أوشك ربع قرن من الزمان أن ينقضي على رحيل موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وما زال فنه يثري الساحة العربية بكل غال وجميل في عالم الفن. وإلى جانب قدرات محمد عبد الوهاب الفنية في صناعة الموسيقى والتلحين، وهبه الله صوتا قادرا معبرا رقيقا تنفذ نبراته إلى القلوب قبل الآذان! وهناك معايير علمية لإمكانيات صوت عبد الوهاب الفريد يمكننا استكشافها
1. المـــدى: مدى صوتى واسع يقترب من أوكتافين كاملين
2. الثبــات : ثبات شدة الصوت مع اختلاف الحدة والدرجة والنغمة
3. المرونة: صوت طيع يجيد التعبير والتنقل بين النغمات بسهولة تامة
4. الدقـــة : تحديد المقام الموسيقى بكل دقة
5.الوضوح: مخارج الألفاظ متقنة، ويندر أن تسمع لعبد الوهاب ألفاظا غير واضحة
5.الوضوح: مخارج الألفاظ متقنة، ويندر أن تسمع لعبد الوهاب ألفاظا غير واضحة
6. جمال الصوت: ولو أنها مسألة نسبية لا يمكن قياسها إنما يمكن اعتبار أن الصوت تصدر عنه ذبذبات مريحة للأذن البشرية
7. النقـــاء: عند سماع الغناء دون موسيقى لا تسمع حوله دوائر ضوضائية
8. أذن موسيقية مرهفة: الحاسة التى تجعل الفنان يتمكن من المادة موسيقية ، ويحكم بتمييز صائب على الأصوات
9. التعبير: قدرة التعبير بالصوت تمكن من توصيل الشعور إلى السامع مباشرة وبكل تفصيل
بدايات قوية
سجل أغنيتين من أهم أغانيه، وكان لهما دويا هائلا وإعجابا كبيرا بين جمهور المثقفين والعامة على السواء وهما أثبت عبد الوهاب قدرته الفائقة على الأداء التعبيري في أوائل ألحانه مثل "في الليل لما خلي" و"أهون عليك" عام 1928.
سجل أغنيتين من أهم أغانيه، وكان لهما دويا هائلا وإعجابا كبيرا بين جمهور المثقفين والعامة على السواء وهما أثبت عبد الوهاب قدرته الفائقة على الأداء التعبيري في أوائل ألحانه مثل "في الليل لما خلي" و"أهون عليك" عام 1928.
لم تمض إلا بضع سنوات حتى أطلق على محمد عبد الوهاب لقب مطرب الملوك والأمراء بعد غنائه في حفل افتتاح معهد الموسيقى العربية أمام بعض ملوك وأمراء الدول المشاركة عام 1932.
ثم بعد عام واحد في 1933 قدم أول فيلم غنائي له "الوردة البيضاء"، وعمره 29 عاما،. وتوالت ألحانه للسينما فقدم عشرات من أجمل الأغاني التي تميزت بالبساطة والتحديث، ومثل غناء عبد الوهاب القيمة الكبرى لتلك الأفلام بالإضافة إلى ألحانه.
ثم بعد عام آخر، في 1934 دخل عبد الوهاب ستديوهات الإذاعة المصرية ليغني في افتتاحها.
اعتزال الغناء في الحفلات العامة
و أمام الجمهور ظل عبد الوهاب يغني حتى عام 1940، وقد بلغ 36 عاما، ثم توقف عن الغناء في الحفلات العامة وهو فى قمة مجده، لكنه استمر يغني من خلال وسائط أخرى. كان قراره باعتزال الحفلات العامة راجعا إلى عدة أسباب:
1. التغير فى طبيعة صوته مع التقدم في السن، وقد رأى عبد الوهاب أنه قد لا يستطيع تلبية طلب الجمهور الذي كان يطلب منه غناء أغانيه الأقدم ذات المدى الصوتي الواسع، والتي كانت سببا في شهرته، فقرر قصر غنائه على الاسطوانات والإذاعة والسينما ليقدم فيها الجديد بما يناسب صوته.
2. ظهور الإذاعة: قل جمهور الحفلات الذي أتيح له سماع عبد الوهاب وغيره عبر أجهزة الراديو.
3. السينما: أغنى رواج أفلامه السينمائية عبد الوهاب عن الظهور في الحفلات، فقد كان جمهور السينما بالآلاف وساهم انتشارها في جميع البلدان العربية في زيادة جمهور عبد الوهاب أكثر كثيرا من جمهور الحفلات.
المفارقة الكبرى كانت في أن اعتزال محمد عبد الوهاب الغناء في الحفلات لم ينظر له أبدا على أنه توقف، فقد ظل خلف الستار منتهزا فرصة غياب اللقاء المباشر بالجمهور ليجرب أشياء جديدة في الفن، وتجرأ أكثر على التجديد والتحديث بعيدا عن جمهور الحفلات التقليدي العاشق للقديم. فقدم ألحانا جديدة أطلق فيها العنان لرغبته في التطوير. وله في تلك الفترة ثلاثة أفلام قام ببطولتها وفيلم اشترك فيه بالغناء فقط وأنهى تلك الحقبة السينمائية عام 1949 بفيلم "غزل البنات" مقدما أغنيته الشهيرة "عاشق الروح"، وكان ضيفا على الفيلم الذي قام ببطولته بطولة نجيب الريحانى وليلى مراد. لكنه عاد مرة أخرى للسينما ضيفا أيضا، في فيلم منتهى الفرح عام 1963 بأغنيته "هان الود". وبين آخر فيلمين استمر يغني 15 سنة أخرى الستينات قبل أن يعتزل الغناء تقريبا فى كل الوسائط.
رغم تغير صوت عبد الوهاب في مراحل متعاقبة استمر كل منها حوالي عشر سنوات تقريبا إلا أن الأداء الجميل أكسب صوته جمالا في كل مرحلة يسيطر على مشاعر الناس، واستطاع أن يحتفظ بالقمة في الغناء كما في التلحين.
القصائد الكبرى
خلال الأربعينات والخمسينات قدم عبد الوهاب سلسلة من القصائد الكبرى لأعظم الشعراء تميزت بثراء فني شديد جعلته يتربع على قمة جديدة عكست نضوج فنه الذي أصبح يمثل وجدان أمة وليس مجرد إنتاج فردي، وقد أعلت كثيرا من منزلته ومكانة فنه في العالم العربي. تغنى عبد الوهاب في تلك القصائد بوصف مصر، الأرض والتاريخ والنيل والنسيم، مقدما الجندول والكرنك وكليوباترا ودعاء الشرق وفلسطين والنهر الخالد. وهي أعمال أصبحت من رموز الشرق، كما أصبخ هو نفسه رمزا له.
وكان تأثير قصائد عبد الوهاب عميقا في كل فئات الشعب، وليست هناك أي مبالغة في القول بأن تلك الأعمال التي بثت روحا جديدة في الفن والمجتمع قد ساهمت في التغييرات الكبرى التي اجتاحت المنطقة العربية في في تلك الفترة التي صعدت فيها المطالبات بالحرية والسيادة الوطنية. وفي قصيدة فلسطين حرك عبد الوهاب أعمق المشاعر بلحن عربي خالص وأداء باهر مس قلوب الجماهير العربية.
تفرغ عبد الوهاب للتلحين بدءا من عام 1964، وهو العام الذي بدأ فيه التلحين لأم كلثوم بلحنه الشهير "إنت عمري"، ثم عاوده الحنين إلى الغناء وقد قارب التسعين من عمره فقدم أغنيته "من غير ليه" وهي أغنية فلسفية ختم بها أعماله.
كان لدى عبد الوهاب عدة دوافع لتقديم تلك الأغنية بصوته رغم تقدمه في العمر
· كلمات الأغنية عكست شعوره بطول العمر مع إلحاح الذكريات
· أنه لم يجد صوتا في الساحة يصلح لأداء هذه الأغنية
· الرد على موجة الأغاني الهابطة التي انتشرت في ذلك الوقت فيما عرف بالأغنية الشبابية، ورغم أن عبد الوهاب معروف بأنه شخصية مجاملة للغاية، لم يتردد في اتهام الفنانين الجدد بأنهم دخلاء على الفن، ونادى بضرورة "عودتهم إلى جحورهم”. وقدم بهذا العمل نوذجا لما يجب أن يكون عليه الفن المهدد برحيل الكبار أو اعتزالهم. وقد نجه في مهمته إلى حد كبير فقد استجاب الجمهور لندائه وبيع من تلك الاسطوانة مليونا نسخة يوم صدورها.
وإلى جانب النموذج الفني الذي قدمه عبد الوهاب كمطرب قدم نموذجا إنسانيا لا يقل أهمية تمثلت عناصره في جوانب غاية في الأهمية
· الثقافة العالية جعلته يقدم فنا راقيا كلمة ولحن وأداء.
· الالتزام الاجتماعي بالسلوك الراقي واحترام الآخرين والحرص على الظهور دائما بشكل يحترمه الجمهور، بالإضافة إلى احترام قيم وتقاليد المجتمع العربي، فلم يسمع عنه انحرافا في سلوك أو أخلاق وكان محل ثقة الجميع
· الالتزام الفني بتقديم الفن الجيد والراقي نموذج ومكافحة الفن الهابط
ويظل عبد الوهاب نجما مطربا كما كان كملحن وموسيقي، فقد نجح باقتدار في التأثير في مشاعر الناس وكسب حبهم عبر صوته وأدائه الفريد.
روابط
عبدالوهاب لم يغن أغنية " من غير ليه " عندما قارب التسعين بل غناها عندما كان في الخامسة و السبعين لكنه قام بتسجيل الموسيقى على صوته المسجل سابقاً و قدم الأغنية عندما كان يقارب التسعين من العمر
ردحذفو بلا شك فإنها أغنية جميلة جداً
عزيزي .. أولا نعتذر عن تأخر الرد لهذه الفترة الطويلة بسبب حجب تعليقك بواسطة جوجل في قائمة تغليقات مخفية دون إعلامنا
ردحذفمع احترامنا لوجهة نظرك نود لفت الانتباه إلى التسجيل التليفزيوني الشهير لعبد الوهاب مع الإعلامي مفيد فوزي والذي أظهر تسجيل بروفة الأغنية قبل إذاعتها بقليل عام 1990 وبالطبع كان عبد الوهاب يغني في البروفة بالإضافة إلى حديثه الشيق
السؤال لحضرتك .. إذا كانت الأغنية جاهزة في السبعينات فلماذا لم يقدمها وقتها؟!