كتبه: موتلو تورون ترجمة: فاضل التركي - إهداء للعزيز الأستاذ أحمد الصالحي
الموسيقى التركية لم تزل تتغير. و من أجل توجيه هذا التغيّر، فإنه من الواجب تعليم المؤلفين و الوسطاء ( التلفزيون، الراديو و الناشرين الذين يختارون الموسيقى ويعرضونها على عموم المستمعين) و المستمعين، تعليمهم جيّداً. و بما أن كلاً من هذه المجموعات تتطلب بحثاً مستقلاً بذاته، فسأخصص هذه المقالة لما يتوجب على المؤلفين عمله. تعدد الأصوات يضيف بعداً آخراً للموسيقى. لا يجب أن تُحرم الموسيقى التركية من هذا البعد. و عندما تُنَفّذُ تعددية الأصوات بذكاء بطريقة تناسب الموسيقى التركية، فإنها تعملُ. ولا نستبعد في ذلك الاستماع والتجريب والبحث. على المؤلفين أن لا يخشوا التفكير في الموسيقى التركية وتعدد الأصوات معاً. الكلمات تحدّ من التجريد و الذاتية في الموسيقى؛ و يضيع المستمع خياله و حريته اللانهائية في الاختيار. (مهما كان الشعر جميلاً، فإن الموسيقى سيتم تصورها ضمن توجيه الكلمات). الشعر يسهل على المستمع و يمهد الطريق للرخيص في صناعة الموسيقى.
علينا أن نرفع من عدد مؤلفات الأعمال الموسيقية الآلية في موسيقانا. موسيقانا الكلاسيكية هي في العادة موسيقى بنيت على الكلمات. و الأعمال القليلة الآلية منها، تبدوا كأنها أُلّفت كأغانٍ، تتبع نمط صوت الإنسان (من حيث المدى والمسافات المتجاورة و تأليف الجمل الموسيقية ).
وفي توجه جديد بدأ بجميل بك الطنبوري، بدأت المؤلفات الآلية تستشعر في مناطق كأنها بالفعل كتبت للآلات. وإن هناك قطعاً لسعد الدين أريل و فريد ألنار و رشاد آيسو و مؤلفين عظام معاصرين آخرين، ظهر من الواضح أنها كتبت للآلات. وبالإضافة إلى الأقسام التي كتبت بأسلوب غنائي، فإن القطع الآلية يتوجب أن تحوي أقساماً تظهر إمكانيات الآلات. في موسيقانا التقليدية، يضيف كل عازف الزخارف أو يبسط كل نوتة على ما يحب أو ما يناسب آلته. وكل حفلة تختلف عن سابقتها وعن النوتة الموسيقية. و هذا يبدو واضحاً عندما يقارن أحدنا تسجيلاً مع تسجيل لجميل بك الطنبوري نفسه يعزف بالنوتة ( مثلاً، سماعي شد عربان). لكن في المقابل، فإن كثيرا من الحفلات اليوم على قناة تي آر تي TRT و على الراديو لا تتجاوز حدود النوتة الموسيقية المكتوبة. ولأن مؤلفاتنا كتبت بنفس الشكل لكل العازفين، فإن عازفينا يتوجب عليهم أن يعزفوا كما تصوّر لهم المؤلف ان يعزفوا مثل ما يكون في موسيقى الجاز أو موسيقى الباروك و الموسيقى الأقدم منهما. و برغم اختلاف شخصية وإمكانيات كل آلة، فإن موسيقانا لم تكتب لكل آلة على حدة. لم تكتب لإمكانيات كل آلة على حدة كالبيانو و الغيتار و التشيلو وكأن كل شئ سيعزفه العازفون هو محدد مكتوب. و رغم منطقية المسميات كـمسمى "بشرف للناي" و مسمى "سماعي للكمنجة والقانون"، فإن مثل هذه الأعمال لم تر الوجود. و في ضوء هذا، فإن الشريف محيي الدين حيدر (الشريف محي الدين تارغان) كان قد كتب وعزف أعمالاً ودراسات مخصصة للعود وكانت قد لقيت ترحيباً جيداً في العالم. هذه الأعمال تدفع بإمكانيات العود و إن هناك تعبيرات حسنة كان توصّل لها، لم يكن من الممكن أن تتوفر لعازف عود. كتب بعده يالشين تورا "لعبة الأمواج" أو Dalgalarin Oyunu للقانون وكُتبت قطع للعود كانت عزفت في مهرجان اسطنبول على يد منير نور الدين بيكن. إن مزيداً من مثل هذه الأعمال التي نكتب ونعزف في دوائرنا الخاصة، يجب أن تكتب و تنشر! يجب ان تكتب القطع لتناسب تحديداً شخصية آلاتنا وإمكانياتها التعبيرية لتظهر تقنياتها و تتوسع حدودها.
لدينا ذخيرة من الأعمال الكبرى كتبت تماشياً مع عَرُوض شِعرنا الموزون. وهذه ليست الحال مع الشعر الحر و الشعر التركي الحيدث. (اليوم، انتشر الشعر "الغنائي الرخيص" على التلفزيون و الراديو و عند ناشري الموسيقى ضمن التوجه "فيه المقدار الذي يحتاج ليكون منتشراً شائعاً"). في كل عصر مضى، كان الموسيقيون قد لحنوا شعرهم المعاصر. يجب أن لا تنحدر الموسيقى عن مستوى الشعر التركي الحديث. الشعر الموزون فيه إيقاعه الذي نشعر به على الفور و قد لقي هذا الإيقاع نظيرا له في موسيقانا، ولقد تأسست العلاقة بين الأوزان والأقصاق ( الأعرج) والإيقاعات الكبيرة. والمبدأ هو أن المقاطع اللفظية الطويلة تُوفّق مع نوتة طويلة و المقاطع اللفظية القصيرة توفق مع النوتة القصيرة. و في الماضي القريب، تقلصت فكرة العَروض إلى هذه العلاقة التوفيقية، و في ضوء توجيهات لجنة التراث في تلفزيون تي آر تي، فإنه تواصل تلحين الكلمات بالطريقة المقطعية (النوتة الطويلة للمقطع الطويل والقصيرة للقصير). لكن طبيعة الموسيقى التركية هي أنها "عُرَبيّة" - فيها عُرب و زخرف صوتي- (يُمدُّ المقطع اللفظي على عدة نوتات). إن المبالغة في هذه الطريقة تجعل الإيقاع يتوارى إلى الخلف و تصبح الكلمات غير مفهومة. يجب أن يكون هناك توازن مثل ما في مؤلفات مصطفى جاويش وفي الأغاني الشعبية لروميلي. يجب أن يكون هناك توازن في العلاقة بين المقطع اللفظي و النوتة بحيث نصل للتعبير عن الشعر دون أن نفسد شخصية الموسيقى. إن كل قصيدة تملك إحساساً، إحساساً عاماً، عالماً. و التعبير عن هذا في الموسيقى شئ طبيعي جداً. و فضلاً عن هذا، فإن هناك اللغة التي كتبت بها القصيدة. ذات القصيدة لو كتبت بالإنجليزية أو الألمانية فستخرج بتقطيع لفظي مختلف و أنماط تشديد مختلفة. و هكذا، فإن الموسيقى يجب أن تكون متوافقة مع اللغة التركية في الشعر و كأن تطور الموسيقى في الشعر عُبّر عنها في اللغة ذاتها. وإذا غنى المؤدون، فعليهم أن يدخلوا والموسيقى في جو العالم الشعري.
كتبه: موتلو تورون وترجمه: فاضل التركي
سيرة مختصرة لميتلو تورون: عازف عود و مؤلف موسيقي. رئيس المعهد التركي للموسيقى. ولد عام 1942 في أنقرة. تعلم المندولين والغيتار والعود وبرع فيه سريعاً. درّس في جامعة اسطنبول التقنية و معهد الموسيقى التركية و شرع في تدريس مادة فن الموسيقى التركية التقليدية في جامعة مرمرة. عمل قائدا للأوركسترا في فرقة مدينة اسطنبول و قدم مؤتمراً عن عزف و مؤلفات الشريف محي الدين تارغان في جامعة البوسفور. و قدم في تلفزيون تي آر تي حلقات عن المؤلف شوقي بك. له كتاب منهج اسمه "دروس عود". عزف بالعود والغيتار في التلفزيون في حفلات في تركيا وخارجها وقدم حفلات مع مشاهير عازفي الموسيقى التركية و هو عازف أول في فرقة البوسفور و فرقة موسيقى الغرفة في اسطنبول. ترجم كتاب مارسيل بتش في التوافق النغمي إلى التركية. دَرَسَ أغان قديمة كثيرة في عمر المائة عام كتبت بالنوتة القديمة و أعاد كتابتها بالنوتة الحديثة. له مؤلفات كثيرة في الغناء الديني و السماعيات و أعمال للفرقة و أعمال غنائية و أغان للأطفال و قطع للغيتار الكلاسيكي والمجموعة و للأفلام و للمسرح و غيرها ونال عليها 29 جائزة. صدرت له مجموعة من الألبومات. مصدر السيرة
عزيزى الأستاذ فاضل .. تذكرنى هذه المقالة القيمة بالمقولة الشهيرة .. كلنا فى الهم شرق .. إن كثيرا من هموم الموسيقى التركية تجد توائم لها عربية الهوى والهوية .. والحقيقة أن فنون الشرق تعانى من تجذر الكلمات فى أصول الموسيقى بشكل يجعل معظم الثمار تأتى على شكل ألحان وضعت لتغنى .. باختصار الميلودى أو لحنية الموسيقى هى القفص الذهبى الذى حبست فيه موسيقى الشرق لعصور طويلة
ردحذفذكرتنى مقالتك أيضا بما كنت أكتبه فى دروب فى سلسلة "أخطاؤنا الموسيقية" التى عرضت محتوى الموسيقى العربية عموما مع كل إبداعاتها فى حيز ضيق جدا مقارنة بأشكال وألوان الموسيقى التى نمت وتفرعت فى الغرب لكنا نستقبلها فى الشرق كمستمعين فقط ، وأحيانا دون أن ندرى .. فى تيتر برنامج أو أو موسيقى تصويرية أو حتى شعار إعلان ، وأن تطور لموسيقى الشرقية لن يتحقق دون خوض جاد فى أشكال الموسيقى البحتة لفك سجنها من تأثير الكلمة والانطلاق نحو التعبير الحر
هناك ملحوظة هامة جدا أشار إليها الكاتب فى أن اتباع الكلمات أو البناء عليها بصفة أساسية تجعل الفرصة أكبر للتلاعب وتفتح طريقا سهلا للفن الرخيص ، لكنى أختلف معه فى أن الحالة أو الظاهرة "الكلامية" ليست مطلقة ، وأن هذا ينطبق فقط على فن "الأغنية" ولا يؤثر سلبا على أشكال المسرح الغنائى أو السينما التى تقدم فرصة أوسع للتعبير عن النص دون الاتغلاق فى قالب الأغنية الفردية بشكلها الدارج
وأعتقد أن المسرح الغنائى يوفر لنا أيضا مدخلا واسعا للتعبير الموسيقى بأشكال عديدة بما يضمه النص المسرحى من مواقف بعيدة تماما عن الدندنة والطرب وسيطرة المطرب على العمل ..
أخيرا أشكرك لإضافة قيمة جديدة هى الترجمة عن التركية .. مفاجأة سارة نرجو أن تتكرر .. تحياتى
أهلا بالدكتور العزيز اسامة عفيفي .. الفنان.
ردحذفمقالات الأخطاء لا تنسى يا دكتور .. مقالات رائعة وفيها خلاصة فكر. والحق أن الموسيقى الشرقية مرت بكثير من التطوير ومرت بيد عباقرة خلقوا جديدا ومدهشا ثم تلاهم مقلدون كثر غطوا على الأصيلين المجددين.
بالفعل، هناك أعمال سجينة الجمل التقليدية .. مهما كانت معقدة .. و في ذات الوقت هناك من حاول الهروب من التقليدية إلى تقليد الغربيين وكأنهم هم الوحيدون الذين وصلوا إلى هذه الموسيقى المتقدمة .. أنت عارف بكل الشائك في هذه الموضوعات .. وإننا في شوق إلى ما عندك في هذا الباب.
بالفعل ..المسرح فتح لنا آفاقا ومازال يعطي الكثير. كم ننتظر منه هذا الكثير.
ملاحظات تورون ولو أنها منتقاة بشكل غير واضح لكنها تثير جدلا وتاملا. وإنني لسعيد بملاحظاتك واهتمامك وتعليقك وتشجيعك .. ولك مني كل التقدير والاحترام.
كن بخير
فاضل التركي