ولحن اليوم "يا بلح زغلول" من الألحان النادرة التي سمعنا فيها صدى لحن سابق لسيد درويش هو "زوروني كل سنة مرة" الذي لحنه في مقتبل شبابه، إذ أنه بصفة عامة لم يكرر جملة موسيقية في ألحانه
ونسمع صدى آخر لاستهلال "يا بلح زغلول" و"زوروني" مقتبسا في لحن محمود الشريف الشهير "رمضان جانا" 1943 الذي غناه محمد عبد المطلب وأصبح أيقونة شهر رمضان وشعار كل المنصات والفضائيات في الشهر الكريم
وفنيا نلاحظ في لحن "رمضان جانا" الانفصال التام بين موسيقى مقدمة الأغنية واللحن الغنائي، إذ أن مقامها الموسيقي يختلف عن مقام الغناء، الأول نهاوند مصور "ري مينير" والثاني عجم مصور "فا ماجير". وهناك اختلاف أيضا في الإيقاع، فالموسيقى على رتم ثنائي سريع بينما الغناء على إيقاع "الوحدة الكبيرة" الرباعي. ويظل هذا الانفصال موجودا وبارزا بعد استخدام لحن المقدمة نفسه كفاصل موسيقي بين المقاطع الغنائية "الكوبليهات". وهكذا فالموسيقى تختلف مع الغناء مقاما ونغما وإيقاعا، وهذا لا ينفي رونقها وجودتها، لكنها تبدو وكأنها صنعت تمهيدا للحن آخر، حيث نسمع الغناء مفاجئا على سلم آخر بنغم مختلف وإيقاع مختلف
بلغ تأثير سيد درويش على الفنانين اللاحقين حد أن قال عنه رياض السنباطي "نحن، كبارنا وصغارنا، نلهو في حديقة سيد درويش"
يذكر أن لحن "يا بلح زغلول" لم يقدمه سيد درويش كلحن شعبي من ألحان الطوائف التي اهتم بها كثيرا، ولم يقصد به نداء بائع البلح كما كان في "القلل القناوي" مثلا. وإنما كان لحنا وطنيا بامتياز! إذ أنه قصد به التحايل على سلطات الاحتلال التي قامت بنفي سعد زغلول زعيم ثورة 1919 ومنعت تداول اسمه في الصحف، والتورية واضحة
ولم تكن هذه المرة الوحيدة التي تحايل فيها سيد درويش على السلطات، فقد كان في دور "عواطفك" على سبيل المثال إشارة إلى اسم الخديوي عباس حلمي الثاني الذي عزله الانجليز وطالب الشعب بعودته. وظهر الدور كأنه عمل غنائي عاطفي بينما كان في مطلع كل شطرة من شطراته حرف من العبارة "عباس حلمي خديوي مصر"!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق