كلاسيكيات الموسيقى العربية * أرشيف * استماع *  تحميل *  نقد فنى *  تحليل موسيقى* أفلام * صور *  تسجيلات * كلاسيكيات الموسيقى العربية
كلاسيكيات الموسيقى العربية * الخمسة الكبار * سيد درويش * محمد القصبجى * زكريا أحمد * محمد عبد الوهاب * رياض السنباطى * نجوم الغناء العربى * أم كلثوم * عبد الوهاب * فيروز * عبد الحليم * ألحان التراث * موشحات * قصائد * أدوار * كلاسيكيات الموسيقى العربية

الأحد، 27 مارس 2016

قصائد عبد الوهاب - الكرنك

الكـــرنك
ألحان وغناء محمد عبد الوهاب
شعر أحمد فتحي
مقام كورد يكاه 1941
أتت قصيدة الكرنك ثاني القصائد "الكبرى" لعبد الوهاب بعد الجندول، ونتعرف بها إلى شاعر جديد هو أحمد فتحي. تتحدث القصيدة عن "معبد الكرنك" التاريخي في مدينة الأقصر الواقعة على نيل مصر، ويستلهم الشاعر من المبنى والمكان صورا شاعرية عن أحداث زمن الفراعنة. تصف القصيدة أطلال الماضي وتاريخ الأقدمين، وهي بذلك لا تخرج عن أغراض الشعر القديم ومن بينها الحديث عن "الأطلال" التي كونت رافدا هاما وملهما للشعراء.

الأطلال هنا حقيقية، بمعنى أنها مجسدة بالفعل في صورة مبان لمعابد قديمة استوحى الشاعر من صورتها ما كان يحدث أمامها وحولها من أحداث التاريخ وأبطاله من الملوك والجنود، وذكر الشاعر لفظ "الأطلال" صريحا في القصيدة، بالإضافة إلى ألفاظ أخرى تنم عن موضوعه مثل "الماضي" و" الغابر" وكررها أكثر من مرة. ولم ينس شاعرنا الجغرافيا فتحدث عن "الوادي" و"النيل". ثم خصص الحديث عن المكان أكثر وحدده بكلمات مثل "المعبد" و"الكرنك".
قد نتفهم موقف الشاعر، وهو كما ذكرنا لم يخرج عن أغراض الشعر القديم، لكن السؤال الأكثر أهمية ما الذي يجعل عبد الوهاب يختار قصيدة كهذه ليلحنها ويغنيها؟

النص بعيد تماما عن الغزل وأحاديث الغرام، ساحته المفضلة وساحة معظم الشعراء والمطربين، ولم تشر في أبياتها، ولو عرضا، إلى أي من ذلك. وهي لن تعرض في السينما في سياق فيلم قد تغطي أحداث قصته موقفا كهذا، ولن تجد حماسا من شركات الاسطوانات التي ستنظر إلى القصيدة كمغامرة تجارية فاشلة. وهي في عالم الطرب تعد من قبيل المخاطرة والمجازفة ولا أحد يعرف إن كانت ستحدث نفس أثر أعمال عبد الوهاب السابقة لدى الجمهور وتجد الإقبال المنشود.
إذاً هي سابقة وتجربة جديدة لكنها كانت حجرا ألقي في مياه راكدة. فالحديث عن التاريخ هو الملهم الأكبر للشعوب، وكانت مصر وقتها محتلة مثلها مثل سائر المنطقة العربية، رغم أن المحتل يعاني من أهوال الحرب العالمية الثانية التي أثقلت كاهل الدول الكبرى وجعلت بريطانيا تستدين من الخزانة المصرية، وكانت أوربا تموج في بحر من الدماء في حرب قتل فيها نحو خمسين مليون إنسان. ورغم ذلك كانت بريطانيا تتحكم تماما في مقدرات الشعب المصري بدءأ من محاصيله إلى تشكيل وزارته.
وكان التساؤل حول موقف مصر من هذا يتمحور حول مقاومة الوجود البريطاني والقلق من الحاضر الثقيل والمستقبل المجهول في ظل هذه الظروف. فبدأت حركة البحث والتنقيب في التاريخ كمدخل طبيعي لاسترداد الهوية المفقودة بأسئلة تقول من نحن، وماذا كنا، وإلى أين نحن ذاهبون.

هنا فرض عبد الوهاب موضوعه خارج الإطار المعتاد، وبدا وكأنه يتحدث إلى شعب مصر كله بصوت قادم من التاريخ العريق، يذكره بماضيه وكيف أنه كان شعبا له دولته وسلطانه، وكيف كان يحيا حرا في رغد من العيش، كما يتحدث عن الألم واللوعة والجراح والنواح من آثار الحاضر. ينحى عبد الوهاب بذلك منحى ىسيد درويش في اختيار موضوعاته ويتجه يها إلى بعث الشعور بالقومية وبث الأمل لدى الناس في تصحيح مجرى التاريخ.
استعان عبد الوهاب بموسيقاه في توصيل الرسالة الجديدة. وضع لها مقدمة موسيقية فاخرة ولحنا غاية في الطرب، وأداها بصوته الذي أحبه الناس وأصبحوا يشتاقون دوما إلى سماعه. نجحت التجربة، وأصبحت الكرنك إحدى قصائد عبد الوهاب "الكبرى"، وسجلت لعبد الوهاب موقفا وطنيا وارتفعت مكانته من مطرب وملحن إلى أحد رموز الوطن والتاريخ د.أسامة عفيفي، قصائد عبد الوهاب، الكرنك. 

الكـــرنك
حلم لاح لعين الساهر                    وتهادى في خيال عابر
وهفا بين سكون الخاطر           يصل الماضي بيمن الحاضر
طاف بالدنيا شعاع من خيال حائر       يسأل عن سر الليالي
يا له من سرها الباقي        ويا للوعة الشادي ووهم الشاعر
حين ألقى الليل للنور وشاحه وشكى الظل إلى الرمل جراحه
يا ترى هل سمع الفجر نواحه         بين أنغام النسيم العاطر
صحت الدنيا على صبح رطيب      وهفا المعبد للحن الغريب
مرهفا ينساب من نبع الغيوب              ويناديه بفن الساحر
ها هنا الوادي وكم من ملك          صارع الدهر بظل الكرنك
وادعا يرقب مسرى الفلك            وهو يستحيي جلال الغابر
أين يا أطلال جند الغابر             أين آمون وصوت الراهب
وصلاة الشمس وهمي طار بي      نشوة تزري بكرم العاصر
أنا هيمان ويا طول هيامي     صور الماضي ورائي وأمامي
هي دمعي وغنائي ومدامي       وهي في حلمي جناح الطائر
ذلك الطائر مخضوب الجناح       يسعد الليل بآيات الصباح
ويغني في غدو ورواح               بين أغصان وورد ناضر
في رياض نضر الله ثراها        وسقى من كرم النيل رباها
ومشى الفجر إليها فطواها          بين أفراح الضياء الغابر

الأربعاء، 23 مارس 2016

قصائد عبد الوهاب - الجنــدول

الجنــــدول
ألحان وغناء محمد عبد الوهاب
شعر علي محمود طه - مقام فرحفزا 1940
بداية "القصائد الكبرى"

دخل عبد الوهاب في أربعينات القرن العشرين إلى ميدان أرحب بكثير مما اعتاد ارتياده في السابق. فقد بدأ سلسلة قصائد كبرى لشعراء كبار غير شوقي، الذي تحرر من أسره تقريبا، وبدأنا نسمع أسماء شعراء مثل علي محمود طه، أحمد فتحي، إيليا أبو ماضي، عزيز أباظة، أحمد خميس، ومحمود حسن اسماعيل

تنتمي "الجندول" إلى سلسلة "القصائد الكبرى" في ألحان عبد الوهاب. وقد اخترت هذه التسمية للسلسلة لعدة أسباب
1. اتساع الموضوعات: قد تشتمل نفس القصيدة على أكثر من غرض من أغراض الشعر ففيها الوصف والغزل والتغني بالوطن والتاريخ والذكريات وغير ذلك، فإذا اقتصرت على موضوع واحد ذاته يكون من تلك الموضوعات التي تهم الملايين من الناس ولا تهم فقط من يريد الاستماع إلى عبد الوهاب. على سبيل المثال من النوع الأول قصيدتنا هنا " الجندول، ومن النوع الثاني "دمشق" وفلسطين" و"النهر الخالد"، أو تناولت موضوعها بكثير من التفصيل الدقيق مثل الكرنك وكليوباترا
2. طول النص: تتسم هذه السلسلة بطول النص مقارنة بقصائد عبد الوهاب السابقة
3. طول اللحن: يأتي طول اللحن منطقيا تابعا لطول النص، لكن تنوع الموضوعات أوالأجواء في هذه القصائد يكاد يجعل من القصيدة الواحدة عدة قصائد متشابكة، وبالتالي عند تصوير كل ممقطع منها يأتي ليس فقط بلحن مختلف وإنما قد يأتي أيضا بفاصل أو تمهيد موسيقي طويل نسبيا يتساوى تقريبا مع موسيقى مقدمة القصيدة، وبالتالي فنحن أمام عدة ألحان ومقطوعات موسيقية في نفس العمل يستغرق أداؤها أضعاف زمن القصائد السابقة، ولكل منها طابعه الخاص

وبالمناسبة فإن عبد الوهاب قد اهتم في هذه القصائد خاصة بوضع مقدمة موسيقية مميزة لكل قصيدة أصبحت من علامات الموسيقى العربية، ولم يكن هذا الأسلوب متبعا قبل ذلك لا عند عبد الوهاب ولا عند غيره، وهي مقدمات أكد بها أنه صانع موسيقى إلى جانب كونه ملحنا للكلمات.
كما ذكرنا في استعراض قصائد عبد الوهاب السابقة، هناك فرق كبير بين ألحان عبد الوهاب "القديم"، في العشرينات وأوائل الثلاثينات، وألحانه في الأربعينات والخمسينات وقد سار في طريق التطوير المستمر، مشتقا أساليب الموسيقى الغربية مع تجديد اللحن العربي والخروج به من القولبة الجامدة والجمل التقليدية. غير أنه في طريق تلحين القصائد الكبرى رأى أن يسبغ عليها جوا شرقيا خالصا لما احتوته موضوعاتها من معان وصور عربية الشكل والمضمون أو شرقية الطابع والهوى
نلاحظ أن سلسلة القصائد الكبرى لم تعتمد على السينما أو الحفلات العامة لتنتشر، لكنها طبعت على اسطوانات وانتشرت من خلال الإذاعات المصرية والعربية كأعمال مستقلة ليست مأخوذة من فيلم أو آتية من أي سياق آخر. د.أسامة عفيفي، قصائد عبد الوهاب، الجندول 

قصيدة الجندول
أين من عيني هاتيك المجال ياعروس البحر ياحلم الخيـال
أين عشاقك سمار الليالي أين من واديك يامهد الجمال
موكب الغيد وعيد الكرنفال وسرى الجندول في عرض القنــال
بين كأس يتشهى الكرم خمره
وحبيـــب يتمنى الكأس ثغــره
التقـــت عيني به أول مـــــره
فعرفـت الحــب من أول نظره
أين من عيني هاتيك المجـال ياعروس البحر يا حلم الخيــال
مر بي مستضحكا في قرب ساقي يمزج الراح بأقداح رقـاق
قد قصدناه على غير اتفاق فنظرنا وابتسـمنا للتلاقي
وهو يستهدي على المفرق زهره
ويســـــوي بيــد الفتنــــة شـــعره
حيــن مســـت شـفتي أول قطـره
خلتــــه ذوب في كأسي عطــــره
أين من عيني هاتيك المجال ياعروس البحر يا حلم الخيـال
ذهبي الشعر شرقي السمات مرح الأعطاف حلو اللفتـات
كلما قلت له خذ قال هات ياحبيب الروح يا أنس الحياة
أنا من ضيع في الأوهام عمره
نسي التـــاريخ أو أنسي ذكـره
غير يوم لم يعد يذكـــــره غيره
يـــوم أن قابلتــــــه أول مـــرة
أين من عيني هاتيك المجال يا عروس البحر ياحلم الخيـال
قلت والنشوة تسري في لساني هاجت الذكرى فأين الهرمان
أين وادي السحر صداح المغاني أين ماء النيل أين الضفتان
آه لو كنت معي نختــــال عبـــره
بشـراع تســـبح الأنجــــم إثــــره
حيث يروي الموج في أرخم نبره
حلــم ليـــل من ليــالي كليوباتره
أين من عيني هاتيك المجال يا عروس البحر ياحلم الخيال

الخميس، 17 مارس 2016

مسرح سيد درويش يقدم ألحان رواية الباروكة في ذكرى ميلاده

أقيمت الليلة 17 مارس، ذكرى ميلاد سيد درويش، احتفالية فنية على مسرح سيد درويش بالإسكندرية عرضت خلالها ألحان رواية الباروكة لسيد درويش قدمها فريق الكورال بقيادة حفيد فنان الشعب الدكتور حسن البحر درويش، وذلك لأول مرة منذ سنوات طويلة لم تعرض فيها ألحان الباروكة.

