كلاسيكيات الموسيقى العربية * أرشيف * استماع *  تحميل *  نقد فنى *  تحليل موسيقى* أفلام * صور *  تسجيلات * كلاسيكيات الموسيقى العربية
كلاسيكيات الموسيقى العربية * الخمسة الكبار * سيد درويش * محمد القصبجى * زكريا أحمد * محمد عبد الوهاب * رياض السنباطى * نجوم الغناء العربى * أم كلثوم * عبد الوهاب * فيروز * عبد الحليم * ألحان التراث * موشحات * قصائد * أدوار * كلاسيكيات الموسيقى العربية

الثلاثاء، 23 أكتوبر 2018

مؤلفات عبد الوهاب الموسيقية - القافلة

موسيقى القافلة 
محمد عبد الوهاب 1949 
مقام ري مينير (نهاوند مصور) 
تعد موسيقى القافلة من أعظم مؤلفات عبد الوهاب الموسيقية إن لم تكن أعظمها على الإطلاق 
أما لماذا ترتفع مرتبة هذه الموسيقى إلى تلك المنزلة فهذا يعود إلى عدة أسباب 
1. إجادة التعبير 
2. وحدة ووضوح الموضوع الموسيقي 
3. تكريس كامل لأدوات الابتكار، الخيال والإبداع والبناء الفني 
4. استخدام التوزيع بشقيه، الهارموني والكاونتر بوينت 
5. الاستخدام البارع للأوركسترا  

ماذا كان لدى محمد عبد الوهاب ليتمكن من صنع هذا كله؟ لم يكن لديه سوى كلمة واحدة هي عنوان المقطوعة! الكلمة هي التي أعطت الفكرة والشكل والمدلول وكل شيء 
هذا بالضبط ما قصده عبد الوهاب عندما سئل عما ينقص الموسيقى العربية قائلا "التعبير بالموسيقى دون كلمات". هذه الإجابة تلخص ماضي الموسيقى العربية الممتلئ بالغناء والطرب، غالبا على حساب التعبير والتحديث، وطريق مستقبلها الذي لن يشهد أي تطور كبير دون تطوير الموسيقى كفن مستقل بمعزل عن الغناء 

عبد الوهاب في "القافلة" يصنع ما قاله بنفسه بالحرف قبل أن يرسم به الطريق أمام الأجيال اللاحقة لتنفض عنها الرتابة والملل ولتنشط إلى التعبير الحقيقي، بأدوات متطورة، عن هويتها وشخصيتها ومشاعرها، ولتتعلم كيف تكف عن اجترار القديم وكيف تبدع الجديد وتبتكر الحديث، ولا تقع فريسة للسطحية والغوغائية، أو استهلاك إبداعات الآخرين 
عمل عبد الوهاب بما نادى به، والأمثلة كثيرة على سيره في هذا الطريق، لكن هل وصلت الرسالة إلى أحد؟ وهل وجدت آذانا صاغية؟ 

تشير المصادر المتاحة إلى تواريخ مختلفة لإنتاج موسيقى "القافلة" 1949، 1955، 1962. وهذا الاختلاف قد يسبب بعض الحيرة نظرا لتطور الموسيقى والأداء الأوركسترالي كثيرا في موسيقى "القافلة" نسبة إلى موسيقات عبد الوهاب السابقة. ولا يهم هنا صياغة الموسيقى نفسها بقدر ما يهم طريقة تنفيذها، وتحديدا باستخدام الأوركسترا الشامل والتوزيع بدلا من "التخت" التقليدي ومدى توفر هذه الإمكانيات وقت إنتاج "القافلة". قد يوصلنا التعمق في البحث "التاريخي" إلى تاريخ الاسطوانة الحقيقي، لكنا سنحاول استخدام طريقة "موسيقية" للاستدلال على إشارات هذه التواريخ 
التاريخ الأقدم، 1949، ليس مستبعدا حيث سبق لعبد الوهاب استخدام الأوركسترا والتوزيع في أوبريت "مجنون ليلى"، 1940، في مقاطع أقرب إلى الموسيقى التصويرية منها إلى الغناء والطرب. وأشرنا في الحديث عن "مجنون ليلى" إلى أن العمل الموسيقي كان لفرقة موسيقى الإذاعة بقيادة عزيز صادق، وهي فرقة ذات مستوى عال في التكوين والأداء، مما يدل على أن هذا التكوين فائق الجودة كان موجودا قبل "القافلة" بعشر سنوات على الأقل ويظهر التكوين الأوركسترالي في أعمال أخرى له في الأربعينات مثل لست أدري، القمح، وعاشق الروح 
التاريخ الأوسط 1955 يقترب من وقت أعمال غنائية تضمنت موسيقى متطورة في أعمال غنائية مثل "لأ مش أنا اللي ابكي" لكنها بعيدة عن الأوركسترا الكلاسيكي المستخدم في "القافلة" 
التاريخ الأحدث، 1962، يقرب "القافلة" من سلسلة "الخيام" التي بدأت في ذلك العام بموسيقى حديثة تنتمي إلى ما يمكن تسميته "الأوركسترالية الإيقاعية" القريبة من الأوركسترا المستخدم في "القافلة" 
أيا كان التاريخ فنحن أمام عمل عظيم بكل المقاييس، إبداعا وأسلوبا وأداء، ونموذج لكيفية التعبير الفائق بالموسيقى عن مشهد ما دون أن ننطق بكلمة غير العنوان. 

التكوين الفني 
المقامات 
المقام الأساسي ري مينير (نهاوند مصور) 
شاهناز 
كورد 
نوا أثر 
الإيقاعات 
رباعي متوسط (مصمودي صغير / مقسوم) 
ثنائي (فوكس) 
الحركات 
1. الحركة الأولى 
سولو كمان حر مقام نهاوند 
سولو أبوا حر مقام نهاوند 
سولو كمان حر مقام نهاوند يتحول إلى شاهناز في ختامه مع تأكيد المقام بالأوركسترا 

2. الحركة الثانية 
مقام شاهناز على إيقاع رباعي متوسط 
إيقاع نغمي 
سولو لثنائي الأبوا / الفلوت موقع ينتهي في مقام الكورد 
إعادة لنفس السولو مع دخول الوتريات بلحن معاكس (كاونتر بوينت) 
إعادة بالأوركسترا لنفس الميلودي مع دخول آلات البوق الفرنسي في الخلفية باللحن المعاكس يتوقف الإيقاع بنهايتها 
فقرة ختامية متسارعة تعيد المقام الأساسي (ري مينر)، يتبادل أداءها آلات النفخ الخشبية والوتريات والآلات النحاسية، تتباطأ في النهاية لتستقر على خامسة المقام الدنيا 

3. الحركة الثالثة 
مقام ري مينير على إيقاع رباعي متوسط 
سولو فلوت حر في المقام الأساسي بمصاحبة آلات الشللو بلحن معاكس ينتهي بجملة قصيرة تؤديها الأبوا والكلارينيت 
إيقاع نغمي رباعي متوسط بتفاعيل شرقية (مقسوم) 
جملة مميزة تؤديها الوتريات بالتبادل مع آلات النفخ الخشبية والنحاسية 
حوار بين آلة القانون والأوركسترا على نفس الإيقاع مع مؤثر صوتي بصوت الفلوت المرتجف بين ضربات الإيقاع التي تميزها الدفوف 
حوار متسارع دون إيقاع بين الوتريات والآلات النحاسية 
حوار بين الوتريات والآلات النحاسية على إيقاع رباعي بضربات مختلفة تحول إلى مقام نوا أثر 
رد لحني على الفقرة السابقة دون إيقاع يستعيد أنغام سولو ثنائي الأبوا / الفلوت ولكن في مقام كورد الحسيني، تؤديه الوتريات تصاحبها الأبوا بلحن عكسي ينتهي بتصاعد سريع إلى قمة السلم بمصاحبة رعشات متصاعدة من آلة التيمباني الإيقاعية 

4. الحركة الرابعة 
مقام نوا أثر على إيقاع ثنائي 
إيقاع نغمي ثنائي سريع (فوكس) 
حوار موقع بين ثنائي الأوبوا / الفلوت والوتريات مقام نوا أثر يتخلله دخول الأوركسترا بجملة اعتراضية تصاعدية إلى جواب الدرجة الثالثة يتوقف الإيقاع بنهايتها 
دوران حول الدرجة الخامسة تؤديه الوتريات دون إيقاع بينما تتدخل آلات النفخ الخشبية والنحاسية لتصنع ختاما أوبراليا متباطئ الخطوات ينتهي في مقام ري مينير 
إعادة للفقرتين الأخيرتين من الحركة الثالثة 

الختام 
مقام نوا أثر 
حوار بين الآلات النحاسية وباقي الأوركسترا دون إيقاع 
ضربات ختامية حادة لكامل الأوركسترا تنهي الموسيقى بختام سيمفوني 

القالب الموسيقي 
لم يتقيد المؤلف بقالب بعينه، شرقي أو غربي، ورغم أن تمحور الموسيقى حول آلة القانون يجعل الشكل يميل بعض الشيء إلى الكونشرتو فهناك أكثر من آلة تعزف أداء منفردا مثل الكمان والأوبوا مما يجعل الموسيقى تخرج عن هذا القالب. أيضا لا يكفي الختام السيمفوني القوي لجعل الموسيقى في قالب السيمفونية لاختلاف التكوين العام لكنها أقرب إلى قالب القصيد السيمفوني الذي يتمتع بحرية أكبر في التأليف والبناء الفني 

التعبير 
تعبر الموسيقى في مجملها عن سير القافلة العربية في عدة صور .. فالقافلة تعتد وتستعد، تتحرك وتستريح، تسرع وتبطئ .. وهي حركة جماعية، لها قائد ودليل، وتشهد مطلع النهار وهبوط الليل .. تثقل بالأحمال وتخف بالآمال .. وتتوزع فيها المهام إلى أن تصل مقصدها بسلام 
والقافلة ظاهرة كونية، لكنها في المنطقة العربية لها خصوصية .. خطوات الجمال، والصحراء الممتدة بلا معالم سوى الرمال، ومسافرون على وقع مزيج من سير القافلة والأنغام العربية 

أدوات التعبير 
التمهيد بتوظيف سولو الكمان الحر في البداية 
الإيقاع باستخدام الإيقاع الشرقي الأصيل (الرباعي المقسوم) في الوسط، والثنائي السريع قرب النهاية 
التسارع والتباطؤ للآلات المنفردة والأوركسترا Acceleration & Deceleration  
•       التصاعد والتخافت Crescendo / Diminuendo 
المقامات باستخدام المقامات الشرقية التي يتميز بها الشرق مثل الشاهناز والنوا أثر والكورد، بجانب المقام الرئيسي، نهاوند، وهي وإن كانت تتميز بخصوصية شرقية لا تحتوي على ربع التون مما يؤهلها للدخول في منظومة أوركسترالية بتوافق تام. وحتى مقام النهاوند تم الاعتماد أكثر على صيغته الشرقية أي جنس الحجاز الموجود فيه وهو يشترك مع الشاهناز والنوا أثر في بعد طويل مقداره ½1 تون لا يستخدم إلا نادرا في الموسيقى الغربية 
الحوار الموسيقي بين الجمل وبين الآلات والأوركسترا 
اختيار الآلات 
  o ينم اختيار الآلات عن ذكاء موسيقي بالغ، فرغم انتماء الآلات إلى الأوركسترا السيمفوني هناك آلة واحدة لا تنتمي إلى هذا الجمع هي آلة القانون، وهي آلة شرقية استطاعت أن تجد لها مكانا مركزيا في الأوركسترا السيمفوني بفضل رؤية المؤلف وحرصه على التعبير عن الجو الشرقي بآلة شرقية وثقته التامة في إمكانية ذلك. 
  o اختيار آلتي الأوبوا والفلوت منفردتين أو كثنائي يعكس آلتي المزمار والناي الشرقيتين ولكن بأداء سيمفوني. ونتذكر هنا أداء آلة الأبوا خاصة في أوبريت "مجنون ليلى" الذي يرتكز على خلفية درامية ذات ملامح عربية صرفة 
التوزيع الموسيقي الآلي والهارموني والكاونتربوينت مع توظيف دقيق لإمكانيات الأوركسترا الكلاسيكي العالمي المستخدم في أداء السيمفونيات 

إسقاطات 
تستحق موسيقى القافلة مقارنتها ببعض الأعمال العالمية لتقارب الأسلوب والأداء رغم اختلاف الألحان 
1. موسيقى مارش سلاف، الموسيقار الروسي تشايكوفسكي 1876 Tchaikovsky 
استخدام مقام النوا أثر الشرقي كمقام رئيسي، وهو فرع من النهاوند (المينير) ونادر الاستخدام في الموسيقى الكلاسيكية العالمية 
استخدام ثنائي الأوبوا / الفلوت 
توظيف الإيقاع كعنصر رئيسي في العمل 

2. موسيقى شهرزاد، الموسيقار الروسي ريمسكى كورساكوف 1888 Rimsky Korsakov 
استخدام سولو الكمان في الاستهلال بأسلوب مشابه، وهنا يجب التنويه إلى براعة عازف الكمان وإجادته للتعبير عن الموسيقى الشرقية بأسلوب كلاسيكي عالمي، وهو ما عرف عن عازف الكمان الأول في مصر، أنور منسي، والذي قام بعزف سولو الكمان في أعمال كثيرة لعبد الوهاب أشهرها مقدمة "الفن"، وهو شقيق عازف القانون الأشهر عبد الفتاح منسي الذي ربما يكون عازف سولو القانون في هذا العمل "القافلة" 
شرقية الملامح الموسيقية وأهمها تكريس الميلودية الغنائية في بعض المقاطع مما يكسبها القابلية للحفظ والتذكر. ورغم عدم استخدام مقامات شديدة الشرقية مثل النوا أثر إلا أن مقام النهاوند المستخدم يمكنه إضفاء الجو الشرقي على الموسيقى بسهولة 
تشترك المقطوعتان في اتباعهما أصول العمل السيمفوني دون التقيد بقالب السيمفونية، وبينما تميل "القافلة" إلى القصيد السيمفوني تميل "شهرزاد" إلى المتتابعة الموسيقية 
3. موسيقى فيلمي الرسالة 1976 وعمر المختار 1981، الموسيقار الفرنسي موريس جار Maurice Jarre 
استخدام مقامي النوا أثر والحجاز الشرقيين إلى جانب النهاوند والكورد 
استخدام ثنائي الأوبوا / الفلوت 
توظيف الإيقاع كعنصر رئيسي في العمل 
ونظرا لحداثة تاريخ هذه الموسيقى التصويرية، يبدو أن المؤلف قد تأثر على نحو ما بموسيقى الشرق، ومنها موسيقى عبد الوهاب، أو قصد ذلك في طريق دراسته للموسيقى الشرقية ليتمكن من التعبير عن الجو الشرقي وحركة القوافل في الصحراء العربية 
وبينما اختار محمد عبد الوهاب إيقاع المصمودي الرباعي "المقسوم" للتعبير عن الجو العربي، اختار موريس جار في عمر المختار إيقاعا عربيا أيضا من التراث الأندلسي يسمى "نوخت" وميزانه 4/7 للتعبير عن خصوصية نفس الجو. 

بهذا المؤلف ارتقى عبد الوهاب بالموسيقى العربية إلى أعلى درجة في تاريخها، لكن بالطبع ساهمت عناصر أخرى في إخراج العمل الفني بهذا الشكل المتقن مثل تكوين الأوركسترا والتوزيع الموسيقي ومهارة العازفين وحرفية التسجيل والهندسة الصوتية، وهي عناصر تعكس ثقافة فنية عالية لجميع مستويات الإنتاج، نقد وتحليل د أسامة عفيفي موسيقى القافلة، مؤلفات محمد عبد الوهاب الموسيقية 

الجمعة، 12 أكتوبر 2018

وداعا أسامة رؤوف .. رمز الزمن الجميل

أسامة رؤوف 1938 - 2018  
رحل عن عالمنا الفنان السكندري المطرب أسامة رؤوف بعد رحلة طويلة في عالم الفن والطرب بدأت منذ خمسينات القرن العشرين. تمتع أسامة بصوت جميل وأداء معبر بالإضافة إلى شخصية رقيقة جذبت إليه كل من تعامل معه. بالإضافة للغناء كان عازفا للعود مما مكنه من عزف أغانيه بنفسه وسهل ذلك من مهمة الملحنين بالتقاطه الألحان بسرعة خاطفة

نجومية لم تكتمل 
قدم الفنان الراحل عشرات الأغاني للإذاعة والتليفزيون اشتهرت منها خاصة "أرض الفيروز" من ألحان محمد الموجي. وفي السينما اشترك بأغنية "شيء غريب شيء عجيب" في فيلم "منتهى الفرح" من ألحان محمد الموجي عام 1963 مع باقة من نجوم الغناء على رأسهم محمد عبد الوهاب الذي غنى "هان الود" في نفس الفيلم، بالإضافة إلى شادية وصباح وفايزة أحمد ومها صبري وفريد الأطرش

لا يعرف أحد على وجه التحديد لماذا تقوقع أسامة رؤوف في الإسكندرية بعدما أتيحت له عدة فرص لنجومية كبيرة في القاهرة لكنه، كما ألمح لي، لم يشا ترك عمله بالإسكندرية وكانت هناك عقبات اجتماعية حالت دون نقل نشاطه للقاهرة بصفة دائمة. 
وهذه الأسباب ليست قاصرة عليه في الواقع وإنما اشترك فيها كل فناني الإسكندرية تقريبا، وقليلون فقط غامروا بترك مدينتهم وأعمالهم وضحوا باستقرارهم الاجتماعي في طريق الفن، فنحن نعرف هذا عن كبار الموسيقيين مثل جلال حرب ومحمد عفيفي وفتحي جنيد وغيرهم كثيرون لم تسمح ظروفهم بالمغامرة، ولم يفلت من هذه القيود غير سيد درويش وسلامة حجازي وكامل الخلعي ومحمود الشريف ورغم ثراء المدينة الفني ظلت القاهرة هي موطن صناعة الفن ومصدر أضوائه 
لم يعتزل أسامة رؤوف الغناء عندما توقفت إذاعة الإسكندرية عن الإنتاج الفني في أواخر التسعينات وظل يقدم فنه في الحفلات العامة في الألفية الثالثة. 

أول لقاء 
لكن لقائي مع أسامة رؤوف بدأ قبل ذلك بكثير حين استمعت له لأول مرة في إحدى الحفلات، كان هو وقتها مطربا معروفا وكنت طفلا صغيرا، لكني أعجبت بغنائه وشهدت إعجاب الجمهور به. لم يخطر ببالي وقتها بأنه سيغني يوما من ألحاني، مر اللقاء مرور الكرام وطوته السنون مع الصفحات القديمة إلى أن عدت إلى مصر بعد سفر طويل وقررت العودة إلى الفن من باب الإذاعة.

نقطة ع الهامش 
قدمت أول لحن لي بالإذاعة عام 1990 فرشح مدير الموسيقى والغناء، الأستاذ مختار أبو السعد، أسامة رؤوف لغنائه وسررت جدا بهذا الترشيح، فكان أسامة أفضل صوت في الإسكندرية على الإطلاق وامتدت نجوميته للقاهرة، ومن ناحية أخرى حقق لي حلما لم أحلم به، أن يغني من ألحاني ذلك الفنان الذي كان نجما بينما كنت أتعلم كيف أمسك بالكمان. أما اللحن فكان لأغنية يصور فيها المؤلف حمدي حامد حبه للإسكندرية قائلا "وكل الدنيا من بعدك .. مجرد نقطة ع الهامش"، وبدأت بروفاته مع أسامة في منزله بالإسكندرية.
مواقف حرجة 
مر هذا اللحن بظروف صعبة أثناء التنفيذ تسببت في عدة مواقف حرجة
الأول كان مع قائد الفرقة الموسيقية، الموسيقار شريف الأبيض، فقد أضفت بعض الآلات النحاسية للفرقة التي كانت تتألف من "تخت" بسيط، وكنت أخشى أن يتسبب ضعف الفرقة في إضعاف اللحن. 
ولكن حدثت مفاجأة قبل التسجيل حين اعترض قائد الفرقة على إدخال الآلات النحاسية إلى الاستوديو قائلا إن هذه الآلات لن يتحملها الاستوديو وأنها "ستزلزل الجدران" .. لم أشأ إحراجه بالإعلان عن مخاوفي من أن الفرقة لن تستطيع أداء النوتة المكتوبة، وشعوري مقدما بأن أي لحن سوف يعاني مما عانت منه عشرات ومئات الألحان طالما سيقدم بنفس الأداء. 
استمر هذا الموقف المتوتر لبضع دقائق إلى أن حضر مهندس الصوت ليقول "لا ضرر من إدخال الآلات النحاسية" فمضى كل شيء كما خطط له. كان أسامة رؤوف موجودا معنا لكنه فضل عدم التدخل مطلقا وانتظر حتى تم التوصل إلى اتفاق.

الموقف الثاني بعد أن تم التسجيل ونسينا ما حدث، جاء مهندس الصوت ليدعونا للاستماع إلى التسجيل .. فوجئت بأن أداء الآلات النحاسية في استهلال اللحن كان سيئا للغاية. اكتشف المهندس عدم رضائي فعرض عليّ إعادة التسجيل لكني شعرت بأنه لا فائدة من ذلك فالخطأ كان في كيفية العزف، ولأني أيضا لم أشأ إحراج العازف طلبت من المهندس حذف الاستهلال كلية وبدء اللحن من لحظة دخول الإيقاع، فأجابني لطلبي وانتهى الأمر.

أما المفاجأة الثالثة فكانت مع مطربنا أسامة رؤوف .. سمعت من الجميع كلمات مثل "جميل .. تمام .. أوكي" لكن قائد الفرقة والعازفين لاحظوا أني لم أكن راضيا. كنت أطمع في أداء أفضل فطلبت إعادة التسجيل. فلما سألني القائد عن ملاحظاتي قلت له كذا وكذا فقال .. "أنا أعرف أسامة أكثر منك .. إن أعاد اللحن فسيؤديه بنفس الطريقة، هذه هي طريقته في الغناء"، فاحترمت خبرته، خاصة وقد أكد لي أعضاء الفرقة نفس الكلام، وبلغ بي الحرج أشده .. فهذه المرة مع المطرب، والإعادة ليس فيها أي إحراج لكن إذا لم أقبل بنتيجة الإعادة سيكون عليّ تغيير المطرب وهو ليس أي مطرب .. إنه مطرب معروف وغنى لملحنين أكبر مني بكثير، وهو أفضل من لدينا في الإسكندرية .. ولأنه شخص خلوق متواضع شديد الأدب كنت أخشى أن أقسو عليه بتحفظاتي لشعوري بأنه إنسان رقيق شفاف كما لو كان قد خلق من زجاج .. لذلك أخفيت عنه الأمر وخرجت إليه مهنئا وشاكرا مع تمنياتي بأن نجتمع في أعمال أخرى

تعلمت من هذه المواقف الكثير .. أهمها أنه صحيح لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن، ولذلك فإن الملحن بصفته قائد العمل يجب أن يتوقع الكثير من المشاكل والعقبات أثناء التنفيذ وعليه أن يتصدى لها بكثير من الصبر والحكمة حتى يصل عمله إلى الناس في أجود صورة "ممكنة"، وهذا أفضل من أن لا يصل مطلقا، وأن الفن الذي يصدر في النهاية عن بشر ذوي إحساس مرهف، وهم قليلون في هذه الحياة المليئة بالنماذج الفجة والسلبية، لا يجب أن يفصلنا عنهم بل على العكس أن يربطنا بهم أكثر فهم مكسب كبير لكل من يقدر الفن والعلاقات الإنسانية
لقاءات أخرى 
في أوائل التسعينات كان لي شرف حضور البروفات الأولى لأغنيتين من أواخر أعماله للإذاعة هما "جميل يا ليل" و"أنا متفائل" من ألحان الموسيقار الراحل محمد عفيفي التي تمت في منزلي 
كان أسامة يقطع مسافة طويلة حتى يصل إلينا لكنه كان يحب الفن والفنانين ولا يبخل بجهد أو وقت في سبيل توصيل رسالته. وكنت عندما ألتقي به أشعر بأنه ما زال شابا لم تأخد السنوات من وسامته ولا بسمته أو هدوئه رغم المشاكل الاجتماعية المزمنة التي مر بها، على العكس أحس بأنه يضيف إلى إحساسي شيئا أصيلا ومبهجا يبشرني بأن الدنيا مازالت بخير 
في آخر حديث بيننا في 2015 دعوته لتكريمه في أحد الاحتفالات الكبرى لكنه اعتذر لأسباب صحية، ثم رجوته أن يجهز لي جميع أغانيه لأنشرها باسمه على الإنترنت فكان جوابه "للأسف لا أحتفظ بأي تسجيلات" .. فنشرت له الأغنيات الثلاث التي حصلت على تسجيلاتها على يوتيوب من باب التسجيل والتقدير، اثنتان منهما على قناة الأستاذ عفيفي والثالثة على قناتي، وأتمنى أن نرى قناة باسم أسامة رؤوف قريبا لكن على أي حال فإن أعمالا عديدة له موجودة على يوتيوب وإن كانت بصورة متفرقة
أيضا هناك أعمال باسم أحمد أسامة رؤوف، نجل الفنان الراحل، وهو مطرب صاعد يتمتع بصوت رائع وأداء جميل ونتمنى أن يكون امتدادا طبيعيا لفن والده الذي افتقدناه كثيرا وأن ينال حظا أوفر في الفن والحياة
سيظل أسامة رؤوف رمزا من رموز الزمن الجميل ومن أحب الفنانين إلى قلبي، وستظل ذكرياتي معه جميلة مضيئة مهما مضى الزمن، رحم الله الفنان الجميل والإنسان الرقيق وأدخله جناته آمين 
تحرير أسامة عفيفي 
روابط 
قناة أسامة عفيفي - يوتيوب 
قناة محمد عفيفي - يوتيوب 
الموسيقار محمد عفيفي 

الأحد، 7 أكتوبر 2018

مؤلفات عبد الوهاب الموسيقية - الحب الأول

موسيقى الحب الأول 
محمد عبد الوهاب 
مقام دو ماجير (عجم الراست) 1949 
يعود بنا محمد عبد الوهاب إلى الجو الرومانسي في موسيقى "الحب الأول"، وهي وإن اختلف موضوعها مازالت تنتمي إلى سلسلة موسيقية تتشابه في الأسلوب وتتقارب في السمات. 
ولكي يضيف إلى هذه المقطوعة شيئا يمنحها بعض الرومانسية أدخل إليها مقطعا مميزا عبارة عن لحن عاطفي غنائي راقص، في الحركة الثانية، يتماشى مع عنوان المقطوعة التي جاءت معظم أجزائها في صيغة تقريرية كأنها تحكي قصة قديمة لم يبق منها غير الذكريات، لذا كان من الأفضل "ترصيع" هذه الذكريات بشيء يشيع البهجة 

في إضافة جديدة إلى الموسيقى البحتة يقدم عبد الوهاب آلة الأكورديون بأداء خاص في الحركة الثالثة، على الأقل لأنه يستخدم آلتين في وقت واحد لكل منهما صوت وأداء مختلف، الأول للميلودي والثاني للردود. نجد مثيل هذا الأداء الخاص في الموسيقى الشعبية لدول شمال البحر المتوسط التي دخلت آلة الأكورديون عن طريقها إلى الشرق العربي مثل إيطاليا وجنوب فرنسا 
لكنها لم تكن المرة الأولى التي استخدم فيها عبد الوهاب آلة الأكورديون، فقد استخدمها في أغاني الأفلام خاصة مع التانجو مثل لحنه الشهير "سهرتُ" عام 1935 

التكوين الفني 
تتألف الموسيقى من 
تمهيد 
موسيقى حرة قصيرة في المقام الأساسي دو ماجير 
1. الحركة الأولى 
    • مقام دو ماجير 
    • إيقاع ملفوف سريع 
    • تتابع من جمل تنازلية تبدأ من قمة السلم 
    • تستخدم الحركة الأولى كتسليم لكنها تتصل مباشرة بالحركة الثانية 
2. الحركة الثانية 
    • حركة غنائية راقصة 
    • مقام نهاوند / دو مينير 
    • إيقاع ثنائي مقسوم 
    • تنتهي بالماجير 
    • موصولة بالحركة الثالثة بدون تسليم 
   • تتميز هذه الحركة الغنائية بإيقاع راقص لم يتكرر في بقية أجزاء المقطوعة
3. الحركة الثالثة 
    • مقام دو ماجير 
    • إيقاع ثنائي 
    • تنقسم إلى قسمين 
     * الأول موسيقى جديدة يتخللها حوار قصير بين القانون والأوركسترا 
    * الثاني عبارة عن تسليم بآلة الأكورديون 
ختام تسليم أوركسترا في ختام المقطوعة بالحركة الأولى 

خصائص 
أنقل هنا مرة أخرى بعد "ليالي الجزائر" ما كتبته بالحرف في تحليل موسيقى "المعادي" لبيان تشابه الأسلوب في ثلاث مقطوعات حتى الآن تنتمي إلى نفس السلسلة من سلاسل موسيقى عبد الوهاب التي أفردنا لها مقالا خاصا، نقد وتحليل د أسامة عفيفي، مؤلفات عبد الوهاب الموسيقية، الحب الأول 

1. وحدة الإيقاع : إيقاع موحد / ثنائي سريع 
2. بساطة التركيب 
    • تقسيم العمل إلى أجزاء 
    • لحن مميز يستخدم كتسليم 
    • استخدام العزف المنفرد 
    • الختام بالمقدمة 
3. الحوار بين الجمل (في المقدمة) 
4. التفرع إلى مقامات قريبة من المقام الأساسي 

تنتمي موسيقى "الحب الأول" إلى سلسلة "المعادي" التي أسميت باسم أول مقطوعة فيها، وتشمل 
سلسلة المعادي 1946 – 1955
ليالي الجزائر - الحب الأول - سامبا - كوكتيل - أيامي - أنغام الشباب 
وتتميز السلسلة بسرعة الحركة في اللحن المميز وخلوه من المقامات الشرقية 

ويختلف أسلوب "الحب الأول" قليلا عن بقية السلسلة في نقطتين 
استخدام  تمهيد حر قصير في البداية 
إدخال إيقاع المقسوم الراقص في الحركة الغنائية 
في المقالات القادمة سنستمر في الاهتمام بالإشارة إلى أي سلسلة تنتمي إحدى مقطوعات عبد الوهاب حتى تسهل معرفة خصائص إحداها بنسبتها إلى سلسلة ما