كلاسيكيات الموسيقى العربية * أرشيف * استماع *  تحميل *  نقد فنى *  تحليل موسيقى* أفلام * صور *  تسجيلات * كلاسيكيات الموسيقى العربية
كلاسيكيات الموسيقى العربية * الخمسة الكبار * سيد درويش * محمد القصبجى * زكريا أحمد * محمد عبد الوهاب * رياض السنباطى * نجوم الغناء العربى * أم كلثوم * عبد الوهاب * فيروز * عبد الحليم * ألحان التراث * موشحات * قصائد * أدوار * كلاسيكيات الموسيقى العربية

السبت، 30 أغسطس 2014

قراءة في فن داود حسني

داود حسني 1870 - 1937
عاصر الفنان داود حسني عقودا من القرنين التاسع عشر والعشرين، ورغم ذلك ينتمي فنه كملحن إلى مدرسة القرن التاسع عشر أكثر منه إلى مدرسة القرن العشرين، أما لماذا فالإجابة تستلزم أولا بيان الفروق بين المدرستين، وهو ما سنأتي إليه هنا لاحقا.
عاش داود حسني نفس الفترة التي عاشها الفنان كامل الخلعي ابن الإسكندرية (1870-1938) وزامله، وكانا صديقين وينتميان لنفس المدرسة الفنية. ورغم أنه له مئات الألحان تنوعت بين قالب الدور، الطقطوقة ، القصيدة ، الموشح ، بالإضافة إلى الأوبريت والأوبرا للمسرح، إلا أن ما اشتهر له كان أغانيه الشعبية من قالب الطقطوقة والتي لا تزال تسمع لليوم.
 طقطوقة على خده يا ناس 100 وردة 
ألحان داود حسني - مقام راست 
ولد داود حسني بالقاهرة في 26 فبراير سنة 1870 ونشأ في حي الجمالية الشعبي، والتحق بالمدرسة الفرنسية "الفرير" حيث ظهرت ميوله الموسيقية، وكان والده يهوى الموسيقى ويجيد العزف على العود لكنه لم يرد لابنه الاشتغال بالفن. واستمع إلى الفنون الشعبية والأغاني المصرية القديمة وإلى تلاوة القران الكريم والتواشيح وحفظ الأدوار والموشحات، لكنه ذات يوم غادر القاهرة إلى مدينة المنصورة حين علم بوجود المعلم محمد شعبان الذي تعلم على يديه عبده الحامولي، ويقي هناك حتى تعلم منه أصول الموسيقى والغناء.

بدأ داود مشواره الفني بالغناء على الطريقة القديمة بألحان الشيخ عبد الرحيم المسلوب وعبده الحامولي، وشجعه ملحن الأدوار الكبير محمد عثمان وسمح له بالغناء على فرقته، وأعجب داود حسني كثيرا بأسلوب محمد عثمان في تلحين الدور خاصة ابتكاره المعروف بالهنك والرنك، وهو تبادل الغناء بين المطرب والكورس، فسار على نهجه في تلحين أدواره
تدرج داود حسني في التلحين من الألحان الخفيفة والطقاطيق إلى الأدوار ثم المسرح الغنائي، بقالبيه الأوبريت والأوبرا، وهو ملحن أول أوبرا عربية بعنوان شمشون ودليلة 

وعلى طريقة ملحني القرن التاسع عشر في التجديد استخدم داود حسنى بعض التراكيب المقامية ذات الأصول التركية والفارسية ومزجها بالمقامات المصرية السائدة فجذب الأسماع إلى موسيقاه، لكنه برع أكثر في استخدام التيمات الشعبية من الفولكلور الشعبي الراقص وأنتج أغنيات بسيطة التركيب واضحة الجمل أغلبها من قالب الطقطوقة الخفيف سهل الترديد، مما ساعد على رواج ألحانه. ولحن لكبار مطربي عصره مثل زكي مراد، عبد الحي حلمي، عبد اللطيف البنا، صالح عبد الحي ، منيرة المهدية، فتحية أحمد، نجاة علي، ليلى مراد، أسمهان، وأم كلثوم

بنهاية القرن 19 رحل عبده الحامولي ومحمد عثمان، وآل تلحين الدور، وهو أصعب القوالب الغنائية وأكثرها حرفية، إلى إبراهيم القباني ولحقه داود حسني وكامل الخلعي وسيد درويش ثم زكريا أحمد. بدأ داود حسنى فى تلحين الدور عام 1910، وبينما توقف سيد درويش عن تلحين هذا القالب بعد إتمام أدواره العشرة استمر الباقون في إبداعه حتى لحق أم كلثوم منه 10 أدوار لداود حسني بدأها عام 1930، و 9 أدوار لزكريا الذي قام بتلحين آخر دور في الموسيقى العربية عام 1938، ثم هجره الجميع لتدخل الموسيقى العربية في عصر الأغنية الحديثة التي استمرت على قمة قوالب الغناء طوال القرن العشرين. وفي عام 1919 بدأ داود حسني تلحين الأوبريت، أي بعد سيد درويش الذي بدأ ذلك عام 1917، فقدم منها لفرقة الريحاني صباح والليالى الملاح والشاطر حسن، ورغم هذا لم يكن هناك تشابه بين ألحانهما للمسرح، فكل منهما قد انتمى إلى مدرسة مختلفة
دور البعد علمني السهر - أم كلثوم
ألحان داود حسني - مقام بياتي
فن دواد حسني
رغم قدرة الفنان داود حسني وتمكنه من فن التلحين إلا أن فنه يحسب على ذات المدرسة القديمة التي بدأها محمد عثمان والحامولي فى تلحين الأدوار وهى مدرسة الطرب أولا .. وربما آخرا
وبينما يحسب لداود حسنى إقدامه على القيام تلحين قالب الأوبرا المسرحي لأول مرة، وهو قالب لم يكن معروفا في الشرق إلا من خلال فرق الأوبرا الأوربية التي كانت تزور مصر منذ أواسط القرن التاسع عشر، إلا أن محاولاته في الأوبرا، كما في الأوبريت، لم تخرج عن تغيير القالب المسرحي وليس القالب الموسيقى. ومهما بلغت درجة إجادته فهو قد اشترك مع زميل عصره العلامة كامل الخلعي في أنهما كانا ملتزمان إلى حد بعيد كما أشرنا في مواضع سابقة أثناء الحديث عن تاريخ المسرح الغنائي د.أسامة عفيفى، بالأشكال الموسيقية التقليدية حتى على المسرح، بمعنى أن اللحن يجب أن يخضع لقالب الطقطوقة أو الموال أو القصيدة أو حتى الموشح، ويتقيد بالموازين والضروب القديمة مع اعتبار الخروج عنها ليس فقط خروجا عن المألوف بل عن القواعد

ومقارنة بمسرح سلامة حجازي ومسرح سيد درويش نجد كلا من داود حسني وكامل الخلعي أقرب إلى الأول منهما إلى الثاني الذي غير المفاهيم الموسيقية في التلحين من التنغيم إلى التعبير. في الحالة الأولى يمكننا استخدام نفس اللحن على كلمات أخرى قد تتحدث فى موضوع آخر ويحتفظ اللحن مع ذلك بنفس القدر من الطرب، بينما في الحالة الثانية لا يمكن فصل الكلمات عن اللحن بأي حال لأنه يعبر عنها فقط. ولا نعتقد أن هذا يقلل من شأنهما كملحنين ولكن فقط يضعهما في مدرستهما المحافظة التي أخلصا لها

هناك فرق آخر جوهري بين المدرسة التقليدية والمدرسة التعبيرية، ففي الأولى يحتاج الغناء إلى مطرب محترف، بينما تركز الثانية على أداء الشخصية المسرحية كما هي في النص وفي واقع الحياة. ومن هنا ظهرت مدرسة الأداء، في اختلاف كبير عن مدرسة الغناء. وقد لا يحتاج الأداء التعبيري إلى قدر كبير من الحرفية الغنائية، بمعنى القدرات الصوتية أو العلم بالمقامات والموازين، على سبيل المثال تلحين الحوار بين الأفراد أو المجموعات وألحان الطوائف في مسرح سيد درويش، حيث كان يستطيع أي مطرب أداءها كما يمكن للجمهور ترديدها بسهولة.

ومن المعروف أن داود حسني وكامل الخلعي قد عاصرا سيد درويش، وكان شابا في العشرينات وزميلاه في الخمسينات من العمر، لكنهما كانا يحضران مسرحياته إعجابا بفنه، وكانت العلاقة بين الثلاثة في منتهى الود والاحترام، وأعلن كل منهم في مناسبات مختلفة تقديره لفن الآخر .. وذكر الموسيقار محمد عبد الوهاب أنه كان يرى الفنانين الكبيرين داود وكامل في مسرح سيد درويش يحضران البروفات ليستمعا إلى ألحان الشيخ سيد الجديدة!

اتهم البعض داود حسني بسرقة ألحان أستاذه محمد عثمان، لكنا نعتقد أنه برئ من هذه التهمة لسببين، أولهما أن أعماله الأخرى في غير قالب الدور الذي تخصص فيه محمد عثمان تنم عن موهبة وقدرة مستقلة، ثانيهما أن الأدوار بطبيعتها تتشابه نظرا لتكونها من نفس الأجزاء والتزام الملحنين بذات الأسلوب خاصة إذا كانت من نفس المقام، والفكاك من التقليد أمر غاية فى الصعوبة، ونقارن مثلا أدوار عبد الوهاب بأدوار سيد درويش .. فقد لحن عبد الوهاب خمسة أدوار تكاد تكون نسخ من أدوار سيد درويش، خاصة تلك التي جاءت على نفس المقامات، ولنستمع مثلا إلى عشقت روحك مقام كورد لعبد الوهاب ثم نستمع إلى أنا هويت لسيد درويش من نفس المقام، أو دور ياللي قوامك لسيد درويش مقام نكريز ثم دور القلب ياما انتظر لعبد الوهاب من نفس المقام .. التشابه ليس له حدود .. النتيجة التي توصل إلها عبد الوهاب بعد خمسة أدوار أنه ترك تلحين الدور نهائيا!

لوحظ على بعض المواقع التي تناولت سيرة داود حسنى المبالغة في إطلاق بعض الأوصاف عليه وعلى فنه مثل أنه تفوق على جميع الملحنين الأقدمين والمعاصرين واللاحقين، وأنه هو مؤسس الموسيقى المصرية الحديثة، وأنه هو المجدد الأول والأخير في الموسيقى الذي سار على نهجه كل من جاء بعده .. بالطبع لا تنطبق أي من هذه الأوصاف على داود حسني، وكل هذا من قبل التعصب الأعمى لفنان ما دون اعتبار أية معايير موضوعية. وهذا يذكرنا بالتعصب لفنانين آخرين بالذات فريد الأطرش الذي لقبه بعض محبيه بأنه الموسيقار الأوحد! وكذلك الفنان بليغ حمدي الذي لقبه بعضهم بالعبقري الذي لا يستطيع الوصول إلى مستواه عبد الوهاب أو سيد درويش أو السنباطي، ومن المؤكد أن الفنون تشهد بعضا من هذا الجنون من حين لآخر لكنها يحكمها في النهاية مقاييس الزمن الصارمة

من الإنصاف للفنان داود حسني إثبات انتمائه الكامل للوطن الذي ولد فيه ونشأ في بيئته وبين أهله، ولو لم يتشرب مزاج الناس وإحساسهم وهمومهم وآمالهم لم يكن ليبدع فنه، ورغم يهوديته عاش حياته مثل كل المصريين وواحدا منهم، كحال غيره من اليهود المصريين ممن عاشوا في مصر قبل إنشاء إسرائيل عام 1948 دون حساسية أو تمييز، وتمتعوا بحياة أفضل مما أمكن لهم في بلاد أخرى. ولا يمكن تخيل طموحه الكبير دون شعوره بأنه أحد أبناء هذا البلد، كما لا يعقل الحديث عن انتمائه إلى أي كيان خارج حدود مصر، فقد ولد الرجل ومات قبل ظهور الدولة اليهودية، بحث وتحرير د.أسامة عفيفى - داود حسني 
روابط
داود حسني 1870 - 1937 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق