بقلم أحمد الجوادي
المايسترو Maestro or Conductor:
لقد نشرت هذا المقال في منتدى عربي وأحببت أن أعيد نشره هنا لمزيد من الاطلاع.
الكثيرين من غير الموسيقيين وحتى بعض الموسيقيين أحيانا لا يعرفون ما هي وظائف المايسترو ولماذا يقف أمام الأوركسترا، ولماذا يبدو وكأن العازفين لا ينظرون له أثناء العزف ومتى يكون وجوده ضروريا وأي من الأعمال التي ممكن عزفها بدون وجود مايسترو!
باختصار شديد، المايسترو هو من يدير العمل كله في الأوركسترا، وفي الأعمال الأوركسترالية الكبيرة لايمكن بأي حال من الأحوال عزف تلك الأعمال بدون وجود مايسترو.
كنت أقرأ قبل فترة في كتاب وكان هناك فصل يتكلم عن المايسترو، سوف أنقل فقرة أعجبتني من هذا الكتاب:
"المايسرو والمؤلف الشهير جوستاف ماهلر قال ذات مرة:
لا يوجد أوركسترا عظيم، فقط يوجد مايسترو عظيم. في هذا الكلام مقدار كبير من الحقيقة إذا لم يفهم بشكل حرفي. طبعا حتى توسكانيني نفسه لن يستطيع أن يجعل أوركسترا لمعهد عالي للموسيقى أن يعزف مثلما يعزف أوركسترا بوسطن فيلهارمونيك، وكذلك الأمر لو قاد مايسترو من الدرجة الرابعة أوركسترا بوسطن فيلهارمونيك لما تمكن من أن يجعلها تعزف مثل أروكسترا لمعهد عالي للموسيقى" هذا هو جزء مما أتى في الكتاب.
لو طبقنا هذا الكلام على إحدى أشهر الأوركسترات في العالم كأن تكون أوركسترا برلين فيلهارموني ولو افترضنا وأن قاد هذا الأوركسترا قائد عظيم مثل كارايان في عمل ضخم كأن يكون الحركة الأولى من سيمفونية ماهلر الثانية، وبعد أن فرغ كارايان من قيادته لتلك الحركة قام بتسليم عصا القيادة لمايسترو آخر، المايسترو الآخر ليست له خبرة طويلة في القيادة وهو قائد بسيط جدا من الدرجة الثامنة أو العاشرة، بعد أن يقود هذا المايسترو غير الخبير نفس العمل سوف نلاحظ فارقا هائلا في النتيجة الصادرة، علما بأن الأوركسترا هو نفسه والنوتات الموضوعة أمام العازفين هي نفسها فأثناء قيادة المايسترو الثاني للعمل لسمعنا هرجا ومرجا وأخطاءا لا حصر لها بدلا من أن تسمع عملا عظيما.
ولو قاد أوركسترا شهير مايسترو شهير جدا عملا معين، وبعد فترة قاد نفس العمل ونفس الأوركسترا مايسترو شهير آخر للاحظنا أن هناك فروقات قد تصل أحيانا لتكون فروقات كبيرة بين نتيجة قيادة هذين المايستروين، السبب هو أن لكل مايسترو له رؤيته وفهمه الخاص بالعمل والمؤلف.
هذا هو السبب في أن الكثيرين من المهتمين بالموسيقى الكلاسيك حينما يقتنون عملا مهما لمؤلف ما فهم يقتنون ذات العمل بقيادة عدة مايسروات وعزف عدة أوركسترات.
هل ينظر الموسيقيين للمايسترو بانتباه؟
حينما يتفرج شخص غير موسيقي إلى أوركسترا يلاحظ "أو يتصور" بأن كل العازفين مشغولين بقراءة النوتة متناسين وجود المايسترو ولا ينظرون له، إذا لماذا يقف المايسترو؟ هذا الكلام غير صحيح بتاتا، فكل العازفين عليهم أن يراقبوا تحركات المايسترو.
لو حضر أحدنا بروفة أوركسترا وجلس يتفرج، وجد أن العازفين منهمكين في قراءة النوتة وفي مكان معين أوقف المايسترو العزف، تجد أن الأوركسترا كلها تتوقف عن العزف في نفس الوقت الذي أوقف المايسترو يده، هذا يعني أن الجميع منتبهين لحركات المايسترو، وهذا هو السبب في أن المايسترو يقف على خشبة عالية لكي يراه جميع العازفين، أما العازفين الذين يشتركون في نوتة واحدة "مثل الآلات الوترية حيث يشترك كل عازفين إثنين في نوتة واحدة" تجد أنهم يضعوا حامل النوتة "الستاند" في مكان معين بحيث يتمكن كُلّا من العازفين من رؤية المايسترو ولو صادف وأن جلس أمام أحد العازفين عازف أو عازفة بشعر عالي أو كثيف أو عازف طويل القامة مما يعيق العازف الذي يجلس إلى خلفه من رؤية المايسترو تجد أن العازف يحاول تغيير مكان الستاند أو مكان الكرسي الذي يجلس عليه أو يطلب من العازف الجالس أمامه ليغير قليلا من موقعه ليتمكن هو من رؤية المايسترو.
وهذا هو السبب أيضا في أننا نجد أن الأوركسترا تجلس على ألواح خشبية متفاوتة في الارتفاع، فكراسي الآلات الوترية توضع على خشبة المسرح مباشرة أما كراسي آلات النفخ فتوضع على ألواح خشبية متفاوتة الارتفاع وبحسب موقع الآلة لكي يتمكن العازفين من رؤية المايسترو.
لننظر لهذا الفيديو سنلاحظ الاختلاف في ارتفاع مستوى العازفين وهم يعزفون سيمفونية دفورجاك الثامنة
هل رأى أي منا عازف في أوركسترا قد وجه النوتة بعكس اتجاه المايسترو أو في اتجاه آخر؟
لو انتبه المايسترو أثناء البروفة إلى أن أحد العازفين ينظر فقط للنوتة الموسيقية ولا ينتبه لإشاراته يوقف المايسترو التمرين ويتوجه بنظره لذلك العازف مستهزئا وساخرا ويمسك النوتة التي أمامه ويضعها على مقربة من أنفه وعيونه أي على مسافة 5 سنتمترات عن عيني المايسترو في إشارة منه أن ذلك العازف ينظر فقط للنوتة ولا ينتبه لحركات المايسترو لكي يضحك عليه باقي العازفين (نادرا ما يحصل هذا في الأوركسترات الاحترافية لكن ممكن أن يحصل في أوكسترات الطلاب أو أركسترات الهواة).
كيف يتمكن العازف من رؤية المايسترو وهو مشغول بقراءة نوتته الموسيقية؟
ممكن أن نطبق هذه التجربة على أنفسنا:
أنظر إلى صفحة أمامك وفي نفس اتجاه الصفحة التي تقرأها يجلس شخص، أطلب من ذلك الشخص أن يؤشر بأصابع يده ليعطيك عددا معينا كأن تكون ثلاثة أصابع أو خمسة سوف تجد نفسك بأنك تتمكن من التعرف على العدد وأنت لا تنظر إلى الشخص بل تنظر للصفحة التي أمامك، بعد ذلك اطلب منه أن يحرك إحدى يديه ويضعها في مكان ما سوف تنتبه على الفور بأنه قد وضع يده على رأسه أو على قدمه على سبيل المثال. بنفس الكيفية يتمكن عازف الأوركسترا من رؤية المايسترو وهذا السبب الذي تجدهم جميعا قد وضعوا حامل النوتات في نفس اتجاه المايسترو. توجد أماكن معينة في العمل الموسيقي يتطلب فيها من العازفين أن يتركوا النظر في النوتة ويركزوا أنظارهم نحو المايسترو لكي يتلقوا التعليمات الصحيحة من حركات يدي المايسترو "مثل هذه الأماكن يكون حفظها سهلا أو أن تكون نوتات طويلة، أي لا يمكن عمل ذلك في أماكن صعبة وسريعة".
مع تحيات أحمد الجوادي
موضوع شيق وجميل من الفنان أحمد الجوادى نرجو أن يكتمل ببقية السلسلة قريبا
ردحذفأتفق معك فى بالتأكيد فى كثير من النقاط حول أهمية عمل المايسترو كقائد للفريق وصاحب رؤية تشبه كثيرا رؤية المخرج للعمل السينمائى الذى يمكن فيه تناول نفس الموضوع بمعالجات مختلفة ، ولو أنى أجد بعض التحفظ إزاء فكرة أن يفشل أداء الأوركسترا فى نفس العرض واللحظة بتغيير المايسترو .. على الأقل بسبب أن القائد يعيش مع فريقه فى البروفات أكثر كثيرا من العروض .. كذلك إمكانية أن ينجح فريق متواضع فى العمل بكفاءة عالية بمجرد تغيير قائده .. لكنى أتطلع إلى مزيد من الأمثلة والنماذج فى هذا العرض الجذاب ، ولا أنسى أن أشكرك أستاذ أحمد على اختيار نموذج هذا المقال فالموسيقى حقا ممتعة والأداء أكثر من رائع .. تحياتى
صديقي العزيز د. أسامة المحترم
حذفشكرا جزيلا لك على تعليقك الجميل.
بالنسبة لما كتبته عن المايسترو غير المحترف أو أنه ليس مايسترو من الطراز الأول، فمع الأسف هذه هي الحقيقة، إذ أنني بنيت هذا الكلام على قراءاتي وعلى خبرتي الخاصة في العزف في الأروكسترات.
حينما يستلم شخص قيادة الأوركسترا وهو ليس خبيرا بما يكفي فتكون النتيجة سيئة للغاية.
فقط أخبرك عن هذه القصة التي حصلت معي وهي واحدة من العشرات:
في إحدى الأوركسترات التي كنت أعمل بها (عذرا لا أريد ذكر الأوركسترا)، ذات يوم غاب المايسترو عن التمرين، وكان على الكونسيترماستر أن ينوب عنه لكي لا تذهب البروفة هباءاً. كان الكونسيرتماستر روسي ومستواه ممتاز فعلا، لكنه ليس قائد حقيقي. بدأ في قيادة الأوركسترا، كان يتكلم كثيرا جدا، ولم يستطيع أن ينجز شيء، كان يجلس إلى جواري عازف كمان روسي أيضا، ربما مستواه أفضل من مستوى الكونسيرتماستر، قال لي همسا: المايسترو لا يتكلم كثيرا، يداه هي التي تتكلم.
خالص محبتي/ أحمد الجوادي