كلمات حسين حلمي المانسترلي - ألحان زكريا احمد
طقطوقة / مقام راست 1931
لحن تقليدي ينتمي بكل المقاييس إلى طرب القرن التاسع عشر وكأننا نستمع إلى عبده الحامولي وليس أم كلثوم في 1931. يؤكد ذلك رد الكورس بآهات تشبه ردود الأدوار واللزم الموسيقية.
ولا يخرج اللحن عن تقليديته سوى ختام المذهب الدرامي بالعبارة "والدمع بيفيض من عيني .. غصبٍ عني"، والذي تكرر بكلمات مغايرة في ختام جميع المقاطع. وهذا الختام هو ما ميز اللحن وسبب شهرته، وقد صعد بكلمة واحدة في حركة فجائية استعرضت السلم كله صعودا وهبوطا تبعها قفلة محكمة
ولا يخرج اللحن عن تقليديته سوى ختام المذهب الدرامي بالعبارة "والدمع بيفيض من عيني .. غصبٍ عني"، والذي تكرر بكلمات مغايرة في ختام جميع المقاطع. وهذا الختام هو ما ميز اللحن وسبب شهرته، وقد صعد بكلمة واحدة في حركة فجائية استعرضت السلم كله صعودا وهبوطا تبعها قفلة محكمة
ولو نظرنا للنص سنجده مليئا بصور وتراكيب ومفردات القرن السابق وبذلك يمثل اللحن انعكاسا لجو النص العام
كما يقارب أداء أم كلثوم الغناء القديم بكل سماته، ويلاحظ تمكنها من الغناء في الدرجات العليا حتى في جواب الدرجة الرابعة "جواب الجهاركاه".
يستدعي هذا الوصف السؤال "كيف كان ينظر إلى تلك العودة للماضي في ذلك الوقت؟"
الواقع أن زكريا أحمد لم يكن يغرد خارج السرب، ولنتأمل كيف كان يغني عبد الوهاب مثلا. بحلول عام 1931 كان عبد الوهاب قد قدم عدة قصائد وأدوار تنتمي إلى عصر أقدم، حتى أنه غنى موشح "ملا الكاسات" من تلحين ملحن القرن التاسع عشر الشهير محمد عثمان.
وقد يقول قائل أن هذا امتداد طبيعي لموجة طربية ذات قبول واسع، خاصة أن الفترة الزمنية ليست بالطويلة جدا "30 عاما"، ولو أنها تمثل فارق جيل تقريبا. لكن ما لم يكن طبيعيا هو ظهور تلك الألحان بعد حركة التجديد الهائلة التي جرت بين عامي 1917 و 1923 على يد سيد درويش والتي قوضت المفاهيم الفنية القديمة، وأرست قواعد جديدة فيما عرف بالمدرسة التعبيرية التي امتدت من المسرح الغنائي إلى كل الأشكال الغنائية.
كان المتوقع والمنطقي أن يقدم الجيل اللاحق لسيد درويش نهجا متطورا يواكب تلك النهضة بل وأن يقدم نماذج أكثر تطورا، فما الذي حدث حتى وصلنا إلى هذه "الردة" إلى القديم؟
أسباب عودة القديم
الأسباب لم تكن فنية فقط ولا جماهيرية فقط، فهناك عدة عوامل اجتمعت لتدفع الفن إلى الوراء.
1. بعد وفاة رمز الثورة الشعبية سيد درويش عام 1923، بدأ أعداؤه في طمس ألحانه وإحكام السيطرة على الساحة الفنية، وراحوا يبسطون نفوذهم على كل ما يتعلق بالفن بدءا من الفنانين إلى المسارح والصالات وشركات الاسطوانات ولاحقا الإذاعة. وهنا لابد أن نتذكر كيف انتشرت الأغاني الخليعة عقب وفانه بصورة رهيبة حتى عام 1930 وهو العام الذي تم فيه إسقاط دستور 1923 وإنهاء مكاسب ثورة 1919 بفعل ضغوط الاحتلال البريطاني
2. استفاق أهل الفن في الثلاثينات بعد تلك الصدمة وتلك الورطة لكن الضغوط لم تتوقف، لذلك اتجه الفنانون إلى إعادة إنتاج الأشكال الأقدم التي كان شعارها "الفن للفن" بعكس شعار مرحلة سيد درويش "الفن للمجتمع"، وكانت هذه الردة "أرحم" بكثير من تيار الأغاني الهابطة
على أن عبد الوهاب، رغم ميله إلى الطرب القديم، قد ألمح في أكثر من لحن إلى رغبته في التجديد والتطوير إلى أن تحقق له ذلك بالفعل خلال الثلاثينات وما تلاها، بينما تعلق الشيخ زكريا بالقديم طوال الثلاثينات ولحن خلالها 9 أدوار لأم كلثوم، ورافقه في تلك الرحلة داود حسني الذي لحن لها 10 أدوار، وهو فنان محسوب أصلا على المدرسة الطربية القديمة
3. تتوافق العودة للقديم مع مصلحة واضحة لدى الفنانين المطربين في استعادة سيطرة المطرب على سوق الفن وأدواته مثل الحفلات والاسطوانات. وما كان لأم كلثوم أو عبد الوهاب أن يتربعا على عرش الغناء لو أن موجة سيد درويش قد قدر لها الاستمرار بنفس القوة والمد، إذ أن ألحان سيد درويش لم تصنع من أجل المطربين المحترفين ولا تتطلب وجودهم بالضرورة، فقد صنعت ليغنيها الشعب كله وأي فرد منه.
وكما قال الفنان السكندري محمد عفيفي في معرض حديثه عن سيد درويش "الفنانون القدامى كانوا يتمتعون بقدرات غنائية عالية، وكانوا يتباهون بأصواتهم وليس بفنهم، بينما سيد درويش جعل الغناء للجميع وقدم ألحانا يستطيع أي إنسان أداءها"
وكما قال الفنان السكندري محمد عفيفي في معرض حديثه عن سيد درويش "الفنانون القدامى كانوا يتمتعون بقدرات غنائية عالية، وكانوا يتباهون بأصواتهم وليس بفنهم، بينما سيد درويش جعل الغناء للجميع وقدم ألحانا يستطيع أي إنسان أداءها"
لذلك تراجع عبد الوهاب عن المسرح الغنائي بعد أول خطوة أو خطوتين، أما أم كلثوم فقد هجرته تماما ولا يذكر لها أي عمل مسرحي.
وقد دافع عبد الوهاب عن موقفه هذا في سلسلة أحاديثه مع الأديب سعد الدين وهبة قائلا "شعرت أنني لن أستطيع أن أقدم أغاني المسرح في الحفلات لأنها تعتمد على مواقف درامية وتجري على لسان شخصيات مسرحية ولا يمكن أن تقدم خارج إطارها لذا انسحبت من هذا المجال، وعلى أي حال كان هناك فنانون غيري يستطيعون التلحين للمسرح ولم يفعلوا"
وقد دافع عبد الوهاب عن موقفه هذا في سلسلة أحاديثه مع الأديب سعد الدين وهبة قائلا "شعرت أنني لن أستطيع أن أقدم أغاني المسرح في الحفلات لأنها تعتمد على مواقف درامية وتجري على لسان شخصيات مسرحية ولا يمكن أن تقدم خارج إطارها لذا انسحبت من هذا المجال، وعلى أي حال كان هناك فنانون غيري يستطيعون التلحين للمسرح ولم يفعلوا"
يؤكد هذا الدفاع وجهة نظرنا لكنه في الوقت ذاته يختزل فن سيد درويش في المسرح بينما الواقع أن مدرسته التعبيرية هي الرسالة الكبرى ومبعث التجديد الحقيقي سواء كان العمل على المسرح أو خارجه، بدليل أن كل الفنانين بعد ذلك في القرن العشرين ساروا على نهجه في تقديم التعبير على التطريب مهما كانت طبيعة أعمالهم. وهذا ما أدركه الجميع، كل في وقته، حينما استداروا لاحقا نحو التحديث.
لكن الجميع أيضا احتفظ بتفضيل وتكريس الأعمال الغنائية الفردية التي تخدم المطرب بالدرجة الأولى، حتى ولو كان العمل في إطار جماعي كالسينما، بل إن السينما هي التي سعت لاجتذاب المطربين وخدمة أعمالهم وليس العكس، وهي التي كانت تسوق لأفلامها بأسماء نجوم الطرب
لكن الجميع أيضا احتفظ بتفضيل وتكريس الأعمال الغنائية الفردية التي تخدم المطرب بالدرجة الأولى، حتى ولو كان العمل في إطار جماعي كالسينما، بل إن السينما هي التي سعت لاجتذاب المطربين وخدمة أعمالهم وليس العكس، وهي التي كانت تسوق لأفلامها بأسماء نجوم الطرب
هكذا تحقق للمطربين ما أرادوا وأصبح الملحنون تابعون لهم رغم أنهم المبدعون الحقيقيون، وهكذا عاد الطرب و"السلطنة" وتراجع الفن بدلا من مواصلة التطور
وبهذه المناسبة نشير إلى ما سبق لنا قوله في موضع آخر بأن سيد درويش هو الملحن الوحيد الذي حملت جميع ألحانه اسم الملحن ولم تنسب لمطرب، بعكس ما كان يحدث قبل ذلك وما حدث بعده. ولم يتحقق ذلك لملحن آخر إلا إذا كان مطربا بجانب كونه ملحنا، باستثناء الأعمال المسرحية التي كانت كلها تنسب لملحنيها، حتى ملحنين كبار مثل عبد الوهاب وزكريا والقصبجي والسنباطي حملت ألحانهم لغيرهم أسماء مطربيها وغاب عنها اسم الملحن
أما الآن في القرن 21 فقد زالت هذه االأسباب لكن الفن المقدم يعاني من حالة انعدام وزن، فهو يفتقر إلى الطرب، مبرر القديم، وإلى التعبير، أساس الحداثة، فلم يعد قديما مطربا .. ولا أصبح حديثا معبرا، وتجاوزت الأزمة الغناء والألحان بتدهور ثقافي عام طال الكلمة واللغة والموضوع، وهذا بالضبط ما يجعلنا نفتش في التراث ونتذوق حلوه ومره
الليل يطوّل ويكيدني والفجر قاسي بيضنيني
وبلبل الصبح يزيدني أنينه من جنس أنيني
يبقى يغنّي
والدمع بيفيض من عيني
غصبٍ عنّي
صبّرت قلبي اللي شبكني وقلت مهلا يا جفوني
الحب ما رضيش يطاوعني والشوق غلب قلبي وعيني
خيّب ظني
ورجعت للنوح يواسيني
غصبٍ عنّي
ليه يا غرامي بتألمني وتهرّب النوم من عيني
عمـلت إيه بتعذبني وتسيبني للنار تكويني
ليه تأسرني
واقاسي من سهد جفوني
غصبٍ عنّي
مين اللي يقدر ينصفني غير الحبيب اللي ضناني
يبعد شجوني ويرحمني ويشفي قلبي اللي رماني
كان يسعدني
والدمع يبعد عن عيني
غصبٍ عنّي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق