الموال في الأصل غناء مرتجل اللحن يتم إبداع لحنه بواسطة المطرب لحظة غنائه، أي أنه لا يتم "تلحينه" مسبقا، وإن تم كسر هذه القاعدة على يد عبد الوهاب ثم غيره لاحقا، وينطبق هذا الوصف خاصة على الموال "الحر" أي بدون إيقاع. ولأنه يضيف إبداعا لحظيا يمكن أن يختلف في كل مرة فهو يعكس ويقيس قدرة إبداعية لدى المطرب مضافة إلى غنائه
أما الموال الموقع فيصاحبه إيقاع، ويحتاج غالبا إلى لحن مسبق يضعه الملحن ويغنيه المطرب، ويحتاج كلا النوعين إلى مطرب محترف ولا يجري ترديد الموال على ألسنة الجمهور مثل الأغاني
نورد هنا مثالين نموذجيين للموال الموقع في عملين أحدهما تغنيه فيروز من ألحان فيلمون وهبي والآخر يغنيه محمد عبد الوهاب من ألحانه، وبينهما 15 عاما تقريبا (1958 – 1973)
يا دارة دوري - فيروز - الطقطوقة والموال
تأتي الأغنية في قالب الطقطوقة العتيق دون تغيير في لحن الكوبليهات مما يساهم في سهولة ترديدها، لكن الموال الموقع في وسط الأغنية جاء مفاجاة لسير اللحن في ذلك القالب الذي لا يحتوي أساسا على أي نوع من غناء الموال، بإيقاع أو على غير إيقاع
الأغنية من كلمات الأخوين رحباني أما الملحن فهو فيلمون وهبي الذي لحن لفيروز عديدا من أشهر أغانيها، مثل جايبلي سلام، طيري يا طيارة، فايق يا هوى، كتبنا وما كتبنا، ليلية بترجع يا ليل، من عز النوم، يا مرسال المراسيل، وتتميز بالشرقية العذبة التي تجمع بين الطرب وبساطة اللحن
كان علم الرحابنة رفيقا لصيقا لراية فيروز مهيمنا على أعمالها بالكلمات والألحان، حتى أن أسماء من لحنوا لها من خارج الأسرة الرحبانية لم تنل حقها فظلت مجهولة لمعظم الجمهور الذي اعتقد أن فيروز لا تغني إلا من ألحان الأخوين، من هؤلاء كان فيلمون وهبي وزكي ناصيف ونجيب حنكش
يا دارة دوري – فيروز - كلمات الأخوين رحباني – ألحان فيلمون وهبي - مسرحية "المحطة"
والمفاجأة التي نتحدث عنها في "يا دارة دوري" مفاجأة ذات وجهين
- الأول سلبي لأنه "كسر" سلاسة قالب الطقطوقة وحول الغناء من الجمعي إلى الفردي، بفرض أداء منفرد للمطرب المحترف في وسط اللحن لا يستطيع الجمهور مسايرته
- الثاني إيجابي بإضافة جماليات الموال إلى لحن الطقطوقة
ونأتي للحن الموال ذاته، وهو لحن مميز خارج سياق الطقطوقة كما ذكرنا، فقد تفرع من المقام الأساسي، الراست، إلى مقام "سوزناك"، وهو فرع من الراست حتى أنه يسمى أيضا "راست سوزناك" ويختلف بتغيير جنس الراست على الدرجة الخامسة إلى جنس الحجاز ، مضيفا كثيرا من العاطفة إلى المقام الأصلي. لكن الموال ينتهي بمقام الراست الطبيعي في الختام
خي خي - كلمات حسين السيد - ألحان وغناء محمد عبد الوهاب
موال "يا دارة دوري" لفيروز وموال "خي" لعبد الوهاب
يذكرنا موال فيروز الشجي بموال عبد الوهاب في أغنيته "خي" وكأنه مقتبس منها. فهناك عدة عناصر تستدعي التشابه
- تشترك الأغنيتان في المقام الأساسي، الراست
- يأتي الموال الموقع وسط الأغنية في كل منهما
- يتشابه، بل يتطابق، الإيقاع المصاحب في الموالين، توقيعا ونغما
لكنهما يختلفان في عنصرين
- الأول أن موال فيروز لا يتضمن كلمات غير كلمة "يا ليل"، بينما موال عبد الوهاب يسير على كلمات ملحنة "أمانة لو يسألك"
- الثاني أن موال فيروز يتفرع بالمقام إلى مقام فرعي بينما يبقى موال عبد الوهاب في المقام الأساسي
نشير بالمناسبة إلى أننا نستخدم اصطلاح "أغنية" الشائع لكل من العملين ليس باعتباره من قالب "الأغنية" كأحد قوالب الغناء العربي الذي يتمتع بمواصفات معينة، وإنما بصفته عملا غنائيا بصرف النظر عن القالب المنتمي إليه. من الناحية التوصيفية ينتمي عمل فيروز إلى قالب الطقطوقة بينما ينتمي عمل عبد الوهاب إلى قالب الأغنية الصريح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق