كشفت دراسة طبية حديثة أن جلسات العلاج بالموسيقى لمرضى الزهايمر تعطي نتائج إيجابية لتحسن المرض خاصة في مرحلته المتوسطة والمتأخرة، باستخدام مجموعة من الأغاني المصممة لزيادة التفاعل والتواصل .
وأوضح باحثون بجامعة نيويورك أنه على الرغم من كون الدراسة أجريت على نطاق محدود، إلا أنها تشير بوضوح وبشكل جيد ما يمكن للمعالجين فعله بالموسيقى لتحسين الأعراض الحادة والمزمنة لمرض الزهايمر. وتوصل الباحثون إلى أن الغناء يعد وسيلة رائعة للتواصل مع بعض الأشخاص الذين يعانون من الشيخوخة المتقدمة.
وكان الباحثون قد أجروا أبحاثهم على مرضى تراوحت أعمارهم مابين 65 إلى 83 عاما عن طريق جلسات بالموسيقى مرتين في أسبوعيا لمدة شهر. ولوحظ أن المرضى الذين خضعوا لمثل هذه الجلسات والعلاج بواسطة الموسيقى كانوا أكثر تغلبا على الأعراض السلبية لمرض الزهايمر مع تحسن ملموس في المهارات اللغوية والتواصل مع الآخرين بالمقارنة بالمرضى الذين لم يخضعوا لمثل هذه الجلسات. وتوصلت الدراسة إلى أن الاستماع إلى أغنيات، أعدت خصيصا للمصابين بالزهايمر، ساعد في زيادة الكلام عند من تصنف حالاتهم المرضية على أنها متوسطة أو متأخرة مع تدهور اللغة والقدرة على الكلام بالتدريج.
واختارت الباحثة المختصة بالعلاج بالموسيقى، إيلت داسا، التي أجرت الدراسة، 24 أغنية كانت مألوفة في الماضي لدى المشاركين. وقادت الجلسات إلى محادثات عفوية حول الأغنيات والذكريات التي أثارتها لدى المرضى، ودار جزء كبير من المحادثات حول كيفية غناء المشاركين في الجلسات بمفردهم وضمن مجموعة. نشرت نتائج الدراسة في دورية "ميوزيك ثيرابي".
وقالت مديرة قسم العلاج بالموسيقى في جامعة كانساس بالولايات المتحدة، آلشيا آن كلير، رغم أن الدراسة محدودة، فإنها تؤكد ما كان يعرفه المختصون في العلاج بالموسيقى وأمراض الشيخوخة منذ بعض الوقت. وقالت الباحثة التي لم تشارك في الدراسة "كان هذا الأمر معروفا لكن لم تجر عليها أبحاث من قبل". وقالت إن الغناء، من واقع خبرتها، وسيلة جيدة للتواصل مع بعض الأشخاص المصابين بالزهايمر، وأن من لا يقدر على التواصل، قد يبدأ في النطق بصورة عفوية، أو التواصل بواسطة حركات العينين. لكنها لاحظت أن "الدراسة الجديدة أجريت مع أشخاص كانوا يحبون الغناء ويستمتعون به، وإذا حاولت فعل هذا مع من لا يحبون الغناء، فلا أعرف ما إذا كانوا سيتفاعلون."
وهذه ليست المرة الأولى التي تجرى فيها أبحاث على العلاج بالموسيقى، فقد سبقت أبحاث أثبتت فائدة الموسيقى في حالات الإجهاد والتوتر والاضطرابات السلوكية والسيطرة على الذات.
ولمرضى العناية المركزة أشارت أبحاث إلى أن الموسيقى تخفف قلق المرضى الذين يتنفسون اصطناعيا عبر الأجهزة في وحدات العناية المركزة، إذ يقلل سماع الموسيقى من إجهادهم النفسي وحاجتهم للمهدئات بنسبة 36% مقارنة بالمرضى الذين لا يستمعون للموسيقى. ونشرت مجلة "توب سانتيه" الفرنسية دراسة بريطانية من جامعة لوبورو تفيد بأن الموسيقى تساهم في تغيير في حالة المزاجية وتحسن حالة الجهاز التنفسي. وكشفت دراسة أمريكية أن الموسيقى تخفف من الآلام وأعراض الاكتئاب وكثرة النسيان بتحسين قدرات التعلم والذاكرة. كما أنها نخفف أعراض طنين الأذن المزمن الذي يصيب سكان المدن الكبرى بسبب ارتفاع مستوى الضجيج.
وعند الأطفال تساهم الموسيقى في تحسين قدرات التكلم، وتشجع على النطق السليم للكلمات ومخارج الحروف عن طريق تمرينات خاصة، وعلاج الأطفال المصابين بمرض التوحد حيث يتيح لهم الغناء التفاعل مع الآخرين.
وفي أمراض القلب أظهرت دراسة إيطالية قادها طبيب القلب لوتشيانو برناردي من جامعة "بافيا" أن الاستماع إلى الموسيقى يفيد في تحسين النشاط وإعادة تأهيل مرضى القلب والأوعية الدموية. واستعان الفريق الطبي في التجارب بمقطوعات موسيقية كالسمفونية التاسعة لبيتهوفن، ولا ترافياتا لفيردي مع قياس إيقاعات التنفس وضغط الدم وتدفقه في الشرايين والدماغ ونبضات القلب. فاكتشف الباحثون أن نبضات قلوب المشاركين ونشاط الرئتين يتناغم مع إيقاع الموسيقى فتتسارع النبضات ووتيرة التنفس مع تسارع النغمات والعكس صحيح. وقال بيرناردي إن "الموسيقى تولد ديناميكية مستمرة وتمكننا من التنبّؤ بتغيير نظام عمل القلب والأوعية الدموية". وأشار أن الأمر ليس مجرد مشاعر تتفاعل مع الموسيقى بل هناك تغيرات فعلية في عمل القلب والأوعية الدموية يمكن أن تكون الأساس لإثارة عواطف جديدة.
وفي حالات السكتة الدماغية توصل إيكارت ألتنمولر، الأستاذ بكلية الموسيقى والمسرح والإعلام بمدينة هانوفر الألمانية، إلى أن الموسيقى من الممكن أن يكون لها دور كبير في علاج الآثار الناجمة عن الإصابة بالسكتة الدماغية. وأوضح ألتنمولر أن الموسيقى يمكن أن تساعد في علاج فقدان الذاكرة والاضطرابات اللغوية، وظواهر الشلل، حيث تعمل من خلال عزفها أو الاستماع إليها أو الغناء على أنغامها، على معالجة أماكن متشعبة للغاية داخل المخ. وبين أن الاستماع لأي مقطوعة موسيقية صغيرة يساعد على تكوين شبكة مترابطة داخل المخ، حيث ترتبط بمشاعر قوية. كما أكد أن الاستماع إلى إحدى الأغاني المفضلة للمريض منذ فترة شبابه يمكن أن يساعده على استحضار بعض أجزاء من الذاكرة أو استرجاع ذاكرته بأكملها، وأن "ترديد الأغنية المفضلة يمكن أن يساعد في علاج الاضطرابات اللغوية، حيث يتمتع الغناء بتأثير إيجابي في وظائف اللغة الموجودة في النصف الأيمن من المخ منذ الطفولة المبكرة. أما مرضى السكتة الدماغية، الذين لم يعد لديهم القدرة على تحريك أصابعهم، فينصحهم ألتنمولر بتدريب قدراتهم الحركية من خلال العزف على إحدى الآلات الموسيقية.
وفي جراحة العيون خلصت دراسة بإشراف الدكتور كارن ألان من جامعة نيويورك إلى أن الموسيقى تساعد في خفض ضغط الدم والشعور بالإجهاد والقلق أثناء إجراء العمليات الجراحية لعيون المرضى المتقدمين في السن، وعودة ضغط الدم لمعدلاته الطبيعية بعد مضي خمس دقائق على الاستماع للموسيقى، مقارنة باستمرار التصاعد في ضغط الدم أثناء إجراء العملية للمرضى الذين حرموا من الموسيقى.
وربما من المناسب أن أروي تجربة شخصية في العلاج بالموسيقى أتت بالصدفة، حين تردد أحد المرضى في علاج نفسه من حالة أفقدته النوم ليال عديدة بسبب تخوفه من احتمال تعرضه للألم أثناء العلاج. لكنه جاءني يوما طالبا عقارا مسكنا للألم. كانت هناك موسيقى هادئة تنساب في المكان، وطلبت منه إجراء فحص سريع حتى يمكن تحديد الدواء المناسب فلم يعارض مثل كل مرة. جلس المريض بينما أجهز أدوات الفحص، واستغرق الأمر بضع دقائق لأجده قد استرخى في مجلسه، ثم استسلم هادئا للفحص دون أدنى توتر. كان يحتاج إلى تدخل جراحي صغير ولم يكن يفلح في حالته العقاقير وحدها. لفت انتباهي استرخاؤه وهدوؤه على غير عادته فقررت المضي في علاجه باعتبارها فرصة قد لا تتكرر. باختصار نجحت المحاولة وتم العلاج، لكن ما هالني أكثر كان أنه قد استغرق في النوم بينما كنت أقوم بعملي إلى درجة الشخير، وحتى احتجت إلى إيقاظه بعد إتمام العمل. أدركت ساعتها أن ذلك لم يكن إلا تحت تأثير الموسيقى، ومن ثم تكررت التجربة بنجاح مع آخرين.
مصادر/ رويترز/العرب/ منتدى الموسيقى العربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق