كلاسيكيات الموسيقى العربية * أرشيف * استماع *  تحميل *  نقد فنى *  تحليل موسيقى* أفلام * صور *  تسجيلات * كلاسيكيات الموسيقى العربية
كلاسيكيات الموسيقى العربية * الخمسة الكبار * سيد درويش * محمد القصبجى * زكريا أحمد * محمد عبد الوهاب * رياض السنباطى * نجوم الغناء العربى * أم كلثوم * عبد الوهاب * فيروز * عبد الحليم * ألحان التراث * موشحات * قصائد * أدوار * كلاسيكيات الموسيقى العربية

الاثنين، 20 يناير 2014

الأوبرا المصرية نحتفل بثورة 25 يناير

تحتفل دار الأوبرا المصرية بثورة 25 يناير بشعار "الثورة فن.. أمل.. عمل"، من خلال عرض كبير يشارك فيه أكثر من 400 فنان من مختلف فرق الأوبرا يقام يومي 22 و23 من شهر يناير بالمسرح الكبير.
وتضم الاحتفالية التي سينقلها التلفزيون المصري على الهواء، أعمالا من التراث الغنائي ومشاهد وثائقية. سيشهد المسرح الكبير تصميما جديدا للديكور يناسب الاحتفالية، وسيعتلي أبو الهول المسرح كرمز مصري بارتفاع يبلغ ستة أمتار، إلى جانب عناصر أخرى مستلهمة من التاريخ المصري.
وتبدأ الاحتفالية يعزف السلام الوطني، كما تؤدى قصيدة "مصر تتحدث عن نفسها" لأم كلثوم من تلحين رياض السنباطي وكلمات حافظ إبراهيم، ، وأغنية "مصر التي في خاطري" من ألحان رياض السنباطي وكلمات أحمد رامي. وتختتم الاحتفالية بأغنية "بلادي بلادي" من لحن وكلمات سيد درويش التي سيؤديها جميع الفنانين المشاركين. وتأتي الاحتفالية بع أزمة كبرى مرت بها دار الأوبرا المصرية والثقافة والفنون في مصر بصفة عامة عندما حاولت قوى النظام السابق طمس الهوية والثقافة المصرية، ثم استعادت الثقافة والفنون دورها ومكانتها بعد ثورة 30 يونيو 2013 ثم تم توثيق ذلك الدور وتلك المكانة بالموافقة الشعبية شبه الإجماعية على دستور البلاد الجديد هذا الأسبوع، وهو الدستور الذي نص على حماية الهوية التاريخية والثقافية للبلاد كما نص على حرية الإبداع الثقافي والفني

الكتابة للجيتار والأوركسترا/ كيف يمكن للجيتار أن يواجه الأوركسترا؟ بقلم أحمد الجوادي

كنت أتصفح الإنترنيت وإذا بي أصادف عازف جيتار هاوي وضع فيديو وكتب ما معناه:

هل تلاحظون كيف أن صوت الجيتار السولو قد غطى على أصوات جميع آلات الأوركسترا وأن الجيتار هو من يقود الأوركسترا!!

سوف أطرح سؤالاً وهو:

هل أن صوت الجيتار فعلاً ممكن أن يطغى على صوت الأوركسترا كلها؟

وأنا من سيرد، وردي هو:

بالطبع لا، هذا كلام خاطئ وبعيد عن الصحة!

الأمر يتعلق بموضوع التأليف الموسيقي وموضوع علم الآلات أي (The Orchestration) وهذا العلم يدرسه جميع طلاب التأليف الموسيقي وعلى كل مؤلف موسيقي أن يكون ملما تماما بهذا العلم.

آلات الأوركسترا:
علينا أن نعرف أولا ما هي آلات الأوركسترا!
تقسم آلات الأوركسترا إلى أربعة مجاميع رئيسية، وهي:

مجموعة الوتريات (String Instruments):
وتشمل مجاميع آلات الكمان الأول والكمان الثاني والفيولا والشيللو والكونتراباص والهارب (بحسب حاجة المؤلف).

مجموعة آلات النفخ الخشبية (Wood Wind Instruments):
وتتضمن آلات البيكولو والفلوت والأوبوا، والكلارينيت، والباسسون (الفاجوت) وممكن أن تضاف آلات أخرى مثل الباص كلارينيت والكونترباسسون، والهورن الإنجليزي أو ما يدعى (كورانجلي)، وأحيانا في الأعمال الحديثة نسبيا ممكن إضافة الساكسوفون والذي هو ليس عضوا أساسيا في الأوركسترا التقليدي، وغيرها، كل ذلك يعتمد على حاجة المؤلف.

مجموعة آلات النفخ النحاسية (Brass Instruments):
وتتضمن الآلات، هورن فرنسي (French Horn) أو ما يدعى (كورنو) بالإيطالية، والترومبيت، والترومبون، والتيوبا، وممكن إضافة آلات أخرى مثل الكورنيت، وأنواع الترومبون مثل باص ترومبون، وباص تيوبا، وغيرها بحسب حاجة المؤلف.

مجموعة آلات النقر، أو اللآلات الإيقاعية (Percussions):
هذه المجموعة تتضمن مجموعة كبيرة جدا من الآلات. في العصر الكلاسيكي كان المؤلفين يستخدمون غالبا آلة واحدة من هذه المجموعة وهي آلة التيمباني (Timpani or Kettle Drum)، وهي آلة إيقاعية لها طبلين في العادة وممكن أن يزداد عدد الطبول بحسب حاجة المؤلف، كل طبل يصدر صوتا فيه نغمة معينة. بعد ذلك بدأ المؤلفين بإدخال آلات أخرى مثل السنير درام، والباص درام، والصنوج، والمثلث، والجونج، والسوط، والأجراس، وال (Wood Block) والزايلوفون أو الفايبروفون، والكاستانيت، والدف الصغير (Tambourine)، وغيرها من الآلات التي ممكن إضافتها كل ذلك بحسب حاجة المؤلف. هذا لا أن كل عمل أوركسترالي يجب أن تكون جميع هذه الآلات متواجدة.
بعض هذه الآلات تصدر أصواتا فيها نغمات مثل التيمباني (Kettle Drum) والفايبروفون، والبعض الآخر لا تصدر نغمة معينة، مثل المثلث والطبل الكبير أو الباص درام والصنوج وغيرها.

أحيانا في بعض الأعمال يدخل البيانو في الأوركسترا كآلة من ضمن الأوركسترا (لا أقصد كونشيرتات البيانو). في عصر الباروك كانوا يدخلون في الكثير من الأعمال آلة الهاربسيكورد، وهي آلة شبيهة بالبيانو ظهرت قبل البيانو، لكن طريقة إصدار الصوت فيها وميكانيكيتها مختلفة.

كما لاحظنا فإن الجيتار ليس من ضمن آلات الأوركسترا، أو أنه ليس آلة أوركسترالية.

لن أركز على السيمفونيات والقصائد السيمفونية والافتتاحيات وغيرها من الأعمال السيمفونية البحتة بل سيكون تركيزي على الأعمال التي تكون فيها آلة رئيسية تعزف السولو بمصاحبة الأوركسترا ويجلس أو يقف عازل السولو إلى أمام الأوركسترا وإلى جانب المايسترو، وعلى الأخص الكونشيرتات أو أي أعمال أخرى مكتوبة لآلة سولو بمصاحبة الأوركسترا.

النصيب الأكبر للآلات التي كتب لها كونشيترتات (وحتى السوناتات) هي آلة البيانو، ويلي ذلك آلة الكمان، وكذلك آلة الشيللو نالت نصيباً جيداً. وهناك الكثير من الآلات الأخرى التي نالت نصيبا جيدا أو لا بأس به من الكثير من المؤلفين مثل الفلوت والكلارينيت والهورن الفرنسي والترومبيت.

من الآلات التي لم تنل حظا واسعا من الكونشيرتات هي آلة الجيتار (الكلاسيكي)، بالرغم من السحر والجمال التي تتمتع به هذه الآلة.

الأسباب التي جعلت أن يكون الحظ الأوفر للبيانو يعود إلى أن كل المؤلفين الموسيقيين (تقريباً) هم أصلا عازفي بيانو، وبالنسبة للكمان بسبب أهمية صوتها وتعبيرها غير المحدود وقرب صوتها من الصوت البشري، وأيضا فإن الكثير من المؤلفين كانوا يعزفون الكمان، مثل باجانيني وفيفالدي، وحتى بيتهوفن وموتسارت، وغيرهم.

الكتابة للأوركسترا تتطلب معرفة تامة في تناسق الأصوات بين الآلات ويتطلب أيضا معرفة أين تكمن مواقع القوة والضعف في كل آلة. وعلى المؤلف أن يعرف أين يكمن التزاوج الجيد بين أصوات الآلات، وأي الآلات يكون التزاوج بين أصواتها سيئا أو غير مستحب.

الكتابة لآلة منفردة بمصاحبة الأوركسترا.
على المؤلف أن يعرف ما هي مناطق القوة والضعف في الآلة التي يكتب لها السولو، وعليه أن يعرف كيف يبرز هذه الآلة في أماكن معينة بحيث يكون طاغيا على الأوركسترا.
مثلا لو أن مؤلفا كتب للكمان السولو جملة غنائية تعزف بلين وكتب المصاحبة لآلات النفخ النحاسية والخشبية تعزف بصوت عالي جدا (fff)، فبالتأكيد لن يُسمع صوت الكمان السولو في الصالة، ربما حتى العازف نفسه لن يسمع ماذا يعزف.
ولو كتب المؤلف سولو يعزف من الكمان بنعومة على وتر ري (مثلاً)، وكتب نفس الميلودي لجميع الآلات الوترية، وطلب من مجموعتي الكمان أن تعزف نفس اللحن ليعزف على وتر صول (في الموقع الرابع أو الخامس)، وفعل نفس الشيء مع الفيولا، وكتب نفس اللحن للشيللو والكونتراباص، وكتب لعازف السولو أن يعزف بصوت نصف قوي mf بينما كتب لباقي الوتريات أن تعزف بشدة ff فبالتأكيد لن يسمع أحد في الصالة ماذا يعزف عازف الكمان السولو.

كل هذه أمثلة للكتابة والمصاحبة السيئة لمؤلفين ليست لديهم خبرة.

بعد كل تلك المقدمة الطويلة أعود للكتابة للجيتار.

هل يستطيع كل المؤلفين أن يكتبوا كونشيرتو أو عملا للجيتار بمصاحبة الأوركسترا؟
الجواب هو: لا.
السبب هو أن غالبية المؤلفين الموسيقيين حتى الكبار منهم لا يعزفون الجيتار، لأن الجيتار الكلاسيكي تحديدا يحتاج لمعرفة تامة بكيفية الكتابة له، لذا فإن أفضل من يكتب لآلة الجيتار هو عازف الجيتار نفسه، لأنه يعرف أسرار آلته ويعرف كيف يكتب لها، وبالمناسبة فهذه الحالة لا تنطبق فقط على الجيتار، بل على آلات كثيرة بما فيها الكمان، لذا تجد أن هناك أماكن صعبة جدا وغير منطقية في العزف في بعض الكونشيرتات الشهيرة لآلة الكمان، مرد ذلك غالباً هو أن المؤلف لا يعزف هذه الآلة، (مثال لذلك كونشيرتو تشايكوفسكي للكمان والأوركسترا، حيث هناك أماكن غير مصممة للكمان، وسبب ذلك أن تشايكوفسكي لم يكن يفكر بتكنيك الكمان بقدر ما يفكر بالموسيقى التي في ذهنه، وهناك أمثلة أخرى كثيرة).
أما لو كان عازف الجيتار قد درس التأليف الموسيقي فهو ممكن أن يكتب العمل للجيتار والأوركسترا، أما إذا لم يتمكن من الكتابة للأوركسترا فممكن أن ينوط العمل لمؤلف موسيقي يجيد ذلك.

هنا علينا أن نتذكر بأن آلة الجيتار (حالها حال بعض الآلات الأخرى) صوتها ناعما ويفتقد لشدة العزف أو (Power)، ولا تمتلك القوة الكافية لوحدها وبدون مساعدة. وليس مثل أغلب آلات الأوركسترا، حيث ممكن العزف بلين وبشدة.
أما الجيتار فممكن أن يعزف بلين وبخفوت لأنه أصلا آلة لينة لكن بالنسبة للشدة فهي محدودة جداً عند هذه الآلة، فمهما كانت شدة العزف لا يمكن أن توازي آلة مثل الأوبوا أو الفلوت أو الكلارينيت. ومن المستحيل على عازف الجيتار مهما كانت براعته ومهما كانت آلته ثمينة الصنع أن يضاعف صوت الجيتار ليتمكن من العزف بشدة تعادل شدة صوت الترومبيت. وشدة الصوت الصادر من الجيتار لا يمكن أن يوازي شدة صوت البيانو، أو الكمان أو الشيللو، فالجيتار (الكلاسيكي) آلة ناعمة بطبيعتها وهي ليست مصممة لأن تواجه أوركسترا كبير الحجم بعزف سولو (بدون أي مساعدة).

هنا يأتي دور المؤلف الموسيقي (أو موزع العمل) الذي يكتب بارت الأوركسترا، حيث عليه أن يراعي أن لآلة الجيتار صوت ناعم، فمن غير الحكمة أن يضيف آلات قوية تصاحب الجيتار أثناء عزفه للسولو، كأن تكون مجموعة كبيرة من الآلات النحاسية، أو حتى آلات وترية تعزف بشدة أثناء عزف الجيتار للسولو. فلو فعل ذلك فلن يسمع من في الصالة صوت الجيتار السولو.

هذا هو السبب في أن أغلب المصاحبة تكون للآلات الوترية التي تعزف صوت خفيف piano أو p لكي يظهر سولو الجيتار جليا.

كونشيرتو رودريجو للجيتار والأوركسترا:
سوف أتناول قليلا هذا الكونشيرتو كمثال وسيكون تركيزي على التعبير الموسيقي من ناحية القوة والضعف في شدة الصوت (f – p).
بداية علينا أن نعرف شيئا عن هذا العمل وكيف كُتِبَ.


أكثر عملا كتب للجيتار والأوركسترا نال شهرة هو كونشيرتو رودريجو وعلى الأخص الحركة الثانية، حيث أنها نالت قسطا كبيرا من الشهرة ونالت حظا واسعا من أنواع التوزيع، حتى أن الحركة الثانية أصبحت أغنية شهيرة جدا، (ربما زادت شهرة الأغنية عن شهرة الكونشيرتو الأصلي لدى عامة الناس الذين لا يعرفون شيئا عن الموسيقى الكلاسيك).

لقد كان رودريجو كان ضريرا (أعمى)، وكان يستخدم طريقة البرايل للكتابة، لكنه كتب أشهر كونشيرتو للجيتار وأخص تحديدا الحركة الثانية التي نالت شهرة عالية جدا في القرن المنصرم ولا زالت تعزف بكثرة حتى يومنا هذا، وهي مطلوبة كثيراً في الحفلات الموسيقية.
رودريجو لم يكن في البداية عازف جيتار، كان عازف بيانو ودرس الكمان والتأليف والمواد النظرية. لكن كونه درس التأليف ساعده كثيرا في كتابة أو تأليف هذا الكونشيرتو الرائع.

بداية ما هي الآلات التي اختارها رودريجو لبناء هذا العمل؟

لقد اختار الآلات التالية (بحسب تسلسلها في سكور المايسترو):
إثنين فلوت وبيكولو.
إثنين أوبوا (أحدهما يتحول لعزف الهورن الإنجليزي، أو الكورنجلي).
إثنين كلارينيت.
إثنين باسسون أو (فاجوت).
إثنين هورن فرنسي أو (كورنو).
إثنين ترومبيت.
جيتار سولو.
مجموعة الكمان الأول.
مجموعة الكمان الثاني.
مجموعة الفيولا.
مجموعة الشيللو.
مجموعة الكونتراباص.
نلاحظ أنه لم يستخدم من آلات النفخ النحاسية سوى آلتين هما: هورن فرنسي عدد 2 وترومبيت عدد 2.

سأتكلم قليلاً عن الحركة الثانية أولاً:
تبدأ الحركة الثانية في الوقت (6:46).
في بداية الحركة الثانية استبدل العازف الثاني لآلة الأوبوا آلته بآلة الهورن الإنجليزي أو (الكورانجلي)، وسيكون لهذه الآلة الصدارة في هذه الحركة، حيث أن الميلودي سيبدأ من البار الثاني من العمل ويعزف من هذه الآلة الجميلة.

يبدأ الجيتار هذه الحركة بعزف كوردات مستمرة لستة بارات، البار الأول هو تمهيد أو مقدمة ليبدأ الهورن الإنجليزي بعزف السولو الشهير. في البارات الثالثة الأولى لا تتغير الكوردات التي يعزفها الجيتار عدى أنه في البار الثاني يغير الكورد الرابع، أهمية هذه البارات الستة هي مصاحبة المليودي الذي يعزف من الهورن الإنجليزي.
كتب المؤلف علامة نصف قوي أي mf للجيتارأي العزف بقوة متوسطة. هذه الكوردات المستمرة من الجيتار تصاحبها نوتة طويلة تعزف من مجموعتي الشيللو والكونتراباص، كتب المؤلف لهذه الآلات أن تعزف بلين جدا أي pp  بعد ذلك وفي البار الثالث يضيف مجموعة الكمان الأول لكن كتب لها ثلاثة بيانو أي خافت للغاية ppp وقد كتب لكل هذه الآلات أن تستخدم الكاتم Sordina أثناء العزف للحصول على صوت أخف وذات طبيعة مختلفة.
في البار الثاني أي بعد المقدمة القصيرة من الجيتار تدخل آلة الهورن الإنجليزي لتعزف السولو الشهير للغاية والذي هو اللحن الأساسي لهذه الحركة. كتب المؤلف لهذه الآلة أن تعزف بلين p وأضاف كلمة dolce والتي تعني أن تعزف بحلاوة أو عذوبة، والكلمة هي كلمة إيطالية وتعني (حلو).

في البار السابع وبعد أن يفرغ عازف الكورانجلي من عزف السولو، يتحول نفس اللحن ليعزف من قبل الجيتار السولو. نلاحظ أن الملحن كتب حليات كثيرة للجيتار، أغلبها ليست موجودة في بارت الهورن الإنجليزي. حينما يبدأ الجيتار بعزف السولو كتب المؤلف له بأن يعزف متوسط القوة أي mf وهي درجتين أعلى من البيانو التي كتبها لآلة الهورن الإنجليزي (لكي يبرز صوت الجيتار أكثر).

في نفس المكان الذي يبدأ فيه سولو الجيتار كتب للآلات الوترية ثلاثة بيانو ppp، أي العزف بخفوت شديد، لم يكتفي المؤلف بهذا بل اضاف كلمة Sordina, or Con Sord. والتي تعني أن يضع العازفين كاتم صوت على آلاتهم لكي يخفض صوت الآلة أكثر من الطبيعي ويعطي نكهة أخرى للآلة. توضع هذه الكواتم على جسر الآلة الذي يحمل الأوتار، وتسمى سوردينة أو Mute الكلمة الشائعة هي Sordino or Sordina (السوردينا ليست مستخدمة فقط في الآلات الوترية بل هي مستخدمة في الكثير من الآلات، حتى البيانو فيه بيدال للسوريدنا).

نلاحظ أن المؤلف في هذه الحركة استخدم آلة هورن فرنسي واحدة تعزف نوتات قليلة وكتب لها أن تعزف بصوت خافت جدا pp واستخدم هذه الآلة في نهاية الجملة التي بدأها الجيتار السولو، وجعل هذه النوتات كرابط بينها وبين آلة الهورن الإنجليزي التي تعاود عزف نفس اللحن لكن على طبقة أخرى غير الطبقة التي بدأ بها والتي عزفها الجيتار السولو. في حين أن الجيتار مستمر بعزف المصاحبة على شكل كوردات.

استخدم المؤلف آلتي الهورن الفرنسي ليعزفا سويا لكن بعد انتهاء الجيتار من عزفه للسولو الثاني وكتب للآلتين أن يعزفا بلين شديد pp.


لن أكمل تحليل هذه الحركة الرائعة لئلا أطيل عليكم.

لو عدنا للوراء قليلا، إلى الحركة الأولى من نفس الكونشيرتو، أي من بداية الفيديو:

يبدأ الجيتار عزف السولو اللحن الرئيسي، تصاحبه مجموعة الكونتراباص فقط بنوتات طويلة.
كتب المؤلف للجيتار وللكونتراباص أن يعزفوا بلين شديد PP، كتب المؤلف للكونتراباص نوتتين تعزفان في آن واحد، وكتب لهم أن يعزفوا divisi أي أن يتقاسم العازفين عزف هتين النوتتين، أي العازف الذي على اليمين يعزف نوتة والذي على الشمال يعزف الثانية. هذا سيخفف من شدة الصوت الصادر من آلة الكونتراباص لأن كل عازف سيعزف نوتة واحدة وليست النوتتين.

تتصاعد شدة الصوت تدريجيا حينما كتب المؤلف cresc. والتي تعني تصاعد في شدة الصوت، وفي نهاية الجملة تساعد آلات النفخ بعزف أربعة نوتات في بداية كل ثالث بار كتب المؤلف لهذه الآلات أن تعزف بلين pp في حين أنه كتب للجيتار أن يعزف بشدة أي f وخصوصا وأنه يعزف اللحن على شكل نوتات منفردة وليس كوردات، إذ يجب أن تبرز هذه النوتات التي يعزفها الجيتار.

بعد ذلك تدخل مجموعة الوتريات لتعزف نفس اللحن، كتب المؤلف لهم أن يعزفوا بمنتهى اللين ppp، نلاحظ أن العازفين يعزفون في الطرف العلوي من القوس. هذا النوع من التكنيك اسمه سبيكاتو، وعادة يعزف في وسط القوس أو أحيانا في الطرف القريب من الوسط السفلي، لكن وبسبب أنه طلب من العازفين أن يعزفوا بمنتهى اللين حيث أنه كتب ppp توجب عليهم أن يعزفوا في طرف القوس العلوي، في حين أن السلم الذي يعزف من الجيتار السولو كتب أن يعزف بشدة ff الذي هو جسر صغير جداً يوصل اللحن للوتريات لكنه أضاف علامة (ديمينويندو) والتي تعني أن يخفض شدة الصوت في نهاية السلم.

أما بالنسبة لآلتي الترومبيت، نلاحظ أنه لم يستخدمها لمصاحبة الجيتار بل استخدم هتين الآلتين حينما تعزف الأوركسترا لوحدها ويكون شدة الصوت عاليا في كل الأوركسترا.

الآن وبعيدا عن كونشيرتو رودريجو، نلاحظ شيئا غاية في الأهمية، ربما لم ينتبه له أغلب الشباب الذين في المنتدى والذين هم عشاق لهذه الآلة الرائعة.
لو لاحظنا الأعمال التي تكون فيها آلة الجيتار هي الآلة السولو الرئيسية، فأثناء العرض على المسرح يضعون مايكروفون صغير قريب من آلة الجيتار لكي يكون صوت الآلة مسموعا بشكل واضح. لأنه بدون هذا المايكروفون ممكن أن لا تسمع أجزاء كثيرة من العمل.

إذا بعد كل ما تقدم، هل عرفنا بأن من كتب: (هل ترى قيادة الجيتار وتغطيته على جميع آلات الفرقة؟ أنه مخطئ فيما كتب؟ وسبب أن صوت الجيتار واضحا يعود للمايكروفون وليس لآلة الجيتار.

لنشاهد بعض الفيديوات للجيتار مع الأوركسترا، لاحظوا وجود المايكروفون باستمرار، (ممكن الاستغناء عن المايكروفون في حالة كون الأوركسترا صغيرة جدا أو في حالة أن صالة العرض صغيرة بحيث ممكن أن يسمع صوت الجيتار بدون مكبرات للصوت).

هذا الفيديو بالرغم من وجود مايكروفون فصوت الجيتار غير واضح، السبب هو سوء هندسة الصوت:


وهذا الفيديو أيضا المايكروفون موجود أمام العازف:



وهذا الفيديو الذي وضعه في الموضوع وكتب عليه الكلام أعلاه، نلاحظ وجود المايكروفون أيضا، نلاحظ وجود نوتات على شكل (فلاجيوليت) أو (Harmonics)، بعضها تعزف باليد اليمنى والأخيرة باليد اليسرى. ولولا وجود المايكروفون من الجمهور كان سيتمكن من سماع هذه النوتات ونوتات أخرى كثيرة غيرها؟


وهذا كونشيرتو لأربعة جيتارات، أمام كل جيتار يوجد مايكروفون:


لنقارن مع كونشرتات لآلات أخرى، سنجد أنه لا يوجد أي مايكروفون أمام العازف السولو:

كونشيرتو سيبيليوس للرائع فنجروف:


كونشيرتو دفورجاك للشيللو، عزف أشهر عازف في العصر، يو يوما:


وهذا كونشيرتو الفلوت والهارب لموتسارت الذي تكلمت عنه في بداية المقال:


مع كونشيرتو بيتهوفن رقم 3 من مقام دو ماينر، من عزف ساحر البيانو زيمرمان وقيادة العظيم بيرنستاين:


أخيرا قصدي من مقالي هذا هو أن أزيل الغشاوة وسوء الفهم عن عيون البعض من الموسيقيين الشباب الهواة وأتمنى أن تكون قد اتضحت الرؤية أكثر بعد قراءة هذا المقال.

خالص تحيات/ أحمد الجوادي

الجمعة، 17 يناير 2014

22. الموسيقى العربية المعاصرة - المسرح التجاري

في حركة غير مسبوقة نشط المسرح التجاري وانتشرت عروضه لسنوات طويلة بداية من السبعينات إلى الثمانينات والتسعينات. وبينما نجح القطاع الخاص في تقديم مسرحيات جيدة، خاصة الكوميدي منها، وتألق معها نجوم كثيرون من الممثلين لم يمتد هذا النجاح إلى الفنون الموسيقية المسرحية لعدة أسباب منها
1. عدم صلاحية النصوص للمسرح الغنائي، فالغناء كان "غناء على المسرح" أكثر منه "غناء مسرحيا".
2. ضعف كفاءة الإخراج، وجهل المخرجين بوظيفة الموسيقى المسرحية، بل بالموسيقى بصفة عامة
3. فشل الملحنين فى إبداع ما يناسب المسرح
4. إقحام رقص الملاهي والتهريج بما يفقد العمل جديته
5. الاعتماد على رواد المسرح السياحي والترفيهي كجمهور عارض ليس مؤهلا لاستيعاب رسالة المسرح الجادة
وبالمقارنة مع نشاط المسرح في مطلع القرن العشرين نجد عدة فروق:
ا. حقق المسرح القديم في وقته رواجا كبيرا بفضل الحركة الموسيقية التي أبدعها سيد درويش وغيره من الملحنين المعاصرين له مثل كامل الخلعي وداود حسني وزكريا أحمد. لا يقلل من ذلك تحقيق عروض سيد درويش نجاحا أكبر من غيرها، فإن هذا يرجع في المقام الأول لاستخدامه المدرسة التعبيرية وتسخيرها لخدمة النصوص والمسرح بصفة عامة، وقبول ألحانه غير المسبوق لدى الجماهير، وهي الألحان التي ما زالت تردد إلى اليوم رغم تواري النصوص المسرحية والروايات مع الزمن.
ورغم حشد المسرح التجاري الجديد لأسماء عديدة من مشاهير الملحنين مثل بليغ حمدي وسيد مكاوي وغيرهم، إلا أنه سجل فشلا ذريعا فيما تعلق بالألحان المسرحية. وقد يعزو البعض هذا الفشل إلى ضعف النصوص، لكن هذا التفسير يقف قاصرا أمام ما صاحب المسرح التجاري من بعض نصوص قوية قدمها نجوم كبار مسرحيات نجم الكوميديا عادل إمام مثل "مدرسة المشاغبين" أو "الزعيم" أو مسرحية "ريا وسكينة" للنجمتين شادية وسهير البابلي. تخلل تلك المسرحيات أغان واستعراضات عديدة، بخلاف الافتتاحيات الموسيقية، فشلت جميعها في أن تضيف قيمة فنية تجعل من العمل عملا موسيقيا مسرحيا أصيلا، أو أن تضيف إلى ذاكرة الجمهور رصيدا غنائيا خالدا كالذي أضافه مسرح سيد درويش. ويضاف إلى هذا أيضا وصول بعض الأسماء إلى "تلحين" المسرحيات ممن هم ليسوا كفؤا لتلك المهمة، ولا نريد أن نذكر بعض هذه الأسماء هنا لكنها على أية حال ليست أسماء لمبدعين حقيقيين، فضلا عن ترويجهم لأشكال من الغناء أقل ما يقال فيها أنها دون المستوى، إن لم تكن تهريجا، ومن بينهم ملحنون اختصوا بتلحين الأغاني الهابطة.
ب. كان المسرح القديم هو الواجهة الكبرى للفنون، فلم تكن السينما قد وصلت بعد إلى مرحلة النضوج، ولم تكن هناك إذاعات ولا تليفزيون ولا قنوات فضائية أو إنترنت. وكان ارتياد المسرح يمثل قيمة ترفيهية كبرى لدى المشاهد، أي أنه احتكر تقريبا ساحة الفنون الكبرى دون منافس. ورغم حداثة المسرح في المنطقة العربية في أوائل القرن العشرين، إلا أنه استمد جذوره من فن قديم يعود إلى أيام الحضارة الرومانية واليونانية، وفي منطقتنا العربية آثار للمسرح الروماني تقول أن ذلك الفن كان مزدهرا في العصور القديمة.
ج. تناول المسرح القديم قضايا عامة وعرض العديد من الصور الشعبية الأصيلة، بينما تناول المسرح التجاري الجديد موضوعات تافهة هدفها التسلية المحضة، بل إن بعض المسرحيات قامت ببطولتها راقصات جئن من الملاهي الليلية! وبلغ من ضعف النصوص أن طلب المخرج في بعض الأحيان من النجوم ارتجال النص على خشبة المسرح "تبعا للموقف"! وروى لي الفنان الراحل الممثل شعبان حسين عام 1993 أنه رفض عروضا عديدة لأدوار على المسرح بأجر جيد بل مرتفع، لكنه رفضها عندما اكتشف أن النص عبارة عن بضع صفحات لا غير، وأنه يفترض أن يتواصل على المسرح مع الممثلين أو مع الجمهور! بل إن أحد كتاب المسرح اعترف على شاشة التليفزيون ذات يوم بأن أضعف مسرحياته "جمري جمري" كانت أنجحها واستمر عرضها 4 سنوات متصلة، وأنه لا يملك تفسيرا لهذا..! وهو المؤلف محمود أبو زيد الذي كتب روائع مثل "جري الوحوش"، "العار"، "الكيف"، و"البيضة والحجر"، متحدثا عن مسرحية بعنوان "جمري جمري" قدمت عام 1995. لكن التفسير المنطقي هو الحشد الترفيهي والدعاية الملحة!

د. ورغم ذلك الحشد الترفيهي لم تخرج أغنية واحدة إلى خارج صالة المسرح التجاري، فلم يرددها الجمهور فيما بعد، أو تذيعها وسائل إعلام أو حتى يذكرها أحد من شاهدوا العرض فعلا.! وهذا يدلل على أن ضعف القيمة الفنية والموضوعية لذلك المسرح لم يقتصر على النصوص بل تعداها إلى الألحان والغناء والاستعراض وما إلى ذلك من الأشكال الفنية.

هـ. هناك فرق أيضا بين جمهور المسرحين، فقد جذب المسرح القديم جمهورا يرتاد المسرح بشغف تام لإدراكه أنه يقدم فنا راقيا ومتقدما ولأنه يكتشف من خلاله آفاقا جديدة للفنون، بالإضافة إلى شعور الجمهور بأن المسرح قد خاطب عقله ووجدانه، بل إن مسرح سيد درويش كان رافدا لثورة المجتمع على السلطة الفاسدة بحكم تقديمه أعمالا عكست نبض الشعب. إذ أن رسالة المسرح الحقيقية تتعدى حضور جمهوره إلى المجتمع خارج حدوده ولا يتأتى ذلك إلا من خلال أعمال تستطيع خلق نقاش مجتمعي حولها.

افتقر المسرح التجاري إلى ذلك البعد الخطير، ففي المقابل جاء جمهوره في الثمانينات والتسعينات في معظمه من المصطافين أو السياح العرب أو هواة الرقص والتنكيت، لا سيما أن أسعار الدخول كانت خيالية بكل المقاييس، ولا يستطيع تحملها إلا من جاء أصلا من أجل إنفاق ما زاد من ماله على السهر والسمر. من هنا كان ذلك المسرح موجها أساسا إلى تلك الفئات، فلم تعد له رسالة أو مضمون، ولم يحمل أي شيء يجذب اهتمام الناس خارج قاعاته، وهو ما جعل النقاد يصفونه بالمسرح التجاري.

وفي رأينا أن المسرح لا يعيبه أن يكون تجاريا بل يجب أن يتحقق له الربح لكي يتمكن من التمويل الذاتي، شأنه في ذلك شأن أي مشروع ناجح اقتصاديا، لكن المسألة فيما يخص المسرح والأدوات الثقافية الأخرى لا يجب أن يكون الربح هدفها الأول والأخير أو الوحيد، فهو يحمل رسالة اجتماعية وله وظيفة عقلانية ودور تنويري إيجابي إلى جانب دوره الترفيهي، ولا نرى في هذه الخصائص شيئا يمنع من الربح أو الجدوى الاقتصادية، خاصة في عالم تسوده المادة ويحركه المال والأعمال، وتخلت الدولة فيه عن الإنتاج الفني بكافة أشكاله. كما يمكن أن تعود الدولة للقيام برعاية المسرح وغيره من الفنون كما كان الحال في الستينات، ولن يعترض أحد على الإدارة المالية السليمة لهذا النشاط أو ذاك. 
وربما جدير بالذكر هنا تجربة سيد درويش رائد المسرح الغنائي في الإنتاج المسرحي، فقد كون فرقته الخاصة للإفلات من سيطرة المنتجين، وقدم من خلالها أعظم مسرحياته، لكن مسرحه الذي موله من ماله الخاص سجل خسائر جعلته يتوقف في النهاية عن الإنتاج. ويتضح من هذه التجربة أن العامل المالي والاقتصادي يحتاج إلى رأسمال قوي يتحمل تقلبات السوق على المدى الطويل، ولهذا تكونت فرق مسرحية عبارة عن شركات مساهمة بين عدة جهات تتعاون فيما بينها للحفاظ على المسار وتحقيق الهدف، وكلما كان الفنانون أنفسهم مساهمين بتلك الشركات كلما كان العائد الفني والثقافي أكبر وأكثر قيمة، لأنهم أحرص الناس على تقديم رسالتهم، ولأنهم بذلك يتحررون من سيطرة الدخلاء وتجار الفن

الاثنين، 6 يناير 2014

ذكرى رحيل بيرم التونسي أمير شعراء العامية 1893 - 1961

تحل اليوم 5 يناير، الذكرى 52 لرحيل أمير شعراء العامية، بيرم التونسي، صاحب الكلمة الحرة والقلم الجريء، وكان حقا لا يخشى في الحق لومة لائم. وكلفه شعره ثمنا باهظا. نفي بيرم خارج البلاد أكثر من مرة لكنه عاش في مصر بعد ذلك مكرما معززا، لينال جائزة الدولة التقديرية في الأدب الشعبي في عهد الرئيس جمال عبد الناصر قبل وفاته بعام واحد.
بيرم التونسي
لم يكن بيرم التونسي شاعرا تقليديا بأي مقياس، كان يغوص بأشعاره في عالم الإنسان والنفس والطبيعة والسلوك ، وكان يستطيع بفكر عميق وبصيرة ثاقبة تشريح المجتمع وتفسير سلوكياته ونقده كأنه يرسم صورة حقيقية للناس من خلال الكلمات الصادقة والصور الطبيعية. هذا فوق قدرته المعجزة على نظم الكلمات ونسج إيقاعها في سلاسة ورشاقة كأنها موسيقى.
وكان لبيرم قدرة خاصة على استكشاف جذور المشكلات المجتمعية وتصوير أسبابها، بل ووضع حلول لها، كل ذلك في آن واحد وبشكل غاية في البساطة، متخذا من أسلوبه الساخر أداة لاذعة جذبت إليه الأسماع والأنظار، بل وجعلت أشعاره من فرط عمقها وصدقها تعيش حتى اليوم مجسدة مشاكل الأمس التي لم تحل للآن، وتجعلنا نشعر من خلال كلماته أنه ما زال يعيش بيننا يرى واقعنا العربي بحلاوته تارة وبمرارته تارات أخرى.
 الصوفية الشعرية "القلب يعشق كل جميل" - أم كلثوم - بيرم التونسي - رياض السنباطي
بلغت دقة وخطورة شعر بيرم أن قال عنه أمير الشعراء أحمد شوقي "أخشى على الفصحى من عامية بيرم". وفي قصيدته "لوري البلدية" صورة حية لما كان يجري، ولا يزال، من جانب السلطات في معاملة الباعة الجائلين حيث صورت أبياتها بالضبط ما جرى بعد أكثر من 50 عاما في الأحداث التي أشعلت الثورة التونسية في 2010 حينما صفعت شرطية شابا تونسيا فقيرا يبيع الخضر على قارعة الطريق، كان هو وقود الثورة محمد بو عزيزي.
قال في لوري البلدية:
لـــــوري البلديـــــــــة ... عــــامل دوريــــة .. ومقـــدر روحــــه ... على كل أذيـــــــة
قوم شوف إيه خاطف ... مواجير ومقاطف ..  ومشــــــنة حلبــة ... صــاحبتها وليــة
قوم شــــوف إيه لامم ... خرفـــان وسـلالم .. متاخـــــــدة غنايم ... وياريت حربيــــة
وكراسي قهــــــــاوي ... وحلل وبـــــلاوي .. عملوا لها دعاوي ... وحاجات رســمية
ويشـــوف الخضري ... ببضاعته بيجـري ..  يدلقها ودوغــري ... ياخــد العربيــــــة
فى باريس الشــارع ... فيه ألفين بايــــــع .. واقفين ببضــــايع ... من طايبة ونيــــة
واشمعنى جنابنــــــا ... نبرم فى شــــنابنا .. على بيـــاع جبنـة ... وبتــاع طعميـــــة 

"وحينما اندلعت ثورة تونس كتبت متعجبا في أحد المقالات
وما رصدته عين بيرم وسجله قلمه يظل قائما دون أدنى خجل أو تفكير .. إلى أن أشعل أحدهم النار فى نفسه يأسا ، وأشعل بذلك شرارة ثورة شعب بأكمله فى تونس. أكثر من ستين عاما لم يستمع فيها أحد ولا سلطة لكلام بيرم .. ذهبت نظم وتغيرت نظم ورحل حكام وجاء غيرهم والحال هو الحال .. الشعب يعانى والسلطات تمارس نفس الأساليب وتفكر بنفس الطرق .. إلى أن دفع الثمن أحد الحكام، وفر هاربا من غضب الشعب ..!"
وحقا من أعاجيب القدر أن يصف بيرم التونسي كيف يمكن تشتعل الثورة في بلد أجداده تونس بعد عشرات السنين

وبيرم أيضا هو القائل في نقد الشرق بأكمله
يا شـــرق فيك جو منــور .. والفكر ظلام - وفيك حرارة يا خســـارة .. وبرود أجسام
فيك تسعميت مليون زلمة .. لكن أغنــــام - لا بالمسيح عرفوا مقامهم .. ولا بالإسلام

ولد شاعر الشعب محمود بيرم التونسي في الإسكندرية في 4 مارس 1893، ولقب بالتونسي حيث تنتمي أصوله إلى أسرة تونسية قدمت إلى مصر عام 1833، عندما هاجر جده لأبيه للإسكندرية وأقام بها، ورغم ذلك لم يحصل بيرم على الجنسية المصرية إلا في أواخر حياته.
عاش بيرم طفولته في حي السيالة العتيق بالإسكندرية، التحق بالكتاب ثم بالمعهد الديني، وتعرف إلى سيد درويش طفلا، وتوفي والده وهو في الرابعة عشرة من عمره فأصبح الصديقان الصغيران يتيمين حيث توفي والد سيد درويش أيضا وهو صغير.
بدأت شهرة بيرم التونسي بقصيدته "بائع الفجل" التي قال فيها منتقدا المجلس البلدي وضرائبه قائلا " يا بائع الفجل بالمليمِ واحدةً .. كم للعيالِ وكم للمجلس البلدي" ، ومن هنا أصبح النقد وسيلته التي فتحت له أبواب الشهرة .. والعذاب أيضا. 
لم تكن حياة بيرم مستقرة بأي حال، وفضلا عن النفي خارج البلاد، حاول كثيرا أن يكتب معبرا عن أفكاره لكن الكتابة في حد ذاتها كانت مصدر قلق دائم للسلطات، فعانى من اضطهاد السلطة له باستمرار. وكلما أصدر جريدة أو مجلة تم إغلاقها بأمر حكومي، إلى أن أصدر "المسلة" التي كتب تحت عنوانها ساخرا "المسلة .. لا هي جريدة ولا مجلة" في إشارة لمصادرة الجرائد والمجلات.

ونفي بيرم إلى تونس بسبب مقالة هاجم فيها زوج الأميرة فوقية ابنة الملك فؤاد، ولكنه لم يتحمل البقاء فيها فرحل إلى فرنسا ليعمل حمالا في ميناء مرسيليا، ثم عاد إلى مصر يمارس هوايته في انتقاد السلطة من جديد. وسرعان ما قبض عليه ليتم نفيه مرة أخرى إلى فرنسا، ويحاول العمل هناك لكنه يفصل من عمله فيعاني بؤس العيش وقسوة التشرد، لكنه استمر في كتابة أزجاله إحساسا منه بمعاناة شعب بأكمله وليس معاناته الشخصية فقط.
عام 1932 تم ترحيله من فرنسا إلى تونس، ثم تنقل بين لبنان وسوريا، لكن السلطات الفرنسية كانت وراءه فقررت إبعاده عن سوريا إلى إحدى الدول الأفريقية، وبينما كانت الباخرة التي أقلته في طريقها إلى منفاه الجديد توقفت بميناء بورسعيد بمصر، فانتهز الفرصة وهرب من السفينة إلى أرض مصر مرة أخرى. صادف ذلك الوقت جلوس الملك فاروق على العرش بعد وفاة أبيه الملك فؤاد، ونصحه صديق له بتقديم التماس بالعفو للملك الجديد. بالفعل أصدر الملك أمرا بالعفو عنه، ثم استقر أمر بيرم في مصر بعد ذلك خاصة بعد ثورة 1952، وعمل كاتبا بالصحف المصرية مثل أخبار اليوم، والمصري والجمهورية.

من أعمال بيرم التونسي الشهيرة أغاني أوبريت شهرزاد التي ألفها محمد تيمور ولحنها صديق عمره الشيخ سيد درويش، وله أعمال إذاعية منها سيرة " الظاهر بيبرس" و أوبريت "عزيزة ويونس" من تلحين الشيخ زكريا أحمد.
أما أكبر أسباب شهرته فهي أنه كون مع الشيخ زكريا وأم كلثوم ثلاثيا غنائيا لا يبارى. وغنت له أم كلثوم خلال الأربعينات عدة أشعار ظهرت في أفلامها السينمائية، وساهم ذلك كثيرا في انتشار أوسع لبيرم وأشعاره عبر الأقطار العربية.
كتب بيرم التونسي العديد من أغاني الثورة المصرية في الخمسينات، وهو صاحب الأغنية الشهيرة "أجمل أعيادنا الوطنية". ومن ألحان رياض السنباطي غنت له أم كلثوم بعد وفاته الأغنية الصوفية "القلب يعشق كل جميل" عام 1970. وفي عام 1960 منحه الرئيس جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية في الأدب، ثم حصل على الجنسية المصرية لكنه توفي بعد ذلك بقليل في 5 يناير 1961 عن 68 عاما.