كلاسيكيات الموسيقى العربية * أرشيف * استماع *  تحميل *  نقد فنى *  تحليل موسيقى* أفلام * صور *  تسجيلات * كلاسيكيات الموسيقى العربية
كلاسيكيات الموسيقى العربية * الخمسة الكبار * سيد درويش * محمد القصبجى * زكريا أحمد * محمد عبد الوهاب * رياض السنباطى * نجوم الغناء العربى * أم كلثوم * عبد الوهاب * فيروز * عبد الحليم * ألحان التراث * موشحات * قصائد * أدوار * كلاسيكيات الموسيقى العربية

الثلاثاء، 13 مارس 2012

التأليف الموسيقي و حقوق النشر والتأليف

حكايتي في هذه المقالة بسيطة. هناك فكرة موسيقية في عمل موسيقي وردت في عمل موسيقي آخر.
هل هي سرقة أم اقتباس أم استعارة أم توظيف أم تجديد أم ماذا؟ هل هناك معايير تشير لهذه الأفكار و تحدد طبيعة و مظاهر ورودها في أعمال اخرى؟

ورود فكرة موسيقية وجدت مسبقاً، في عمل موسيقي لاحق، ليست وليدة اليوم ولا وليدة هذا القرن ولا الذي قبله. سنرى طبيعة استخدام الأفكار المسبقة في الأعمال الجديدة وسنورد الأمثلة وسنتطرق إلى بوادر ظهور قانون النشر وحقوق الملكية ثم نعطف على مظاهر استخدام الأفكار الموسيقية عبر التاريخ ونقترب من حكاية السرقة والإبداع والتقييد الذي يخيفنا اليوم.

قبل الشروع في موضوع "استخدام" الأفكار الموسيقية، لنتبين ماذا نعني بقولنا "فكرة موسيقية". فأول ما يتبادر للذهن عندما نقول "فكرة موسيقية"، يخطر بالبال أن الفكرة هي جملة موسيقية أو نغمة نرددها. و الجملة الموسيقية هي كالجملة في كلامنا أو كتابتنا. الجملة مكونة من كلمات هي أسماء وأفعال وحروف و علامات ترقيم كالفاصلة والنقطة والتعجب والاستفهام. الجملة الموسيقية هي كبيت شعر ننسبه للمتنبي نتداوله وننشده تلذذاً أو استشهاداً. الجملة الموسيقية هي فكرة، نعم، لكن الأفكار الموسيقية أوسع من ذلك بكثير؛ ولكي نعي ما أعني، سأضرب بعض الأمثلة هنا لما نسميه فكرة موسيقية.

الجملة الموسقية فكرة. الإيقاع فكرة. شكل المقطوعة الموسيقية فكرة. شكلها يمكن تصوره كشكل موشح فيه مطلع و دور و قفل. المطلع يتكون من أشطر والدور يتكون من أسماط وراء كل منها قفل؛ أماالقفل الأخير فهو الخرجة. الألوان ( كمزج لون العود بالكمان أو لون القانون بالكلارينيت ) في الموسيقى فكرة وأسلوب العزف فكرة و عدد الآلات المستخدمة فكرة و التجانس الصوتي فكرة. الأفكار لا تعد ولا تحصى. كيف لنا أن نتلمس كل هذه الأفكار كانت في عمل و أصبحت في عمل آخر، كما هي؛ صغيرة أو كبيرة، معدلة، مغيّرة، منوعة، إلى أحسن أو أسوأ، مقلوبة أو منثورة؟
قد نعطف في موضوعنا هذا ونعقد مقارنة بالسرقات الأدبية والكتابية، بسرقات الأفكار العلمية، بسرقات الفن التشكيلي، بالجرائم والاعتداءات والاتهامات التي تشغل المحاكم بالتحقيق والتدقيق و وضع التعويضات و العقوبات. لكننا لن نذهب بعيداً بغية التبسيط و نحاول تفهم هذا الشأن متى ظهر وكيف تطور ونتداول الأمثلة الممتعة ونبقى في حلبة الموسيقى.

أول ما ظهرت بوادر حقوق النشر – لاحظوا الاسم "النشر" – كان مع شيوع طباعة النوتة الموسيقية وتداولها من قبل الطبقات الوسطى إذ تشترى مع ظهور الأعمال الموسيقية ليتعلمها المهتمون والهواة و يعزفونها في بيوتهم وفي حفلاتهم وسهراتهم قبل أن تتغير وسائل التسلية إلى جهة ما هي عليه اليوم (كم هو غريب ما كان يسلي الناس بالأمس عند ناس اليوم). سَهُلَ أمر نسخ النوتة الموسيقية مع ظهور الطباعة وكانت مصدراً للدخل للموسيقيين والملوك والإقطاعيين. ثم توسع أمر الحقوق ليشمل أداء الموسيقى وتنفيذها وعزفها ليتطور حين وصلنا إلى عصر الميديا والإعلام و عصر الثقافة الشعبية الشائعة؛ وتوسع الجمهور ليستقطب شتى شرائح المجتمعات في جميع أنحاء العالم. ها قد جاء الوقت الذي أصبح فيه المردود المادي أضخم بكثير مما كنا نتصور في عصر انتشار النوتة الموسيقية! أصبح مقدار الربح يتعدى المؤلف ويدخل في مجالات الأداء و الحفلات والتسجيل ونسخ الاسطوانات وجاء عصر الإذاعة والتلفزيون وعصر الإنترنت والسوق الالكتروني وعصر أجهزة الموسيقى والكتاب الإلكتروني والعصر التفاعلي والفضاء الالكتروني. هكذا توسع مقدار الربح و توسع الجمهور وتوسعت الوسائل و جراً على ذلك توسع موضوع استخدام الموسيقى ونسخها من الطباعة للوسيلة المسموعة والمشاهدة الحية والمسجلة وتوسع ليصل إلى استخدام الفكرة الموسيقية في أعمال آخرين قد تكون مصدر ربح لهم من أكثر من ربح مؤلفها الأول. أفكار – ولنتذكر – قد لا تستخدم بشكلها الأول تماماً ولها ألف صيغة جديدة محتملة تعتمد على مهارة من أصبحت بين يديه قيد الاهتمام.

من هنا تنبثق حساسية الموضوع في الأساس تاريخياً ثم تتبعها تبعات تتعلق بالأصالة والإبداع عند المؤلفين وتذهب بنا في جدل هل هناك أصالة في البدء، أم هي تراكمات و أعمال على أكتاف أعمال أخر؟

أمثلة عبر التاريخ
لنتوقف قليلاً هنا، ونحاول أن نتناول بعض الأمثلة لنستوعب طبيعة "الاستخدام” للأفكار الموسيقية عبر تاريخ الموسيقى. عندما ألف براهمز سمفونيته الأولى، كان قد استلهم فيها الكثير من بيتهوفن. وحين ظهرت، كَتَبَ عنها أحد النقاد من بين نقاد آخرين كثر تناولوا الشاب المسكين: سمفونية براهمز الأولى هي سمفونية بيتهوفن العاشرة ( بيتهوفن كتب تسع سمفونيات). كم كان ذلك مؤذيا لبراهمز في شبابه وكم كان مؤلماً. هل هي عمل عظيم: لنسمع عمله ولنتلمس ما استلهم من بيتهوفن:



نواصل؛ كان تشايكوفسكي أدرج في افتتاحيته الشهيرة بافتتاحية 1812 النشيد الوطني الفرنسي و الروسي. نستمع؟
نسمع نشيد فرنسا الوطني في الوقت 2:19 ونسمع خلف صوت الألعاب النارية والانتصارات صوت النشيط الوطني الروسي في الوقت5:14:



أما الاستعارة من الفلكلور جملاً وإيقاعاً و ما شابه، من فلكلور بلد المؤلف أو من خارجه، من الغناء الديني أو الريفي، فحدث ولا حرج. خذ من القديم إلى الجديد: هاندل في هالالويا و هو بغض النظر عن هذا المثال، أكثر الموسيقيين استعارة واستخداماً لأفكار موسيقية لآخرين من كل نوع بلا منازع. ولنأخذ باخ الذي استعار من ما ذكرنا أعلاه ومن أعمال بعض أفراد عائلته و من نفسه في أعمال سابقة ومن تيليمان ومعاصرين آخرين.

ولقد استعار أبناء باخ من أبيهم واستعار هايدن من مصادر شتى واستعار موزات من هايدن وحوّل سوناتات باخ إلى كونشيرتوهات. وإذا ذهبنا إلى بيتهوفن، فإن ثلث مؤلفاته كانت اشتغالاً على أعمال موسيقية سبقته، وهكذا استعار كل من شوبرت و ستراوس و ماهلر و استعار ديبوسي من أوبرا فاغنر. وهكذا استعار فاغنر و مندلسنون و استعار بيلا بارتوك و سطان كوداي اللذين بنيا كثيراً من أعمالهما من بحوثهما واستقصائهما للفلكلور وموسيقى الشعوب و هكذا فعل كبار مؤلفي القرن العشرين. ثم وصلنا إلى ما آل إليه الحال وتضخم مع ظهور الموسيقى الشعبية والشائعة في الغرب و شاعت في كل أنحاء العالم مع سهولة النسخ والتوزيع والسفر والتواصل بين كل بني البشر.

هالالويا لهاندل:



موسيقى الرقصات الرومانية لبيلا بارتوك:




سلطان كوداي : رقصات جالانتا


ليس هذا يمثل طوبولوجيا شاملة لانتقال الأفكار أفقياً وعمودياً، عبر الزمان والمكان بين المؤلفين الموسيقيين و الموسيقيين عموماً، تأليفاً وتوزيعاً وتفسيراً وأداء. سيكون من الممتع والمفيد رسم طوبولوجيا شاملة مفصلة و بالتحليل يقدم دراسة لظاهرة استخدامات الموسيقى المتنوعة ووسائل الإبداع والنسخ وإعادة الإنتاج - ليس ذلك بصعب في زمننا هذا!

الانطباع الذي نخرج به من هذا الاستعراض، هو أن هذه الظاهرة، كانت منذ البدايات، صيغة رائجة ومعتبرة وأساسية بين الموسيقيين وعلامة من علامات الإبداع والصناعة والخلق الجديد في الموسيقى بشتى صنوفها. ثم تدريجياً، أصبح الجو خانقاً لدرجة أن ترفع قضية على مؤلف استخدم ثانيتين تتكونان من 3 نوتات موسيقية استعارة من عمل آخر و حسب. وعندما انتهت المحاكمة، كانت انتهت بكسب القضية!
لقد كانت عرفاً وثقافة متبعة في الموسيقى وسائر الفنون مع فارق الاستشهاد والتعقيد وتبيين المصدر وحيرة القانون إزاء كل ذلك. هناك من يدعي أن لا أصالة يمكن الاشارة إليها في أي عمل كان و إنما هي تراكمات جهود المؤلفين على شغل من سبقهم وتجديداً من أبناء الحاضر – كمقولة ليس تحت الشمس من جديد؛ وهناك من يتطرف في الجانب الآخر. هل كل ما انتج من موسيقى كما رأينا أعلاه، رائع، مبهر جديد يستحق أن يخلد أم هو كله مسخ وتقليد وقص ولصق وتغليف؟
لنحسن النظر قليلاً ونقرأ في بعض تقنيات التأليف الموسيقي التي كانت ومازالت تستخدم في أطر الموسيقى الكلاسيكية.

من تقنيات التأليف الموسيقي

الثيمة و التنويعات (Theme and Variations): وهي نوع من أنواع كثر من التنويعات من بينها غراند باص و باساكاليا و الكاكون. الثيمة والتنويعات هذه قطعة موسيقية يشترط فيها أن يختار المؤلف ثيمة سبق أن وجدها في عمل سابق أو فلكلور يستعرضها ثم يظهر قدراته على تصميم تنويعات وتشكيلات منها ذات صبغة مبهرة. مثال هذه القطع هو ما قدمه موزارت في موسيقاه الشهيرة التي نسميها اليوم باسم تونكل توينكل ليتل ستار Twinkle Twinkle Little Star وهي مشتقة من فلكلور فرنسي باسم Ah! vous dirai-je, Maman وقد اخذ موزارت الثيمة و جعل ما يتلوها 12 تنويعا عليها. نستمع؟



يذكر عن بيتهوفن – كما تمت الاشارة أعلاه – انه في شبابه كان يأخذ ثيمة من موسيقى من سبقه، ويترك العنان لقدرته يتعلم فنون التأليف والإبداع والتجديد بعمل التنويعات. لنستمتع لبعض أعماله في التنويعات:

32 تنويعا على C ماينر:



12 تنويعا لبيتهوفن على ثيمة لهاندل:



ها هي موسيقى هاندل هنا:



7 تنويعات لبيتهوفن على ثيمة من موزارت في الناي السحري:



و هاهو مقطع موزارت من الناي السحري:



الاستيلاء | المناسبة | التطويع (Appropriation): وهو أخذ بعض العناصر الموسيقية واستخدامها لصناعة قطعة موسيقية جديدة. ذلك يشمل الجمل الموسيقية والإيقاعات والآلات والثيمات والأشكال وهكذا. وهناك جدل كبير حول هذا الموضوع يدور حول المناسبة | الاستيلاء من عدة نواح بعضها يخص أخذ عناصر من أمم أخرى وفلكلور واستخدامها في أعمال لأمم "أرقى" منها أو أعمال راقية بعد أن كانت شعبية – هذا جدلهم – أو ما يسمونه بالإنحدار الثقافي أو تخريب الذوق و تذويب الهوية. على عكس ذلك، هناك مثال من ذلك ما صنع الأمريكان من أجل تقديم هوية جديدة لموسيقاهم الكلاسيكية أو الشعبية الشائعة من أخذ ملامح الجاز والبلوز و مناسبتها بحيث في النهاية أصبحت جزءا متأصلا من شخصية موسيقاهم. هناك استيلاء – و مناسبة - قد لا يصل لهذا الحد وقد يكون يختص ببعض العناصر من أجل قطعة موسيقية محددة.

لنستمع إلى هذا المثال وهو للمؤلف الأمريكي تشارلز إيفز يطوع فيه الربع توع على البيانو:



ميبوبوي لسيليمون ليندا:



تذكرون الأسد الملك؟:



التجميع – جمع العينات (Sampling): وهو استخلاص عينة موسيقية واستخدامها كقطعة بشكل ما أو كآلة موسيقية في قطعة موسيقية جديدة. ولقد شاع هذا النوع من العمل مع ظهور التسجيل والأجهزة الصوتية وبرامج تحرير الصوتيات المتطورة. و منه أنواع كثيرة منها تكوين حلقات loops أو صنع صوت آلة جديدة. لنتابع بعضاً من الأمثلة هنا من الموسيقى الشائعة Pop



ثم هناك إعادة المزج Remix وهو أن نعيد تقديم عمل بإخراج جديد والكولاج والخلط Mashup و هو أن نخلط مجموعة أعمال لتشكل معاً عملاً جديداً متجانساً. و هناك تقنيات أخرى قديماً وحديثاً؛ لكننا قد استوعبنا الآن الصورة و رأينا الأمثلة وربما أضاء لنا هذا شئ على نوع العمل الموسيقي الناتج من هذه التقنيات ومقدار الجهد والتجديد في كل منها.. وليس في هذا كل سبيل للخروج من مأزق الجدل.

القانون والإبداع
هناك تحدّ دائماً ما حضر أمام القانون وهو عدم القدرة على اشتشراف مستقبل التقينات، منذ زمن طباعة النوتة الموسيقية وصولاً لعصر التسجيلات والاسطوانات إلى عصر الانترنت وتقدم التقنية و وسائل العمل في مجال الموسيقى تأليفاً وانتاجاً عموماً ونشراً وتداولاً. القانون لم يعد يستطيع تصور مختلف تبعات وإمكانيات هذه التقنيات أو عمل شئ من أجل معرفة الحق مع من، وليست كل القضايا المرفوعة أو المسكوت عنها والخفية، في المتناول السهل. لقد كان أفلاطون قد طلب من الحكام بعدم السماح بأي تبديل أو تغيير في الموسيقى اليونانية فهي تعكس كمال الكون و هي تلامس العقل، وإما تم التلاعب بها، فقد يتعدى ذلك من العقل إلى المشاعر والأحاسيس وبالتالي يجلب على الإنسان الخطر. ولقد تكرر شخص أفلاطون على مر العصور ولو بأشكال أخرى في مختلف أنواع الموسيقى.
أما في الحضارة الرومانية، فكان هناك تشجيع على كتابة النوتة الموسيقية لحفظ الموسيقى وكان هناك تشجيع من الكنيسة لكتابة الموسيقى الدينية كنوتة حفظاً لها من التغيير ولكي يتم إلقاؤها كما هي شكليا بحذافيرها (توحيدها) دون أي تغيير أو تبديل. ولم تبق تلك النوتة الموسيقية كما هي، إذ تراجع الاهتمام بها وعادت للظهور تدريجيا فيما بعد في القرن السابع عشر بعد أن كانت ظهرت في القرن التاسع بادئ الأمر.

بقي أمثال أفلاطون حتى يومنا هذا، ففي الوقت الذي بدأ يروج فن الجاز في أمريكا، كان هناك من يذم الحال ويقول أن ذلك مفسدة للعرق الأبيض باستخدام موسيقى السود – النيجرو - الأدنى درجة!
القانونيون يحاولون الاستفادة من 2000 عام من تاريخ الموسيقى الحافل بمثل هذه الممارسات لكن الأمر كما أشرنا ليس بالسهولة التي نتمنى.
إن الاستعارة الموسيقية كانت دوماً اسلوباً لتعلم الجيل الجديد من أساتذتهم ومن سابقيهم حتى يتقنوا المهنة والمهارة في التأليف. لم تكن الاستعارة في سالف العصور حتى عهد قريب وسيلة تعلم، بل وسيلة رائجة وناجعة للتأليف وانتاج الجديد.

ويروي أحد المختصين في الموسيقى المعاصرين، حادثة تقديم تأليف موسيقي إلى استاذه كان ألفه بنفسه، فما كان من استاذه إلى فضحه أمام الجميع واتهمه بالسرقة. ولقد كان تأثر بشكل غير مباشر بأغنية شائعة، وإذا بالاستاذ نفسه يقترح عليه أن يعنونها بعنوان إهداء إلى مؤلفها، فتتغير المعايير وتصبح حالة لا سرقة فيها. هي ذات القطعة الموسيقية!

كانت محاولات إصدار قانون لحقوق النشر والتأليف كما ذكرنا تتعلق بالطباعة والكتب وكانت البوادر ظهرت حدود 1500م. ثم كان قانون النشر الشهير قد ظهر عام 1710م وتم تطبيقه على نشر الموسيقى ( النوتة الموسيقية ) عام 1777م حيث يبقى للمؤلف حق مع كل نسخة مطبوعة مباعة و للناشر. ومع مرور الوقت وصولاً ليومنا هذا، أصبح الموضوع أكثر تعقيداً من التصريح والرخصة للعزف وإقامة الحفلات إلى أن وصل إلى مستوى "ذري" من الحقوق تتعلق تقريباً بكل شئ في الانتاج الموسيقي. ثم جاء عصر العينات وتحولت مهارة صناعة فن راق إلى سرقة. ولقد ضاق الخناق الآن على المؤلفين الذين يكتنفهم الخوف من وصفهم بالسارقين وأصبح شغل الملحنين والمؤلفين الشاغل هو أخذ رخصة قانونية من زملائهم أو اليأس ممن لا يصلون لهم، رخصة على كل شئ حتى لو كان في حجم ذري لا يتعدى ثانية أو نوتة أو تأثيراً موسيقيا ضئيلاً. ربما وصل الحال إلى قتل أي تجديد أو إبداع. تخيل أنك مؤلف موسيقي تقف أمام المحكمة لتدافع عن نوتة موسيقية واحدة اتهمت بسرقتها من عمل لم تسمعه!

لقد كانت حقوق النشر محفوظة لمؤلفها المسجل في قانون النشر في حتى عام 1978، تحفظ له حقه 28 عاماً منذ تسجيله إياه ثم يجدد لـ 28 عاماً أخرى. ثم تطور الأمر ليحفظ الحق إلى 70 عاماً بعد وفاة المؤلف أو 95 عاماً لو كانت الحقوق لشركة مثل ديزني! كيف لمؤلف موسيقي في حال كهذه أن يتأثر أو يوظف أو يخلق جديداً من عمل وضعت عليه كل هذه القيود؟ هل أصبح "التأليف" "تفكيكا"؟ هكذا تقول جينيفر جينكنز في حديثها عن معضلة قانون الموسيقى وحال الإبداع.

إلى أين نحن متجهون؟
المدافعون عن هاندل، يقولون أنه صنع فناً لم يكن ليصنعه ولا يمكن التخلي عنه عندما قلّد في البدء و شكّل وغيّر وطوّر. لم ينتج فناً من هذه الفئة وحسب وبهذه التقنيات في التأليف، لكن متذوقي الموسيقى ليسوا مستعدين عن التخلي عن هذا الكم الهائل من الأعمال الموسيقية له ولغيره والتي تلوح جدة وغزارة وغنى وجديداً. هناك موسيقى أنجزت بالطرق المذكورة وشبيهاتها، وهناك موسيقى أنجزت بشكل مختلف. وإن هناك موسيقى عظيمة وموسيقى أخرى ليست كذلك فيما أنتج بطريقة الاستعارة أو بطرق أخرى.
هناك من قال بأن الموهبة لا تسرق، لكنه ظل حالماً. إنما هو في النهاية إنتاج موسيقي يمكن أن يتبناه أحدهم سرقة أو توظيفا أو تجديداً. هناك معضلة في الاعتراف بالمصدر الأصل، أو طريقة للاستشهاد كما في الكتابة ونسبة الأفكار والجمل إلى أصحابها – و الكتابة ليست بعيدة عن جدل السرقات وليست بالسهولة التي نتصور، بالمناسبة. هناك ما هو بين السرقة مع قلة الجهد والحظ وهناك ما هو مستلهم من قديم أو معاصر، وهناك ما قد انجز بوسائل أخرى ألفها عباقرة كل عصر حتى يومنا هذا.

معضلة الموسيقى و استخداماتها التي لم يصل بنا القانون إلى معيار يسهل علينا التمييز بين الشرعي منها وغير الشرعي، هي معضلة باقية في عالمنا العربي و في أنحاء العالم كله. وها هو زمن أصبحت كل الشعوب تتواصل مع بعضها والمشتغلين يتواصلون مع بعضهم البعض بشتى الوسائل ويتأثرون. هكذا يزداد الأمر تعقيداً على القانون والمتابعة والملاحقة مع تطور التقنية والوسائل. كل هذا يحدث في زمن تذوب فيه الهويات في الموسيقى وتتمازج ويخشى أن لا يصبح لكل وطن فنه. الخوف على أشده والاتهامات والقانونيون لا يتحركون بالسرعة المطلوبة. نحن في حاجة ماسة إلى إعادة هندسة القوانين حفاظاً على الإنتاج الموسيقي العظيم. هذه هي الحكاية البسيطة في موضوع غاية في التعقيد.
ملحق
أترجم لكم نصين بخصوص حقوق الطبع والنشر والملكية الفكرية من كتاب فهم الموسيقى للدكتور جيريمي يودكين:
كتب د. جيرمي يودكين في كتابه "فهم الموسيقى” عن حقوق النشر والطبع:

“قبل انعقاد أول اتفاق دولي في مسألة حقوق الطبع والنشر في بيرن في سويسرا عام 1886م، كانت أعمال – النوتات الموسيقية - المؤلفين الموسيقيين غير محمية. لم يكن باستطاعة الموسيقيين المشهورين عمل شئ لوقف 'قرصنة' طبعات أعمالهم المنتشرة. الناشرون بلا ذمة؛ بمجرد أن تقع في أيديهم نسخة من عمل، يقومون بطباعتها و بيع النسخ. في بيرن، كان هناك مبدأ أولي تم تأسيسه. المبدأ يقول، أن أي عمل منشور – ويشمل ذلك الأعمال الموسيقية – فإنه محميٌ بموجب حقوق الطبع والنشر في حياة مؤلفه و إلى بعد وفاته بخمسين سنة. هذا المبدأ ظل هكذا بلا تغيير حتى يومنا هذا. و إضافة إلى ذلك، فإنه بالنسبة للأعمال الموسقية، يجب دفع مبلغ من المال لكل مرة يتم عزف عمل ما سواء كان ذلك على الهواء – مباشرا – أو مسجلا"

ثم يكتب يودكن عن حقوق الملكية والطبع والنشر بخصوص الموسيقى الشائعة "بوب”:

“على مدار القرن التاسع عشر وحتى 1914م، لم تغط قوانين الطبع والنشر، حقوق أداء قطعة موسيقية. لقد كان يتسلم الناشر والمؤلف حقوقهم على مبيعات الموسيقى المطبوعة؛ ولا يستلمون أي شئ مقابل أي قطعة موسيقية لهم تعزف أو تغنى”. وقد عولجت هذه القضية عام 1914م إذ أسست جمعية المؤلفين الموسيقيين الأمريكان والمؤلفين والناشرين (آسكاب) (ASCAP). وكلما عزفت قطعة أو غنيت أغنية في قاعة رقص أو ناد ليلي أو فندق أو مطعم، وكلما شُغِّل تسجيل في الإذاعة، يتم دفع حقوق لكل من المؤلف الموسيقي والناشر. في 1940م، كانت غالبية الشبكات والإذاعات تدفع حقوقاً لآسكاب وصلت مبلغاً قدره 4.5 مليون دولار سنوياً وكانت هذه الأموال توزع على أعضاء آسكاب. في هذا الوقت، كان هناك منظمة منافسة هي بي إم آي قد تم تأسيسها وكان الهدف هو توفير حقوق طبع ونشر للمؤلفين الموسيقيين والناشرين للموسيقى الشائعة "بوب”. و كل فرد يعمل في صناعة الموسيقى اليوم، سيكون محمياً بإحدى هاتين المنظمتين. في عام 2000م، جمعت آسكاب مبلغاً قدره 576 مليون دولار لأعضائها، أما بي إم آي، فقد جمعة مبلغاً قدره 400 مليون دولار. أما هذه الأيام، فقد أصبحت مسألة حقوق الطبع و النشر محل تحدّ مع زيادة و انتشار تبادل ومشاركة الملفات و التحميل الغير مدفوع الثمن على الانترنت"
::. فاضل التركي
مصادر:
1. Understanding Music by Jeremy Yudkin
2. http://en.wikipedia.org/wiki/Appropriation_%28music%29
3. http://en.wikipedia.org/wiki/Sampling_%28music%29
4. http://blog.mises.org/13476/musical-borrowings-from-bach-to-hip-hop/
5. http://www.youtube.com/watch?v=gKX25MRggEk
6. http://dspace.nitle.org/bitstream/handle/10090/8396/murray%20-%20thesis%20-%2009.pdf
7. http://en.wikipedia.org/wiki/Variation_(music)#cite_note-0
8. http://en.wikipedia.org/wiki/Copyright

السبت، 10 مارس 2012

زكريا أحمد يغني "ياصلاة الزين"

زكريا أحمد يغني للتليفزيون المصرى 1960
كان تأثير ألحان الشيخ زكريا من الأغانى والطقاطيق ساحرا لا يجارى ، فهو يتبارى مع الملحنين الآخرين فى إبراز جانبين غاية فى الأهمية ، الموسيقى الشعبية والأنغام الشرقية ، فيستقبلها الجمهور بحفاوة بالغة لما فيها من أصالة وخفة فى نفس الوقت ، وقد صنع الشيخ زكريا من كلمات بيرم التونسى الشعبية صورا فنية هى لآلئ نادرة يصعب تصور تلحينها بواسطة غيره من الملحنين
وقد سجل بعض ألحانه بصوته مثل ياللى باهواك ، قلبى يميل ، انت ياعينى ، ياجريح الغرام
ومن أغانيه المشهورة أغنية "ياصلاة الزين" من أوبريت عزيزة ويونس ، وقد غناها بنفسه للتليفزيون المصرى عام  1960 وهو فى الرابعة والستين من عمره
انبهر الناس بأداء الشيخ زكريا واهتزت مشاعرهم حتى صار المطربون ، بل وبعض الملحنين ، يقلدون أداءه وهو فى تلك السن ، وبهذا الأداء أدخل زكريا أحمد مفهوما جديدا على الأغنية العربية أصبح اصطلاحا معروفا فيما بعد ويقصد به "الأداء" ، فقد قبل الجمهور ربما لأول مرة فى تاريخ الشرق غناء من صوت لا يمكن أن يكون مطربا، إنه شيخ كبير ، ذو صوت أجش ، نفسه متقطع ، ولم يحترف الغناء من قبل طويلا بل ظل ملحنا معظم مشوار احترافه ، ولم يكن الجمهور هو الجمهور ، فقد كانت هناك أجيال جديدة فى عصر التليفزيون تذوقت أداء زكريا أحمد الرائع كما تذوقه الجيل القديم 

السبت، 3 مارس 2012

موسيقى فكرة - محمد عبد الوهاب

موسيقى فكرة / محمد عبد الوهاب 
مقام نهاوند / ري مينير 1933 
تحليل موسيقي: د. أسامة عفيفي

هي أول مؤلف للموسيقي العربية يخرج عن الأشكال الموسيقية المتعارف عليها في الموسيقى البحتة في ذلك الوقت، وهي لم تخرج عن سبعة أشكال كانت المتاحة لأي مؤلف، البشرف، السماعي، اللونجا، التحميلة، التقسيم، المقدمة، الدولاب، وهي بداية طريق طويل اتبعه موسيقيون كثيرون بعدها عرف باسم "المقطوعات الموسيقية"

محمد عبد الوهاب - موسيقى فكرة
  
خصائص موسيقى "فكرة"

1. التحرر من القوالب الموسيقية التقليدية تركية الأصل كالسماعي والبشرف

2. بساطة التأليف والتركيب

3. استخدام التخت الشرقي التقليدي البسيط دون إضافة آلات أوركسترالية سوى الشللو

4. خلو الموسيقى تماما من الإيقاع، وهذا يندرج جزئيا تحت باب التحرر من القوالب

5. الاعتماد التام على الميلودية اللحنية وأحادية الأداء الصوتي (مونوفون) بلا توزيع أو هارموني

هناك سمة خاصة عجيبة فى موسيقى فكرة وهي أن التسلسل الزمني يعتمد على السرد المتماثل لأجزاء المقطوعة بحيث يمكن تعديله بحرية تامة دون الإخلال بالشكل العام للمقطوعة، إذ أن البناء الدرامي لا يوظف بداية أو نهاية مميزة، وبهذا يمكنك البدء بالعزف أو بالاستماع، إلى المقطوعة في أي جزء منها والانتهاء في أي جزء دون الشعور بأنك بدأت في أولها أو وسطها أو آخرها، وهو أسلوب يظهر في غاية البساطة لكنه في الواقع يعكس حالة من إبداع "السهل الممتنع" .. 

التكوين

يجمع الشكل الفني بين التقسيم والتحميلة حيث أخذ من التقسيم العزف الحر للآلات المنفردة ومن التحميلة تبادل العزف على آلات التخت الرئيسية، العود والكمان والقانون والناي، دون استخدام الإيقاع المميز لقالب التحميلة

  • مقدمة قصيرة من مقام النهاوند تعاد بين المقاطع فيما يعرف بالتسليم، ويذكرنا لحنها بالتمهيد القصير لموسيقى مقدمة أغنية فكروني التي لحنها عام 1967
  • سولو عود حر على نفس المقام
  • سولو كمان حر مقام بياتي على خامسة المقام الأصلي وهي محل تحول شائع من النهاوند إلى البياتي
  • سولو قانون رشيق على مقام نهاوند
  • سولو ناي من نفس المقام، نهاوند، مع تحول بسيط إلى مقام الراست والنكريز على نفس درجة ركوز المقام الأصلي ثم العودة إلى النهاوند
  • الختام بالتسليم  

من السمات القديمة للموسيقى البحتة:

1. تكريس لقالب التقسيم القديم لكنه هذه المرة مكتوب وليس مرتجلا كما كانت القاعدة (ولا تزال)

2. التجانس التام بين المقامات المستخدمة في اشتقاق طبيعي ومنطقي

3. استخدام فكرة "التسليم" القديمة أي تكرار موسيقى المقدمة بين المقاطع

السبت، 18 فبراير 2012

موسيقار الأجيال والمؤلف الأذربيجاني فكرت أميروف/ تحليل موسيقي

بقلم: أحمد الجوادي
لفت إلى نظري موضوع عن مقدمة أنت عمري، كتبه الأستاذ عادل الغنيمي المحترم وقمت بكتابة رداً مقتضباً، لهذا أحببت اليوم أن أكتب بتركيز أكثر عن نفس الموضوع.
مقدمة:
من يعرفني يعرف عني بأنني عاشق لموسيقى موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وعاشقا لكل ما هو عربي متألق، لكنني هنا علي أن أكون منصفا وموضوعيا ومحايدا في نفس الوقت.
هناك اتهام بأن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب قد اقتبس موسيقى أنت عمري من عمل للمؤلف السوفيتي الأذربيجاني حكمت أميروف.
المؤلف السوفيتي الأذربيجاني فكرت أميروف كان قد ألف كونشيرتو البيانو مبنيا على ألحان عربية واسم الكونشيرتو هو (Piano Concerto after Arabian Themes)، من اسم الكونشيرتو يتضح لنا بأن العمل مبني على ألحان وتيمات اقتبسها أو استعارها المؤلف من الموسيقى العربية (وهذه لا تعتبر سرقة البتة).
ارتأيت أن أقوم بتحليل الحركة الثانية والثالثة من كونشيرتو البيانو للمؤلف الكبير فكرت أميروف تحليلا سمعيا مبسطا، وسأحاول الابتعاد عن التعقيد ما أمكن، وسأحاول أن لا أخوض كثيرا فيما كتبه أميروف، لكنني سأركز على ما اقتبسه أو استعاره من ألحان موسيقار الأجيال وكيف تعامل أميروف مع الألحان التي اقتبسها من موسيقار الأجيال.
فقط أحب أن أنوه إلى أنني لا أملك النوتة لهذا العمل، وأرجو مراقبة الفيديوين المرفقين مع أرقام مؤشر الوقت لمتابعة التحليل.

الحركة الثانية:


تبدأ الحركة الثانية بلحن بطيء يعزف من قبل الآلات الوترية (ذات القوس) بدون مصاحبة هارمونية ، هذا اللحن يذكرنا بلحن كتبه موسورسكي في عمله "صور من معرض" للبيانو والذي قام بتوزيعه الكثير من المؤلفين، كان أشهر توزيع للأركسترا هو المؤلف الفرنسي الشهير رافيل. الحركة التي أقصدها هي التي تمثل صورتي اليهودي الغني واليهودي الفقير، وبالتحديد اللحن الذي يمثل اليهودي الغني. أنا لا اقول أن أميروف قد أخذ أو حتى اقتبس اللحن من (موسورسكي - رافيل)، بل أقول بانه يذكرنا بهذا اللحن. سبب ذلك أن رافيل كتب اللحن على شكل يونيسون أي أن الآلات تعزف نفس اللحن وبدون مصاحبة هارمونية، وقد استخدم موسورسكي سلالم فيها مسافة الثانية الزائدة "كرمز للشرق" وهنا استخدم المؤلف أميروف الثانية الزائدة حيث كان السلم هو كرد لكنه أيضا في نهاية اللحن الافتتاحي استخدم الثانية الزائدة، والسبب الآخر هو أن كلا المؤلفين يستخدمان اللون الداكن في الصوت، أي ما نسميه نحن بالقرار، أي أن الكمانات تعزف قرار مسنودة من الفيولا والشيللو الكونتراباص، أعود وأقول تذكر ولا تشبه.
(المقصود بالثانية الزائدة هي المسافة التي نسميها نحن فتحة الحجاز، مثل مي بيمول فا دييز).
بعد هذه المقدمة وتحديداً في 1:10 نسمع سولو البيانو يعزف جزءاً صغيراً من مقدمة أغنية "أنت عمري" لموسيقار الأجيال.
في 01:38 يعود بنا أميروف لنفس لحن المقدمة لكن هذه المرة وبعد قليل من ظهور اللحن نسمع هارموني على شكل رابعات. يستخدم هذا النوع من الهارموني كرمز وللتذكير بالشرق، في البداية كان اللحن يعزف بصوت خافت أي Piano لكن هنا كان العزف قويا أي Forte للمزيد من الدراما.
في 02:20 يعود بنا إلى لحن مقدمة أنت عمري، لكن هذه المرة بتنويعات أكثر لهذا لا يكون اللحن ظاهراً مثل السابق.
في 04:15 نسمع مقدمة أغنية "في الليل لما خلي" لموسيقار الأجيال، اللحن الأصلي يعزف من قبل آلات النقر، وهنا أيضا كتبه أميروف لكي يعزف على شكل بيزيكاتو من قبل الآلات الوترية مع آلتي الهارب، يضطر المؤلف أن يغير السلم من البيات إلى الكرد لكي يلائم آلات الأوركسترا، وذلك بسبب ربع التون. نلاحظ أن المؤلف لم يستخدم في مطلع اللحن أي مصاحبة هارمونية. مزيد من التمعن، نلاحظ أن أميروف قد مهد لظهور هذا اللحن في 03:53 حيث يعزف البيانو مسافة الخامسة التامة من خلال اللحن مرتين، ثم يتكرر نفس الشيء من قبل الفلوت مرتين أيضا، هذه المسافة هي بداية لحن في الليل لما خلي.
في 04:31 نسمع كورد قوي في بداية اللحن، كإشارة إلى أن حدثا جديداً سيحصل، وفعلا هاهو لحن آخر لموسيقار الأجيال يعزف من البيانو السولو. اللحن مأخوذ من موسيقى "هدية العيد"، هذا اللحن أيضا من سلم البيات وعدله المؤلف ليصبح في سلم الكرد.
في 05:27 يعود المؤلف للحن المأخوذ من في الليل لما خلي، لكن هذه المرة أجرى المؤلف تحويلاً مقامياً بعيد نسبياً. هذا التحويل يعتبر تحويل غير مقبول للأذن العربية (والشرقية)، لكنه مطلوب في الموسيقى الكلاسيكية والأوروبية حيث أن المسمتع الغربي الأوروبي يمل من سماع نفس السلم لفترة طويلة.
يكتب أميروف تحويلات مقامية قد لا تروق للمستمع العربي لكنها هامة جدا للمستمع الأوروبي. سوف أعطي بعض الأمثلة على التحويلات المقامية التي نحسها نحن العرب ولا يحسها الغرب: لو قام المؤلف بعمل تحويلة من سلم حجاز كار إلى سلم زينجولاه "زنجران بحسب التسمية الخاطئة الشائعة"، لما أحس بها المستمع الغربي على أنها تحويل سلمي، لأنه يعتبر أن هذا هو تحلية كروماتية في السلم، بينما نستمتع نحن العرب بها كثيرا ونطرب لها والكثير ربما يصرخ طربا "الله". مثال آخر: لو تحول السلم من نهاوند إلى نكريز على نفس الدرجة، نحن العرب نستمتع بها لكن الأذن الغربية تحسها على أنها تغيير كروماتي.
نلاحظ عبقرية أميروف، الجملة الموسيقية التي استخدمها من موسيقى هدية العيد مكونة من أربع عبارات لحينة، كل عبارة لحنية مكونة من أربع بارات أو موازير. العبارة الأولى والثانية هي نفسها، اي أن العبارة مكررة، لكن العبارة الثالثة فيها سؤال والرد في العبارة الرابعة. أميروف لم يكمل العبارة الأخيرة أي أنه لم ينتظر الضلع الثاني من البار أو المازورة لكي تكتمل العبارة، بل فاجأنا بإعادة اللحن مرة أخرى من نفس مكان نهايته. أغلب الظن أنه كتب البار الأخير 1/2 حيث ان اللحن هو من ميزان 2/2. أو ربما أنه كتب البار الأخير على ميزان 3/4 لتصبح العبارة الأخيرة مكونة من ثلاث بارات. بمعنى آخر، النوتة التي هي نهاية العبارة الأخيرة هي نفس النوتة التي في بداية العبارة الجديدة، إذ أنه ل ينتظر السكتة لتكتمل العبارة. نسمع ذلك في 04:53، ويعاد مرة أخرى في 05:11.
في 05:28 نسمع لحن في الليل لما خلي مع تحويلة سلمية بعيدة (قد لا تروق للمذاق العربي).
مفاجأة أخرى من أميروف، حينما تعزف الأوركسترا لحن في الليل يتوقف اللحن (بإضافة سكتة جماعية قيمتها نوار)، ثم يكمل البيانو، لكن يتوقف أيضا لكي لا تكتمل العبارة الأخيرة، (لقد ترك نهاية العبارة لكي يكملها السامع في مخيلته)، بعد ذلك يذهب مرة أخرى إلى:
في 05:35 يعود بنا إلى لحن المقدمة، بعزف خافت مثل المرة الأولى.
في 06:16 لحن مقدمة أنت عمري من البيانو مرة أخرى.
في 07:27 لحن مقتبس من مقدمة أنت عمري من الباص كلارينيت.
الحركة الثالثة والبحث عن ألحان موسيقار الأجيال
وتبدأ الحركة الثالثة بلحن سريع فيه نوع من الاستعراض، هذا اللحن في الأسلوب الأذربيجاني وبعيدا بعض الشيء عن الأسلوب العربي
في 00:52 تحويلة سلمية بعيدة بعض الشيء (بالنسبة للمذاق العربي)، مع هذا التحويل نسمع خلف البيانو هناك لحن آخر يعزف، هو لموسيقار الأجيال، اللحن مأخوذ من "سجى الليل"، (نفس اللحن الذي أخذته أنا واستخدمته في موسيقى افتتاحية كليوباترا). هذا اللحن هو لحن المصاحبة لمقدمة سجى الليل.
في 00:59 اللحن الأول من أغنية سجى الليل يعزف من البيانو، والمصاحبة لازالت مستمرة.
نلاحظ أن المؤلف الكبير أميروف قد كتب الحليات الموسيقية بالإحساس العربي، أي أنها مكتوبة ليست مرتجلة.
في 01:18 نسمع نفس اللحن يعزف من آلة الهورن الإنجليزي "كورنجلي" لكن أميروف استخدم التطويل في كتابته هنا، أي أنه ضاعف أطوال النوتات لتصبح وكأنها أبطأ من السرعة الأصلية بدرجة النصف، وأيضا استخدم التنويعات أي Variations نسمع ذلك بوضوح في آلة الكورنجلي.
في 01:33 حصلت تحويلة مقامية من التحويلات التي تعتبر بعيدة بعض الشيء (ربما لا تتقبلها الأذن العربية غير المعتادة على سماع الموسيقى الكلاسيك). لكن لحن سجى الليل هو نفسه.
في 01:47 اللحن الأساسي لأغنية سجى الليل يعزف من الآلات الوترية، بينما البيانو الذي كان يعزف اللحن الأساسي ليعزف تنويعات أو Variations على لحن المصاحبة الذي يظهر في بداية سجى الليل. وبعد ذلك البيانو يعزف المصاحبة لكن مع التنويعات.
في 02:08 عودة للسلم الأصلي ومع نفس اللحن يعزف من البيانو.
في 02:29 لحن البداية مرة أخرى.
لو دققنا في 03:14 للاحظنا أن هذا اللحن هو أصلا مأخوذ من لحن سجى الليل الثاني أي اللحن الغنائي، لكن أميروف قد حوره بطريقة التنويعات أو Variations.
في 03:50 نفس اللحن مع التنويعات يعزف من الآلات النحاسية
في 04:13 لحن يذكرنا بأغنية سجى الليل (يختلف عما سبق)، أي أنه في نفس جو الأغنية، أي الجو الصحراوي الذي ابتكره موسقار الأجيال.
في 04:58 يبقى البيانو ليعزف كادينزا منفردا، تقودنا هذه الكادينزا إلى:
فى 05:28 لحن المصاحبة لأغنية سجى الليل من البيانو في نهاية الكادينزا.
فى 05:38 اللحن الغنائي لأغنية سجى الليل من الأوركسترا والبيانو مستمر على عزف لحن المصاحبة.
فى 05:56 اللحن يعزف من الأوركسترا كلها مرتين، في المرة الثانية يقطع أميروف اللحن كمفاجأة تؤدي إلى القفلة أو ما تدعى بالكودا أو Coda وهو ذيل يكتب عادة في نهاية العمل من أجل أن تأتي القفلة قوية (وبالمصري: قفلة حراقة).
رحم الله موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ورحم الله المؤلف الأذربيجاني العظيم فكرت أميروف.
بعد كل هذا الاستعراض في التحليل، نلاحظ أن المؤلف أميروف استخدم في الحركة الثانية ثلاثة ألحان أو تيمات من ألحان موسيقار الأجيال، مقدمة أنت عمري، ومقدمة في الليل لما خلي، ومقطع من موسيقى هدية العيد. وفي الحركة الثالثة استخدم لحنا واحدا من ألحان موسيقار الأجيال وهو لحن سجى الليل.
نعود إلى موضوعنا الأصلي وهو:
هل صحيح أن موسيقار الأجيال اقتبس لحن أنت عمري أم أن الموسيقار السوفيتي الأذربيجاني هو من اقتبس اللحن من محمد عبد الوهاب؟
علينا أن نستعرض بعض الحقائق وهي:
المؤلف الأذري الكبير فكرت أميروف كتب هذا الكونشيرتو معتمدا أو مبنيا على ألحان عربية، أي أنه استعار ألحانا عربية، اسم العمل هو: كونشيرتو البيانو مبني على ألحان عربية أو Piano Concerto after Arabian Themes، نلاحظ أن أغلب الألحان المستخدمة في الحركة الثانية والثالثة هي مستعارة من ألحان موسيقار الأجيال، بالطبع كان على أميروف أن يضيف ألحانا من عنده لكي يبني العمل بالشكل اللائق.
علينا أن ننتبه إلى نقطة هامة جدا وهي:
الاقتباس هو غير السرقة، أي أن المؤلف أميروف حينما اقتبس ألحانا عربية فهو لم يسرقها، (لو أن مؤلفاً محترفا أحب أن يسرق لحنا فممكن بسهولة أن يضلل السامع ويخفيه بدون أن يشعر أحد) لكن هذا الكلام بعيد كل البعد عن هذا العمل، وهذه الألحان التي استخدمها أميروف لا تعتبر سرقة أبداً بل استعارة.
عودة إلى استعراض مزيد من الحقائق:
قرأت في الإنترنيت بأن المؤلف أميروف كان قد كتب هذا الكونشيرتو في العام 1957، وكان العرض الأول لأغنية أنت عمري كانت في 1964، ما يعني أن الكونشيرتو كتب قبل عرض أغنية أنت عمري. وبما أننا نسمع جزءاً من لحن مقدمة أنت عمري في الحركة الثانية وهذا اللحن وقد تكرر هذا اللحن كثيرا، فأنا أرجح أحد احتمالين:
الأول: هو أن التأريخ الذي قرأته والمكتوب في الإنترنيت هو تأريخ غير صحيح أي أن أميروف قد ألف هذا العمل بعد أن تم عرض أغنية أنت عمري أي بعد 1964.
الثاني: ربما أن أميروف قد أدخل لحن أنت عمري بعد تأليفه للكونشيرتو، هذا في حالة أن تأريخ تأليفه للكونشيرتو هو فعلاً 1957.
الثالث: ربما أن أميروف لم يكن قد كتب أصلا الحركة الثانية في نفس التأريخ، وربما أنه كتبها بعد ذلك، أي بعد عرض أغنية أنت عمري، أي بعد تأريخ 1964. أنا أستبعد هذا الاحتمال لأن الحركة الثانية هنا أتت بطيئة ومتناسبة وقالب أو صيغة الكونشيرتو عموما.
رأيي الشخصي: أنا أرجح الاحتمال الأول. موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ليس بحاجة لأن يأخذ حفنة من النوتات لكي يصيغها على شكل سولو للقانون (الكبير محمد عبده صالح) مع الكونتراباص (الكبير عباس الملقب بعظمة) الذي يرد بضربات على شكل بيزيكاتو.
بالنسبة لي أنا فمن الواضح لدي بأن أميروف هو الذي استعار اللحن من عبد الوهاب مثلما استعار باقي الألحان، وبدليلل أن الألحان المأخوذة من موسيقار الأجيال تتوالى في الكونشيرتو، حيث نسمع لحنا آخر في الحركة الثالثة، والذي كان مقدمة أغنية سجى الليل (التي استخدمتها أنا في افتتاحية كليوباترا). من الواضح أن أميروف قد خصص الحركة الثانية والثالثة لألحان موسيقار الأجيال. لقد اختتم الكونشيرتو بتيمة سجى الليل!
لقد أرسل لي الفنان الكبير الأستاذ الدكتور فكتور سحاب يقول: (كان فكرت أميروف مثلنا معجباً إعجاباً شديداً بالموسيقار محمد عبد الوهاب، حتى أنه جعل كونشرتو من تأليفه وكثيراً من نتاجه مبنياً على جمل موسيقية مأخوذة من ألحان عبد الوهاب. وكان أميروف يجاهر بهذا ولا يخفيه)، والكلام للفنان الكبير الدكتور فكتور سحاب.
أخيرا: أنا أستبعد تماماً وبشدة أن محمد عبد الوهاب قد أخذ اللحن من أميروف، والعكس هو صحيح للأسباب التي ذكرتها أعلاه.
أميروف قد توفي عام 1984 ولا يمكن أن نسأله!
وهذا فيديو بالعمل كاملا
*
أتمنى أن لا أكون قد أثقلت عليكم بطول التحليل!
يبدو أن أميروف كان مولعا بالموسيقى العربية لأنه ألف أكثر من عمل مثل ألف ليلة وليلة والتي تدعى أحيانا Arab Nights وكورال عربي.
لقد كان أميروف صديقا لأستاذي الذي درست عنده في كونسيرفتوار القاهرة وكان هو الآخر سوفيتي أذربيجاني، وكان اسمه سارفار جانييف، وكان ذلك في السبعينات. على ما أذكر بأن أميروف كان قد كتب عملا للكمان والبيانو وأهداه لأستاذي جانييف، لأن أستاذي كان مشهورا جدا في أذربيجان. كان أستاذي هو الآخر يحب الموسيقى العربية، وكان يطلب مني كثيرا وبعد انتهاء حصتي أن أعزف له قليلا من الموسيقى العربية، وذات مرة فاجأني بأن طلب مني بعد أدائي الإمتحان أن أعزف شيئا من الموسيقى العربية قائلا: أحمد، عربي. ففعلت لكن بعد أن أخذت الإذن من العميدة الدكتورة سمحة الخولي حيث أنه كان امتحاناً رسمياً وفي القاعة الرئيسية الكبيرة لمعهد الكونسيرفتوار بالقاهرة وبحضور جمع غفير من طلاب المعهد. بعد تلك الحادثة كنت أجهز باستمرار عملا عربيا بعد الامتحانات خشية من مفاجآت شبيهة.
خالص تحيات/ أحمد الجوادي







الخميس، 16 فبراير 2012

أسمهان - فيلم غرام وانتقام

أسمهان - فيلم غرام وانتقام 1944
السيمفونية التى لم تكتمل ، صوت أسمهان ، فى هذا الفيلم الذى عرض بعد وفاتها وهى فى عز الشباب ، 32 عاما ، تغنى 6 ألحان للأساتذة محمد القصبجى ، رياض السنباطى وفريد الأطرش ، تعبر عن المستوى الراقى الذى وصلت إليه الألحان العربية فى الأربعينات من القرن العشرين .. 
بينما كانت أم كلثوم تتربع على قمة الغناء العربى ظهر صوت أسمهان الفريد كمنافس قوى لها ، واقترن اسمها بالملحن القدير وأستاذ الأساتذة محمد القصبجى الذى صاغ لها لونا جديدا من الألحان المتطورة والتى سبقت عصرها
بعد وفاة أسمهان ، شقيقة الفنان الراحل فريد الأطرش واسمها الحقيقى آمال الأطرش ، ظلت أغنياتها فى ذاكرة الجمهور لفترة طويلة ، وظل صوتها مثار إعجاب وتقدير ، وربما لو أمهلها القدر لقدمت الكثير من الروائع الغنائية 
تنحدر أسمهان من أسرة لبنانية درزية وهاجرت وهى طفلة مع أخيها فريد بصحبة الأم إلى مصر حيث تعلما فى مدارسها وحينما اتجهت إلى الغناء لحن لها فنانون كبار مثل داود حسنى ، زكريا أحمد ، محمد القصبجى ، محمد عبد الوهاب ، رياض السنباطى بالإضافة إلى ألحان فريد
ألف الموسيقى التصويرية للفيلم الفنان محمد حسن الشجاعى قائد أوركسترا الإذاعة المصرية والفيلم اقتباس وإخراج عميد المسرح العربى الفنان يوسف وهبى ، ونرى فى مقدمة الفيلم اسم المخرج الرائد صلاح ابو سيف لا يزال يعمل فى المونتاج

فيلم غرام وانتقام - أسمهان
* أغانى الفيلم:  
* إمتى ح اتعرف: كلمات مأمون الشناوي - ألحان محمد القصبجي  
* أنا االلي استاهل: كلمات بيرم التونسي - ألحان محمد القصبجي  
* أيها النائم: كلمات أحمد رامي - ألحان رياض السنباطي
* مواكب العز: كلمات أحمد رامي - ألحان رياض السنباطي
* يا مين يقوللى قهوة: كلمات مأمون الشناوي - ألحان فريد الأطرش
* ليالي الأنس في فيينا: كلمات أحمد رامي - ألحان فريد الأطرش

الخميس، 26 يناير 2012

فيلم سيد درويش

قصة وسيناريو وحوار مصطفى سامي 
إخراج أحمد بدرخان
رغم الانتقادات العديدة التى وجهت إلى هذا الفيلم ومخرجه أحمد بدرخان يظل أكبر عمل فنى تعرض لحياة الفنان الرائد سيد درويش ومشواره الفنى الكبير فى عمر حياته القصير .. وبينما قد لا يمكن للإنسان فى خلال ثلاثين عاما أن يكتمل مشوار حياته مرورا بالمراحل العمرية المعتادة وبالتالى مراحل نضوج الشخصية التى نتصورها فيمن يتجاوزون فترة الشباب ، إلا أن فى حياة هذا الفنان المحدودة آفاق واسعة من الخيال والإرادة إلى جانب الفن والفكر أثرت فى حياة شعب بأكمله 
من وجهة نظرنا يجب أن تضم أفلام الشخصيات الفنية أكبر قدر ممكن من المحتوى الفنى وأن تركز على أعمالهم الفنية التى هى محور حياتهم على أى حال
فى هذا الفيلم لم تأخذ الأعمال الفنية حقها الكافى من العرض وجاءت معظم الألحان مبتورة بسبب الاهتمام أكثر بالجوانب الشخصية فى حياة بطل القصة على حساب المحتوى الفنى الموسيقى بالذات

فيلم سيد درويش


الاثنين، 2 يناير 2012

آه يا سلام

حوار مع فاضل فخرالدين: صاحب موقع آه يا سلام
ازدهرت في الفترة الأخيرة حال السميعة والمهتمين إلى الدرجات العليا من الاهتمام. لقد توفرت التسجيلات والنقاشات والمعلومات والمعارف مع ظهور الانترنت في العالم العربي. معارف عن نظريات الموسيقى والمعزوفات والكتب والتسجيلات وتاريخها وتاريخ المؤلفين والملحنين والنقد الفني والنوتة الموسيقية. نذكر كثيراً من الرواد ونهتم بالمواقع والمنتديات ذات الطابع الجاد. نذكر زرياب الموقع الذي مازال عطاؤه غزيراً ومنتداه وموقع التسجيلات وموقع سماعي وزمان الوصل وموقع كلاسيكيات الموسيقى العربية والموسوعة الحرة وعالم المقامات وأصوات شرقية وعود مايك وهكذا. لست هنا بصدد ذكر مواقع وترتيبها حسب الأهمية، لكنها قطعاً ربطت المهتمين ببعضهم ليتواصوا وليتعرفوا إلى بعضهم البعض ويسهموا في دفع مسيرة الموسيقى بشتى مشاربها واهتمامات زائري هذه المواقع. لقد خلقت حراكاً جديداً وحماساً وعملاً وساهمت في زيادة الوعي والمعرفة والارتقاء بالذوق وإن خصت دوائر ذوي الإهتمام. لكن في ذات الوقت، كنا نتوق إلى مكان يسهل الوصول لكل المعلومات والتسجيلات بعيداً عن حواجز التسجيل والمشاركة ومدلهمات صفحتات المنتديات التي تتبدل والروابط المؤقتة وما شابه. هناك تجارب كانت خارج هذه المشكلة، منها موقع زرياب – لا منتداه – وهناك جهود شخصية هنا وهناك، ونحن نحتاج عملاً متكاملاً منسقاً منتظماً مراجعاً. لا أظننا بعيدون عن ذلك وقد تحقق أن تطورت وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات الاجتماعية وترابطت مع المواقع وذاع صيت الموسوعات المتخصصة على غرار الموسوعة الحرة بكل اللغات وبأدوات البحث التي جعلتنا نصل لما لم نكن نصل إليه بأعلى درجات السرعة وأسهل الوسائل وعلى مختلف الأجهزة.
هل أخبركم عن خطوة مدهشة بيد عربية في هذا الطريق؟ إليكم هذا الحوار مع الصديق الاستاذ فاضل فخرالدين. سنقترب من تجربته الناجحة الذائعة الصيت. ربما رزتم الموقع وظهر لكم في محركات البحث اليوم وبالأمس واستفدتم منه.
آه يا سلام، موقع أينما تجولت تبحث عن الموسيقى وجدته أمامك. موقع موسيقي عربي ليس ككل المواقع. ليس بمنتدىً ولا مدونة ولا موسوعة ولا متجر ولا مخزن لتنزيل ملفات موسيقية. إنه موقع يجمع خير ميزات من هذا وذاك. موقع كبرنامج آيتيونز iTunes، لكنه مفتوح للجميع على الانترنت. ومع ميزات الآيتيونز من البحث وعرض المعلومات وترتيب ملفاتك، فإن آه يا سلام يشمل في ميزاته أنه عام وشخصي، يمكنك من الاستماع، التحميل، تحصيل النوتة الموسيقية، قراءة كلمات الأغاني، معرفة كاتب الكلمات والملحن والمؤدي والعازف. يوفر لك الشخصية وتواريخ الأعمال ونسخها المختلفة، يعرض لك المقامات والإيقاعات الأشكال ويعمل بشكل المشاركة الجماعية. يوفر لك حتى مقارنات بين الأعمال وتشابهاتها!
تضغط مثلا على اسم سعاد محمد في القائمة الجانبية، فترى صفحتها ظاهرة بصورتها، في أعلى القائمة امكانية سماع كل أعمالها. ثم يليك جدول في عدد الأعمال المتوفرة، مدة الاستماع الكلية، رابط لشعراء سعاد محمد، رابط لملحنيها، رابط بالنوتات الموسيقية لأعمالها. يلي ذلك جدول بكل الأعمال التفصيلية. لكل عمل، هناك زر للاستماع، اسم العمل، اسم كاتب الكلمات، اسم الملحن، اسم الالبوم، سنة الإصدار، مدة العمل الزمنية، نوع العمل – أغنية مثلا أم موسيقى من أي تصنيف – مقام العمل، عدد مرات الاستماع، رابط النوتة الموسيقية، كلمات العمل، ورابط للطباعة. في الحقيقة أكثر من ذلك. كل هذه المعلومات هي روابط لصفحة تفصيلية. مثلا، نضغط على اسم الملحن فيذهب بك المتصفح لصفحة الملحن والسيرة والصورة وقائمة الأعمال في جدول تفصيلي وفوقه جدول ملخص. المعلومات في متناول اليد للباحثين والمهتمين ويمكن أن توسع وتوظف لأفكار لا تنتهي. هكذا قلت، أفضل من أيتيونز إن صحت المقارنة. هكذا هي الروابط مع المغنين والمؤلفين والملحنين والمقام والقالب – الشكل الموسيقي وهكذا.

لن أواصل وصف ميزات الموقع، فهي بديهية بمجرد الدخول والتجول في الموقع الماتع للنظر والأسماع ولقد جعلها الاستاذ هكذا بنفسه وصنعها بيده لكم. تجولوا واستمتعوا واقضوا وقتاً ممتعا، أما الآن فلنستمع إلى حواري مع الاستاذ فاضل فخر الدين.
مرحباً بالعزيز الفنان فاضل فخر الدين
أهلا صديقي وشكرا على الاهتمام.
ما حكاية آه يا سلام ..؟
فكرة الموقع أتت من تنازع إلحاح حاجة شخصية وشأن عام. على الجانب الشخصي، كنت أتمنى أن أجمع ما استطيع كي استمتع بسماعه في البيت أو في رحلات السفر الطويلة بالسيارة. كنت مواكباً التقدم التقني في وسائل التصنيف والاستماع، ولم يكن القرص المضغوط – السي دي – الوسيلة المثالية لأسباب كثيرة.
أما في الشأن العام، فقط جابهت صعوبة البحث في المنتديات العربية التي تعنى بالموسيقى. مواقع الأغاني العربية الحاضرة على الانترنت، إما أن تكون ضحلة المحتوى لا تقدم سوى ملفات الأغاني دون أي معلومة أساسية أو إضافية عن التسجيلات تساعد في التصنيف وتشجع على اعادة الاستماع وتوسيع الاهتمام، أو على الجانب الآخر، هي غزيرة المعلومات ولكنها معلومات مبعثرة بين الردود على آلاف الصفحات.
حسب رأيي، فإن استعمال التقنية المعاصرة في حفظ الموسيقى العربية القديمة كان سيفاً ذو حدين. فهو من جهة أعاد إظهار المخزون العريق من الموسيقى العربية التي عانت من الاهمال بشكل رقمي متاح للجميع. ولكن من جهة أخرى، ربما لسوء الاستخدام للتقنية – أعاد اخفاء نفس ذلك المخزون تحت طبقات لا نهاية لها من صفحات الانترنت مثل ما يحدث في صفحات مكونة من آلاف الردود المجزئة على صفحات، عندما تصل إليها تكون الصفحة غير موجودة أو ذهب التسجيل المرفق فيها في أحسن الأحوال. إن صعوبة البحث عن أغنية ما أو آية معلومة محددة؛ هي ذات الصعوبة لا فرق عن كون الموقع ضحلاً أو غزيراً.
هذه الصعوبة في البحث تنطبق على المحترف والباحث في الموسيقى والشخص العادي بنفس النسبة. إن البحث في المنتديات عن أغنية ما، لا يقل صعوبة عن البحث عن باقي تفاصيل الأغنية من معلومات مهمة قام عليها بنيان تلك الأغنية من شاعر وملحن ومقام ونوتة وسنة .. إلخ.
الحل للأمرين معاً، الحاجة الشخصية والشأن العام .. أو إذا نظرنا من جهة المتلقي كمستمتع عادي أو كباحث متخصص، هو تبسيط العرض للمتلقي واخفاء التعقيد وراء برامج متخصصة بالتوبيت والتصنيف وحفظ المعلومات واسترجاعها. قسم من هذه المعلومات يحفظ على ملف الاغنية ذاته وقسم آخر يتعلق بالتبويب يحفظ على قاعدة بيانات بما يسهل عرضها حسب الكثير من التشابهات والتقاطعات.
الصفحة الرئيسية من موقع آه يا سلام

رائع، و قبل مواصلة هذا الحوار الممتع، والخوض في التفاصيل، حكاية الاسم ما هي؟
اختيار الاسم لم يكن مهماً، خصوصاً أن أغلب الاسماء الأخرى كانت غير متاحة. هكذا جاء الاسم البسيط "آه يا سلام” من تلك الجملة التي كانت تقولها سيدة الغناء العربي أم كلثوم في أغنية "حكم علينا الهوى” (آخر تسجيل ستوديو لكوكب الشرق من زمن الفن الجميل) لتعبر عما يحس به الزائر وهو يتنقل طرباً بين زهور الحديقة .. وقد أصبحت موقعاً لا بأس به من مواقع الموسيقى.
ماذا عن العمل على الموقع في البدايات ثم العمل في الموقع الآن؟
أصعب مرحلة في عمل الموقع كانت المرحلة الأولى، بتجهيز الأغاني بالمعلومات عنها و تجهيز البرامج لإدخالها لقاعدة البيانات. وقد ساعدني بذلك بعض الزملاء. أما الآن، فإضافة أغان جديدة أو تعديل معلوماتها لا يتطلب غير جهد قليل جداً، إلا إذا ظهرت فكرة جديدة يمكن برمجتها وتنفيذها كإضافة خانة جديدة لبيانات أو عرض النوتات حسب اسم المدون وهكذا. المعادلة في عمل الموقع هي، إذا كان الزائر مهتماً ولديه معلومات غير متوفرة عن أغنية ما، فإنه يرسل تلك المعلومات لإدارة الموقع وسيحصل على عضوية مؤقتة أو دائمة حسب عدد وجودة ما أرسل.
في المرحلة الأولى، واجه الموقع الكثير من الصعوبات التقنية، لأنه يعتمد على قاعدة بيانات ولأن استضافته كانت على خادمٍ صغير تشترك فيه عدة مواقع أخرى. هذا الخادم المضيف، لم يتحمل الضغط والطلب من الزوار وكان يتم فصل الموقع عن العمل في كثير من الأحيان. ثم تم نقل الموقع إلى عدد من الشركات و تم تغيير البرامج باسمترار للتقليل من الجهد التي تفرضه على قاعدة البيانات و استقر الحال منذ حوالي سنتين الآن وأصبح في صيغته الحالية.
وحديثاً عن العمل، فإن إضافة معلومة جديدة الآن تتم بسهولة عن طريق إضافتها أولاً إلى ملف الأغنية على الحاسب الآلي في البيت ثم تحمل إلى الخادم المضيف ثم يتم تشغيل برنامج على الخادم يقوم بقراءة هذه المعلومات من ملف الأغنية ذاته وتحدث قاعدة البيانات حسب المعلومات الجديدة تلك. إن هذه الطريقة لتضمن لزائر صفحة مطرب ما، أن يرى نفس المعلومات إذا أنزل الملف ونقله على جهاز استماع من الأجهزة الحديثة أو على حاسبه الشخصي على أي من برامج تشغيل الموسيقى والملفات الرقمية.
ماذا عن فكرة مشاركة الزوار في الموقع للحظوة بعضوية مؤقتة أو دائمة؟ كيف تصوّرت تقبل الزوّار لها؟ أخبرنا عن هذا وعن واقع تواصل الزوار مع الموقع.
مشاركة الزائر كانت و مازالت مجرد محاولة لتوزيع جهد التنصيف والتبويب وإكمال المعلومات. لنكن واقعيين، الزائر لمواقع الطرب والموسيقى يريد الحصول على أغنية ما لا يملكها في مجموعته الخاصة. الزائر يحمّلها من أي موقع تتوفر فيه. هكذا فإن المنتديات تقوم على مبدأ تفاعل الزوار كأنهم في مقهى. وهكذا يحصلون على أغان نادرة أو نوتة موسيقية من زائر آخر. هذه الطريقة رائعة وجميلة لكنها تفقد قيمتها مع مرور الزمن. تفقد قيمتها أولاً لأنه ليس كل الزوار يستطيعون المساهمة بشئ وثانياً لأن مشاركات الزوار وتفاعلهم يغرق المحتوى فيصبح الغث خليطاً بالسمين ويصبح البحث عصياً. ولذلك فإن إرسال أي معلومة بالبريد، كان حسب رأيي أفضل .. أولاً لأن كلمات الأغنية أو اسم الشاعر أو الملحن أمر متاح للكثيرين وثانياً حتى لا يغرق المحتوى ضمن تفاعلات الزوار. هكذا يصبح مقدار تفاعل الزوار أمر ثانوي ونقص التفاعل لا يؤثر على المحتوى وزيادته تؤدي إلى إغنائه دون إغراقه بما لا علاقة به.
مثل كل مواقع الطرب أو مواقع الانترنت، يتعرض الموقع لمحاولات القرصنة ولرسائل الشتم والإهانة الناتجة عن امتعاض الزائر بعدم القدرة على تحميل بعض الأغاني واتهام الموقع بما أنه ليس المالك الفعلي لحقوق تلك الأغاني، ولذلك فالأولى بالموقع إتاحتها بدون شروط ومعوقات، لا احتكارها للأعضاء أو المساهمين فقط، لكن الجواب دائماً هو نفس ما قلته سابقاً: الموقع بالفعل يملك الاغاني ولا يملك حقوق تلك الأغاني مثله مثل باقي المواقع وكلها يتم تداولها من مواقع أخرى وهي كلها موجودة في مئات وربما آلاف المواقع الأخرى، فإذا لم تعجب الزائر شروط الموقع، فيمكنه الحصول على ما يريد من أي موقع آخر.
ماذا عن كل هذه الأعمدة الخاصة بالمعلومات؟ هل فكرت فيها كلها منذ بداية تصميم الموقع؟ ثم هل هناك خطة لمزيد من المعلومات؟
في البداية فكرت في الأعمدة الأساسية مثل اسم المطرب والشاعر والملحن والفئة التنصيفية للعمل والكلمات وما شابه. لكن بعد ذلك تراءت لي أمور أخرى. المهم في الموضوع أن طريقة الأعمية التي تكتب في قلب ملف الأغاني عن طريق الوصوفات أو العلامات Tags، هي طريقة معتمدة عالمياً وقابلة للتوسيع والزيادة كيفما أردت.
على سبيل المثال، طلب أحد الزوار مؤخراً إضافة بحر الشعر للأغاني التي مصدرها قصائد شعرية. لقد تم ذلك بمنتهى السهولة بزيادة علامة للبحر على ملف أغاني أديب الدايخ. لا يؤثر ذلك في الأغنية نفسها ولكنه يظهرها بالتالي على صفحة أغاني أديب الدايخ بعد أن تقوم برامج الموقع بقراءة ملفات الأغاني ووضع معلوماتها القديمة والجديدة في قاعدة البيانات.
هل تفكر في ربط الموقع بمواقع أخرى والاستفادة منها؟ هل هي فكرة جيدة؟
كل محتوى الموقع كما سلف أن قلت هو أغان قديمة من الزمن الجميل، أي أن كثير من المعلومات عنها هي معلومات ثابتة لن يغيرها الزمن. أما وصلات الانترنت بما فيها موقع "آه يا سلام” نفسه، هي أمور متغيرة. أي أن صفحة ما في موقع ما أو موقعاً بكامله قد لا يكون موجوداً غداً أو سيكون موجوداً بمحتوى مخالف تماماً عن الذي أردته عندما ربطته به.
بمعنى آخر، فإن الأغاني المعروضة في الموقع والمعلومات عنها ستكون باقية معها وفيها عن طريق العلامات Tags وهي في ذات ملف الأغنية حتى لو ذهب الموقع أو المواقع الأخرى. ثم إن وجود ربط مع المواقع الأخرى قد يسبب تشتيتاً و تخبطاً للزائر في نفس الوقت.
هل تتوقع أن يصبح الموقع ثقيلا ًعلى الخادم مع الأيام؟ ماذا عن تمويل الموقع وعن فكرة تبرعات الزوار؟
إذا كنا واقعيين، فإن مواقع الانترنت من هذا النوع من المحتوى الذي لا يتغير، كثيرة جداً. عدد الزوار المهتمين قليل وآخذ بالتناقص ولذلك لا توجد هناك رؤية بعيدة الأمد لما سيصبح عليه الموقع بعد عدة سنوات. الهدف من الموقع ليس تجارياً ولذلك لم تتم استضافته على خادم مخصص ولم نعتمد على الدعاية لتمويله وهو لذلك صيانته واستضافته لا تكلف الكثير وتغطيها تبرعات الزوار النوعيين الذين يبحثون عن قيمة إضافية ويجدون ضالتهم هنا. أغلب هؤلاء من أمريكا وكندا وأوروبا وبعض دول الخليج. في ذات الوقت، ولأسباب مذكورة أعلاه، فإن الموقع بطيء ولن يتحمل زيادة كبيرة في المحتوى. والثقل هذا كان منذ انطلاقته( يوليو ٢٠٠٨) وليس بسبب كبر وتعقيد المحتوى. ليست عندي خطط لنقله لخادم آخر أو زيادة محتواه بشكل كبير إذا لم تتغير المعطيات.
أعجبتني فكرة خربطة الكلمات واستثارة الزوار. هل هي فكرتك؟
نعم من عندي، وأتت بعد محاولات عديدة فاشلة لاستثارة الزوار من أجل التفاعل البناء. لكنها في نفس الوقت سببت الكثير من الغضب والشتائم التي وصلتني.
هذه الفكرة تستفز الزوار وليس فقط تستثيرهم. فقد أرسل لي أحد الزوار: "أنت كالحمار يحمل أسفاراً، لو كنت مكانك لأتحت هذه الكنوز للجميع. أنت لا تملك حقوقها.” هذه رسالة لا تستفزني، وكان جوابي كالسالف، أن كل المعروض موجود في مئات المواقع الأخرى وما يصلني من مواد نادرة لا أجدها في المنتديات العملاقة، أقوم بالمساهمة به أيضاً في تلك المنتديات. إذا كانت الصيغة التي وضعتها في المنتدى والتي استعملها أنا أيضاً تعجب الزوار، فما المشكلة؟
هل ستضم للموقع أسماء المشتغلين بالموسيقى اليوم – الموسيقى التي نرضى عنها طبعاً - الجيل الذي بعد الرواد أو أي موسيقى جيدة يندر تداولها بين العموم بسبب ظروف هذه الايام؟
الموسيقى اليوم كما يقول المختصون تمر بمرحلة "هبوط حر” منذ التسعينات والكثير يعتبر أن العصر الذهبي للموسيقى كان في ستينيات القرن الماضي. أؤيد بدوري هذا الرأي لأني نادراً ما أستمتع بأغنية حديثة وقد يكون هذا مسألة ذوق شخصي والأذواق تتغير. وقد تكون مرحلة انتقالية تحاول أن تمر بها الموسيقى وأن تتجدد بما يواكب التغير السريع الذي شهده العالم منذ الستينات. وبعيداً عن حكاية حقوق النشر، فإن الموسيقى المعاصرة منتشرة أكثر من اللازم على الأقراص المضغوطة والفضائيات والإذاعة والانترنت. الموقع لن يضيف إليها أو إلى الزوار أي قيمة إضافية بإعادة عرضها، بل أكثر من ذلك، فالمواقع العريقة التي ذكرتها في المقدمة ربما جاءت كرد فعل على تجاهل وسائل الإعلام المختلفة للفن الأصيل وبديل عن الإغراق المتعمد لتراث الزمن الجميل. فالأذواق بحاجة لصقل دائم والفضاء يحتمل الجميع. ولذلك ليست لي رغبة بضم أسماء جديدة إلا في حالة واحدة، إذا طلب مني الفنان شخصياً عرض أعماله في الموقع مثلما طلب الفنان رضا بدير ولبيت رغبته بكل سرور.
كيف يتعامل الزوار معك وهل من طرف حدثت لك مع بعضهم؟
هناك شرح لبعض الأبيات الشعرية عند عرض كلمات أغنية ما. أحد الزوار لم يعجبه الشرح الموجود لكلمة "الحطيم” في إحدى قصائد المنشد أديب الدايخ فأرسل لي عن البيت الشعري:
فوالله لولا الله والخوف والحيا ... لقبلتها بين الحطيم وزمزم
قائلا إن الحطيم هو جانب وجه المحبوبة، فأجبته: فأين يقع زمزم إذن؟
وذات مرة أرسل لي أحد الزوار كلمات أغنية بالعربيزي هي:
hasadetna el alam hasadetna, ala dayatna shu dayetna, ward oo mai oo khodrah oo fay, mafi ahla min ayshitna
معظم الزوار ذوو خلق رفيع ولكن لا يخلو الأمر من البعض الآخر. بعض الزوار مثلا يدخلون إلى صفحة الشركة المضيفة ويطلبون تعديل رمز الدخول السري للموقع على أمل استلام بريد بالبريد بالرمز الجديد.
أنت تمنح عضوية للتنزيل والاستماع للزوار حسب نوعية وعدد المشاركات والاضافات. هل تحدد ذلك عن طريق رقم الانترنت IP ؟ هناك بعض الدول التي يتبدل فيها هذا الرقم كل حين فيخسر الزائر عضويته وله جهد معك. هل من طرق أخرى استحدثتها؟
عفواً، لا يخسر الزائر جهده. الوسيلة التي أمنح بها العضوية ليست عن طريق رقم الانترنت ولكن عن طريق ربط ذلك بالبريد الالكتروني وعن طريق Cookies في حاسب الزائر الشخصي. من حصل على عضوية لا يفقدها طالما أن بريده الالكتروني محفوظ في قاعدة البيانات. في العادة، الحصول على اسم مستخدم ورمز للدخول للعضوية كما هو متبع في المنتديات هو طريقة جيدة و كما هو الحال في الدخول على حسابك البنكي أو موقع بطاقة ائتمان طالما أنك لن تعطي معلومات الدخول لشخص آخر. لكن، إذا كان الأمر متعلقاً بموقع للموسيقى، فليس هناك خصوصية شخصية وربما تعطي معلوماتك لعشرات الأشخاص من الأصدقاء للدخول والاستفادة من معلومات دخولك. هذا يحصل فعلا في المنتديات. هكذا تنتفي صفة الخصوصية وتختلف زياراتك وتفاعلك مع الموقع. هكذا لن يصبح عدد زوار الموقع في هذه الحالة بالضرورة هو عدد الأعضاء الفعليين. تصور دخول كل أصحابك على حساب واحد في الفيسبوك مثلاً!
من ناحية أخرى، فإن الأغاني القديمة التي يعرضها الموقع هي نفسها لا تتجدد وقد تتغير بعض المعلومات عنها في فترات متباعدة. الزائر الذي حصل على ما يريده من زيارة واحدة أو عدة زيارات لن يعاود دخول الموقع إلا في فترات متباعدة؛ هذا إذا عاود الدخول إليه مرة أخرى! موقع الأغاني القديمة إذن هو مثل دكان تحف لا يقدم الحاجات اليومية التي تقتضي المتابعة الدائمة ولكنها حاجات تقتنى وتستهلك مرة واحدة ولا يطلبها إلا شريحة من راغبين فيها فعلاً.
من دون إثقال كاهل القارئ بالتفاصيل التقنية، فإن زائر موقع آه ياسلام، يحصل على عضوية مؤقتة أو دائمة عن طريق ربط عنوان بريده الالكتروني المحفوظ بقاعدة البيانات مع الكوكي الذي أرسل إلى حاسبه عندما قام بتفعيل الاشتراك مع الموقع.
وإذا أراد العضو تصفح الموقع من حاسب آخر غير الذي تم تفعيله أو من بلد آخر، فما عليه إلا أن يقوم بإعادة الربط بتكرار إدخال عنوان البريد الالكتروني في صفحة الدخول. هكذا، ترسل له رسالة إلى بريده تحمل رابط التفعيل. عند استعمال رابط التفعيل هذا يقوم الموقع بإرسال الكوكي للحاسب الجديد وبذلك يتمكن الزائر من دخول الصفحات كعضو طالما بقي الكوكي على حاسب الزائر وطالما بقي عنوان بريده الالكتروني في قاعدة بيانات الموقع.
هل البرنامج الذي يقرأ العلامات ويدرجها في قاعدة البيانات والذي تستعرضها به في الموقع من صنع يدك أم هو برنامج مفتوح المصدر؟ خبرني عن جهودك الشخصية واستخدامك للبرامج في آه يا سلام.
البرامج التي تقرأ وتكتب علامات الملفات قسمان. قسم يعمل على الحاسب في البيت: حاسب ويندوز أو ماك أو غيرهما لتعديل بيانات الملفات ضمن العلامات. أما القسم الثاني فهو يعمل على نظام لينكس لقراءة هذه البيانات وتخزينها في قاعدة البيانات. هذه البرامج ليست من كتابتي وهي جاهزة وذات مصدر مفتوح open source. هي متاحة للجميع على الانترنت مثل برنامج تاغ ايديتور http://mp3tag.de/en
أقوم بدوري بالتبرع المالي لأصحاب هذه البرامج كي يواصلوا تطويرها لما فيه من فائدة عامة للجميع.
أما قاعدة البيانات على الخادم وتفعيل البرامج لقراءة المعلومات ووضعها في قاعدة البيانات ومن ثم مقابلتها وتقطيعها حسب محاور عرضها على صفحات الموقع وكل الصفحات التي يراها الزائر ويتفاعل معها فهي من كتابتي. أنت تعرف أني متخصص في البرمجة وبرمجة قواعد بيانات على حاسبات عملاقة قبل أن أهتم بالتكنولوجيا المختصة بالمواقع والحاسبات الشخصية.
ننتقل للحديث عنك الآن؟ لنبدأ من حديث عن الموقع تطرقاً للحديث عنك. كيف هو فاضل فخرالدين كمستخدم للموقع؟ هل تستخدمه بالطريقة التي طمحت إليه أول الامر؟ هل فاق توقعاتك الأولية؟
الموقع أعطاني في الحقيقة أكثر مما أتوقع. فما بدأ كجهد شخصي لحاجة خاصة، أصبح مصدر معلومات لي ولغيري من المهتمين وهناك امكانية تطويره أكثر مما هو عليه اليوم.
مثلما لم أتوقع الشتائم التي وصلتني، لم أكن كذلك أتوقع أن يتصل بالموقع الدكتور فكتور سحاب وجورج وديع الصافي والشعراء حبيب يونس وعزيز الرسام وبسام العنداري ومفيد نبزو والناقد الفني وجيه ندا والأعلامي سعود القويعي وحفيد الشاعر محمد عاصي أو ابن الشاعر عمر الحلبي والأسماء كثيرة لن أستطيع أن أحصيها كلها الآن.
لم أكن أتوقع أن يخصني السيد مراد داغوم مثلا بنوتات موسيقية من تدوينه أو أن يرسل إلي هو وغيره أغان نادرة من مكتبتهم الخاصة. لم أكن أحلم أنا أو غيري بأن يظهر سكتش "روكز خطب” من خزائن النسيان وغيره الكثير من النوادر التي أرسلها أصحابها لي لثقتهم برسالة الموقع. ولا يسعني إلا أن أشكرهم جميعاً دون تسمية عما استفدت منه شخصياً وشاركت به غيري من المهتمين في المنتديات مثل سماعي و زرياب وغيرها.
عندما تنظر أعلى صفحة أم كلثوم إلى آخرها، فسترى تاريخاً متكاملاً يبدأ من الأغاني الأولى بشعرائها وملحنيها إلى آخر أغنية استوديو أو آخر بروفة. سترى مشاريع النهوض والحروب والانتصارات والهزائم. وترى تطور الألحان والصوت والاداء وهذا أيضاً لم أكن أطمح إليه في بداية عمل الموقع عندما كانت تلك المعلومات مبعثرة مشتتة وأنت تراها اليوم جمعت بعناية في صفحة واحدة.
مذهل ! ما حكايتك مع الموسيقى والعود؟
تعلمت عزف العود بجهد شخصي "على كبر” ولم أتعلم للأسف قراءة النوتة. أغني منذ الصغر كهاو وصوتي لا بأس به من ناحية القوة والطبقات ولكني لا أعتبر نفسي موسيقياً بأي شكل. هي فقط هواية وغذاء روحي أمارسه على فترات متباعدة كلما سمحت الفرصة.
لك مني غاية الشكر والتقدير على الوقت الذي أتحته لي للحوار والاقتراب من مشروع غاية في الأهمية، وليت أن هذه الفكرة تطبق لتشمل مواداً من الموسيقى الآلية والنوتات التي تهم الدارسين وتزداد المعلومات خيراً على خير وتتبنى الفكرة مجموعات المهتمين بالمواقع الكبرى التي أغنتنا فكراً وذوقاً وعلماً. لك ألف شكر.
الشكر لك ولذوقك.
سيرة مختصرة للاستاذ فاضل فخر الدين:
فاضل فخر الدين، من مواليد قرية مجدل شمس على سفح جبل الشيخ في الجولان السوري المحتل، قرية جميلة تعانق السماء. فاضل فخر الدين، حاصل على درجة الماجستير في علوم الحاسب الآلي ويعمل رئيس فريق برمجة لأغراض التحكم والمراقبة في شركة AT&T. من سكان أمريكا منذ العام 1997 مع عائلته: زوجته وثلاثة أولاد. يقول أنه هاوٍ للموسيقى وبالخصوص موسيقى الطرب العربية الأصيلة وهو يغني ويعزف على العود في مناسبات خاصة مع العائلة والأصدقاء.

الاثنين، 26 ديسمبر 2011

سهرت منه الليالي - محمد عبد الوهاب

سهرتُ منه الليالي - محمد عبد الوهاب
فيلم دموع الحب 1935
إيقاع تانجو - مقام نهاوند / دو مينير

لا تزال هذه الأغنية تجذب أذن المستمع العربي بعد عشرات السنين منذ ظهورها لأول مرة في السينما عام 1935 في فيلم دموع الحب ، وهي من الأغنيات المجددة في عالم الأغنية العربية ، استخدم فيها عبد الوهاب عدة أدوات ووسائل حديثة جعلتها تختلف كلية عما كانت عليه الأغنية العربية قبل ذلك الوقت ، ولا شك أنها خطوة مبكرة على طريق تحديث الموسيقى العربية
كان إيقاع التانجو من الموجات الحديثة السائدة في أوربا وقتها واكتسب شعبية كبيرة في كل الأوساط، واقترنت أغانيه برقصة التانجو التي اشتهر بها ثم انتقل إلى أمريكا اللاتينية ليستوطن بها ويصبح علامة من علامات الموسيقى المحلية اللاتينية ، وحتى وقتنا هذا يعاد إنتاج القديم منه وتقدم أغنيات جديدة باستمرار في قالب التانجو ، ويبدو أن اللاتينيين المعروفين بعدم اكتراثهم كثيرا بموجات وموضات الفن الأوربي والأمريكي وميلهم أكثر إلى إنتاج وتقديم ما يفضلونه هم من فن بل وتصديره إلى العالم، كانوا وما زالوا يتمسكون بفنونهم دائما لكنهم منفتحون على فنون العالم يلتقطون منه ما يعجبهم
اقترنت خطوات عبد الوهاب في اتجاه التحديث بخصائص جعلت من تجربته مدرسة خاصة
  • البدء من حيث انتهى الآخرون ، أي التفاعل مباشرة مع أحدث ما ينتجه العالم من فنون
  • الحفاظ على العناصر الشرقية الأصيلة في ألحانه المحدثة 
  • تطويع اللفظ العربي للقوالب الحديثة
  • مزج الشرقي بالغربي بطريقة سلسة ومستحبة لدى الجمهور
  • تطويع المقامات العربية وطريقة الغناء للأساليب والقوالب الجديدة
  • تطوير الفرق الموسيقية بإدخال آلات جديدة وأساليب عزف مبتكرة
  • الاهتمام بالأناقة والشياكة والحداثة في المظهر العام للمسرح والمطرب والأوركسترا بما يضيف قيمة اجتماعية للعمل وللفنانين وللفن عموما
في هذا اللحن من مقام نهاوند ، دو مينير ، لا يكتفي الملحن بالمقام الرئيسي بل يصول ويجول في عدة مقامات كعادته قبل العودة الدرامية إلى التيمة الأساسية، ويتبادل النهاوند بصفة خاصة مع مقام النوا أثر، وهو فرع من فروعه، حيث يختم به الغناء
وفي "سهرت" التي تأخذ شكلا غربيا تماما في البداية نجده يغني قصيدة من الشعر العربي الفصيح كما أنه يستخدم مقام "السيكاه البلدي" مرتكزا على خامسة المينير ، وهو مقام شعبي شائع الاستخدام عند المشايخ من مقرئي القرآن الكريم وهو من أصعب المقامات، ليس بسبب تركيبته فقط بل تكمن صعوبته في الدخول إليه والخروج منه إلى مقامات أخرى، حيث أنه لا يشتق من مقام ولا يشتق منه مقام ، وعلى الملحن أو المطرب أداؤه على نفس درجة ركوز المقام السابق أو اللاحق له رغم ركوزه على ثلاثة أرباع الدرجة وهذا يجعل أداءه غاية في الصعوبة ، لكن هذه الصعوبة نفسها هى التى تحقق الطرب لدى السامع مضيفة تحولا غير متوقع من المقام السائد
لنستمع إلى "سهرتُ" من محمد عبد الوهاب 
سهرتُ منه الليالي - محمد عبد الوهاب