افتتاح طريق الكباش الأثري - الأقصر |
أقيم حفل افتتاح طريق الكباش الأثري بمدينة الأقصر مساء الخميس 25 نوفمبر 2021 بعد طول ترقب وانتظار. شهدت الاحتفالية حضور 200 مراسل أجنبي وتم نقلها عبر 150 محطة تليفزيونية حول العالم على الهواء مباشرة، على طريق الدعاية المستهدفة للترويج للسياحة المصرية، مما يساهم كثيرا في تحسين صورة مصر والقفز بالنشاط السياحي إلى مستوى أعلى يحقق دخلا محترما للمصريين الذين يستقبلون السياح الأجانب دائما بكل مودة وترحاب. وفي الداخل تمنح هذه الاحتفاليات المواطن المصري شعورا بالفخر والاعتزاز يدفعه للإجادة أكثر مقتديا بإجادة أجداده الأقدمين، كما يجعله يثق في قدرته على إعادة مجد البلاد القديم كما صنعه الأولون
العرض الفني
عرضنا في تقديمنا لموكب المومياوات المصرية بالقاهرة في أبريل 2021 إشادة كبيرة من جانبنا بالعمل الفني الاستعراضي والذي اعتمد الموسيقى أساسا للعرض الكبير. لكن رغم تقارب العرضين من الناحية الأثرية والتاريخية والاستعراضية اختلف الأمر كليا في الموسيقى، وهناك مآخذ كثيرة على العرض الفني نلخصها في بعض العناوين، ولأننا في موقع موسيقي سنركز الضوء أكثر على موسيقى العرض
الاستعراض بين العرض الحي والتصوير
فكرة تقديم العمل الفني كفيلم فيديو يتم عرضه أمام جمهور حقيقي تبدو فكرة متعارضة مع العرض الحي في مكان مميز، ومن الممكن نشر الفيديو في كل وسائط الإعلام دون الحاجة إلى تواجد أي جمهور أو احتفال على الأرض. والفرق كبير بين تقديم فيديو معد سلفا إلى جمهور مسرح أو جمهور الشاشات على الهواء واحتفالية حية بالكامل تصور وتقدم كفيديو بعد تصويرها
الإخراج
مخرج العمل في النهاية هو المسئول عن إدماج جميع العناصر والمكونات لتقديم عرض موحد متجانس، وكثير من المسئولية عن تلك العناصر يقع على عاتق المخرج، ويمكن أن يفشل العرض رغم جودة كل عنصر على حدة بسبب قصور في الإخراج. ويبدو أن مخرج عرض الأقصر اكتفى بالإضاءة والتصوير ولم يعر الموسيقى أي اهتمام، وربما الأصوب أنه يفتقر للثقافة الموسيقية، وبالتالي لم يستطع إدراك ماهية الموسيقى المناسبة، وأهمية الموسيقى في ضبط تفاعلات العمل فضلا عن التعبير عنه، ولذا قبل ما قدمه له مؤلف الموسيقى واعتبر أنها مسئولية الموسيقي وحده
باختصار فإن إهمال دور الموسيقى في العمل قد أضعفه إلى حد بعيد، وإن كنا قد أشرنا إلى مسئولية المخرج عن هذا بصفته قائد العرض كله، فإنا لا نعفي المؤلف الموسيقي من المسئولية
ويبدو أن العرض كان ينقصه وضوح الرؤية والهدف مما أدى إلى تعطيل البوصلة الرئيسية، إلى أي جمهور يتوجه؟ الجمهور المصري أم العربي أم الجمهور العالمي باختلاف لغاته؟ هل كانت هناك ضغوط تتعلق بماهية الحدث مارستها جهات غير فنية أو أشخاص غير مختصين حاول كل منهم فرض وجهة نظره؟ أم أن ما قدم هو نتاج فني خالص؟ فإن كان كذلك فإن افتقاره للدراما الموسيقية ينبيء عن خلل إخراجي وموسيقي في نفس الوقت
هل قصد بالحدث تسويق مدينة الأقصر بأكملها أم اقتصاره على افتتاح الطريق الأثري بين المعبدين؟ كان من الأفضل التركيز على صورة ذهنية واحدة لتشكيلها بأفضل صورة و"صوت" لتكوين حدث درامي كبير ومتكامل وليس فقط تابلوهات راقصة واستعراضات إضاءة. بالمناسبة فإن عناصر الإضاءة والرقص قد يتقبلها الناس في كل أنحاء العالم ببساطة كما هي، لكن الموسيقى لغة لها مفردات ومعاني وتعبيرات وإحساسات وكذلك دراما نغمية وإيقاعية .. الموضوع مختلف تماما
الإضاءة والتصوير
لا شك أن عنصري الإضاءة والتصوير قد قدما عرضا مبهرا، لكنهما افتقدا العنصر الثالث الأساسي في الإبهار وهو الموسيقى. صحيح أن العناصر الثلاثة اجتمعت لكن الإضاءة والتصوير كانا في واد والموسيقى في واد آخر، بمعنى أن الموسيقى فشلت في التعبير عن العرض والتفاعل معه
طريق الكباش الأثري 2 |
- الأغاني الشعبية وعدم التجانس
أدى إقحام الأغاني الشعبية المحلية في تكوين موسيقي كلاسيكي غربي بطريقة فجائية إلى خلق نسيج موسيقي غير متجانس، وبعبارة أخرى أدى هذا الخلط إلى نوع من النشاز عكس المفاهيم الموسيقية الراسخة عبر مئات السنين والتي تأسست على قيم التجانس الفني والتآلف الهارموني، كما ساهم ذلك في تفتتيت وحدة العرض وتشتيت أوصاله
- الموسيقى الكلاسيكية
فشل التكوين الكلاسيكي الغربي في إظهار أي ميلودي لحني أو حتى تيمة موسيقية مميزة Musical Theme، والميلودي الوحيد مع الأسف مقتبس من أغنية "دو ري مي" Do Re Mi في فيلم "صوت الموسيقى" الشهير Sound of Music للنجمة جولي أندروز
خلت الموسيقى من أي شعار أو سمة يمكن أن يتذكرها المستمع، كما افتقدت البناء الدرامي في فرصة ذهبية كهذه المناسبة. وعلى العكس امتلأت الموسيقى بمقاطع غامضة في محاولة لاسترجاع موسيقى الحضارة المصرية القديمة المليئة بالألغاز. تناقض هذا تماما مع فلسفة الاكتشاف وفك الرموز التي يقوم عليها علم الآثار. والواقع أن مجرد تخيل الموسيقى المصرية القديمة يدخل في باب الوهم أكثر منه في الواقع أو حتى الخيال لأنها لم تسجل صوتيا ولم تعرف أنغامها أو مدرجاتها
- الموسيقى الكنائسية
أنتج مزج الكلاسيكية الغربية المستحدثة مع الموسيقى الكنائسية مزيجا آخر غير متجانس، وإذا كان من الممكن التعبير بالموسيقى الكلاسيكية عن أي حدث في الدنيا أو التاريخ، وهذا ممكن بالفعل، فما الداعي لاستدعاء موسيقى الكنائس في مناسبة يعود أصلها إلى 1500 عام قبل ظهور المسيحية بكامل ثقافاتها
- المحتوى الموسيقي العام
لدينا ثلاثة مكونات رئيسية اعتمد عليها العمل الموسيقي هي الموسيقى الغربية الكلاسيكية المستحدثة، الأغاني الشعبية المحلية، والموسيقى الكنائسية، ومزج هذا كله بالغناء الأوبرالي والناي البلدي والطبول الإفريقية. يعبر هذا المحتوى الموسيقي عن "خليط" بامتياز ولا يرقى لأن يكون نسيجا أو عملا متكاملا بأي حال
ورغم الجهد الكبير المبذول في الأداء الموسيقي فإن الموسيقى نفسها قد خلت من أي لمحة جمالية أو مؤثرة، بل على العكس امتلأت بالتنافر وعدم المنطقية. هذه السمات كانت مما اتسمت به موجات الموسيقى الكلاسيكية الجديدة أوائل القرن العشرين في أمريكا وأوربا والتي نتجت عن فقر وإفلاس إبداعي بعد موسيقى عظماء العصر الرومانسي مثل بيتهوفن وأقرانه، وهي موجات اعتمدت أساسا على كسر الميلودي بل وعلى النشاز المتعمد، وانتهت منذ عقود ولم يعد يسمعها أحد
- الأسماء
نلاحظ في نقدنا هذا أننا لم نذكر أية أسماء في عناصر العمل الفني، خاصة الموسيقى، والحقيقة أننا لم نبحث عن الأسماء، فليس هناك ما يدفعنا إلى ذلك. ونشك كثيرا في أن أبطال هذا العمل الموسيقي هم أنفسهم أبطال عرض موكب المومياوات، فإن كانوا هم فمن المؤكد أنه قد جانبهم التوفيق
ونتذكر هنا نقدنا لعرض موكب المومياوات وكيف وصفناه بأنه عرض موسيقي بالدرجة الأولى لكن كل العناصر المشاركة شاركته النجاح الكبير، ولم يستغرق الأمر سوى دقائق بعد العرض لنجد أن العالم كله قد تأثر وانبهر الناس به في كل مكان، وسارع الكثيرون إلى معرفة مؤلف الموسيقى وموزعها واسم المايسترو وأسماء المغنيات والعازفين
طريق الكباش 3 |
قصة طريق الكباش والمعبدين
يربط طريق الكباش بين أهم معبدين قديمين في الأقصر، الكرنك والأقصر، واشتهرا بالأعمدة الضخمة شاهقة الارتفاع والمليئة بالنقوش والرسوم التي تسرد أحداث مصر والعالم القديم قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام
كان المعبدان بالكامل تحت الأرض بفعل الزمن حتى أقيمت على السطح معابد ديانات أحدث كالمسيحية والإسلام ولم يدر بخلد أحد أن تحتها مدينة كاملة
في العصر الحديث تم اكتشاف المعبدين ثم اكتشف طريق يصل بينهما كان يستخدمه ملوك مصر في الأعياد للانتقال بينهما في موكب مهيب للاحتفال بامتلاء النيل بعد موسم الفيضان، وهو طريق الكباش الذي يحفه على جانبيه 1200 تمثال مصغر لأبي الهول بانتظام دقيق، بعضها برأس كبش وأحيانا برأس إنسان كتمثال أبي الهول، منحوتة من الحجر الطبيعي المقاوم للماء، وعليها نقوش غاية في الدقة سليمة رغم تراكم عوامل الطبيعة وأهمها فيضان النيل وما يجلبه من طمي كل عام
اكتشف الجزء الأول من الطريق عام 1949 على يد الأثري المصري زكريا غنيم، واستغرق الأمر سنوات طويلة للوصول إلى بقية الطريق بسبب امتلاء المنطقة بالمباني والسكان فوق مستوى الطريق بنحو 6 أمتار مما أعاق عمليات التنقيب. كان علماء الآثار يعتقدون بوجوده تحت الأرض لمسافة 2700 متر هي المسافة بين المعبدين كما أخبرتهم النقوش القديمة. وظل الأمر معلقا إلى أن تجرأت الحكومة المصرية على إزالة 450 منزلا ومباني أخرى بعد الاتفاق مع أصحابها على تعويضات مناسبة. بدأت الحفريات وسط شكوك كثيرة لكن مع اكتشاف أول مجموعة من التماثيل بحالة جيدة تأكد للجميع وجود الطريق وبحالته وقت بنائه، وعليه تم استكمال اكتشاف الطريق في السنوات القليلة الماضية وإعادته إلى سيرته الأولى
وعندما تم ذلك ظهرت فكرة إقامة احتفالية بهذه المناسبة تعيد طريق موكب الملوك القديم. ثم تطورت الفكرة إلى جعل مدينة الأقصر كلها كمتحف مفتوح للآثار هو الأضخم في الكون، خاصة أن آثار الأقصر ليست خارجها وإنما تمتد جنبا إلى جنب مع معالم المدينة القائمة الآن، وبالتالي ينظر إليها كأقدم مدينة في العالم تتواصل الحياة فيها في نفس المكان آلاف السنين
روابط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق