كلاسيكيات الموسيقى العربية * أرشيف * استماع *  تحميل *  نقد فنى *  تحليل موسيقى* أفلام * صور *  تسجيلات * كلاسيكيات الموسيقى العربية
كلاسيكيات الموسيقى العربية * الخمسة الكبار * سيد درويش * محمد القصبجى * زكريا أحمد * محمد عبد الوهاب * رياض السنباطى * نجوم الغناء العربى * أم كلثوم * عبد الوهاب * فيروز * عبد الحليم * ألحان التراث * موشحات * قصائد * أدوار * كلاسيكيات الموسيقى العربية

الأربعاء، 18 نوفمبر 2009

فيــــروز

فيروز موهبة نادرة وصوت عذب ، وهبها الله صوتاً رقيقا وقوة تعبير هائلة تستطيع أن تنقلك إلى جو الكلمة واللحن فى لحظات ... وشخصية اكتسبت احتراما كبيرا وحبا خاصا فى العالم العربى لإخلاصها لفنها ولوطنها ولقوميتها العربية ، وأيضا لتقديمها نموذجا للفن الجاد والفنان المحترم والمعبر فى الوقت ذاته عن مشاعر البسطاء والأبرياء ولفيروز جمهور كبير فى العالم العربى ويستمع إليها بانتظام آلاف من المهاجرين العرب فى أوربا وأمريكا ، ومن يتذوق صوتها وأداءها لا يستطيع البعد عنها كثيرا ، ومن جمهورها عشاق لصوت فيروز يقدمونه على كل الأصوات العربية ، وارتبط صوتها بكلمات وألحان الأخوين رحبانى ، عاصى ومنصور ، اللذين اجتمعت لهما موهبتا التأليف والتلحين ، بالإضافة إلى طموح كبير لتطوير الفن الموسيقى العربى
فيروز - خصائص الصوت والأداء
اتسم صوت وأداء فيروز ببعض الخصائص التى ميزتها عن غيرها من المطربين أهمها

1- نقاء الصوت
2- اتساع المساحة الصوتية
3- الطبيعية فى الأداء
4- القدرة على أداء أدق التفاصيل دون تكلف
5- تطويع النبرات الصوتية للتعبير اللغوى
6- المزج بين الصوت الطبيعى والصوت المستعار فى تجانس تام
فيـــروز - البدايات
ولدت نهاد حداد ، وهو اسم فيروز الأصلى ، عام 1935 لأسرة متواضعة فى إحدى القرى اللبنانية وانتقلت وهى طفلة مع أسرتها إلى بيروت وهناك التحقت بالمدرسة حيث مارست أداء التراتيل والغناء فى المناسبات المدرسية مغنية الأغانى المصرية التى ذاعت فى ذلك الوقت خاصة لليلى مراد وأسمهان

فى أواخر الأربعينات اكتشفها فنان موسيقى يدعى محمد فليفل ، وهو أحد مؤسسى معهد الكونسرفاتوار اللبنانى، كان يجوب المدارس بحثا عن مواهب يقدمها لكورس الإذاعة اللبنانية فى الأربعينات ، والذى تعدها بالعناية والتدريب ودعاها للغناء عبر الإذاعة مع مجموعة من الصغار ثم عمل على إلحاقها بمعهد الموسيقى الكونسرفاتوار ، وكان محمد فليفل يؤمن بقوة المدرسة التدريبية المصرية التى أفرزت مواهب مثل عبد الوهاب وأم كلثوم وهى تلاوة وتجويد القرآن الكريم فعلمها كيفيات النطق والتجويد والمقامات ، فاكتسبت فيروز مهارات ساعدتها بعد ذلك على تذوق اللغة العربية وأداء القصائد والموشحات وتمكنت من المقامات الشرقية ، وربما كان ذلك من أهم ما مهد لصعود فيروز إلى قمة الغناء فى العالم العربى
فيروز فى الإذاعة اللبنانية
سرعان ما تلقت فيروز عرضا للعمل كمغنية فى كورس الإذاعة عندما استمع إليها الفنان حليم الرومى ، والد المطربة ماجدة الرومى ومدير الإذاعة اللبنانية وقتها ، الذى لحن لها بعض الأغنيات ثم اقترح إطلاق اسم فيروز على المطربة الصاعدة
لقاء فيروز ورحبانى
قدم حليم الرومى الصوت الجديد فيروز إلى عاصى الرحبانى وأخيه منصور اللذين كانا يقدمان أعمالهما الأولى للإذاعة فى ذلك الوقت ، وكانا قد التحقا بمعهد الموسيقى بينما كانا يعملان كجنديين فى شرطة العاصمة قبل تفرغهما للفن ، فقدماها فى أغنية "عتاب" التى لاقت نجاحا كبيرا فى لبنان

عام 1952 سجلت لإذاعة دمشق بعض الأغنيات من كلمات وألحان الأخوين
عام 1953 تزوجت فيروز من الموسيقار عاصى رحبانى فلم يفترقا بعد ذلك إلا قبيل وفاته عام 1986
فيروز فى مهرجان بعلبك
فى أوائل الخمسينات قدمت مجموعة من الفنانين اللبنانيين عروضها فى مهرجان فنى عرض بمدينة بعلبك التاريخية وسط الآثار الرومانية القديمة ، أصبحت هذه المجموعة فيما بعد أسماء شهيرة فى عالم الموسيقى والغناء العربى ، كما أصبح مهرجان بعلبك تقليدا سنويا تقدم فيه عروض مسرحية غنائية ساهمت فى خلق أرضية فنية جديدة اعتمدت كثيرا على فنون الفولكلور أو الفن الشعبى لكنه توقف طيلة الحرب اللبنانية الأهلية التى بدأت عام 1975 واستمرت 17 عاما ، ضمت تلك المجموعة مطربين مثل وديع الصافى ، نصرى شمس الدين ، فيروز ، والمؤلفان والملحنان عاصى ومنصور رحبانى ، وفى تلك الفترة قدم الرحبانية الأغنية الراقصة ونجحا فى كسب الجمهور بتقديم نماذج مزجت بين الغناء الشرقى والإيقاعات الغربية

عام 1955 كان عاما سعيدا لفيروز وعاصى رحبانى ، فقد تلقيا دعوة رسمية من إذاعة القاهرة لبث أغانيهما ، وقد ساهمت تلك الدعوة فى تقديم الفنانين إلى جمهور العالم العربى

عام 1957 قرر الرحبانية تقديم أول عمل لفيروز منفردة على المسرح فى مهرجان بعلبك ، واستمر ذلك التقليد كل عام بعد ذلك ، ولفت صوتها انتباه الجمهور لتغنيها بالأغانى التى تتحدث عن جمال لبنان وسحره
مرحلة التوجه العربى
الف الرحبانية عدة قصائد تغنت بالعواصم العربية غنتها فيروز فى تلك العواصم مثل بغداد ودمشق فساعد ذلك على تبنى البلاد العربية لصوتها وإذاعة أغانيها ، وجاء وقت كانت بعض الإذاعات العربية تبدأ بثها فى الصباح بنصف ساعة من أغانى فيروز والبعض الآخر يخصص لها وقتا أسبوعيا منتظما
أعمال فيروز
قدمت فيروز معظم أعمالها فى عروض مسرحية خاصة فى مهرجان بعلبك السنوى ، لكنها سجلت أعمالا عديدة خارج إطار المسرح

من الألوان التى غنتها فيروز الأغنية الشعبية باللهجة اللبنانية ، الأغنية الرومانسية ، القصائد ، الموشحات ، الأغانى المقتبسة ألحانها من الموسيقى الغربية ، ونجحت فى تقديم اللهجة اللبنانية كأداة توصيل صالحة جماهيريا إلى جانب اللهجة المصرية التى سادت الفن إلى تلك الحقبة ، وكان أهم ما قدمته على الإطلاق هو نشاطها فى المسرح الغنائى الذى عنى به الأخوين رحبانى ، ورغم أن تعاظم أعمالها على المسرح إلا أنها كانت بالدرجة الأولى أعمالا فردية كرست الغناء الفردى واعتمدت أساسا على صوت فيروز الأخاذ
أشهر أغنيات فيروز
قدمت فيروز عدة مئات من الأغنيات خلال مشوارها الفنى من بين أشهرها:

شتى يا دنيا - شط اسكندرية - أجراس العودة - أيام الصيفية
أعطنى الناى وغنى - حبيتك بالصيف - حنا السكران - ليالى الشمال
يامرسال المراسيل - زهرة المدائن - يا أنا يا أنا - طير الوروار
باكتب اسمك يا حبيبى - نسم علينا الهوى - يا دارة دورى - البوستة
أوبريتــات فيــروز

جسر القمر - الشخص - ناطورة المفاتيح
الليل والقنديل - جبال الصوان - المحطة
بياع الخواتم - يعيش يعيش - ميس الريم
أيام فخر الدين - صح النوم - لولو
هالة والملك - ناس من ورق - بترا
فيروز فى الستينات

قيست درجة نجاح أعمال فيروز بمدى قبولها وانتشارها فى العالم العربى خاصة مصر ، ونجحت فيروز فى اكتساب جماهيرية كبيرة بأعمال اتسمت بحداثة الأسلوب وشرقية السمات من جانب الملحنين والأداء المتمكن من قبل فيروز ، ومن أهم ما قدمه الرحبانية لفيروز تجربة الأغنية الراقصة التى اعتمدت على الدبكة اللبنانية فى الإيقاع وأداء الكورال ، وربما كانت أغنية شتى يا دنيا ، مقام حجاز ، هى أفضل نموذج لهذه الألحان وقد قدمت مع مجموعة جيدة من أغانى فيروز فى مسرحية بياع الخواتم التى قدمت سينمائيا فى فيلم بياع الخواتم الذى عرض فى معظم البلدان العربية
تجارب ومفارقات

ومن المفارقات الفنية فى سجل فيروز أن صوتها كان هو الذى قدمها للجمهور وللوسط الفنى إلى مرحلة معينة وليس الألحان ، وربما التفت الجمهور إلى ألحان أغانيها فى مرحلة متأخرة نسبيا من مشوارها الفنى ، ورغم الجهد الذى بذله الأخوان رحبانى لسنوات طوال وارتباط فيروز بهما فنيا إلا أن أغنية حققت لها نقلة نوعية كبرى لم تكن من ألحان الأخوين بل لملحن غير مشهور هو نجيب حنكش الذى وفق فى صياغة لحن قصيدة أعطنى الناى وغنى لخليل جبران ، مقام نهاوند ، بطريقة حديثة حلقت بصوت فيروز فى عاليا فى سماء الفن العربى بين يوم وليلة ، انتبه الجمهور إلى لحن أعطنى الناى وتوقع المزيد من الألحان الناجحة التى تجمع كما جمعت أعطنى الناى بين الشرقية السهلة والحداثة المبرمجة والأداء الممتاز للأوركسترا

عام 1966 قدم الرحبانية مفاجأة للعالم العربى عبر صوت فيروز فى أغنية حبيتك بالصيف فى تجربة نجحت نجاحا كبيرا وبها صعد صوت فيروز وأداؤها إلى قمة جديدة ، تمثلت المفاجأة فى تقديم لحن فرنسى الأصل بكلمات عربية ، وجاء أداء فيروز رغم النطق العربى مشابها للأداء أغانى البوب الغربية ، كما جاء أداء الأوركسترا متقدما للغاية آخذا بالأساليب الغربية الحديثة ، ونظرا لاقتراب الميلودية الفرنسية عموما من ألحان المنطقة المتوسطية الغنية بالميلودى ولشيوع أغانى البوب فى المنطقة العربية فى ذلك الوقت لاقى اللحن قبولا فائقا لدى الجمهور خاصة الشباب الذى كان مفتونا أيامها بألحان فرق البيتلز البريطانية وإلفيس بريسلى الأمريكية وكبار مطربى البوب الغربى مثل توم جونز ، إنجلبرت همبردينج ، شارل أزنافور وغيرهم

خلال الستينات حدث تقارب بين الرحبانية والموسيقار محمد عبد الوهاب نتج عنه تلحين محمد عبد الوهاب لفيروز ، واجهة الرحبانية ، قصيدة سكن الليل ، وتلحين الأخوين لنجاة الصغيرة ، واجهة عبد الوهاب ، أغنية " دوارين" ، كما غنت فيروز بعض الأغانى القديمة لعبد الوهاب منها قصيدة "يا جارة الوادى" وأغنية "خايف اقول اللى ف قلبى" ، وفى نفس الفترة أعادت فيروز غناء لحنين لسيد درويش هما " زورونى" و "طلعت يا محلا نورها" وقد أدخل الأخوين رحبانى على هذين العملين بعض التعديلات أهمها تغيير الكلمات (!) وإضافة بعض اللزم الموسيقية والتوزيع الموسيقى البسيط
زهرة المدائن

إثر الهزيمة العربية فى حرب يونيو/ حزيران 1967 وبعد احتلال القدس الشرقية غنت فيروز قصيدتها للعاصمة العربية التى لم تغن لها من قبل ، القدس ، وجاءت زهرة المدائن نموذجا رائعا للقصيدة القومية المغناة ، تغنت فيها بمعانى القومية والتصالح الدينى بين المسلمين والمسيحيين العرب تحت راية القضية القومية الواحدة والهموم المشتركة واستخدم الرحبانية دقات أجراس الكنائس وتيمة أذان الصلاة فى تجانس عبر عن الوحدة بين جناحى الأمة فى مواجهة عدو واحد ، وقبل أن تتوغل فى اللحن كثيرا تجد جملة "يا قدس يا مدينة الصلاة أصلى" غاية فى التعبير عن موقف الصلاة من أجل المدينة المقدسة ، وقبيل نهاية القصيدة تشترك مجموعة الكورال فى لحن تبادلى مع صوت فيروز يتصاعد فى قوة إلى نهاية اللحن التى يسيطر عليها أداء الكورال حتى الختام موحيا بجماهيرية الموقف ، وقد لاقت زهرة المدائن نجاحا كبيرا ولا زالت تسمع فى مختلف الإذاعات العربية كعمل من أفضل الأعمال الفنية القومية
فيروز والرحبانية فى السبعينات

قام الرحبانية بتكرار تجربة حبيتك فى الصيف على ألحان غربية أخرى أهمها لحن "يا أنا يا أنا" على لحن السيمفونية الأربعين لموتسارت ، ولحن كانوا يا حبيبى على لحن روسى شهير ، ولاقى اللحنان نجاحا مماثلا ، ورغم أنه من الناحية الفنية لم تضم تلك الألحان جديدا شرقيا أو غربيا إلا أن التجربة نجحت فى تقديم بعض عناصر الموسيقى الغربية الأقرب إلى النغمات الشرقية إلى المستمع العربى ، وهى كسب للموسيقى الغربية التى وجدت لها مستمعا جديدا أكثر منها للموسيقى الشرقية ، وربما تلخصت فائدتها فى تعريف الجمهور العربى العريض غير المطلع على موسيقى الغرب بنوع غربى متقارب بشدة مع موسيقاه الشرقية ومقبول لدى الأذن العربية العادية ، ويمكن تصور أن الجمهور المثقف لم يبهر بتلك التجارب لاطلاعه مسبقا على الأصل الغربى وأنه لم يجد فيها أكثر من ترجمة عربية لأعمال غربية

أما فنيــا فكان ملحنو الشرق خاصة من هم على اطلاع على موسيقى الغرب غير معنيين كثيرا بتلك التجارب ، فهم يتطلعون إلى إبداع الجديد ، ولكن كان هناك مطربون ومطربات ، فى لبنان خاصة ، يروجون لهذا الاتجاه بطبع كلمات عربية على ألحان غربية تجد لها وقعا فى الأسماع العربية دون تغيير فى الألحان الأصلية

ورغم كل ما وجه من انتقادات إلى هذه التجارب فهى فى الواقع غير ضارة طالما أن تنطوى على إشارة للحن الأصلى وأنها تطبق نفس معايير الأداء المتقدمة ، لكن لم تتعد تلك الإشارة معرفة بعض فئات الجمهور بالأصل قبل ترجمته ، وهى تشبه عملية ترجمة الكتب والمقالات ، وفى معظم الأحيان كان الجمهور العادى يعتقد أن تلك الألحان شرقية المنشأ لسببين ، أولهما الميلودية الشديدة ، وثانيهما تغيير الإيقاع أحيانا إلى إيقاع شرقى لتقريبه إلى الأذن العربية ، لكن كثيرا منها قدم نماذج مشوهة للألحان الأصلية
المسرح الغنائى الرحبانى

خلال عقود ثلاثة قدمت فيروز مسرحيات غنائية عديدة ضمت عشرات الألحان ، واحتوى كل منها على قرابة 12 أغنية كان بعضها لمطربين آخرين غير فيروز منهم نصرى شمس الدين وهدى حداد شقيقة فيروز

كما ذكرنا فإن المسرح الرحبانى الغنائى كان غناء أكثر منه مسرحا ، وباستثناء المسرحيات الثلاث ميس الريم ولولو وبترا ، فإن أغانى فيروز كانت أغانى فردية يمكن فصلها فى كثير من الأحيان عن أصلها المسرحى ، ولا زالت تسجيلات تلك العروض تذاع من حين لآخر فى التليفزيونات العربية ويمكن للمشاهد ملاحظة انفصال أداء فيروز عن المجموعة المسرحية فى أغلب الأحوال، فهى تقف فى مقدمة المسرح تغنى يصاحب غناؤها رقصة ما كخلفية استعراضية وقد يصاحبها ردود من الكورس الغنائى فى بعض الأغانى ، وهى فى الغالب إضافات شكلية لا يؤثر حذفها أو إضافتها على أداء فيروز ، وقد ذكرنا أنه مع ذلك فهناك استثناءات يمكن اعتبارها ألحانا مسرحية إما لاشتراك المجموعات فيها بدور أساسى أو لاحتوائها على مواقف حوارية موسيقية تشبه مواقف الأوبرا والأوبريت

وقد يقال أن نوعا من هذا الفصل قد حدث لأغانى سيد درويش المسرحية التى نحفظها دون النص أو العرض المسرحى ، إلا أن الفرق كبير بين ألحان سيد درويش للمسرح وألحان الأخوين رحبانى ، فالأولى كانت معنية أساسا بالتعبير عن مواقف جماعية وحوارية بين الشخصيات والمجموعات بينما كان المسرح فى أعمال رحبانى وسيلة لعرض أغانى فيروز ، ويستدل على ذلك بأن معظم ألحان سيد درويش المسرحية ألحان شعبية يمكن لأى شخص غناؤها بينما تظل معظم أغنيات فيروز تحتاج لمطربة محترفة والفرق شاسع بين أغان يمكنك سماعها ثم ترديدها وأغان يمكنك سماعها فقط
قام الرحبانية أيضا بتقديم فيروز فى بعض الموشحات القديمة مثل "بالذى أسكر من عرف اللمى" مقام بياتى ، و"ياليل الصب متى غده" ، وبذلك تم لفيروز غناء معظم الألوان الموسيقية تقريبا ماعدا قالب الدور الغنائى

فى أواسط السبعينات ظهر ملحن جديد لفيروز هو زياد رحبانى نجل فيروز وعاصى ، وقدم لها بعض التجارب اللحنية منها لحن سألونى الناس ، وهو لحن تقليدى لم يخرج عن ألحان الأخوين التقليدية ثم قدم ألحانا أخرى لفيروز حاول فيها إثبات موهبته كملحن منها لحن ع هدير البوستة ، وفيه قدم زياد مزيجا ناجحا من الميلودية الشرقية وأصوات جيتار الباص الغربى المستخدم أساسا فى الموسيقى الغربية لإبراز الهارمونى الإيقاعى ، ورغم قصر زمن الأغنية واعتمادها على لحن متكرر إلا أن ذلك لم يقلل من نجاحها وأحبها الجمهور بشدة

فى أواسط السبعينات أيضا قدمت فيروز من ألحان الأخوين رحبانى أقوى عروضها الفنية المسرحية على الإطلاق وهى مسرحياتها الثلاث ميس الريم ولولو وبترا، وفيها برزت أفضل إمكانيات صوت فيروز كما تأكدت قدرة الرحبانية على التعامل مع المسرح الغنائى بصورة أفضل مما سبق

فى أواخر السبعينات توقف تقريبا نشاط الأخوين بسبب الحرب الأهلية بينما ازداد نشاط الملحن الجديد زياد رحبانى نجل فيروز ، ولم تكن الظروف المحلية تسمح بمهرجانات فنية من أى نوع. ولم تؤثر الحرب فقط على نشاط فيروز فقد توقف غيرها كثيرون ، لكنها حاولت تعويض ذلك بتقديم حفلات غنائية فى بعض المدن الكبرى شرقا وغربا واستمرت تقدم تلك الحفلات إلى التسعينات لكن ليس بصفة منتظمة

فى الثمانينات حدث ما عكر صفو الأسرة الرحبانية المنسجمة ، ولم يكن ذلك إلا من داخل الأسرة نفسها ، فقد أدى النشاط الفنى للملحن الجديد زياد رحبانى ودخوله ميدان أعمال الأسرة بألحان لفيروز بخط ابتعد شيئا فشيئا عن طريقة الأخوين وحصوله على تأييد والدته المطلق إلى خلاف نتج عنه انفصال فيروز عن زوجها قبل وفاته بقليل عام 1986 وبالتالى توقف تعاملها مع منصور رحبانى. وبوفاة عاصى رحبانى، ذلك الفنان الذى أحب الفن واحترمه، خسر الفن العربى واحدا من ألمع نجوم الموسيقى العربية

احتكر زياد رحبانى التلحين لفيروز بعد ذلك وبالإضافة إلى الألحان التقليدية أنتج بعض الأعمال التى أمعن فيها فى إدخال الأساليب الغربية خاصة الأمريكية مثل البوب والجاز

ورغم الانتقادات الكثيرة التى وجهت إلى أسلوب زياد فالواقع أنه لم يبدأ موجته من فراغ أو من بنات أفكاره المحضة حيث كان للأخوين رحبانى الكثير من التجارب الموسيقية التى خلطا فيها بين الموسيقى الشرقية والغربية ، وقد استقى زياد ذلك الاتجاه منهما ولكنه غالى فيه ، فضلا عن أن مزيج عاصى ومنصور كان نسيجا متجانسا فى الغالب بينما اتسمت تجارب زياد بالشطط أحيانا إما بنسخ ألحان غربية صرفة أو بخليط يفتقر إلى التجانس فى أحيان أخرى ، وهى فى النهاية أعمال تندرج تحت عنوان التجارب ، وليس ذلك عيبا فى الفن لكن الواقع أن تلك التجارب لم تسفر عن إضافات ذات قيمة لموسيقى الشرق يمكن استخدامها فيما بعد
فيروز وملحنون غير الرحبانية
لحن لفيروز غير الرحبانية مثل فيلمون وهبى ، وقد وضع لها بعض الألحان الشعبية رغم أنه لم يدرس الموسيقى ، كذلك لحن لها نجيب حنكش ومحمد عبد الوهاب وغيرهم كما ذكرنا لكن أعمالهم لها لم تصل إلى كم كبير

وفى المقابل لحن عاصى ومنصور لغير فيروز مثل صباح ، وديع الصافى ، نجاة الصغيرة وآخرين لكن صوت فيروز ظل واجهتهما الأساسية

فى التسعينات قدمت فيروز بعض الحفلات فى بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ومصر وغيرها ، غنت فيها من القديم والجديد ، وفى حفلة القاهرة أضافت أغنية جديدة إلى رصيدها من أغانى سيد درويش هى أغنية "أهو ده اللى صار" وفى عام 1998 عادت إلى إحياء مهرجان بعلبك الذى توقف طوال سنوات الحرب الأهلية اللبنانية
نقــد فيروز
بالنظر إلى ما حققته وما لم تحققه فيروز تدخلت عوامل كثيرة بعضها باختيارها وبعضها خارج عن إرادتها

1- إمكانيات فيروز الصوتية
رغم كل هذه الخصائص والإمكانيات الفريدة لم يتم استخدام تلك الموهبة بالكامل ، وبمتابعة ما قدمته فيروز نجد أن معظم أغنياتها تقع فى المنطقة الصوتية المتوسطة وأن كما كبيرا منها ينحصر داخل أوكتاف واحد ، وهذه مسئولية الملحن بطبيعة الحال. ورغم أن عروضها المسرحية كانت فرصة جيدة لاستثمار إمكانيات صوتها وهو ما تم بالفعل فى بعض الأغنيات خاصة تلك التى اشتركت فيها مجموعات الكورال إلا أن ذلك لم يتم سوى فى المسرحيات المتأخرة التى قدمها الملحنان الأخوان رحبانى ، وفى تلك الأعمال قدما شكلا جميلا ومتقدما من أشكال الغناء وإن كان منتميا للغناء أكثر منه للمسرح ، أضاف إلى جودته أداء موسيقى عال من الفرق الموسيقية المصاحبة ، ونذكر من تلك المسرحيات على وجه الخصوص ميس الريم ، لولو ، وبترا التى ضمت ربما أفضل ما قدمت فيروز من الناحية الفنية خاصة فى إشكالية التوزيع الموسيقى للألحان الشرقية

2- شخصية فيروز
استغرق الأمر زمنا طويلا حتى تحررت فيروز من صورتها الخجولة الأولى والتى حصرت أداءها فى أبسط ما يمكن من أشكال الأداء لفترة الخمسينات وإلى أواسط الستينات وحتى غنت على وجه التحديد حبيتك بالصيف حين انطلقت فى أداء متميز أظهر إمكانيات أكبر فى صوتها وفى قدرتها على التعبير ، وفيما لحق ذلك ظهرت تلك القدرات أكثر فأكثر فى أعمال أخرى واكتسبت فيروز شخصية أقوى على المسرح وحضورا متميزا

وفى المقابل تمتعت شخصية فيروز برقة خاصة ساعدتها على أداء بعض الأغنيات التى تطلبت رقة متناهية فى الأداء ، وساهمت نعومة صوتها فى تقديم صور رقيقة للمواقف الرومانسية جعلتها تقف كأفضل مغنية رومانسية فى الشرق العربى ، ولا شك أن صورة فيروز وطريقة أدائها كانت دائما فى مخيلة المؤلف والملحن مما يوحى بأن أعمال كثيرة قد تم تفصيلها خصيصا لفيروز وربما كان من غير الممكن لغيرها أداؤها بنفس الطريقة

3- الارتباط بالأخوين رحبانى
ارتبطت فيروز بزوجها عاصى رحبانى وارتبط عاصى بأخيه منصور حيث كانا يشتركان فى وضع الكلمات والألحان فى معظم أعمالهما ، ولا يرجع عدم تعاملها مع الملحنين الآخرين فقط إلى نجاح الصيغة التى اتفق عليها الرحبانية وبالتالى إلى حرصهما على عدم تغييرها ، وإنما ظهرت بوادر التقيد بهذا الارتباط مبكرا فى المشوار الرحبانى ، فعند تلقيهما الدعوة لتقديم أعمالهما عبر إذاعة لقاهرة عام 1955 مكث الزوجان لعدة أشهر فى عاصمة الفن العربى تعرفا خلالها على عديد من فنانى تلك الفترة من نجوم الموسيقى والسينما وتلقت فيروز خلال تلك الزيارة عروضا للتعاون مع فنانى القاهرة لكن لم تسفر تلك اللقاءات والعروض عن أى تعاون فنى وغادر الاثنان القاهرة دون ذلك

فى تلك الفترة كان فى مصر محمد عبد الوهاب على القمة ، وكان كمال الطويل ومحمد الموجى قد لمع نجماهما وقاما بالتلحين بنجاح فائق لعبد الحليم حافظ وأم كلثوم وآخرين كثر ، وكذلك كان هناك رياض السنباطى وزكريا أحمد وفريد الأطرش ومحمد فوزى ومنير مراد وغيرهم ، وكان النشاط الفنى فى مصر يشهد ازدهارا كبيرا أدى إلى هجرة الكثير من المطربين والمطربات من سورية ولبنان إلى مصر منهم فايزة أحمد وسعاد محمد وصباح وهن مطربات محترفات نجحن فى تقديم أعمال ناجحة من خلال التعاون مع الفنانين المصريين ، وسبقهن فريد الأطرش وأسمهان ، لكن الثنائى الرحبانى آثرا العمل بمفردهما ، وربما لو تم مثل ذلك التعاون لتحقق لفيروز تنوعا كبيرا فى ما قدمته وانتشارا إضافيا أيضا ، ولا ننسى أن أعمال فيروز فى معظمها قد اصطبغت بالصبغة اللبنانية المحلية وما زالت تصنف كأعمال لبنانية المنشأ والهوية

وبينما لا يعرف على وجه الدقة لماذا كان هذا العزوف عن التعاون مع فنانين خارج الأسرة الرحبانية فقد يرجع ذلك إلى شخصية فيروز نفسها وربما يؤكد ذلك ارتباطها الشديد بابنها زياد رغم كل ما وجه إليها وإليه من انتقادات فى أعمالهما الأخيرة وانفصالها عن الأخوين مفضلة العمل مع زياد وحده ، ولكن ربما كان نتيجة لرغبة الأخوين فى الانفراد بفيروز كواجهة لأعمالهما ، مما أدى إلى نوع من الاحتكار لصوتها أفاد الرحبانية بالطبع لكنه حرم الفن من فرصة غنية للتطور

ويظل اسم فيروز أحد أكبر الأسماء فى الفن العربى ، وهى إحدى الفنانات القلائل اللاتى لم يكتئبن ولم يعتزلن رغم التقدم فى السن ، أكملت 2005 عامها السبعين ولازالت تحتفظ بصورة براقة وجمهور كبير

روابط 
الأخوان رحباني  

هناك 4 تعليقات:

  1. اضافة رائعة جدا
    وعمل جميل
    مازلنا نتجول ونكتشفه

    شكرا لهذا المجهود الكبير


    اماني علي فهمي

    ردحذف
  2. رد على تعليق: أمانى فهمى
    شكرا لتحيتك الرقيقة وتقديرك الكبير، نأمل فى اقتراحاتك وأفكارك بعد جولتك مع أطيب التمنيات

    ردحذف
  3. غير معرف25 نوفمبر, 2010

    ممكن تكتبوا الحان اغني فيروز على الورج شكرا

    ردحذف
  4. أهلا بك .. معذرة سؤالك غير واضح .. هل تقصد كلمات الأغانى؟

    ردحذف