أوبريت "الباروكة " (جالبة الحظ) مأخوذة عن رواية "لاماسكوت" الفرنسية، وتدور أحداثها في الريف الفرنسي، وقد أصر سيد درويش على الاحتفاظ بالجو العام للرواية واحتفظ بأسماء الشخصيات كما جاءت في النص الأصلي، فصور من خلال لحن "انسى الهموم أنسك يدوم" احتفال جمع الكروم، ومن خلال لحن "الشيطان" صراع الملائكة والشياطين أي بين الخير والشر، ومن لحن "أما أشوف وش الحبيب" علاقة الحب بين بطلي الأوبريت. ترجم الرواية الأديب محمود مراد، ونظم أغانيها عبد العزيز أحمد
بلغ سيد درويش بالمسرح أوجا جديدا فى التعبير فى أوبريت "الباروكة" التى قصد فيها توصيل رسالته بأقل قدر من التطريب، وقد وصف سيد درويش هذا الاتجاه بأنه يهدف إلى الوصول إلى المجتمع الإنساني أينما كان، ولهذا عليه تقليل الاعتماد على اللكنة الموسيقية المحلية حتى يفهمها ويستوعبها كل إنسان مهما كانت ثقافته ويظهر من هذا الوصف أنه كان بصدد حركة تطوير كبرى لم يمهله القدر لإكمالها
وعن أوبريت "الباروكة" يقول الشيخ سيد: "إن الموسيقى لغة عالمية ونحن نخطئ عندما نحاول أن نصبغها بصبغة محلية، يجب أن يستمع الرجل اليوناني والرجل الفرنسي والرجل الذي يعيش في غابات إفريقيا إلى أى موسيقى فيفهم الموضوع الموسيقي ويتصور معانيه ويدرك ألغازه لذلك فقد قررت أن ألحن أوبريت "الباروكة" على هذا الأساس وسأعطيها الجو الذي يناسب وضعها والذي رسمه لها المؤلف، سأضع لها موسيقى يفهمها العالم كله"
روابط

السبت، 5 مارس 2016

أسبوع فني ثقافي في ذكرى ميلاد سيد درويش

تشهد مدينة الإسكندرية أسبوعا فنيا ثقافيا لإحياء ذكرى فنان الشعب سيد درويش يشارك فيه عدة فرق فنية ووفود ثقافية وكوكبة من الشعراء والفنانين والإعلاميين. يبدأ الأسبوع الخميس 10 مارس الحالي برعاية جمعية كوم الدكة برئاسة الأستاذ محمد إبراهيم الأبيض وجمعية رواد ثقافة الشاطبى برئاسة الأستاذ محمود قطب، والمنظمة العربية لإمداد المجتمع.
يتضمن البرنامج عروضا فنية يومية ولقاءات مع الشعراء ومعرضا للفنون التشكيلية كما يشهد تكريم رموز الفن والثقافة بالإسكندرية ومنح جوائز للمبدعين المتميزين. 
يشارك في العروض مهرجان أجيال للموسيقى العربية بدورة خاصة للاحتفاء بفن سيد درويش مساء الاثنين 14 مارس بقيادة الدكتور أسامة عفيفي. كما يشارك الاتحاد النوعى لتمنية الفنون بقيادة الدكتور جميل عبيد وعضو مجلس إدارة الاتحاد الأستاذ عادل حفظي، واللجنة الثقافيه بالنادي المصري السكندري، وفرع رابطة الزجالين وكتاب الأغاني بقيادة الشاعر عادل سند والشاعر السيد الخشاب، واللجنة الثقافية بجمعية قرطبة الخيرية برئاسة المهندس طه عبد اللطيف والأستاذ محمد قرطبة والمهندس حسام قرطبة، واللجنة الثقافية بجمعية الزهور الباسمة بقيادة الأستاذة سلمى راشد. وتشارك في تغطية أنشطة المهرجان إذاعة الإسكندرية بوفد إعلامي بقيادة كبير المذيعين الأستاذ مجدي فكري إلى جانب عدة شخصيات إعلامية.  

شهد حي كوم الدكة عدة عروض فنية في السابق شارك فيها فنانون متميزون بصفة غير منتظمة، ويأمل المنظمون أن يكون المهرجان الجديد مناسبة سنوية يشارك فيها كل فنان ومتذوق لفن الشيخ سيد درويش مجدد الموسيقى العربية وأحد رموز الحركة الوطنية. 
ترجع تسمية المهرجان إلى اسم الحي الذي ولد فيه سيد درويش في 17 مارس عام 1892، وهو حي كوم الدكة العريق، والذي لا يزال موجودا بنفس ملامحه القديمة. ورغم تركيبته الشعبية يقع الحي في وسط المدينة على ربوة عالية بين عدة أحياء راقية، ولا يكاد العابر يلمح وجوده إلا إذا نفذ عبر مداخل الحي الضيقة وتسلق الدرج ليكتشف عالما مختلفا تماما عن محيطه. في هذا الوسط المتناقض نشأ سيد درويش وطبعت تلك النشأة في ذهنه وجهين للحياة في بلاده وانعكس ذلك الانطباع على أعماله الفنية خاصة المسرحية
ورغم مرور نحو قرن من الزمان على رحيل سيد درويش، لا زالت أصداء ألحانه تلهم الوجدان العربي وتردد الناس أغانيه في مختلف المناسبات، الرسمية والشعبية، بدءا من نشيد بلادي الذي أصبح السلام الوطني لمصر، إلى ألحان مثل الزفة والشيالين وزوروني كل سنة مرة. 
لحن سيد درويش مئات الألحان معظمها بين 1917 ، 1923 أي في ست سنوات هي كل عمره الفني، ورحل مبكرا عن 31 عاما لاغير 
روابط 

الجمعة، 4 مارس 2016

ضبط | دوزان | تسوية | تعديل آلة الكمان العربي .. في تحرير الآلة من حدود الشائع



إلى استاذي العزيز، أحمد الصالحي.

 الحديث عن دخول آلة الكمان الغربية، عالم الشرق، من الهند إلى فارس و تركيا والعالم العربي إلى حدود المغرب، قد تنسب إلى شخص أو قصة أو تربط بالربابة و الكمان من سلالتها، أو الربابة من حيث بدّل العازفون ربابتهم بالكمان الأكثر تطوراً و لو قيل أن عازفوها الأوائل كانوا يعزفونها كالربابة صوتاً و وضعاً. هذا حديث آخر. لنأخذ ظلاً من هذا.

آلة الكمان الغربية في الشرق، تشبه أهلها، لها صوتهم و أنغامهم و تأوّهاتهم و حلياتهم و زخارفهم، هي جزء منهم و ربما تصدرت آلاتهم التقليدية في قربها منهم و ظهر ذلك في تفضيلها و شيوعها. و لنأخذ ظلاً من هذا.

ما الأسباب جعلتها منسجمة كل هذا الإنسجام، قريبة إلى القلوب، تنافسُ حتى الآلات التقليدية السابقة عليها؛ التي نشأت في الشرق؟ أظن أن الأسباب تأتي من  مدى الإمكانيات و كثرة المتغيرات و مرونتها و إمكانية تبديل هذه المتغيرات مع بعضها البعض و جمعها و تفريقها و تبديل درجات ظهورها و ضمورها. مثال على تلك المتغيرات، في اليد اليمنى، و أعني اليد التي تمسك بالقوس. تقنيات القوس قد تصل إلى ٤٠٠ تقنية و منها العزف بكعب القوس و وسطه ورأسه و بكل القوس و بكل أنواع الضغوطات و القوس مميلاً يميناً و شمالاً و راقصاً و سريعاً و بطيئأ و أين يُعزف به قريبا من لوحة الأصابع أو الجسر  .. إلخ... إضافة إلى كل ما يمكن اختراعه بسهولة عند العازف حسب ما يريد. و كذلك الإمكانيات الموجودة في اليد اليسرى، و أولها غياب الدساتين، الذي يسمح بصوت متصل من أي مكان على الوتر. والصوت المتصل الذي يسهله القوس و المتقطع متى ما أردنا و يمكن لنا العزف بالنقر باليد اليمنى أو اليسرى بالنقر كنقرنا على أوتار العود بالريشة أو بالأصابع من أي اليدين. و لدينا كافة الحليات و التقنيات بشتى صنوف التنويع الذي لا يحصى. و ليس بعجيب أن تكون هذه الآلة قريبة و هي كثيرًا ما تُشبّهُ بصوت الإنسان قرباً منه في التعبير غناء إضافة إلى إمكانياتها المتقدمة في العزف الآلي مع كل هذه الإمكانيات و مداها الصوتي.

من بين هذه المتغيرات في الكمان، سأهتم بمتغير واحد هو الضبط أو الدوزان أو التعديل أو تسوية الأوتار أي Tuning، و لقد شاع استخدام كلمة دوزان بين العازفين. و لدي في الأمر سؤالين في هذه المقالة.

لنبدأ بالسؤال الأول و هو: ما هي تسوية الكمان عند العرب، بمعنى ما هي أسماء الأوتار و هل هناك أكثر من تسوية أو ضبط؟

في البداية، يتوجب علي أن أعرض المتداول في المدى الصوتي لآلة الكمان. إذا كنا أخذنا بالسلم المعدل الغربي، و قلنا أن "لا" أو A ترددها هو 440 هرتزاً - عدد اهتزازات الوتر في دقيقة و احدة - فإن هذه اللا هي الرابعة و تأتي بعد الدو الوسطى - أي الثالثة -   C على البيانو. نقول، و حسب الصورة أدناه، فإن المدى الصوتي للكمان في أقصاه يقارب خمسة دواوين أو أوكتافات و الأوكتاف هو ثماني نغمات.



مصدر الصورة




 إذن الكمان يغطي المنطقة الصوتية في السلم المعدل من G3 حتىG7 و غالباً، فهذه الأربعة دواوين تستخدم في حالات الموسيقى الآلية أكثر منها مرافقة الغناء. هناك بدائل عن نظام الـ 440 اهتزازة في الدقيقة و أنظمة تناسب الشرقي أكثر و نتطرق لها في حديث آخر في ما يسمى بالطبقات. و لبعض التفاصيل، الرجاء توخي ذلك عند استعراض الأمثلة.

موضوعنا هنا هو  أنواع الضبط في العالم العربي،  وهنا أضع جدولاً بمسميات النغمات حتى نكتب بنظام : "دو ري مي" من الآن فصاعداً:


تسمية غربية
G
A
B
C
D
E
F
تسمية إيطالية
صول
لا
سي
دو
ري
مي
     فا


تسمية شرقية
قرار
يكاه
عشيران
كوشت
رست
دوكاه
بوسيليك
جهاركاه
جواب
نوا
حسيني
ماهور
كردان
محير
جواب بوسيليك
ماهوران
جواب الجواب
سهم
جواب حسيني
جواب ماهور
جواب كردان
جواب محير
جواب جواب بوسيليك
جواب ماهوران


الكمان في الموسيقى الكلاسيكية الغربية - البيئة التي وصلت بهذه الآلة إلى الكمال بشكله و صوته الشهير - تفضل تسوية واحدة هي من الغليظ إلى الرقيق: صول ري لا مي. أما في العالم العربي، فهناك عدة تسويات شائعة أحصرها في ما يلي، و هي من الآن فصاعداً من الغليظ إلى الرقيق|الرفيع:

  1. الدوزان الغربي: صول ري لا مي.
  2. دوزان عربي شائع  و يطلق عليه دوزان الفرق و يدرس في المعاهد هو: صول ري صول ري.
  3. دوزان عربي قديم و يطلق عليه اسم كردان و هي جواب الدوكاه باسم الوتر الرقيق الأخير: صول ري صول دو.
  4.  دوزان عربي أخذ عن الأتراك و هو: صول ري لا ري - و لننتبه أن هذا ليس هو الدوزان الوحيد الذي يستخدمه الأتراك.
  5.  دوزان قليل الشيوع و هو: صول دو صول دو.
أضعها مصورة هنا - شكراً لأبني محمد:







  لدينا عدة أنواع من المصادر راجعتها لمناقشة و حصر هذه التسويات، منها الكتب و التسجيلات و حديثني مع الخبراء الموسيقيين.

 أما الكتب، فسألخص لكم ما وجدته مع بعض الملاحظات المهمة. سأبدأ بأقدم الكتب التي استطعت الاطلاع عليها:

كامل الخلعي في كتابه "الموسيقى الشرقي" الذي طبع  حوالي سنة ١٩٠٢م، : يذكر الخلعي الكمان في كتابه تحت عنوان: الكمنجة الإفرنجية، و يذكر ان ضبطها يبدأ من الغليظ إلى الرقيق كالتالي: قرار رست، ثم وتر أرق يعملونه يكاه،  ثم وتر أرق يجعلونه دوكاه ثم يلي ذلك وتر نواه.


 عوداً على كتاب الخعلي، و تحت هذا العنوان ذاته، يذكر أن المصريين في وقته يشدونها كالتالي: يكاه عشيران نواه و كردان أي صول لا صول دو، و رغم أن هذا غير معقول، إلا إذا كانت المسميات فيها نسبة إلى حروف -نغمات - أخرى، فإن المهم هو أننا نرى أن الخلعي يذكر أن تغيير الدوزان في مصر كان لتسهيل الأخذ بإصبعين بدل ثلاثة أصابع و عدم الصعود بها إلى وجه الكمنجة - ويقول و "لكن بخلاف القواعد الأساسية الموضوعة لهذه الآلة، و تدل على عدم مهارة المشتغل بهذه الكيفية و البرهان على ذلك أن تنظر أربابها من الإفرنج فيتضح لك الفرق بين الوجهين."

أما بعد ذلك، فيضع الخلعي فصلاً بعنوان الكمنجة العربية: و لكنه يخص بها الرباب. و يذكر أن الآلة يشد عليها من يسار الآلة جزرتين من شعر الخيل الأول يسوّى نواه و الثاني يجعلونه دوكاه، و أحيانا رست و يعتبر هذه الآلة غير مكتملة.

وبالتأمل في الأمر، فإن هذه التسوية المذكورة  في البداية هي كتسوية صول ري صول دو، ولكن الدو التي يطلق عليها الخلعي نغمة "رست" ربما بسبب تعدد تسميات النغمات بما يقابلها بالتسمية الشرقية. وضع دو قبل صول ري صول … بمعنى خفض مسميات النغمات والانتهاء عند الوتر الثالث بنغمة صول أي النواه بدل الانتهاء بالكردان أو المحير. هذا الدوزان هو نازل برابعة. فهذا يشير إلى استخدام الضبط التركي على الأرجح.  ثم إن الشد أو الدوزان عند المصريين على ما يذكر، هو يكاه يليه عشيران أي أنه بين الوتر والوتر نغمة واحدة، وهذا يعني عدم استخدام الاوتار بكفاءة و فائدة و لا أدري إذا كان هناك حاجة لعمل مثل هذا الدوزان، فهل هذه الحاجة تتحول إلى شيوع و عموم تصلح لكل المقامات و كل المعزوفات حينها؟ أم في الأمر خطأ مطبعي على أحسن الاحتمالات؟ ربما هناك تفسير آخر يجود به الخبراء.

تعقيب
 من حديثي مع الاستاذ الصالحي، فالصالحي يأخذ بالموضوع أن الخلعي كان يتبع النوتة الشرقية القديمة ليصبح الضبط : رست يكاه دوكاه نواه ...بإنزاله رابعة إلى يكاه دوكاه حسيني محير، و هو ذات الضبط التركي اليوم الذي هو صول ري لا ري. 

و أشار الأستاذ مصطفى سعيد، فيخبرني أن قصة الضبط المذكور أعلاه عند الخلعي، هو بنظام المشتهر باسم الضبط التركي، كما ذكر الاستاذ الصالحي. يذكر الاستاذ مصطفى سعيد، أن الضبط هنا على طبقة المنصور أي أن درجة الرست على العود هي 98 هرتز و هي على الكمان 196 هرتز.
و في موضوع الضبط الذي فيه العشيران، ذكر لي الاستاذ مصطفى سعيد، أن ذلك خطأ مطبعي ظهر في الطبعة الأولى من كتاب الخلعي و تم إصلاحه في الطبعة عام 1908م واستبدلت العشيران بالدوكاه. و قد أعاد مدبولي نشر الطبعة الأولى بخطأها للأسف. من هنا يكون الضبط الآخر الذي يشد به المصريون في زمن  الخلعي هو: يكاه دوكاه نواه كردان، أي صول ري صول دو - ضبط الكردان العربي القديم.


 كتاب سامي الشوا طبع عام ١٩٢١م، و أعني كتاب "تعليم الكمانجة الشرقية".  يذكر سامي الشوا أنواع الدوازين في الموسيقى الإفرنجية والتركية والعربية:

في الموسيقى الإفرنجية: الدوزان هو كما نعرف اليوم بدءً من الوتر الغليظ إلى الرقيق أوتاره هي: صول ري لا مي وهي اليكاه و الدوكاه ثم الحسيني و البوسيليك.

أما الدوزان التركي فهو صول ري لا ري و هو ما يقابل اليكاه و الدوكاه و الحسيني و المحير.

و الدوزان العربي و هو عند سامي ري لا ري صول، و يقول أنه يقابل بالترتيب اليكاه و الدوكاه والنواه و الكردان أي عندنا اليوم صول ري صول دو. و من حديث لي مع الاستاذ أحمد الصالحي في هذا الخصوص من تسمية سامي للدوزان العربي باسم "ري لا ري صول"، أكد التفسير بأن نظام النوتة المستخدم في كتاب سامي هذا، هو نظام النوتة الشرقية القديمة و هو ما يستخدم في تركيا اليوم. فهم يكتبون النغمة على الدو و يعزفونها على الفا كما في دولاب الجهاركاه المدون في كتاب سامي هذا، أي أن الدو هي دو لفظياً و لكنها تعزف فا، أي أن هناك مسافة رابعة في العزف دائماً. في كتاب سامي، لم يذكر دوزان العرب الشائع و هو صول ري صول ري و هو له من عزفه مجموعة من التجسيلات منها موشح "يا غصن نقا". و لم يذكر أيضاً دوزان صول دو صول دو، و هو استخدم هذا الأخير في عزفه لبعض المقطوعات مثل تسجيله في اسطوانة "الرقص العربي". هناك بعض القطع و المعزوفات التي عزفها في تسجيلاته المتوفرة مما لا ينطبق عليه أي من هذه التسويات المذكورة أعلاه أو حتى في كتابه المبكر هذا و سنتطرق لها فيها بعدُ في الأمثلة السمعية.

أما كتاب توفيق الصباغ "الدليل العام في أطرب الأنغام" الذي طبع عام ١٩٥٠، فيذكر فيه الصباغ أن الدوزان العربي لا يفرق كثيراً عن الإفرنجي ولكن له تأثيراً سيئأ كبيرا على أنغامنا لو عزفناها عليه. والنغم لا يخرج بالطلاوة والتأثير إلا إذا كان بدوزان عربي. و يستشهد بمقام السيكا لو عزف على دوزان إفرنجي كيف سيستعيض و يهرب العازف من وتر إلى الخنصر أو البنصر في الوتر الذي قبله، و يهرب من اللا إلى اللا ناقصة في الوتر الذي قبله و هكذا يصبح العزف "تصويراً" كما يقول بلا طرب و ربما بنشاز يسري إلى بقية العازفين و هو كما يقول، ذات الحال مع البياتي و الرست والصبا والحجاز و هكذا.

ثم يمر بالدوزان التركي، وهو صول ري لا ري، ويقول هو أخف وطأة من الإفرنجي، ولكن في بعض المقامات يضطر العازف إلى تفادي اللا وعمل ما عمله في الدوزان الإفرنجي في ذلك الوتر. و يعلل منفعة الدوزان التركي للأتراك بأنهم يعزفون الرست من الصول و البياتي من اللا و السيكا من السي، أي يغنون موسيقاهم من طبقة أخرى. و هم بذلك يستخدمون وتر اليكاه كدوكاه. ويذكر أن الأتراك يستخدمون وتر الدوكاه عندنا كأنه يكاه عندهم في العود من حيث الاستعمال لا من حيث اسم الصوت و من هنا حصل الخطأ في التسمية عندنا.

يسهب بعد ذلك الصباغ في كتابه في حال العرب الذين درسوا على الطريقة الإفرنجية و يبين نقاط الضعف في التقاسيم و جمال النغمات و طلاوتها و التعبير والفهم و مقدار الجهد المطلوب لكي تكون شرقياً محضاً و الجهد المبذول في التمرين الغربي الذي لا يفيد كثيراً في العزف الشرقي إلا في الأقواس.

يقدم بعدها الصباغ ثلاثة دوازين في كتابه، هي العربي: صول ري صول دو، ثم التركي: صول ري لا ري، ثم الإفرنجي: صول ري لا مي. و يتطرق لتفسير سبب تغيير الوتر الرفيع في الدوزان التركي قائلا أن الدوزان التركي كالإفرنجي إلا من تبديل الوتر الرفيع من المي إلى الري لأنه لا يناسب موسيقاهم ويسبب صعوبة في العزف أو نظافة و تعبير النغمة فالأمر في النظر للمصلحة لا للتقليد الأعمى. و يبرر الصباغ اختيار أسماء الأوتار إلى سببين، هما خبرة آتية من أوتار العود و خبرة آتية من الدوزان الذي جاء مع الكمان سواء التركي أو الإفرنجي.

و يتطرق الصباغ إلى أن استخدام الدوزان التركي ينفع في حالات مثلا:
  • حجازكار على الدوكاه
  • رست دوكاه
  • نهاوند دوكاه
  • رست نوا
  • نهاوند نوا
  • بياتي حسيني
  • راست حسيني
  • نهاوند حسني
  • سيكا على درجة الأوج
و هو عنده من قبيل التسهيل. 

 ثم يذكر أن استخدام الدوزان العربي يصلح حتى في عزف الموسيقى الغربية. ويذكر شيئاً مهماً هو أن يمكن شد الوتر الرفيع في الدوزان العربي درجة كاملة ليصبح التعديل صول ري صول ري، بمعني وترين و جوابهما. يذكر الصباغ أن هذا التعديل أًصبح شائعاً الآن في البلاد العربية  و أصبح يستخدم بشكل دائم، وهو يشبه الدوزان الكردان لكن الدوزان الكردان - العربي القديم - أفضل منه. ويشرح الصباغ الأسباب بأنه كثيراً ما يصادف العازف الحاجة لعزف حجاز كردان و بياتي كردان و صبا كردان وغيرها فيضطر العازف إلى الحيلة على الوتر الرابع و تركه واستخدام الوتر الرابع الكردان من الوتر الثالث و تفادي المحير. و هنا جنبة هامة من موضوع السؤال الثاني الذي كنت بصدده: و هو لم شاع و متى شاع هذا الدوزان الدائم الاستخدام: صول ري صول ري و كيف أصبح لا نذكر غيره، و كتاب الصباغ هذا طبع في ١٩٥٠؟



أما الكتب الأخرى التي طالعتها، فسوف أقدمها فيما يلي:

كتاب الدكتور محمود أحمد الحفني:"علم الآلات الموسيقية"، لم يذكر إلا الدوزان الغربي فقط.

ثم نأتي إلى كتاب يسري قطر "الدراسة الحديثة للكمان العربي  و نراه  يذكر تسوية صول ري صول ري. أي: يكاه دوكاه نواه محير. و ذكر أن "بعض العازفين الشرقيين يحوّلون المحير إلى كردان و هو موجود (قليلاً) و يعزف عليه بعض العازفين الشرقيين". انظروا كيف حدث هذا التحول و هذا الاستغراب من أستاذ كيسري قطر لظاهرة الكردان هذه!

كتاب إميل غصن بعنوان "مدرسة الكمان الشرقية"، يذكر تسوية واحدة: صول ري صول ري حاله حال كتاب عطية شرارة يذكر تسوية واحدة هي صول ري صول ري و هو حال كتاب عز الدين حسني إذ يذكر للشرقي صول ري صول ري و يزيد عليه ذكر الغربي صول ري لا مي.

أما  كتاب الموسوعة الشاملة للكتور يوسف عيد و انطوان عكاري ، فقد ذُكر فيه دوزان صول ري صول دو و هو الدوزان الشرقي و ذكر المؤلفان أن الكمان يتسع الى 4 دواوين من الصول الى الصول.

أما كتاب الدكتور عبدالملك خشبة بعنوان "آلات الموسيقى الشرقية"، فقد ذكر الدوزان الغربي و أن الصول الوسطى ترددها 192 أما الدوزان الشرقي: فبين أن أوتاره تسوى بمسافات أربع - كما يفعلون في العود، وهو صول ري صول دو أي: يكاه دوكاه نواه كردان. و قد يجعل الوتر الثاني الدوكاه على درجة الرست و الطريقتان تستعملان في الشرق و هو يعني أن الدوزان يصبح يكاه رست نواه كردان: أي صول دو صول دو.


نلخص الضبط الذي ناقشناه سابقاً في الكتب المذكورة  لتكون في الجدول التالي:




في الكتب الأحدث أو الكتب العامة عن الموسيقى العربية و حتى الدراسات الأجنبية، لم أجد أي شئ يتطرق بتفصيل لهذه التسويات ولم تذكر أسباب التحول إلى دوزان واحد دائم مثلما وجدنا في كتاب توفيق الصباغ و إشارات هنا وهناك. و ما وجدته كانت كتابات ليست بذات مستوى وأفضل تجاوزها.

إضافة لما ذكره توفيق الصباغ، فإن هناك مجموعة من الأسباب قد تجعل هذا التحول لشكل جامد نظنه جامع مانع هي على الأرجح:


  • التحول من التعلم من الخبرة العملية المراسية و من التعلم بالإسلوب الغير محدود بكتاب و منهج و عدة قطع و طقوس و ترتيب جامد، من أسلوب الأستاذ والمريد، و المشق، إلى أسلوب المعاهد و نسخ النظريات والتقاليد الغربية و التعليم ما بعد الصناعي.
  • تحول التخت العربي الذي يتسع لكثير من الإمكانيات والاحتمالات و بروز كل عازف مشارك فيه إلى نظام الفرق والأوركسترا، و من النظام الهتروفوني الهارموني.
  • تقلص دور العازف الفرد من ذلك في التخت أو العزف المنفرد إلى العزف ضمن مجموعة لا يفضل فيها تخالف الأصوات.
  • الاعتماد على التوزيع و تحديد النص الموسيقي حتى في اللزمات و تعدد الأصوات و التكرار و تقليل الإرتجال بالتالي انتفاء الحاجة لأي توسع كان من ضمنه التسوية في الأوتار.
  • التحول التجاري للموسيقى مما قلل عدد المقامات و الحليات و المهارات والتكنيك المطلوب إلى مجموعة قليلة من المعارف والخبرات و بالتالي أدى إلى تحديد المتطلبات للوصول إلى مستوى مقبول من التقديم للعمل. التعلم على تعديل واحد يعطينا الانطباع بأن ذلك يختصر التعلم و يبعدنا عن التذبذب بين مجموعة من التعديلات توجب على العازف مزيداً من التمرين والوقت والوعي والتفكير و حل المشكلات. 
هذه الدوزانات المختلفة تسهل على العازف التعبير والبراعة في العزف والإرتجال و التجلي و يناسب كل دوزان منها مجموعة من المتطلبات كالحليات و التنقل بين الأوتار و تسهيل التقنيات المفيدة و الحاجة المهمة في المقامات و هي تختلف في السير و المحطات التي تتوقف عليها المقامات والأجناس والمظاهر و الغماز و درجات الاستقرار وتختلف في تقاليد حلياتها و جملها التقليدية والجملة المبتكرة حال العزف بما يناسبها. 

ثم إن الأوتار المفتوحة تعطي رنيناً مستجيباً لرنين الكمان حين تعزف. فمثلاً، إذا كنا نعزف البياتي الذي يستقر على الدوكاه، فإن الوتر المفتوح إن كان دوكاه أو محير وهما درجة الري، يهتز المفتوح فيهما و يعمل رنيناً عذباً مناسباً لمقام البياتي الذي يعزف حينها. 


كان لي حديث في هذا الخصوص مع الاستاذ أحمد الصالحي و الاستاذ مصطفى سعيد والاستاذ رياض عبدالله.

ذكر لي الصالحي من خبراته مثلا، أن دوزان صول دو صول دو يصلح للحجاز كار والحجاز كاركرد و يسهل العزف أكثر حتى من الكردان.

سامي الشوا استخدم في تسجيلاته كثيرا من التعديلات منها صول ري صول دو الشهير، و صول ري صول ري الذي عزف عليه "يا غصن نقا" و عزف تحميلة الحجاز على صول ري لا ري وعزف الرقص العربي على صول دو صول دو.

وذكر لي الاستاذ رياض أن دوزان الكردان يفضل للرست والبياتي و السيكا مثلاً ويفضل الدوزان التركي لشهناز و الشد عربان وكل ذلك يأتي من الحاجة والخبرة والتجريب.


هناك مصطلح موسيقي إيطالي هو Scordatura   و هو يعني أن يعمد عازفوا الآلات الوترية إلى تبديل نغمات أوتارهم من التسوية المشهورة. و هذه الكلمة في أًصل معناها تعني mistuning أي إساءة الدوزان. وهو تم استخدامه في الموسيقى الكلاسيكية و في الموسيقى الفولوكلورية و موسيقى الفيدل.  سأسوق لكم بعض الأمثلة من العزف العربي والتركي و الغربي بنوعيه الكلاسيكي و غير الكلاسيكي و سأضع بعض التعليق على كل تسجيل.


سامي الشوا صبا موقعاً و هو صبا فتلتين: أي يقرب و ترين من بعضهما و يعملهما نفس النغمة و يعزف عليهما الصبا. نسمع العزف مثل المزمار و نسمع التنغيم مع وتر مجاور آخر.


سامي في "يا غصن نقا" على الصول ري صول ري. 


سامي الشوا في تقاسيم موقعة و دولاب يسبق سماعي عربي قديم على دوزان الكردان



سامي على الكمان مع الاستاذ عبدالوهاب في سيد القمر و الدوزان التركي



توفيق الصباغ في تقاسيم رست في دوزان كردان


وهناك الاستاذ جميل بشير و الاستاذ صالح الكويتي و الاستاذ عبده داغر و كثير من الأساتذة العازفين الذين يستخدمون على الاكثر دوزان الكردان.

تنبيه: لسنا هنا بصدد تعميم ضبط الكمان على المسميات بشكل حرفي و لفظي لما ذكر أعلاه. فربما نقوم باستخدام ضبط الكردان: صول ري صول دو، و ننزل به طبقة صوتية أو نصف طبقة أو طبقة و نصف: فيكون الضبط يسمى بنفس الأسم ولكن نزولنا به طبقة يجعل من الصول في الحقيقة فا، و لكننا نعزف الفا كأننا نعزف صول.

سأضع هنا مجموعة من الأمثلة لتوضيح المسألة. في تقاسيم من السيكا و عزفه لشئ من سماعي سيكا لعثمان بك، نسمع صالح الكويتي في بستة "مسكين ياللي مبتلي"، و نرى أن الضبط هو صول ري صول ري، ولكنه في الحقيقة ضبط منخفض في تردده و يصل إلى مي سي مي سي .




و في بستة صالح من اللامي "و على الدرب يا هواي"، نراه يعزفه على ضبط صول ري صول ري ولكن بمقابلته بالخفض إلى لا مي لا مي.




و عوداً على حديث طبقات الضبط، أستشهد هنا بكلام للاستاذ مصطفى سعيد،  إذ يخبرني أنه " في دور البلبل جاني بصوت الشيخ يوسف المنيلاوي، نرى أن الشيخ يوسف يغنّي الدور من طبقة الشاه  في المصطلح التركيّ، وهي طبقةٌ يكون فيها الراست مساوياً لنغمة فا و يعزف معه سامي الشوّا في دوزانٍ خامستين رابعة، و في حالته هذه، الدوزان هو قرار راست، يكاه، دوكاه ثم نواه، والمسموع في الأوتار الحرّة هو فا دو صول دو، فهل معنى هذا أنّ هناك ضبطاً جديداً؟ أبداً، إنّما هو نفس الدوزان العاديّ (صول ري لا ري)  لكن يغيّر فيه الطبقة. و إذا أردت أن أورد مثلاً آخر لاحقٍ لنفس العازف، ففي ترجمته الآليّة لدور كادني الهوا، يستخدم سامي الشوّا نفس الدوزان مع رفعه درجة  صول ري لا ري أو يكاه دوكاه حسيني محير، لكنّه يعامل الدوكاه على أنّها نغمة اليكاه، و يعزف الدور من العشاق مصوّرًاً على اليكاه في طبقة المنصور، تقليداً للشيخ يوسف أيضاً و كذلك ليسهل عليه الصعود بالراست عند ما يغني: للحسن دا بالطبع أميل."

و أقدم ذلك مختصرا في الجدول التالي:







الشيخ يوسف المنيلاوي في البلبل جاني




سامي الشوا في كادني الهوا

سأشير هنا باقتضاب إلى موضوع الطبقات، و أذكر الطبقات التركية التي تصنف على حسب صوت النايات و هي كما نراه في الجدول أدناه.


أقتطف من الموسوعة الحرة موضوع الطبقات، على أن أعود للموضوع في إسهاب في مقالة أخرى. ما يلي هو تعريب:"في بعض حلقات الموسيقى التركية، يطلق الاسم على الناي من طبقة رسته. نغلق كافة فتحات الناي، فإذا أعطانا نغمة المي يكون الناي باسم داود. أما إذا أعطانا نغمة ري، كان نصف بولاهنك، و إذا أعطانا نغمة الفا، كان شاه.

في حلقات تركية أخرى، يعمد الأتراك إلى تصنيفها نسبة إلى النغمة لا = 440 هرتز. حينها يكون الناي باسم المنصور حين يعطي نغمة لا بدل الصول، مثلا."

و تذكر الموسوعة الحرة أن هذه أطوال تقريبة للناي.



أسم الناي
طوله التقريبي
التسمية الشرقية
التسمية الإيطالية
اسم النغمة على البيانو
نصف بولاهنك
520 مم
حسيني
لا
E
بين البولاهنك و السبردة
550 مم
حصار
صول دييز
E♭
سبرده
580 مم
نوا
صول
D
مستحسن
620 مم
نيم حجاز
فا دييز
C♯
يلدز
665 مم
جهاركاه
فا
C
كيز
710 مم
بوسيليك
مي
B
بين الكيز والمنصور
745 مم
تيك كردي
مي بيمول
B♭
المنصور
780 مم
دوكاه
ري
A
بين المنصور والشاه
820 مم
زيركولا
دو دييز
G♯
الشاه
860 مم
رست
دو
G
الداود
910 مم
عراق
سي
F♯
بين الداود والبولاهنك
970 مم
عجم عشيرن
سي بيمول
F
البولاهنك
1 m 40 مم
حسيني عشيران
لا
E


ماذا عن بعض الأمثلة من الموسيقى في الغرب؟ هذا مثال في الموسيقى الكلاسيكية.



هنريك اغناز فرانس بايبر ألف هذه السوناتا على دوزان صول صول دو دو و عكس الوترين في المنتصف على بعضهما. اسمعوا الصوت كيف خرج والتأليف. هي ليست عمله الوحيد من هذا النوع.



هذا العازف يقلد صوت و طريقة مزمار الكيس Bagpipe و يبدل الدوزان إلى مي لا لا لا



شرح لفكرة التلاعب في الدوزان

آلاتنا و موسيقانا أبعد غوراً و اتساعاً مما حددونا به. هل نبذل جهداً أكثر؟ هل نثق بأنفسها أكثر؟ هل نجرب بوعي؟


المزيد و مصادر:




::. فاضل التركي