كلاسيكيات الموسيقى العربية * أرشيف * استماع *  تحميل *  نقد فنى *  تحليل موسيقى* أفلام * صور *  تسجيلات * كلاسيكيات الموسيقى العربية
كلاسيكيات الموسيقى العربية * الخمسة الكبار * سيد درويش * محمد القصبجى * زكريا أحمد * محمد عبد الوهاب * رياض السنباطى * نجوم الغناء العربى * أم كلثوم * عبد الوهاب * فيروز * عبد الحليم * ألحان التراث * موشحات * قصائد * أدوار * كلاسيكيات الموسيقى العربية

الثلاثاء، 15 يونيو 2010

12.الموسيقى المعاصرة - خارج الغناء


12. الموسيقى العربية المعاصرة - موسيقى خارج الغناء

بينما كان المطربون منهمكين في تقديم أنفسهم وأعمالهم ظهر موسيقييون كبار معظمهم لم يمارس التلحين قدموا الموسيقى البعيدة عن أي لون من الغناء ، ظهرت هذه الموسيقى في عدة أشكال
1. موسيقى على القوالب التركية
في العقود الأولى من القرن العشرين ظهرت موسيقى عربية على القوالب التركية المعروفة وقتئذ وأشهرها السماعيات والبشارف ، كان بعض مؤلفي هذا النوع من الموسيقى معاصرا لفترة سيادة الفن التركى فجاءت موسيقاهم ذات صبغة تركية وإن استخدمت فقط المقامات العربية. البعض الآخر من الموسيقيين المخضرمين نشط فى الثلاثينات والأربعينات ووضعوا موسيقي أقرب كثيرا للذوق العربي وإن كانت على نفس النمط القديم من ناحية الشكل
من الفئة الأولى جميل الطنبوري ، طاتيوس ، إسكندر أستوريان وإسكندر شلفون ، ومن الفئة الثانية مصطفى رضا ، صفر علي ، عبد الفتاح منسي ، وإبراهيم العريان صاحب أشهر سماعى عربي وهو المسمى بسماعي بياتي إبراهيم العريان

سماعى بياتي ابراهيم العريان

2. الموسيقى المقطوعة
وهى قطع موسيقية تخلت عن القوالب الموسيقية التركية لكنها لم تتقيد بقوالب جديدة، وتميزت بحرية التأليف وإمكانية مزج التكتيك الحديث والإيقاعات المتباينة بألوان من الموسيقى الشعبية ساعدت على انتشارها كثيرا بين الجمهور خارج الصالات الخاصة ونوادي الموسيقى الأكاديمية. تميزت هذه الموسيقى أيضا بتأكيد البعد التعبيري فقد أصبح لكل منها عنوان يحاول من خلاله مؤلفها تقديم أفضل صورة موسيقية تعبر عن موضوعها
قدم هذا النوع لأول مرة الموسيقار محمد عبد الوهاب في ثلاثينات القرن العشرين وبرع فيها إلى حد انتشارها كالأغاني في جميع الأوساط. ثم سار على نهجه كثيرون مثل أحمد فؤاد حسن وعطية شرارة وعلى فراج وعبد الحليم علي

لم يكن هذا النوع من الموسيقى معروفا قبل عبد الوهاب ، وظل هو رائده ومحركه الأول حتى الثمانينات أي لحوالى نصف قرن ، وصحيح أن كثيرين قدموه لاحقا لكن الملاحظ أن أيا منهم لم يكن ملحنا فقد ترك الملحنون هذه الساحة تماما للموسيقيين المحترفين الذين لا باع لهم في التلحين كذلك ، أي أنه كان هناك شبه اتفاق بين الجميع على أن التلحين شيء وتأليف الموسيقى شىء آخر. لم يشذ عن هذه القاعدة من الملحنين غير محمد القصبجي ورياض السنباطي والأطرش، لكن أعمالهم في هذا الميدان تعد على أصابع اليد، بينما تعدت مقطوعات عبد الوهاب الخمسين مقطوعة، وبينما لم يدخل هذا المجال ملحنون بارزون مثل زكريا أحمد والموجي والطويل وبليغ وفوزي. وتنطبق نفس الملاحظة على الأجيال الأقدم التي استخدمت القوالب القديمة
 
هناك ملاحظة أخرى "عكسية" ، إذ أن بعض الموسيقيين حاولوا خوض تجربة التلحين ، لكن تلك التجارب لم يكتب لها النجاح وتوقف أصحابها عن التلحين بعد تجربة أو اثنتين
موكب النور - محمد عبد الوهاب

3. موسيقى تصويرية (سبق الحديث عنها في حلقة عصر السينما)
موسيقى الأفلام السينمائية التي برع فيها فؤاد الظاهري وإبراهيم حجاج وعزت الجاهلي وأندريا رايدر وغيرهم من المؤلفين العرب والأجانب

4. موضوع شرقي في قوالب عالمية كلاسيكية
ظهر هذا النوع من الموسيقى في مصر في الستينات من القرن العشرين مثل كونشرتو القانون لجمال عبد الرحيم وموسيقى الأذان لرفعت جرانة، كذلك بعض أعمال عزيز الشوان وأبو بكر خيرت
تمكن هؤلاء من وضع موسيقات شرقية بأسلوب جديد أقرب إلى أساليب الموسيقى الكلاسيكية العالمية بفضل دراساتهم المتعمقة للموسيقى الكلاسيكية الغربية
عطشان يا صبايا
صياغة أوركسترالية : رفعت جرانة
هذه الموسيقى كانت محل جدل كبير بين الموسيقيين بالنظر إلى محتواها والهدف منها. فقد أعلن أنصارها أنهم بصدد تطوير الموسيقى العربية والأخذ بأشكالها إلى القوالب العالمية وأنهم يحافظون على التراث المحلي باستخدام موسيقى محلية كتيمات أساسية في أعمالهم أو تأليف موسيقى جديدة تستلهم روح الشرق من موضوعاتها أو مقاماتها أو ألحانها ، وأنهم فقط يخضعونها لقواعد الهارموني والتوزيع الأوركسترالى العالمي وبهذا يخطون بالموسيقى العربية نحو العالمية
أما معارضوها ، وهم في الغالب من الملحنين الماهرين الذين اكتسبت ألحانهم شعبية كبيرة بفضل بساطتها وخفتها، فقد كانت حجتهم أن الجمهور لن يفهم هذه الموسيقى المعقدة وأنهم يصنعون الموسيقى من أجل الشعب الذى ينتمون إليه وليس من أجل شعوب أخرى

الواقع أن هناك عاملا هاما وراء هذا الاختلاف ، فقد جرى تعليم الموسيقيين في مصر ، وهي موطن هذه الحركة ، من خلال قناتين مختلفتين ، إحداهما شرقية والأخرى غربية ، ولم يكن هناك أدنى اتصال بين المدرستين ، الأولى يقودها معهد الموسيقى العربية العريق بالقاهرة المنشأ منذ العشرينات ، والثانية يقودها المعهد العالى للموسيقى أو الكونسرفاتوار ، وكان عدم التقاء منتسبيهما نتيجة منطقية لانعدام التواصل أثناء الدراسة أو بعدها ، د.أسامة عفيفى. في باقي الأقطار العربية سار الأمر لاحقا على نفس النحو مما ساعد على تكريس الانفصام بين الاتجاهين. 
ورغم أنه قد تم فيما بعد تطعيم كل من المدرستين ببعض المناهج التعليمية من الأخرى وإنشاء معاهد جديدة اهتمت بنوعي الموسيقى لم تسفر هذه التطورات عن حركة موسيقية أفضل بسبب سيطرة وسائل الإنتاج على أنواع الموسيقى المقدمة ومن ناحية أخرى عدم كفاية التعليم الموسيقى الأساسي في المدارس وبالتالي قلة الثقافة الموسيقية لدى الجمهور وضعف قدرته على التذوق الفني، فضلا عن إفراز أجيال جديدة من النقاد 
لم يستمر هذا النوع من الموسيقى لأبعد من الستينات كثيرا د.أسامة عفيفى ، نتابع فى المقال القادم

الثلاثاء، 8 يونيو 2010

الفنان توفيق الباشا علامة على حداثة موسيقية حقيقية

علي عبد الامير
منح جائزة "المجمع العربي للموسيقى" عن مجمل انجازه
توفيق الباشا: لم يبق شكلاً لحنياً وموسيقياً الا وقاربه باقتدار

رأت لجنة جائزة "المجمع العربي للموسيقى" وهي تعلن فوز الموسيقار اللبناني توفيق الباشا في اختتام المؤتمر السادس عشر للمجمع في الجزائر الثالث من ايار 2000 ان صاحب موسيقى "بساط الريح" قدم من الاعمال الموسيقية الالية والالحان ما جعله علامة على حداثة موسيقية عربية حقيقية، مشيرة في هذا الصدد الى قيام الباشا بالاتفاق مع شركتين لانتاج الاسطوانات المضغوطة على تقديم مجمل اعماله، كما ونوهت بثلاثة كتب اصدرها الباشا مؤخراً اثرت النهج الاكاديمي الرصين ضمن منشورات "المعهد الوطني العالي للموسيقى" (الكونسرفاتوار) في لبنان، دون ان تنسى لجنة الجائزة ان تثني على الباشا في مجمل سيرته الفنية.

الموشحات الاندلسية
في كتاب "المختار من الموشحات الاندلسية" يوضح الباشا ان المجموعة المختارة تضم ستة موشحات بكتابة اوركسترالية، كنماذج عن سعي لتطوير عرض الموشح التقليدي والحديث عبر لغة العصر، ويؤكد في لفتة تقصد نقل الموشح الى اجيال الشباب ان كتابة الموشح (اوركسترالياً) تأتي للدلالة على ان الطريقة التي مازالت متبعة منذ ما يقارب المائة عام، اصبحت "لا تليق بهذا التراث الغني بعمق الحانه المقامية والايقاعية "مضيفاً في مقدمة الكتاب:" نحن مطالبون بتوفير كل الامكانيات الغنية لتقديمه بشكل يرضي ذوق محبيه واجيال الشباب جميعاً، الذين يتلاقون على اعتزازهم بتراثهم الثري".
.

وحين يقدم الباشا رؤاه التطبيقية لفن الموشحات، فأنها تبدو رؤى محكمة وثابتة فيها من الرصانة قدر ما فيها من الابداع لاسيما وانه الذي اغنى بتآليفه هذا الشكل الموسيقي العربي الاصيل فلحّن موشحات مثل: "سلم الامر للقضا" و"ترى دهر" و"مالذ لي" و"عين حبي" و"يانزح الغرال الربربي" و"ايامن طرفه سحر" و"رميت قلبي" و"عهد البين" و"ماناحت الورق" و"قل لكرام" و"وقع المحبوب في شركي و"بالله يا قلبي" واللقاء". اما الموشحات "الاوركسترالية" فهي ثلاثة من تأليف توفيق الباشا وثلاثة اخرى من الموروث الموسيقي القديم مثل "زارني المحبوب" و"لما بدا يتثنى" ومن الحان سيد درويش "يا شادي الالحان.



توفيق الباشا:حضور فني واكاديمي في مؤتمرات الموسيقى العربية

الالة الموسيقية الغربية وربع الصوت
وضمن منشورات "المعهد الوطني العالي للموسيقى" في لبنان ذاتها صدر للفنان الكبير توفيق الباشا "الكمان والارباع الصوتية -21 دراسة عالمية" ويصف الباشا جهده هذا "محاولتنا، ما هي الا فتح طريق العزف المتقن والمميز امام عازف الكمان الذي يكون قد استنفذ دراسته تقريباً في المؤلفات التي وضعها كبار المؤلفين والعازفين في العالم السلمي (الكبير) و(الصغير) فقط". وكي يبدو جهد الفنان الباشا مكتملاً في اظهار قدرة الكمان والعازف على اظهار ارباع الصوت، تضمن الكتاب اسطوانتين مضغوطتين فيهما 21 مقطوعة اظهرتا نغمية لمقامات "الرست"، "البيات"و "السيكاه".
.

ايقاعات الموسيقى العربية
والعمل الاكاديمي الثالث للباشا، هو "ايقاعات الموسيقى العربية" الذي يمهد له فناننا بأن "الايقاع في الموسيقى هو الهيكل الاساسي الذي يركب تركيباً فنياً ليصير صالحاً لان تؤلف عليه الالحان، او بالتالي ليكسي بالنغم المناسب له" ويشبه الباشا للايقاع في الموسيقى بانه "الخط العامودي" واللحن بـ"الخط الافقي".
والايقاع كما يكتب الفنان الباشا في تمهيده: "هو العنصر الاول في الموسيقى منذ ان وجدت، ولو انه في بعض المؤلفات او في بعض القوالب اللحنية لا نستمع الى نقراته المميزة، لكنه موجود ومتغلغل في الجملة اللحنية". ويرى ان "البعض قد حول خاصيته الجمالية (الايقاع) النابضة بالحياة، الى قرقعة تضرب الذوق والاحساس وتطغي بصخبها الاهوج على ما تبقى في الموسيقى من جمال اراده الله للانسان تهذيباً ورقياً".
.

وفي تعريفه "الهيكلية الفنية للايقاع الموسيقي العربي " اوضح ان الايقاع مؤلف من ثلاث عناصر، هي: "النقر الثقيل ويسمى دم" و"النقر الخيفي ويسمى تك" و"السكوت او السكون ويسمى اس". وفي ابواب الكتاب يقدم الباشا نماذج منوطة لـ "الايقاعات الرباعية" و"الايقاعات الثلاثية" و"الايقاعات السداسية" و"الايقاعات المركبة" و"الايقاعات الاحادية المركبة" و"ايقاعات النقش و"الايقاعات الاوركسترالية". نظرة الى موسيقى الباشا والحانه في "كتاب الراوي" للشاعر والناقد اللبناني عبيدو باشا نقرأ عن توفيق الباشا وقيمته الفنية: "توفيق الباشا، احد ابرز الذين ارسوا النهضة الموسيقية في لبنان والعالم العربي، مع اخرين تلازموا في اوقات، وتفرقوا في اوقات اخرى، زكي ناصيف، عاصي ومنصور الرحباني، عبد الغني شعبان، فيلمون وهبي وغيرهم".
وحين نفحص هذا القول "احد ابرز الذين ارسوا النهضة الموسيقية في لبنان والعالم العربي" عبر اعماله الموسيقية، نجد ان الباشا حقق في هذا المعنى اشياء كثيرة ولافتة لا يمكن للناقد والمؤرخ والباحث الموسيقي الا ان يتوقف عندها طويلاً.

وفي عمله على قالب "الموشح" نجد ان الباشا كتب وأعد الحاناً باتت تشكل ركناً في هذا القالب الاساسي من قوالب الموسيقى العربية، فلو اخذنا اسطوانته: "في رحاب الاندلس" لوجدنا انها تضمنت اعمالاً تمتد في وقدت كتابتها من منتصف الخمسينات حتى منتصف السبعينات، فهناك عمله "مغناة" اعتماداً عى شعر ابن خفاجة، والذي كتبه الباشا في عام 1954 وغنته وداد بالاشتراك مع زكي ناصيف، ومغناة معتمدة على شعر ابن زيدون من اداء وداد و وديع الصافي في عام 1955 وموشح "ملأ الكاسات" الذي لحنه محمد عثمان واعده توفيق الباشا مثلما اعد موشح "ما احتيالي" الذي لحنه احمد ابو خليل القباني وادته باقتدار صوتها المطربة سعاد محمد عام 1972 كما تضمنت الاسطوانة مغناة "يا ندامى الاندلس" من شعر نزار الحر وغناء وداد وحسن عبد النبي.
.

وضمن اتجاهه في الكتابة للموشح نجد اسطوانة توفيق الباشا: "موشحات حديثة" التي تضمنت 15 موشحاً، بينها "حلم الازل" بصوت نجاح سلام، "سكب الورد" لنور الهدى، "من هام بالغيد" بصوت فدوى عبيد و"ايها الساقي" بصوت نازك وغيرها من الموشحات التي برعت فيها موسيقى الباشا. وانطلاقاً من مزواجته لكتابة اعمال للاوركسترا السيمفوني وتوقه لجماليات الموسيقى العربية واشكالها ومن بينها الموشح، جاءت اسطوانة "متتالية اندلسية" وفيها نجد مقاربة عربية في الروح والنغم لاشكال لحنية غريبة مثل "المقدمات" و"الرابسودي" وبرغم الاستعانة بالشكل الغربي الا ان عمله يظل ايماءة عربية غنية، اضافة الى انه محاولة في تقديم الروحية الموسيقية العربية بتراثها الغني الى جمهور غربي يبدو له متيسراً، تلقي اشكالاً موسيقية قريبة له.
ولو توقفنا عند اسطوانة "موشحات اندلسية" لوجدنا في توفيق الباشا براعة اخرى، هي براعة الاعداد الموسيقي، حين وزع عدداً من الموشحات الاندلسية مثل: "اسق العطاش"، "لما بدا يتثنى"، "ياليل الصب"، "زارني المحبوب" وغيرها، ويتصل هذا المسعى عند الباشا بما كان ثبته في كتابه "المختار من الموشحات الاندلسية".



علي عبد الأمير مع الموسيقار توفيق الباشا في الجزائر 2000

وضمن اتجاهه في الاعداد الموسيقي، يمكن لمحب الاعمال الموسيقية الرصينة ان يكسب وقتاً نافعاً ومثمراً وهو يستمع الى اسطوانة "الحان من بلادي" وفيها يعيد الباشا صياغة الحان غنائية شعبية ومقطوعات موسيقية صارت جزءاً من الذاكرة الموسيقية العربية كما في اعداده البارع لمقطوعتي "زوروني" و" طلعت يا محلا نورها" لسيد درويش ومقطوعات شعبية مثل "يا ام العبايا" و"اوف مشعل" واغنيات مثل "يا مايلا عالصفون" اضافة الى بعض المقطوعات التي كتبها الباشا ذاته مثل "شرقية" و"بيروتي في باريس".
.

الإنشاديات
واوجد الفنان توفيق الباشا نمطاً جمع بين الغناء الجماعي والاوبريت عبر سياق لحني خاص اسماه بالانشادية، وهكذا جاءت اعماله: "الانشادية النبوية" التي وضع موسيقاها اعتماداً على شعر احمد شوقي مع مختارات من شعر محي الدين بن عربي والحسن بن هاني، وعزفت الانشادية اوركسترا القاهرة السيمفوني بالاشتراك مع كورال اوبرا القاهرة مع اداء خاص من الممثل محمود ياسين، كذلك عمله "انشادية عظماء الدنيا وعظماء الاخرة" الذي كتبه الدكتور مصطفى محمود عن تراث الشيخ محي الدين بن عربي وعزفته اوركسترا القاهرة السيمفوني وادت مقاطعه الانشادية اصوات من كورال اوبرا القاهرة. وضمن هذا الاتجاه وضع الباشا موسيقاه لعدد من "الابتهالات" التي جمعتها اسطوانة خاصة وادتها اصوات: وداد، نجاح سلام، نازك، وسعاد هاشم وغيرها، وفيها يبرع الباشا في اجتراح شكل غنائي يقارب "الغناء المتقن" محققاً رفعة روحية غامرة ليست اقل من تلك الرفعة التي زاوجت بين الروحي الديني والاحساس الوطني وكما جاءت عليه اعماله في اسطوانة "انشاديات وقوميات"، وضمنت عملاً دينياً هو "دعاء الحق" ادته سعاد محمد ونشيد "بلادي" الذي ادته نور الهدى.
.

وبراعة توفيق الباشا في صياغة الحان لافتة دينية ووطنية، لم تكن اقل من تلك البراعة التي صاغ فيها الباشا "قصائد حديثة" حين وضع الحاناً لقصائد من عيون الشعر العربي اداته اصوات: نجاح سلام، نازك، نور الهدى، سعاد هاشم و سعاد محمد، واتصالاً مع "الغناء المتقن" الذي جاءت عليه تلك القصائد المغناة جاءت اسطوانة "المختار من اغاني الطرب" والتي ضمت ستة اعمال ابرزها "رباعيات علي محمود طه" بصوت المطرب محمد غازي. لحنه الرشيق: "أجمل سلام" ولو انتقلنا الى اسطوانة "اغاني شعبية" لوجدنا ان توفيق الباشا وقع من الالحان ما هو ناعم وشجي وقريب الى النفس كما هو الحال في لحن اغنية "انا وردة" بصوت نهى هاشم، وما هو من الالحان شيق وتطريبي وخفيف ولكن دون ابتذال كما في لحن اغنية ستظل مؤشراً على رشاقة اللحن العربي الاصيل وهي اغنية "اجمل سلام" التي ادتها بصوتها العذب المطربة سعاد محمد.
.

وحين يعتبر الباشا ايام عمله ومجموعة من فناني لبنان وموسيقيه مع "فرقة الانوار العالمية" و"مهرجان بعلبك" ايام عمل خلاقة وفيها يؤكد "بتواضع اقدر ان اقول انني اوجدت اول مسرح منوعات في الشرق العربي"، فان اسطوانة بعنوان "المختار من المهرجان" تؤكد هذا المسعى عند الباشا فهناك مقطوعات موسيقية تظهر حيوية وابتهاجاً روحياً كما في "افتتاحية بعلبك" و"دبكة الفرسان" واغنيات احتفالية كما في "رقصة السيوف" و"الحياة في القرية" بصوت وديع الصافي ونخبة من المطبين والمطربات. وفناننا لم يبق شكلاً لحنياً وموسيقياً الا وقاربه باقتدار، فله عدة اعمال يسميها "اغاني راقصة" نجدها وقد تأثرت بقوالب موسيقية غربية كما في اشكال الفالس والرومبا والسامبا والتانغو وادتها اصوات سعاد هاشم و نجاح سلام ونازك، مثلما للباشا دور في "اغاني الاطفال" حين غنت له نهى هاشم اغنيات مثل: "عيد ميلادي" و"لعبتي الجميلة" وغيرهما.
.

ويطرح توفيق الباشا اكثر من تساؤل عن الشكل الموسيقي عبر اعماله الاوركسترالية كما في "بساط الريح" و"سيمفونية السلام" و"بيروت 82" و"سيمفونية فوق البنفسجية" فهو حين حاول تسريب الجمل اللحنية العربية الهوية الى الشكل السيمفوني بدا وكأنه ينظر الى الموسيقى العربية نظرة قاصرة، غير التي كان ينظر في مقتبل حياته و اوان نضجها التلحيني، فبدت الانغام العربية وهي تلوذ بالحضور الساطع للاوركسترا السيمفوني، كما ان السؤال الذي تطرحه اعمال الباشا في هذا الجانب يذهب الى التدقيق في مدى تحقيق الاعمال السيمفونية للباشا اي حضور بين متلقي هذا الشكل الموسيقي في الغرب اذا كانت تقصد التوجه اليهم؟ ومن بين هذه الاعمال السيمفونية التي تستحق الانتباه لمتانة تركيبتها النغمية، سيمفونية "السلام" والحركة بين الاولى والثانية في عمله "بيروت 82".
.

وهناك من يقرأ توجه الباشا نحو كتابة اعمال اوركسترالية بوصفه اظهاراً لقدرات غير محدودة للرجل، وليس بالضرورة نكوصاً للجانب الموسيقي العربي فيه، ومثل هذا الرأي يبدو اقرب الى تمثل حقيقة هذا الفنان التي يقول عنها عبيدو باشا في كتاب "الراوي": "عصامي لايهادن، حين لا يني يقيم عقد الاشتباك مع كل ما يقف في وجه تطور الموسيقى، انه عصامي تنويري، حتى في لبوسه الاميل الى الكلاسيكية، اما حداثته فهي تأليفية ونابعة من الصدام مع التراث التركي في حياتنا".

سالم حسين الامير في كتابه "الموسيقى والغناء في بلاد الرافدين"

على عبد الأمير
صدر في بغداد العام 1999كتاب للموسيقار والشاعر العراقي سالم حسين الامير حمل عنوان "الموسيقى والغناء في بلاد الرافدين" وتضمن مقدمة كتبها الاستاذ الدكتور حسين امين، قال فيها ان الكتاب "عمل كبير سيخلد تاريخ الموسيقى والغناء في بلاد الرافدين منذ عصورها القديمة وحتى وقتنا الحاضر كما سيضيف الى المكتبة العربية دراسة موضوعية وتحليلية لفن الموسيقى والغناء تكون نبراساً لكل طالب لهذا الفن الانساني الجميل".
وفي باب اهلية المؤلف الاستاذ سالم حسين يضيف د. حسين امين في مقدمته "انه اهل لتحمل مسؤولية تدوين مثل هذا الموضوع لان الرجل اديب وشاعر وفنان وهو سليل هذه الحضارة العظيمة وتخرج في معهد الفنون الجميلة سنة 1952 كما حصل على دبلوم في الموسيقى من اكاديمية (فرانزليست) في هنغاريا سنة 1972 وحاضر في الاكاديمية نفسها فأبدى النشاط والكفاءة كما حاضر في جامعة كمبردج سنة 1976 وفي جامعة همبولت بالمانيا سنة 1979، وله مؤلفات عديدة في فن الموسيقى والغناء لهذا كله فان الاستاذ سالم حسين جدير بهذا العمل الحضاري المهم".

ويكتب سالم حسين الامير مقدمة لكتابه قائلاً: "وبما ان هذا الكتاب ينحصر في حدود الموسيقى والغناء فلا يسعنا الا ان نقول ما قاله فلاسفة الغرب وحكماؤه في الموسيقى والغناء: اذا اردت ان تعرف حضارة امة ما وما انطوت عليه من طبائع وسجايا فابحث عن الغناء فيها، فهو مسرح تظهر فيه ميول الامة واجواؤها بأبلغ وصف وافصح تعبير" وقال علماء الغرب في المعنى نفسه "اذا اردت ان تعرف مكانة امة من الرقي فابحث عن موسيقاها".



سالم حسين: كتابة عن الموسيقى العراقية من احد اعلامها البارزين

ويبحث الامير في "الالات الموسيقية في العراق: منذ القديم حتى اليوم" مستعرضاً انواعها ووظائفها ومواصفاتها، متوقفاً عند بعضها مطولاً مثل: آلة (العود) وآلة (السنطور) و(القانون). وحين يصل الى بحث "الموسيقى في عصر ما قبل الاسلام" في عنوان منفصل، يفاجئ سالم حسين القارئ بالانتقال بعد سطور قليلة الى بحث الموسيقى في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر الخلفاء الراشدين، ثم العصري الاموي، والعباسي بشىء من التفصيل الذي غاب عن المراحل السابقة فذكر حياة اعلام الموسيقى والغناء في (العصر الذهبي العباسي) ومنهم: حكم الوادي، ابن جامع، المطرب سياط، ابراهيم الموصلي، اسحق الموصلي، الخليفة ابراهيم بن المهدي والاميرة علية بنت المهدي والكندي والفارابي، وابن سينا وعلوية ومليح بن ابي العوراء ومنصور زلزل ومخارق والخليفة الواثق بالله وعبيدة الطنبورية ويحيى بن علي بن يحيى المنجم ودنانير ولحاظ وصفي الدين الارموي البغدادي وزرياب. ويذكر ان للموسيقيين مكانة في عهدي المغول والتركمان (1258-1534)م، ويشير الى اسماء علماء موسيقى مثل زين الدين الموصلي، وفخر الدين الشهرباني وياقوت المستعصمي وشرف الدين السهروري وبدر الدين الاربلي والكمال النوريزي والسلطان ابو سعيد وشمس الدين السروردي والصيرفي ونظام الدين بن الحكيم وجمال الدين الداسني وكمال بن البرهان الصوفي والسلطان احمد الجلائري.

المقام العراقي
ينتقل المؤلف الامير من متابعة موضوعته (الموسيقى في بلاد الرافدين) تاريخياً، الى بحث (المقام العراقي) كلون من الغناء الذي يتميز به العراق ويمتد تاريخه الى عدة قرون خلت -ويتابع ينابيع المقام في العراق واصله والتسميات الاعجمية التي ترافقه وطبيعة ادائه وغنائيه، ووصفه من حيث الايقاع في موسيقاه، وخصائص المقام العراقي في شهر رمضان ويبحث لاحقاً في شكل غنائي هو (الزهيري-الموال)، و(الجالغي) البغدادي -التخت الموسيقي المرافق لغناء المقام -ثم يقدم المؤلف متابعة ارشيفية رصينة لاعلام المقام العراقي خلال قرنين وصولاً الى ايامنا.


غلاف الكتاب
الغناء العراقي: ريفي، بدوي، مربع
ومنولوج، عربي كردي وتركماني

مثلما تتعدد تضاريس العراق وتتعدد اثنياته وقومياته، تتعدد اشكال الغناء فيه، هكذا نصل الى قراءة في الغناء الريفي العراقي واعلامه والغناء البدوي واعلامه وغناء (المربع) و(المونولوج) كسمات لافتة في غناء المدينة العراقية، كذلك نجد رصداً للغناء الكردي، والتركماني في العراق. واذا كان سالم حسين الامير درس الغناء والموسيقى في العراق بحسب المراحل التاريخية تارة وبحسب الانماذ الفنية تارة اخرى، فانه يعمق دراسته بالتوقف عند علامات بارزة ومهمة في الفن الموسيقي الغنائي العراقي، ومن اكثر هذه العلامات "معهد الفنون الجميلة" الذي ترسخت فيه وبوجود عميده ومؤسسه الشريف محي الدين حيدر ومساعده حنا بطرس ابداعات وجميل بشير وسلمان شكر ومنير بشير وغانم حداد وجميل سليم والحاج حسين عبدالله وفريد الله ويردي وزكريا يوسف وروحي الخماش وعشرات غيرهم من كبار المؤلفين والعازفين الذين ادخلوا الموسيقى والغناء في العراق الى افاق الحداثة الواسعة. العراق الرجولي فيه مطربات ناعمات!

وبحكم تاريخ فيه تحولات عنيفة وصاخبة جعلت من تاريخ العراق ذكورياً لعنفه قبل كل شيء، الا ان في الغناء والموسيقى وجوداً لمطربات بما يعادل بعض هذا الحضور الذكوري الطاغي فيذكر المؤلف اسماء: مطربات بدأن الغناء اوكائل هذا القرن، ليصل حتى نهايته، ويذكر مائدة نزهت، غادة سالم، احلام وهبي، لميعة توفيق، زهور حسين، وحيدة خليل، سليمة مراد، منيرة الهموزوز، عفيفة اسكندر، امل خضير، وصولاً الى الاسم الاحدث في الغناء النسوي العراقي: سيناء. وللغناء (الرجولي) مساحة كبيرة في كتاب الامير، قدم خلالها اسماء كثيرة، بل انه لم يتردد عن ذكر فصل خاص للمطربين في التسعينيات. وللتلحين فسحة في كتاب سالم حسين مثلما للعازفين وعلى مختلف الالات شرقية وغربية، كذلك مثلما للفرق الموسيقية العراقية، متوقفاً عند صناعة العود، وثمة فصل خاص بالنقد الموسيقي واعلامه في العراق وكانت خاتمة لطيفة وجميلة حين وضع المؤلف نصوصاً واغنيات ونوتاتها الموسيقية، هي من علامات الغناء الجميل في العراق.


شربل روحانا : أنغام خارج القالب الموسيقي العربي ولكن ضمن روحيته

علي عبد الأمير

ظلت قضية التجديد الموسيقي شاغلة المؤلف وعازف العود اللبناني شربل روحانا, لا لكونها قضية تتعلق بالشكل, وبمدى علاقة مؤلفاته الموسيقية بالقوالب الموسيقية العربية التقليدية, وإنما كونها بيانه الموسيقي الشخصي الذي يشير الى فكرة يمكن تحديد بؤرتها في جوهر نغمي خارج القالب الموسيقي العربي والشرقي التقليدي ولكن من دون انفصال عن روحيته.

وانطلاقاً من هذه الفكرة صاغ شربل روحانا عرضه بصحبة فرقته الموسيقية في "سوق عكاظ" الأردني الأربعاء الماضي وفيه تدفقت انغامه من أعماله: "مدى", "سلامات" و "مزاج علني".
ولأن السياق التجديدي هو الذي يشغل روحانا, كانت الفرقة الموسيقية تنطوي على آلات تفارق بعضها الآخر, ومن خلال هذه المفارقة كان المسعى الى الخروج بتوافق نغمي, لا بل الأكثر جرأة من ذلك والأكثر اتقاناً, وهو صوغ لحن موسيقي لا ينفصل عن فكرة ايجابية لانسان بلداننا يريدها روحانا: ان يكون متطلعاً لمواكبة عصره المتغاير ولكن من دون أن يتخلى عن ملامحه وعن العناصر التي تشكّل مرجعيته الروحية, وهي هنا في حال الموسيقى, القوالب والأنغام والميلوديات.

"مدى" كعمل موسيقي كتبه روحانا بالإشتراك مع هاني سبليني فيه من عناصر المغايرة الموسيقية ملامح كثيرة لجهة الإنفصال عن الشكل, ولجهة الثقة بتصويره فكرة تقوم على تلاقي أجواء غربية وعربية شرقية في نقطة مشتركة, هي ذروة تجليات الآلات الموسيقية وهي تنصهر مع رؤى موسيقيين بمزاجين, بوسيلتين في التعبير, ولكن وصولاً الى نقطة مشتركة. هنا عود روحانا برهافة عزفه على الأوتار, صريح في الإعلان عن مرجعياته ليس بحسب الصورة النمطية للنغم الشرقي العربي, بل نحو ابتكار نغم جديد. وهذا المسعى ذاته انشغل فيه بيانو سبليني, فكانت النقطة المشتركة (عود وبيانو) ينشدان تدفقهما النغمي ولكن من دون اصرار على أن يظلا مخلصين لمرجعياتهما الثابتة.

الشكل الذي لا يخفي جرأته في "مدى" قد يكون لاحقاً تراجع في اسطوانة "سلامات" لشربل روحانا الذي يعوض فيها حرية الشكل, باتقان في التأليف فثمة بناء محكم في القطعة الموسيقية, لكنه ليس إحكام البناء التقليدي, وإنما تعميق اللمسة التجديدية بجوهر نغمي أصيل لا تخفى مرجعياته العربية والشرقية وحتى السلافية ان شئت.
شرقي أكثر كان روحانا في "سلامات" لا في مقاربته قالب "السماعي" الذي يعد أحد قوالب التأليف الموسيقي الآلي الشرقي والعربي, وانما في صوغه نغماً ملتاعاً متأسياً شجياً, وهذه ملامح شرقية الجوهر عربية الطابع, وكي لا تظل هذه الملامح مادة خاماً وراكدة, راحت رؤية روحانا التجديدية تشتغل, فالتمعت الأنغام منبثقة من تراكم مرجعياتها. فهو حين يلعب موسيقى "محلا نورها" فإنه يقدم تنويعات على لحن الأغنية الأصلي, فمن رعشة العود الى (شمس) مشرقة راسخة في البال كما تقول الأغنية (شمس الشموسة) كأنها تطلع من الصوت الصادح البهيج للأوكورديون والتنويعات الرشيقة للإيقاع وفق الرق الذي يكاد يرقص نشواناً من الطرب.
الطرب الفيّاض بروحية تجديدية, هو جوهر موسيقى محمد عبد الوهاب, وهذه لمحة يشترك فيها شربل روحانا مع رمز التجديد في الموسيقى العربية ويجسدها في إعادته لقطعة عبد الوهاب "بلد المحبوب", وبرفقة عوده وتدفقات صوت الأوكورديون والضبط الإيقاعي الرشيق, تأتي القطعة جديدة مرتين, جديدة لأنها خرجت عن شكل الأوركسترا الكبيرة الذي كانت عليه القطعة الأصلية, وجديدة لأن بناءها لا يطابق الأصل تماماً, فهي تبدو قطعة لفرقة موسيقية صغيرة مركزها آلة العود.

"سلامات" شربل روحانا التي عزف منها في إطلالته الأردنية, عمل موسيقي يستحق أكثر من هذه السطور, فهو يلخص فكرة التجديد وجدواها, فكرة الإخلاص للموروث والإنطلاق منه في آفاق تعبيرية جديدة. كذلك فيه براعة المؤلف الموسيقي مثلما فيه فكرة العازف على العود, أهو جيد لحرصه على البراعة المقامية وإحكام الأصول والقوالب, أم أنه متميز لبراعته في إضفاء طابع روحي على العزف؟

وفي حين عزف روحانا من اسطوانته "مزاج علني" فإنما يحيل سامعه الى منطقة جديدة في تجربته. ففي الإسطوانة من "مدى" جرأة المغايرة وتجدد الأنغام مثلما فيها من "سلامات" إحكام الشكل والجوهر المستغرق في الروحية الشرقية العربية. في مقطوعة "سوار" تصوير لبهجة طافحة, وتعبير عن سعادة غامرة وروح نشوى, وكل هذا يبدأه روحانا بعزفه المتقن على العود, ومستوى لا يقل عن هذا لباقي الآلات. انه تجديد نغمي لا يتم عبر الخداع وإرتداء الأقنعة, انه يقترح أنغاماً ولكنه لا يخجل من إعلان الحفاوة بمرجعياتها الشرقية العربية.
كذلك هو أمر مقطوعة "فلامنكو", وفيها جاور روحانا اللحن الإسباني الذي يشير اليه العنوان, انطلاقاً من مجاورة لحنية عربية عبر اتصال وحوار ما كان منبهراً إلا بقدرته على التعبير الخاص والحميم, ومن دون جعجعة, كان ينقّب في الجذور العربية لذلك اللحن الإسباني.

وسعي شربل روحانا الى التجديد, وصوغ موسيقى تنتمي الى الجوهر والموروث لكن من دون إنغلاق على الحياة ومنعطفاتها بل وحتى أحداثها العاصفة, هو الذي دفعه الى اجتراح مغامرة التلحين. ففي عمله الجديد "كي لا ننسى ... محمد الدرة" الذي لحنه وغنّاه اعتماداً على نص محمود درويش, انعطاف نحو قراءة موسيقية للكلام, ونحو بناء موسيقي لا يتوقف عند لغة الآلات وحسب, وانما يتسع لدور الصوت البشري في الغناء.

روحانا الذي إعتاد اجواء الفرقة الموسيقية الصغيرة ينفتح على أفق الأوركسترا السيمفوني, يوزع ويدخل الكورال, ويحدد أي مقاطع من النص الدرويشي يؤديه (هو ليس بالمطرب المحترف) وأي مقاطع تلقيها إلقاءاً جوليا قصّار. وقبل كل هذا, يفاجيء روحانا مستمعيه بمقدرة لافتة على التلحين وعلى مقاربة النص الشعري العربي المعاصر موسيقياً.

لم يذهب الى قالب غناء القصيدة, مثلما لم يخالف نهجه في الإرتكاز على مستندات موسيقية عربية, وهنا في إسطوانته لم يبد روحانا مأخوذاً بفخامة البناء الأوركسترالي, بل أدخل أكثر من ثيمتين لحنيتين موروثتين شعبيتين من أنغام فلسطين وبلاد الشام, لتبدو الناحية التصويرية للحدث: الإنتفاضة الفلسطينية انطلاقاً من مشهد إغتيال محمد الدرة, أكثر دقة وتركيزاً.


السبت، 5 يونيو 2010

أغنية الضحايا Victims فى المركز الأول

حققت أغنية "الضحايا" Victims المركز الأول على القوائم الكلاسيكية العالمية فى موقع ساوند كليك الدولى
بهذا تفوقت الأغنية على أكثر من 30000 ( ثلاثين ألف ) أغنية من جميع أنحاء العالم


الأغنية مهداة إلى ضحايا حصار غزة

هل نستطيع القول بأن الموسيقى العربية لازالت تحيا .. وبخير رغم كل شيء؟!
.
المؤلف د/أسامة عفيفى

تحياتى