أصداء ألحان سيد درويش

كثيرا ما نسمع جملا من ألحان سيد درويش، غالبا كما هي، في ألحان غيره. وكان محمد عبد الوهاب من أوائل من نهلوا من ألحان فنان الشعب، خاصة في أدواره الخمسة التي لحنها في بداية مشواره الفني، ثم في كثير من ألحانه التالية حتى بعد 50 عاما من وفاة سيد درويش، وهكذا فعل العديد من الملحنين 

ولحن اليوم "يا بلح زغلول" من الألحان النادرة التي سمعنا فيها صدى لحن سابق لسيد درويش هو "زوروني كل سنة مرة" الذي لحنه في مقتبل شبابه، إذ أنه بصفة عامة لم يكرر جملة موسيقية في ألحانه

ونسمع صدى آخر لاستهلال "يا بلح زغلول" و"زوروني" مقتبسا في لحن محمود الشريف الشهير "رمضان جانا" 1943 الذي غناه محمد عبد المطلب وأصبح أيقونة شهر رمضان وشعار كل المنصات والفضائيات في الشهر الكريم 

وفنيا نلاحظ في لحن "رمضان جانا" الانفصال التام بين موسيقى مقدمة الأغنية واللحن الغنائي، إذ أن مقامها الموسيقي يختلف عن مقام الغناء، الأول نهاوند مصور "ري مينير" والثاني عجم مصور "فا ماجير". وهناك اختلاف أيضا في الإيقاع، فالموسيقى على رتم ثنائي سريع بينما الغناء على إيقاع "الوحدة الكبيرة" الرباعي. ويظل هذا الانفصال موجودا وبارزا بعد استخدام لحن المقدمة نفسه كفاصل موسيقي بين المقاطع الغنائية "الكوبليهات". وهكذا فالموسيقى تختلف مع الغناء مقاما ونغما وإيقاعا، وهذا لا ينفي رونقها وجودتها، لكنها تبدو وكأنها صنعت تمهيدا للحن آخر، حيث نسمع الغناء مفاجئا على سلم آخر بنغم مختلف وإيقاع مختلف

لا يظهر تأثير سيد درويش في المقدمة، حيث أنه لم يكرس جهده في صنع الموسيقى وإنما في تلحين الكلمات للتعبير عن مضمونها بالدرجة الأولى، ولذا فإن معظم ألحانه خلت من المقاطع الموسيقية. أما وقد حضرت الكلمات فقد حضر التأثير أو التأثر الكبير بألحان سيد درويش

بلغ تأثير سيد درويش على الفنانين اللاحقين حد أن قال عنه رياض السنباطي "نحن، كبارنا وصغارنا، نلهو في حديقة سيد درويش" 

يذكر أن لحن "يا بلح زغلول" لم يقدمه سيد درويش كلحن شعبي من ألحان الطوائف التي اهتم بها كثيرا، ولم يقصد به نداء بائع البلح كما كان في "القلل القناوي" مثلا. وإنما كان لحنا وطنيا بامتياز! إذ أنه قصد به التحايل على سلطات الاحتلال التي قامت بنفي سعد زغلول زعيم ثورة 1919 ومنعت تداول اسمه في الصحف، والتورية واضحة 

ولم تكن هذه المرة الوحيدة التي تحايل فيها سيد درويش على السلطات، فقد كان في دور "عواطفك" على سبيل المثال إشارة إلى اسم الخديوي عباس حلمي الثاني الذي عزله الانجليز وطالب الشعب بعودته. وظهر الدور كأنه عمل غنائي عاطفي بينما كان في مطلع كل شطرة من شطراته حرف من العبارة "عباس حلمي خديوي مصر"!

رحل سيد درويش عام 1923 وما زلنا نتأثر به ونستمتع بفنه بعد 100 عام في 2023 ، مباشرة أو عن طريق غيره، وكأن ألحانه قد صنعت اليوم، لا يصبها تقادم ولا يمل الناس من سماعها .. رحمة الله عليك يا شيخ سيد .. أمتعت أجيالا بما قدمته من فن، ولا تزال ترسل رسائلك وتعبيرك .. وتمتعنا حتى بعد رحيلك 

روابط 

سيد درويش 1892 - 1923 

خصائص فن سيد درويش