كلاسيكيات الموسيقى العربية * أرشيف * استماع *  تحميل *  نقد فنى *  تحليل موسيقى* أفلام * صور *  تسجيلات * كلاسيكيات الموسيقى العربية
كلاسيكيات الموسيقى العربية * الخمسة الكبار * سيد درويش * محمد القصبجى * زكريا أحمد * محمد عبد الوهاب * رياض السنباطى * نجوم الغناء العربى * أم كلثوم * عبد الوهاب * فيروز * عبد الحليم * ألحان التراث * موشحات * قصائد * أدوار * كلاسيكيات الموسيقى العربية

الأربعاء، 29 أغسطس 2018

ذكرى رياض السنباطي

تقدم قناة النيل الثقافية حلقة خاصة في 60 دقيقة بمناسبة ذكرى رحيل الموسيقار الكبير رياض السنباطي صاحب أطول قائمة في ألحان كوكب الشرق أم كلثوم، نحو 90 لحنا، اتسمت بشرقيتها الأصيلة وأنغامها العذبة التي عشقها الملايين في العالم العربي وأضاف بها رصيدا هائلا لموسيقى الشرق
على صفحات كلاسيكيات الموسيقى العربية قدمنا نحو 40 عملا من ألحان السنباطي لأم كلثوم تناولناها بالنقد والتحليل مع تسجيلات الألحان ونصوص الكلمات يمكن الرجوع إليها من هذا الرابط "كلاسيكيات أم كلثوم - السنباطي
تتناول حلقة رياض السنباطي من برنامج فنون الموسيقى على قناة النيل الثقافية رحلة الموسيقار الكبير مع الفن والموسيقى عبر ألحانه لأم كلثوم ولغيرها ومؤلفاته الموسيقية ومساهماته في السينما والأغنية الوطنية، كذلك غناؤه المتفرد وتميزه أيضا كعازف عود من الطراز الأول. 

لحن رياض السنباطي لكثير من الشعراء لكن يظل على قمة أعماله تلحين القصائد التي توجت ألحانه وأكسبته مكانة راقية في عالم الفن. ومن أشهر ألحانه لأمير الشعراء أحمد شوقي سلوا قلبي، نهج البردة، ولد الهدى. كما تميز لحنه لرباعيات الخيام التي ترجمها أحمد رامي عن الفارسية ومصر تتحدث عن نفسها لشاعر النيل حافظ ابراهيم والأطلال للدكتور ابراهيم ناجي 
ومن أجمل ألحانه لحن شمس الأصيل الذي غنته أم كلثوم من كلمات بيرم التونسي وعبر فيه عن جو الشرق وعبيره الخاص ويعد بحق من كنوز الموسيقى العربية 

للسنباطي أيضا بصمة في صناعة الفولكلور بلحنه الشهير "يا ليلة العيد" الذي أصبح أيقونة مقدم الأعياد في الشرق العربي ينتظر الناس سماعه كعلامة أكيدة لظهور الهلال 

البرنامج تقديم ريهام منيب، إعداد دينا حاتم وإخراج وائل الجندي، ويذاع في الخامسة مساء الأربعاء 5 سبتمبر 2018 على الهواء مباشرة. 

يستضيف البرنامج د. أسامة عفيفي مدير شبكة كلاسيكيات الموسيقى العربية للحديث عن خصوصية فن السنباطي وأسباب تميز ألحانه التي نفتقد مثلها كثيرا هذه الأيام 
يمكن للسادة الرواد المشاركة في هذه المناسبة عن طريق صفحة ذكرى رياض السنباطي 2018 على فيسبوك 
روابط 

الثلاثاء، 28 أغسطس 2018

مؤلفات عبد الوهاب الموسيقية - المعادي

موسيقى "المعادي" 
محمد عبد الوهاب 
مقام فا ماجير 1946 
لأول مرة يطلق عبد الوهاب اسم مكان على مقطوعة موسيقية فجأء اسم "المعادي" مشيرا إلى ضاحية المعادي جنوب القاهرة. وكانت منطقة راقية هادئة حديثة الإنشاء تطل على النيل ولكن بعيدا عن وسط القاهرة المزدحم وقصدها راغبو الهدوء. ورغم إيقاع الموسيقى السريع والمتوالي جاءت مقاطع العزف المنفرد معبرة عن قدر كبير من التركيز والتأمل، وربما عبر إيقاعها عن انسيابية الحركة واتساع الأفق 
سمات خاصة
1. وحدة الإيقاع : إيقاع موحد / ثنائي سريع 
2. بساطة التركيب 
  • تقسيم العمل إلى أجزاء 
  • لحن مميز يستخدم كتسليم 
  • استخدام العزف المنفرد في تمييز أجزاء المقطوعة 
  • الختام بالمقدمة 
3. الحوار بين الجمل (في المقدمة) 
4. التفرع إلى مقامات قريبة من المقام الأساسي 

ونود الإشارة هنا كما ذكرنا من قبل إلى أن اعتمد عبد الوهاب منذ أواسط الثلاثينات تقديم لحن مميز لكل مقطوعة يكون عنوانها الموسيقي وعلامتها الفنية، والتزم بهذا في كل أعماله تقريبا. 
التكوين الفني
1. مقدمة من المقام الأساسي تتألف من فقرتين 
  • الأولى تحاور بين 4 جمل 
  • الثانية حركة ختامية من نفس المقام مع بعض التلوين 
2. المقطع الأول 
  • سولو قانون من نفس المقام على نفس الإيقاع 
  • تسليم عبارة عن إعادة لسولو القانون بالأوركسترا 
3. المقطع الثاني 
  • سولو كمان مقام أثر كورد مصور على نفس الإيقاع 
  • تسليم 
4. المقطع الثالث 
  • سولو ناي مقام حجازكار مصور على درجة الأساس ينتهي بالعودة إلى مقام فا ماجير على نفس الإيقاع 
  • إعادة للمقدمة 
يربط بين هذه الأجزاء عدة عناصر
  • نفس الإيقاع / ثنائي سريع من البداية للنهاية 
  • العودة للمقام الأساسي في نهاية كل مقطع 
  • استخدام فروع مقامات مشتقة من المقام الأساسي 
لهذا يشعر المستمع أنه أمام موسيقى متواصلة لا يفصل بين أجزائها غير تغير أصوات الآلات. وحتى عندما يتغير المقام مع دخول سولو الكمان ثم سولو الناي يتبع التلوين المقامي السابق سماعه في المقدمة دون أية مفاجآت أو تحولات حادة 

مقطوعات بنفس الأسلوب 
ليالي الجزائر / الحب الأول / سامبا / كوكتيل / أيامي / أنغام الشباب 

تعد "المعادي" أول مقطوعة في هذه السلسلة التي تتشابه مقطوعاتها في الفكرة والأسلوب. وتتسم بسرعة الحركة في اللحن المميز وخلوه من المقامت الشرقية التي تستخد ربع التون. 
سنتحدث لاحقا عن كيفية تقسيم مؤلفات عبد الوهاب الموسيقية إلى سلاسل متميزة، وكيف يفيد هذا في دراسة أعماله بطريقة أسهل من النظر في كل مقطوعة على حدة. نقد وتحليل د أسامة عفيفي، مؤلفات عبد الوهاب الموسيقية، المعادي

الثلاثاء، 14 أغسطس 2018

مؤلفات عبد الوهاب الموسيقية - إليها

موسيقى إليها 1945
محمد عبد الوهاب
مقام نهاوند 1945
سمات خاصة
1. استعارة أسلوب غربي كلاسيكي
2. لحن مميز
3. التمهيد بسولو حر للعود
4. استخدام الحوار بين الجمل الموسيقية وبين العود والأوركسترا
5. استخدام تكنيك التسارع والتباطؤ Acceleration & Deceleration
6. تنويع الإيقاع
7. تقسيم العمل إلى أجزاء
8. العودة لاستخدام التسليم لكنه هنا بفقرة مميزة جدا تكون عنوانا موسيقيا للعمل كله Distinct Melody
9. استخدام جملة إيقاعية نغمية كخلفية مصاحبة للميلودي Rhythmic Tunes
10. وحدة المقام (مع استخدام التلوين المقامي)
هل موسيقى "إليها" مقتبسة من الموسيقى الغربية؟
هناك تشابه بين موسيقى "إليها" ومقطوعة موسيقية شهيرة من العصر الرومانسي بعنوان "الرقصة المجرية رقم 5" للموسيقار الألماني "جوهانس برامز" (1833 - 1897) تم تأليفها عام 1869.
ويصل التشابه إلى حد أنه لو أضيف اللحن المميز في موسيقى إليها إلى اللحن المميز في موسيقى الرقصة لما شعر المستمع أنه يستمع إلى موسيقى جديدة أو مختلفة .. نفس الجو اللحني. 
وهناك تشابه خاص في ختام اللحن المميز بجملة قصيرة جدا لا يتعدى زمنها ثانيتين أو ربع مازورة، ويظهرها بشكل خاص جملة متباطئة، بلحن مختلف، تسبقها مباشرة في المقطوعتين. وهناك من يعتبرها البصمة التي يجب ألا تتكرر، لكن كثرة تداولها قد يجعل استخدامها مباحا من وجهة نظر آخرين
وقد يحلو للبعض اتهام عبد الوهاب بالنقل من الموسيقى الغربية عند اكتشاف هذا التشابه ولكن يجب الآن سرد القصة كاملة 
قصة الرقصة المجرية رقم 5
هناك تشابه ايضا، بل تطابق، بين موسيقى برامز "الرقصة المجرية رقم 5" المؤلفة عام 1869 وموسيقى "ذكريات بارتفا" للموسيقار المجري بيلا كيلر المؤلفة عام 1865 في قسم كبير منها
قدم برامز 21 مقطوعة موسيقية قصيرة أسماها الرقصات المجرية، وأعطى كل منها رقما إحداها هذه المقطوعة رقم 5، والموسيقى بميلوديتها الصريحة منسوبة إلى برامز رغم ميله إلى التجريد في أعماله الكبيرة. ويذكر عن تلك المقطوعات أن 3 مقطوعات فقط، رقم 11، 14، 16 هي مؤلفات أصلية له أما الباقى فمستوحى أو مقتبس من أصول أخرى. وليس هذا بمستغرب إذ أن برامز نفسه قد مهد لهذا المفهوم بتسمية مقطوعاته "رقصات مجرية" وبهذا لم يدع تأليفها بالكامل وبرأ نفسه مقدما من شبهة السرقة باعتماده على موسيقى ذات أصول شعبية تدخل في نطاق الفولكلور
لكنه في الرقصة الخامسة بالذات قد وقع في الخطأ بنسبتها إلى الفولكلور، فقد بحث وراءه النقاد والباحثون إلى أن وجدوا الأصل في مؤلف موسيقي ثابت موثق لموسيقي مجري لم ينل حظ برامز من الشهرة هو  بيلا كيلر (1820 - 1882) بعنوان "ذكريات بارتفا" (Memories of Bártfa) نسبة إلى المدينة المجرية التي عاش فيها (الآن جزء من سلوفاكيا / 2018)

فعل نفس الشيء الموسيقار المجري فرانز ليست (1811 - 1886) الذي ألف 19 مقطوعة أسماها الرابسوديات المجرية وبناها على موسيقات اعتقد أنها فولكلور مجري اتضح فيما بعد أن معظمها كتبها موسيقيون هواة من طبقة النبلاء أو قدمتها فرق الجيبسي فيما عرف بموسيقى الغجر

الموسيقار الألماني جوهانس برامز 1833 - 1897
الرقصة المجرية رقم 5 (Hungarian Dance in G Minor) 1869
دقيقة 0.00 - 1.32
دقيقة 2.25 - 3.26 إعادة لنفس المقطع

الموسيقار المجري بيلا كيلر 1820 - 1882
ذكريات بارتفا (Memories of Bártfa) 1865
دقيقة 2.05 - 3.03
دقيقة 4.08 - 4.34 إعادة نفس المقطع

والمستع إلى المقطع المميز في المقطوعتين لا يجد أي فرق بينهما على الإطلاق، ونلاحظ أن كلاهما أعاد المقطع المميز ليختم به المقطوعة
ما فعله عبد الوهاب هو البناء على النمط وليس نقل الموسيقى كما هي. لكن لننظر ماذا فعل برامز .. ببساطة اقتبس مقطعا طويلا وكاملا، كما هو، من موسيقي معاصر له ليصنع مقطوعة من أشهر مقطوعاته، وقد دافع عنه أحباؤه بالقول إنه لم يعلم بمؤلفها واعتقد خطأ انها من الفولكلور. لكن الواقع يقول أن الفولكلور لا يمكن أن يكون بهذا الشكل البالغ الدقة في التأليف والهارموني ولمدة نحو نصف زمن المقطوعة الكاملة. هذا لا يمنع القول بأن الأصل في النهاية فولكلور، لكن صياغة كيلر صياغة احترافية عالية، وهي المادة المقتبسة بالفعل

هل كانت الموسيقى العربية في حاجة إلى هذا الاتجاه؟
·       مع أفول عصر السماعيات التركية المنشأ لم يكن أمام المؤلفين الموسيقيين غير طريق من اثنين، إما تطوير الموسيقى الشعبية كما فعل سيد درويش في التلحين، أو تطبيق نماذج الموسيقى الغربية المتطورة على الموسيقى العربية. كانت الموسيقى الأوربية قد تخطت عصرها الذهبي بانتهاء العصر الكلاسيكي والرومانسي ودخلت مرحلة الحداثة في أوائل القرن العشرين. ولم تكن هذه الحداثة تناسب ثقافة الشرق العاطفية بأي حال، لذلك كان لا بد من استخدام نماذجها الأقدم القابلة للتطويع بما يناسب موسيقى الشرق.
سار عبد الوهاب في الاتجاهين معا، ولو أنه في "إليها" اقتصر على تطبيق النموذج الغربي لكنه استخدم التيمات الشعبية بعد ذلك بكثرة. وعلى أية حال لم يتوجه كثيرا نحو التأليف على الطريقة الأوربية الكلاسيكية مما قد يوقع في فخ التقليد أو على الأقل لا يوافق جمهور الشرق.
·       ومن المناسب هنا ذكر أنه قد بدأت في أربعينات القرن العشرين حركة موسيقية أكاديمية تبناها موسيقيون أكفاء في مصر عمدوا إلى تأليف موسيقات على الأنماط الكلاسيكية الأوربية مثل السيمفونيات والقصيد السيمفوني والكونشرتو، لكنها ظلت حبيسة الكونسرتات الخاصة أحقابا طويلة ولم تجد ظهيرا جماهيريا في المنطقة العربية.
·       تبدو معالجة عبد الوهاب للنموذج الأوربي الكلاسيكي في "إليها" معالجة شكلية على أي حال لكنها تكفي لجعلها نقطة وصل بين الشرقي والغربي. لكن المفارقة تكمن في اكتشاف أن الأصول الشعبية للموسيقى تختلف باختلاف موطنها الأصلي وتعكس ثقافات محلية مختلفة. نقد وتحليل د أسامة عفيفي، إليها، مؤلفات عبد الوهاب الموسيقية
·       وجه الشبه والالتقاء الأساسي بين الموسيقى الشرقية والغربية في عصريها الكلاسيكي والرومانسي يكمن في ارتكاز كليهما على عنصر قوي هو اللحن أو الميلودي، وهو الأساس الذي بعدت عنه موسيقى الغرب الأوركسترالية الحديثة في القرن العشرين، ولذلك فإن احتمال المزج بينهما قائم على هذا الأساس. 
      والواقع إن دعوات التخلص من الميلودية التي بدأت في القرن التاسع عشر في أوربا أدت إلى موسيقى تثير الاندهاش أكثر مما تبعث على الانسجام، ولهذا عادت الميلودية إلى الموسيقى الأوربية ولكن في أشكال أخرى مثل أغاني البوب في الثلاثينات وما تلاها من القرن العشرين في أعمال أسميت بعد ذلك بالكلاسيكيات أيضا ولكن الذي اشتهر معها كان نجوم الغناء بدلا من المؤلفين الموسيقيين. وهذا يثبت أن الميلودي أساس إنساني طبيعي مشترك بين كل الشعوب في جميع العصور
التكوين الفني
تتألف الموسيقى من ثلاث حركات
1. الحركة الأولى
·       سولو عود تمهيدي مقام نهاوند
2. الحركة الثانية
·       دخول مفاجئ للأوركسترا بموسيقى سريعة مميزة ذات إيقاع ثنائي
·       تشمل الحركة ثلاث فقرات
o      لحن مميز في شكل حوار بين جملتين
o      استطراد تنازلي بثلاث جمل قصيرة تمهيدا لختام الحركة
o      جملة ختامية متباطئة يغيب فيها الإيقاع تنتهي بختام سريع يعيد سرعة بداية الحركة
o      إعادة اللحن المميز
o      إبدال ختام الحركة المتباطئ بالجزء الأخير من سولو العود التمهيدي مع تسريع آخر نغماته تمهيدا للعودة إلى اللحن المميز
o      إعادة اللحن المميز
3. الحركة الثالثة
·       جملة إيقاعية نغمية تؤديها الوتريات على إيقاع رباعي
·       فقرة حوارية بين جملتين على سرعة متوسطة يصاحبها الإيقاع المنغم في الخلفية من نفس المقام "نهاوند"
·       فقرة تلوين مقامي تتكون من 6 جمل متتابعة
·       إعادة للفقرة الحوارية السابقة
·       إعادة للحن المميز مرتين
o      مرة ينتهي فيها بسولو العود المتسارع في نهايته
o      مرة بالجملة المتباطئة كما في ختام الحركة الثانية وتنتهي بختام سريع يستعيد سرعة اللحن المميز

موسيقى "إليها" بالقياس الفني
بعد كل هذا التفصيل يجب الإشارة إلى نقطتين هامتين
·       أن موسيقى "إليها" هي بالمقياس الفني موسيقى بسيطة ذات بعدين فقط هما الميلودي والزمن، أي يمكن أداؤها على آلة واحدة، فيما عدا التنغيم الإيقاعي المصاحب للميلودي في الحركة الثالثة. أما البعد الثالث الذي يكونه الهارموني والكاونتربوينت بتعدد الأصوات في نفس الزمن فهو بعد غير موجود في الأعمال الشرقية بصفة عامة، وموسيقى عبد الوهاب التي تمتعت بهذا البعد هي أعمال قليلة نسبة إلى حجم أعماله
·       أن محاكاة النظم والنماذج الغربية الكلاسيكية التي نشط فيها الموسيقيون الأكاديميون كما أشرنا كانت محاكاة دقيقة للغاية، بمعنى إن نتاجها كان موسيقات أشد تعقيدا وأدق صناعة من موسيقات عبد الوهاب، ومجاراة هذا الاتجاه قد تسفر عن مغامرة خاسرة بالنسبة له، فضلا عن أن هذا الميدان لم يمثل طموح عبد الوهاب وميله الجارف للتحرر والابتكار والتجديد مع ارتباطه الشديد بموسيقى الشرق وأصولها. نقد وتحليل د أسامة عفيفي، إليها، مؤلفات عبد الوهاب الموسيقية

الاثنين، 6 أغسطس 2018

مؤلفات عبد الوهاب الموسيقية - من الشرق

موسيقى من الشرق
محمد عبد الوهاب
مقام كورد 1942
مجازا لا يمكن مقارنة موسيقى "من الشرق" بأي موسيقى لعبد الوهاب قبلها .. باختصار نحن أمام موسيقى جديدة مختلفة كلية عن موسيقى الثلاثينات .. هي إجمالا أعمق وأشد تعبيرا وأكثر تطورا، وسيلزمنا الحديث ببعض التفصيل لبيان مدى التغير والاختلاف
سمات خاصة
1. التحرر
يتخلص المؤلف هنا من أي علاقة بالأشكال الموسيقية القديمة التي اعتاد استعمالها فيما سبق من موسيقى (السماعي – التحميلة – التقسيم)، ويظهر هذا في:
·       غياب وحدة المقام
·       غياب وحدة الإيقاع
·       غياب تسريع الرتم في الحركة الأخيرة
·       غياب التسليم
2. التعبير
·       العنوان
يرتبط الجو الموسيقي في "من الشرق" بعنوان المقطوعة مباشرة، وصحيح أن المؤلف لم يستخدم أيا من المقامات الشرقية ذات ثلاثة أرباع التون، لكنه استخدم مقامات شرقية صميمة نادرا ما ترد في موسيقى الغرب مثل الشاهناز والحجاز. 

وهنا يظهر التساؤل "إلى من يتوجه العنوان ومن الذي يخاطبه؟". الانطباع الأول يوحي بأن العنوان موجه للغرب، فالشرق أعرف بمادته، ولهذا وجب تكوين موسيقى ذات ملامح شرقية تماما لكن باستخدام أدوات يمكن أن يفهمها الغربيون. وتم ذلك للمؤلف بالابتعاد عن استخدام ربع التون ولو كان قد فعل لخرجت الموسيقى شرقية للشرقيين فقط ولا يمكن أن يدركها الغرب لاختلاف الأبجدية الموسيقية. 
التساؤل التالي المنطقي "هل كان عبد الوهاب يخاطب الغرب فعلا؟". في ذلك الوقت كان الشرق يعج بالمستشرقين، وكما نشطت حركة الاستشراق في التاريخ والجغرافيا نشطت أيضا في الأدب والفن والموسيقى، أي أنه ليس بالضرورة أن يكون الخطاب موجها للمستمع الغربي في موطنه. 
والجواب أنه قد دخل في ديالوج موسيقي مع الموسيقى الغربية واستعار الكثير من أساليبها في موسيقاه لكنه ربما أراد التنويه إلى أن الأساليب الغربية يمكن استخدامها في موسيقانا بحيث يكون الناتج موسيقى شرقية خالصة، وهكذا يثبت أن استعارة الأسلوب شيء والنقل بالنسخ عن ثقافة أخرى شيء مختلف تماما
هذا يقودنا إلى ما هو أخطر من الاثنين، وهو أن موسيقى عبد الوهاب قد لفتت أنظار الغرب بالفعل وظهرت موسيقاه في موسيقى الغرب خاصة في اليونان وروسيا وبريطانيا وأميركا الشمالية والجنوبية مما يؤكد أن علاقة عبد الوهاب بالموسيقى الغربية كانت علاقة متبادلة وليست من طرف واحد
·       التعبير الآلي باستخدام آلة العود الشرقية في العزف المنفرد يخدم مباشرة التعبير عن العنوان "من الشرق"
·       استخدام الصوت البشري في الفقرة الثانية بإشراكه في النسيج الهارموني وليس في الميلودي الأساسي، وهو استخدام خفيف يكاد لا يلحظ لكنه يمنح الموسيقى لمحة غنائية إنسانية
·       التعبير بالإيقاع
o      الإيقاع الثلاثي في الحركة الثانية وهو إيقاع مشترك بين الشرق والغرب
o      الإيقاع الموحي بوقع سير القافلة العربية خاصة في الحركة الثالثة
o      تنويع الإيقاع واستخدام الحوار بين الموسيقى الحرة والموسيقى الموقعة
3. البناء الدرامي
·       تقسيم العمل إلى 3 حركات غير ظاهر تماما لكن المستمع يمكنه التمييز بين الحركات الثلاث لاختلاف مقاماتها وأرتامها
·       استخدام الراية الموسيقية : يستخدم المؤلف جملة واحدة من وسط الحركة الأولى (أداء الوتريات أعلى مقام الشاهناز الملون) لاستعادة جو البداية في نهاية الحركة الثانية كبديل عن التسليم أو الإعادة التقليدية لحركة كاملة وهذا من شأنه ربط الحركات برمز أو أيقونة صغيرة أكثر منه عودة للبداية، ويشبه رفع الراية وسط الحشود للتعبير عن وحدة العمل
·       استخدام الحوار الموسيقي
o      الحوار بين الجمل الموسيقية
o      الحوار بين الآلات والأوركسترا : الكمان ، العود ، الشللو
o      الحوار بين المقامات بالتداخل أحيانا وبالإقلاب في مواضع أخرى
o      الحوار بين الموسيقى الحرة والموسيقى الموقعة
·       استخدام الهارموني كما يظهر في رد الأوركسترا على سولو الكمان في الفقرة الثانية، مما يمنح الموسيقى البعد الثالث المفقود غالبا في الموسيقى الشرقية 
التكوين الفني
الحركة الأولى
1. الفقرة الأولى تبدأ بجملة افتتاحية حرة قوية عبارة عن قفزة موسيقية من الدرجة الرابعة إلى قمة السلم يعقبها رد بنفس القوة بقفزة من درجة الأساس إلى الدرجة الخامسة لينشأ حوار افتتاحي قصير
2. الفقرة الثانية جملة موقعة سريعة ترسخ المقام الأساسي (كورد) باستخدام الدرجات الأدنى من السلم
3. الفقرة الثالثة تبدأ بجملة حرة من قمة السلم بالوتريات مع تغيير المقام إلى شاهناز لكن مع فتح الدرجة الثانية العلوية إلى طبيعية، وهو تلوين شائع للمقام وأكثر شيوعا في مقام الحجازكار (المماثل له في السلم مع الارتكاز على الراست دو) ويمكن الاستماع لنموذج هذا التلوين في موشح "زارني المحبوب" لسيد درويش
تتدرج جمل الفقرة في الهبوط إلى أساس السلم مع التركيز على جنس الحجاز العلوي ثم جنس الحجاز السفلي فيظهر واضحا تركيب مقام الشاهناز من حجازين (أحيانا يسمى بمقام الحجازين)
4. الفقرة الرابعة تعيد الموسيقى بالأوركسترا إلى مقام الكورد، وهنا يظهر أيضا تركيب مقام الكورد من جنسين كلاهما كورد، العلوي يرتكز على الدرجة الخامسة والسفلي على أساس المقام، لكن المؤلف هنا ينهي الفقرة على الدرجة الخامسة الدنيا (لا) دون استخدام الكورد الأساسي (هذا التركيب غير معتاد ذكره في ميثودات الموسيقى الشرقية حيث يذكر تركيبه عادة من جنس كورد على الأساس ثم نهاوند على الرابعة ثم عجم على السادسة، لكن يمكن وصفه كما ذكرنا بأنه يتركب من جنسين كورد وهذا يساير تماما تركيب الشاهناز المتفرع منه من جنسين حجاز)
الحركة الثانية
1. الفقرة الأولى فقرة حرة (سولو كمان) يتغير بها المقام إلى النهاوند المصور على الدوكاه (أي درجة الأساس ري)، وهذا معناه تغيير المقام الأساسي على نفس درجة الركوز من كورد إلى نهاوند، وهذا التغير يختلف كليا عن التغيرات المقامية السابقة التي تستخدم فقط فروع أو أجناس المقام الأساسي
2. الفقرة الثانية عبارة عن رد من الأوركسترا على سولو الكمان من نفس المقام وباستخدام ميلودي مشابه وبعض الهارموني
3. الفقرة الثالثة سولو عود يستخدم ميلودي قريب من سولو الكمان لكن على إيقاع ثلاثي مصحوب بإيقاع نغمي من الوتريات
4. الفقرة الرابعة رد من الأوركسترا ينتهي على أساس مقام النهاوند المصور
5. ختام الحركة الثانية بإعادة للفقرة الثالثة من الحركة الأولى تستعيد جو البداية
الحركة الثالثة
1. الفقرة الأولى جملة توقيعية بإيقاع رباعي
2. الفقرة الثانية حوار بين آلات الشللو والأوركسترا مقام حجاز على نفس الإيقاع تنتهي برد قصير من الأوركسترا في مقام كورد الحسيني ثم الركوز على أساس مقام الفرحفزا (درجة واحدة أقل)
3. الفقرة الثالثة إعادة لميلودي الشللو من الأوركسترا
4. الفقرة الرابعة استعادة للفقرة الأولى التوقيعية
5. ختام بضربات قوية على أساس سلم الكورد 
تعد موسيقى "من الشرق" قفزة هامة في موسيقى عبد الوهاب ومحاولة ناجحة للخروج من قيود القديم ومحاذيره التي وقعت الموسيقى العربية في أسرها لحقب طويلة، والأهم من ذلك أن القوالب الأقدم توارت بالفعل بعد ذلك وأصبحت للموسيقى العربية البحتة بصمة خاصة وهوية متفردة. نقد وتحليل د أسامة عفيفي، مؤلفات عبد الوهاب الموسيقية، موسيقى من الشرق