيا، لكنك لا تجد في مقطع الفيديو غير بضع صور، أو ربما صورة واحدة، طوال مدة الأغنية. وتفسير ذلك أن الجمهور قد تعود البحث بالعين بدلا من البحث بالأذن، إذ أن العين أسهل وأسرع وأقرب إلى متابعة الأشياء. وربما هذا هو سر تواجد ذلك الكم الهائل من الأعمال الموسيقية والغنائية ذات الصورة الواحدة على "يوتيوب"، والتي لا تنقل عرضا حيا أو مشاهد درامية من أي نوع، وليس هناك أية فائدة من تواجدها على موقع مرئي، ولا يختلف هذا الأمر في الشرق عن الغرب. لم تقتصر هذه الموجة على بلد معين في المنطقة العربية بل أنتجتها معظم الأقطار حتى تلك المحافظة منها.
وأهم نقد موضوعي موجه إلى تصوير الأعمال الموسيقية والأغاني خارج سياق نقل العروض والحفلات، د.أسامة عفيفي، هو أنها تحيّز الأبعاد المعنوية لموضوع العمل المسموع، وهي عادة أبعاد لا نهائية، وذلك بتحديدها في شخصيات أو أماكن أو أحداث معينة تنتمي إلى خيال المخرج، وتمنع المتلقي من استقبالها بحرية في التخيل والانطباع.
خصائص الأغنية المصورة
1- سيطرة الصورة على كل شيء
2- عدم التقيد ببناء درامي من أي نوع
3- التجارية البحتة لا تتقيد بالعرف الأخلاقي أيضا فأكثرت من المناظر الخليعة والكلمات السوقية
4- تقدم فيها الرقص على الغناء
5- التساهل في تقديم أصوات غير مؤهلة نتيجة الاعتماد أكثر على الشكل والصورة
6- الاستهتار بالقيمة السمعية والموضوعية للعمل الفني الغنائي إلى درجة إهمال اسم المؤلف والملحن في أغلب الأحيان، مع إبراز اسم المطرب أو المطربة، واسم المخرج وأسماء طاقم التصوير والمونتاج والفنيين وغيرهم في قائمة طويلة تشمل حتى مصففي الشعر!
لم تساهم هذه النوعيات بالطبع في الارتقاء بالفن الموسيقي على أي نحو، لكن مقابل هذه النقائص هناك بعض الميزات أيضا ، وإن كانت غير موسيقية!
1- التمويل الجيد
2- استخدام تقنيات حديثة صوتا وصورة
3- الدعاية المنظمة
ويرجع نجاح هذا الكليب إلى عوامل سمعية وبصرية منها
· الموضوع والكلمات: تصور الكلمات موقفا إنسانيا مميزا يرتكز على عدة مواقف درامية
· اللحن والتوزيع: من خصائص هذا اللحن الهامة أنه يتمتع بقيمة سمعية عالية ومستقلة تماما عن الصورة، تجذب المستمع للاستماع إليه وتكرار الاستماع، وهو لحن ناجح بصرف النظر عن ارتباطه بالفيديو المصور.
· الصوت والأداء: تتمتع المطربة كارولين بصوت قوي وشخصية قوية وقدرة عالية على التعبير، بالإضافة إلى تمكنها التام من الغناء. وأنتج هذا المزيج أداء مقنعا في "الدور" الذي مثلته في الأغنية وأداء غنائيا ممتازا. ورغم هذه الإمكانيات الكبيرة لدى المطربة فإن نجاح هذه الأغنية وانتشارها، سمعا ومشاهدة، فاق بكثير جميع أغانيها الأخرى، وفي هذا دليل قوي على أن المطرب وحده لا يصنع أغنية ناجحة، وأن مفاتيح النجاح تكمن في تكامل عناصر الأغنية وتقاربها في المستوى وحرص كل مشارك على تقديم أفضل ما يمكنه.
· الإخراج والتصوير: ساهم الموقف الدرامي للكلمات المكتوبة كثيرا في جعل تصوير القصة أمرا ممكنا ومعبرا عن مضمونها، بالإضافة إلى ذلك احتوى سيناريو الفيديو على تفاصيل يومية ولحظات تأملية معبرة عن سياق الكلمات بطريقة نادرة.
· الموضوعية: ابتعد هذا الكليب كثيرا عن السلبيات التي حملتها آلاف من الأغاني المصورة
د. أسامة عفيفي ، نتابع في المقال القادم