كلاسيكيات الموسيقى العربية * أرشيف * استماع *  تحميل *  نقد فنى *  تحليل موسيقى* أفلام * صور *  تسجيلات * كلاسيكيات الموسيقى العربية
كلاسيكيات الموسيقى العربية * الخمسة الكبار * سيد درويش * محمد القصبجى * زكريا أحمد * محمد عبد الوهاب * رياض السنباطى * نجوم الغناء العربى * أم كلثوم * عبد الوهاب * فيروز * عبد الحليم * ألحان التراث * موشحات * قصائد * أدوار * كلاسيكيات الموسيقى العربية

الأحد، 3 فبراير 2019

أم كلثوم لا تزال على القمة بعد 44 عاما


مر 44 عاما على رحيل كوكب الشرق أم كلثوم ولم يزل الشرق يستمع إلى صوتها وكأنها تشدو بالأمس القريب. تغير الجمهور وظهرت أجيال جديدة ونجوم جديدة في عالم الفن لكن لا شيء يمس مكانة أم كلثوم العالية ولا حتى يشير إلى قدم فنها النسبي، خاصة أنها بدأت تغني قبل نحو مائة عام.
يقف نفس الموقف محمد عبد الوهاب الذي بدأ في نفس التوقيت تقريبا، ويظل الإسمان الكبيران يحتلان القمة حتى الآن في القرن 21 بلا منازع، فرق واحد هام بينهما أن عبد الوهاب كان ملحنا بجانب كونه مطربا، أما أم كلثوم فقد استعانت بقامات عالية من الملحنين الأكفاء، بمن فيهم عبد الوهاب نفسه في أواخر عهدها، أهمهم محمد القصبجي، زكريا أحمد، ورياض السنباطي. وتضم قائمة ملحنيها فنانين كبار من العهد القديم مثل أبو العلا محمد وصبري النجريدي وداود حسني، ومن العصر الأحدث مثل محمد الموجي وكمال الطويل وبليغ حمدي.

على التوازي لم يكن عبد الوهاب في حاجة إلى هذا الجيش المخيف من الفنانين الكبار، فقد صنع جميع ألحانه بنفسه وأحكم صنعها لمنافسة جميع ملحني أم كلثوم بالإضافة إلى المنافسة بينهما في الغناء، واستطاع أن يعتلي قمته بسهولة في جميع المراحل، حتى عندما قام بالتلحين لها وضع ألحانا جعلت غيره من ملحني أم كلثوم يسيرون في ركبه بدلا من منافسته.

لماذا نشير في هذا المقام إلى عبد الوهاب وبهذا الشكل؟ لأن البحث عن إجابة على السؤال لماذا احتفظ فنانو القمة بمكانتهم بعد رحيلهم بعدة عقود هو الأهم والأجدى في طريق معرفة كيف تسير مسيرة الفن. الواقع أن هؤلاء الفنانين، مطربين وملحنين، وكذلك الشعراء، تمكنوا من البقاء وعلى القمة، ليس فقط بإبداعاتهم وإنما لأن الفن نفسه لم يتغير، بمعنى أنه لم يقدم الجديد أو الأحدث

عندما ظهر عبده الحامولي ومحمد عثمان في القرن 19، ثم سلامة حجازي وكامل الخلعي وداود حسني بين القرنين 19 و 20، ثم سيد درويش وكوكبة الأساتذة الرواد في القرن العشرين جدد كل منهم وأضاف ما استطاع، وظل الحال كذلك حتى قرب نهاية القرن العشرين، لكن ماذا حدث بعد ذلك؟ شيء غريب فعلا .. فلا قدم الفنانون الجدد شيئا جديدا ولا حتى ساروا على الأنماط السابقة مضمونة النجاح! 
الخلاصة أن الإبداع الفني هو الذي توقف. وبطبيعة الحال يمكن أن يكون لدينا مئات بل ألوف من الأصوات الجديدة الجيدة ولكن .. لن تدخل هذه الأصوات التاريخ حتى يكون لديها إبداع في الألحان التي تستلزم بدورها الكلمة الصادقة والموحية والمعبرة .. وهذا أساس أزمة فن الغناء الآن، ولهذا تعاني الأغنية من فقر معنوي وتعبيري ولم تعد تتمتع بنفس التأثير في نفوس الجماهير الذي كان للأغنية في الماضي

أما لماذا أصيبت الكلمة بالفقر والسطحية والاصطناعية وغيرها من الظواهر فهذا يحتاج إلى البحث في التغيرات المجتمعية في الوطن العربي بصفة عامة، وأسبابها السياسية والاقتصادية. مثل هذه التغيرات كانت دائما طفيفة في ظل الاستقرار النسبي للمجتمعات العربية، ولأنها كانت في الغالب إلى الأفضل. 
لكن العقود الأخيرة من القرن العشرين بعد رحيل أم كلثوم لم تنبئ بأي خير. كلها فترات حروب وصراعات وانكماش وتخلف اقتصادي واجتماعي، ثم زاد الطين بلة أن المنطقة العربية تعرضت لأخطار جسيمة في القرن 21 نتج عنها ليس فقط تغيرات مجتمعية وعدم الاستقرار بل زوال دول بأكملها من على الخريطة السياسية وتحول مواطنيها إلى لاجئين مشردين في شتى بقاع العالم هربا من الجوع والدمار .. هل يمكن توقع ازدهار الأدب والشعر والفنون في ظل أوضاع كهذه؟ لهذا نقول لم تظهر أم كلثوم أخرى ، ولن تظهر طالما ظل الأمر على ما هو عليه الآن في 2019
 
لكن هل هذا هو كل شيء؟ أليس هناك أي أمل قريب؟ الإجابة هناك أمل .. لكنه يتطلب أولا الاعتراف بأن الغناء وحده ليس كافيا، فهناك أشكال أخرى من الفن لا تحتاج للكلمات ولا للألحان الطويلة .. فالموسيقى وحدها يمكن أن تخلق حالة تعبيرية شديدة التأثير دون أن ننطق بكلمة، موسيقى المقطوعات والموسيقى التصويرية وموسيقى المناسبات القومية والتاريخية والدينية، وحتى موسيقى الإعلام والإعلان. 

وفي الغناء ألا ننسى أن في تراثنا الشعري العربي كنوز من الجمال والحكمة لم تغن من قبل، وأن أم كلثوم وعبد الوهاب قد اختارا بنظر ثاقب بعض لآلئ الشعر القديم ولم يمنعهما عن ذلك أن الشعر الحديث الراقي كان في متناول أيديهما، والذي أبدعه شعراء كبار مثل البارودي شوقي وحافظ ابراهيم وغيرهم كثر

هكذا نصل إلى أن الفن يمكنه النهضة من جديد، فقط بتوفر الهمة الصادقة والعقول الجادة ونبذ التجاري والرخيص لمصلحة البلاد والعباد. ولا يجب أن ننسى كذلك أن تلك الكوكبة الرائعة من الفنانين الذين ظهروا في التاريخ العربي الحديث لم يظهروا في مجتمعات مثالية، فقد واجهوا التخلف وسيطرة الأجنبي واستعباد الحاكم وطمس التاريخ، واستطاعوا إشعال شموعهم ببراعة وسط ظلام حالك .. بهذا التوجه يمكن الخلاص من الدائرة المغلقة التي نجد أنفسنا فيها اليوم نجتر الفن الماضي، ولا نجد خارجها إلا ما يدفعنا إلى الرجوع إليها، د.أسامة عفيفي الذكرى 44 لرحيل أم كلثوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق