كلاسيكيات الموسيقى العربية * أرشيف * استماع *  تحميل *  نقد فنى *  تحليل موسيقى* أفلام * صور *  تسجيلات * كلاسيكيات الموسيقى العربية
كلاسيكيات الموسيقى العربية * الخمسة الكبار * سيد درويش * محمد القصبجى * زكريا أحمد * محمد عبد الوهاب * رياض السنباطى * نجوم الغناء العربى * أم كلثوم * عبد الوهاب * فيروز * عبد الحليم * ألحان التراث * موشحات * قصائد * أدوار * كلاسيكيات الموسيقى العربية

الأحد، 30 سبتمبر 2012

المايسترو – ج2


ما هي الآلات التي يجب على المايسترو أن يتقنها؟

لا يوجد هناك أي قانون يحكم المايسترو من أن يجيد آلات معينة، ما يجب على المايسترو أن يعرفه بشكل جيد هو العزف على البيانو لأنه عليه أن يقرأ نوتة المايسترو أو ما تسمى بارتيتورا (Maestro Score or Paritor) والتي تكتب فيها كل آلات الأوركسترا، فحينما يريد المايسترو التعرف ودراسة بعض الأماكن عليه أن يعزفها على البيانو، هنا علي أن أقول ليس من واجب المايسترو أن يكون عازف بيانو ماهر أو لامع (وإن كان بعض قائدي الأوركسترات هم أصلا عازفي بيانو لامعين وشهيرين)، أما بالنسبة للآلات الأخرى فذلك يعود لخلفية المايسترو، فيوجد بعض المايستروات أصلا كانوا عازفين كمان أو شيللو أو فيولا أو عازفين لإحدى آلات النفخ الخشبية أو النحاسية أو حتى الإيقاعية، لكن يجب على المايسترو أن يعرف إمكانيات كل الآلات الموسيقية، تماما مثل المؤلف الموسيقي ومن هنا نعرف السبب في أن الكثيرين من المؤلفين الكبار هم أصلا مايستروات للأوركسترا مثل دفورجاك وماهلر وغيرهم الكثيرين.

لو تخصص المايسترو بآلة معينة كأن تكون آلة الكمان، هذه الآلة تتطلب تمرينا يوميا لا يقل عن ثمان ساعات أو أكثر وفي نفس الوقت فإن المايسترو سوف يقود الأوركسترا لفترة تقترب ربما من هذه الفترة أو تزيد فمتى إذاً سوف يتمكن من التمرين على الآلة الثانية؟ لذا تجد أن المايسترو عادة ما يهبط مستواه في آلته الأساسية بشكل ملحوظ جدا بسبب تركيزه على القيادة لكن مع ذلك نجد أحيانا كبار العازفين يقودون أوركسترات مثل بيرلمان ومثل هذا الفيديو الذي يقود الأوركسترا أحد أشهر عازفي البيانو وهو في نفس الوقت أحد أشهر المايستروات، ونلاحظ أنه يعزف مع أشهر عازفي كمان وشيللو في العالم.



هل على المايسترو أن يتدرب على العمل الذي سوف يقوده؟
هنا علي أن أنوه إلى أن المايسترو عليه أن يحضر ويدرس النوتة مثلما يفعل العازف تماما بل أكثر وخصوصا حينما يقود عملا صعبا يحتاج لمجهود كبير منه للسيطرة على كل دقائق وتفاصيل الأمور ومنه يستطيع السيطرة سيطرة تامة على الأوركسترا وإلا أصبح العمل مهلهلا، فعلى المايسترو أن ينفذ كل التفصيلات الدقيقة التي كتبها المؤلف في النوتة الموسيقية، وإن كان هناك عازفا أو أو مجموعة لم ينفذوا شيئا مما كتبه المؤلف فعليه أيضا أن ينبههم ويشرح لهم ما يريد.

كيف تطورت أهمية وجود المايسترو؟
كان الألمان سابقا يطلقون كلمة Tacktschlager, means Time Beater أو مؤشر الوقت على المايسترو، حيث لم يكن دوره مهما في الماضي بل كان مقتصرا على إعطاء الوقت فقط، هذا الكلام في الموسيقى القديمة حيث لا وجود لتفصيلات كثيرة في الموسيقى مثل يومنا هذا (ربما أغلب الموسيقيين اليوم لم يسمعوا بهذه التسمية، حتى الألمان أنفسهم) وتوجد قصص طريفة ومضحكة جدا حول هذا الموضوع، منها أن هناك من كان يقود الأوركسترا بأن يضرب بقدمه على الأرض، وآخر يقود الأوركسترا بأن يضرب العصا التي تساعده في المشي على الأرض، أو أن يربط منديله إلى عصا ويؤشر بها، وقد اعتاد المؤلف الفرنسي لوللي (1632 – 1687) في لحظات جنونية أن يكسر كمانات حينما يحصل خطأ كبير، وذات مرة رمى المؤلف الشهير هاندل (1685 – 1759) آلة التيمباني على أحد العازفين "يبدو أنه كان تيمباني صغير أو أن هاندل كان مفتول العضلات!" وغيرها من مثل هذه الطرائف، لكن بعد ذلك ومع تطور وزيادة تعقيد التأليف الموسيقي أصبح للمايسترو دورا هاما جدا لا يمكن الاستغناء عنه.

ما هي واجبات المايسترو؟

واجبات المايسترو كما ذكرت هو مسك دفة القيادة،
لكل يد من يدي المايسترو واجب حيث تكون اليد اليمنى للمايسترو مخصصة لإعطاء الإيقاع واليد اليسرى مخصصة للتعبير الموسيقي، لكن أحيانا تشترك اليدان في شيء واحد.
المايسترو هو الذي يقرر السرعة للأوركسترا فيبدأ بسرعة معينة وفي أماكن معينة ممكن أن يبطئ أو يسرع قليلا عن السرعة الأصلية، هذا في حالة أن التسريع أو التبطيء مكتوب على النوتة لكن توجد حالات كثيرة جدا لا تكتب فيها مصطلحات التسريع والتبطيء وهذا هو متروك للمايسترو لأن يقرر ذلك، في البروفات ممكن أن يوقف المايسترو العزف في حالة أن بعض العازفين لم ينتبهوا ليده وإلى أنه غير السرعة لكي ينبههم إلى ذلك، غالبا ما يحدث ذلك بدون حديث كثير من المايسترو فالمايسترو الممتاز هو من يتكلم بيديه، وكل التفصيلات المكتوب على النوتة تستيطع أن تفهمها من خلال حركات المايسترو، كذلك الحال بالنسبة للتعبير الموسيقي وأقصد بالتعبير الموسيقي هو أشياء كثيرة مثل خفوت الصوت وقوته وتغيير شدة الصوت من الضعيف للقوي ما يسمى كريشيندو أو العكس وهو ما يسمى ديمنيويندو أو ديكريشيندو وأشياء كثيرة أخرى، كل هذا يفترض أنه مكتوب في النوتة لكن توجد أشياء لا تكتب في النوتة ويود المايسترو أن يضيفها من عنده، طبعا ذلك بحسب الفهم الواسع للمايسترو، وهذا هو الفارق بين المايسترو الممتاز والمايسترو من الدرجة الرابعة أو السادسة أو غير ذلك، فالمايسترو الممتاز عادة يفهم تفاصيل العمل وتفاصيل ما يقصده المؤلف في هذا العمل وفي هذا المكان بالذات.

في العصور السابقة مثلا في العصر الكلاسيكي جرت العادة أن يكتب المؤلف علامات التعبير الموسيقي مثل شدة الصوت (Forte) أو خفوت الصوت (Piano) بشكل موحد لجميع الآلات فمثلا في مكان معين يكتب المؤلف الموسيقي علامة F والتي ترمز إلى شدة الصوت، يكتبها بشكل متساوي لجميع الآلات وبغض النظر عن أهمية إبراز هذه الآلات لدى السامع، وهنا يأتي دور المايسترو لكي يبرز الآلات الأهم وذلك بإشارة منه إلى تلك الآلة أو الآلات لتبرز أكثر من غيرها. لو أخذنا مثلا موسيقى موتسارت والتي هي موسيقى مسائية صغيرة الشهيرة جدا (Eine kleine Nachtmusik)    (حلم ليلة صيف) نلاحظ على سبيل المثال في البار الحادي عشر يعزف الكمانات الأول والثاني لحنا ناعما، يليه مباشرة في البار التالي محاكاة لنفس اللحن يعزف من قبل آلات الفيولا والشيللو والكونتراباص، في حالة أن المايسترو لم يكن مسيطرا تماما على الأوركسترا أو فاهما تماما لما هو مكتوب لما أمكن سماع هذه المحاكاة لكن لو كان المايسترو جيدا فمن واجبه إبراز هذه المحاكاة وإلا لماذا كتبها موتسارت؟
هذه هي موسيقى مسائية صغيرة لموتسارت، أرجو الانتباه إلى كيف أن المايسترو قد اهتم بذلك وفي المرة الثانية فهو يعطي إشارة صغيرة جدا للشيللو ليبرز أكثر.


لاحظ أن المايسترو في الإعادة للمرة الثانية لم يكن موفقا في أن تعزف الأوركسترا كلها في نفس الوقت حيث حصل تفاوت في دخول الآلات، وهذا سببه المايسترو وأيضا عازفة الكمان الأول التي سبقت المايسترو بقليل وأنا أعزي ذلك إلى أن إشارة المايسترو لم تكن واضحة بما يكفي.

والآن لنستمع لنفس العمل لكن بقيادة كارايان، سوف نلاحظ فروقات كبيرة جدا، منها المكان الذي ذكرته وهو المحاكاة لم تكن كل الآلات واضحة في التسجيل الأول فقد كان صوت الشيللو هو الغالب بينما في تسجيل كارايان سوف نسمع كل الآلات بوضوح شديد، وأرجو أيضا ملاحظة الفارق بين التسجيلين حين الإعادة من البداية، أعتذر لأنني لم أجد تسجيلا حيا لكارايان.


بعد ذلك أي في ما بعد عصر الكلاسيكي بدأ المؤلفين الموسيقيين يكتبون تعبيرات مختلفة مثلا ممكن أن يكتب للوتريات علامة f  أي قوي بينما يكتب للآلات النفخ الخشبية على سبيل المثال ff أي قوي جدا وغير ذلك.

هناك شيء آخر مهم وهو أنه في ما قبل عصر بيتهوفن وبالتحديد ما قبل الفترة الثانية من حياته لم يكن هناك شيء اسمه مترونوم حيث أن جهاز المترونوم اخترع في حياة بيتهوفن لذا تجد أن الأعمال المكتوبة من قبل المؤلفين الكلاسيكيين والباروك مثل موتسارت وباخ لا يكتبون علامة المترونوم بل يكتفون بكتابة السرعة حيث تكتب أسماء السرع مثل سريع أو سريع جدا أو متوسط السرعة وغيرها، هنا على المايسترو تحديد السرعة المطلوبة وذلك بحسب مفهومه للمؤلف وللعصر، حتى بعد اختراع المترونوم استمر الكثير من المؤلفين على عدم كتابة المترونوم مكتفين بكتابة مصطلحات السرعة. وأحيانا نجد مترونوم مكتوب على نوتة لعمل لمؤلف من ما قبل عصر المترونوم مثل هايدن، هذا المترونوم ليس أصليا أي أنه لم يكتب من قبل هايدن، لسبب بسيط وهو أن المترونوم لم يكن قد اخترع بعد، حتى بعض الأعمال التي ألفت بعد اختراع المترونوم يكتب أحيانا فيها مترونوم لم يكن قد كتب بواسطة المؤلف الأصلي بل تمت كتابته من قبل الناشر.

الآن لنشاهد هذا الفيديو وسوف نلاحظ أن أغلب العازفين ينظرون للمايسترو في أماكن معينة كثيرة جدا، هذه هي الحركة الأولى من السيمفونية الثانية لماهلر والقائد هو أحد أعظم مايستروات العصر ليونارد بيرنشتاين يقود أوركسترا لندن السيمفونية، لنلاحظ على سبيل المثال بعد دخول الكمانات يأتي دول الشيللو الهام جدا، لنتخيل لولا وجود المايسترو الذي يعطيهم إشارة البدء ماذا سيحصل؟ طبعا سوف تحصل مصيبة "موسيقية"، نلاحظ أيضا في مؤشر الوقت 2:04 يوجد دخول لآلات الباسسون وكونترباسسون أو الفاجوت وكونترفاجوت ليصاحب الشيللو بثلاث نوتات ويسكت، لاحظ كم أن دخول الباسسون كان واضحا، هذه هي إحدى واجبات المايسترو أن يظهر الآلات الهامة وإلا لماذا كتب ماهلر هذه النوتات الثلاثة؟


من واجبات المايسترو الأخرى هي، ليس كل عازفي الأوركسترا يعزفون باستمرار من الأول للأخير بدون أي سكوت حيث يتخلل العزف لكل الآلات تقريبا سكتة أو سكتات موسيقية، فمثلا لو كان لآلة الفلوت سكتة طولها 30 أو 50 بار، ربما أخطأ العازف في حساب هذه البارات وهنا يأتي دور المايسترو أيضا في أن يعطي إشارة الدخول للآلة التي كانت ساكتة لفترة طويلة "وإن كان معظم الناشرين يكتبون عدة بارات لآلة تعزف وبخط صغير قبل دخول الآلة التي لها سكتة طويلة ليقلل من حدوث أخطاء". وأرجو أيضا ملاحظة المايسترو في الفيديو أعلاه حينما يدخل الباسسون لأن لديهم سكتة طويلة في الدقيقة 2:04 علما أن هذه الآلات الثلاثة كانت قد دخلت في 1:46 لكن السكتة كانت طويلة نسبيا

هناك شيء آخر، أغلب المؤلفين الموسيقيين يرتكبون خطأ حينما يكتبون كريشيندو يليه ديمنيويندو (إرتفاع وانخفاض في شدة الصوت) وهو أنهم غالبا ما لا يكتبون إلى أي مدى تصل شدة الصوت، لأن هناك الكثير من مستويات قوة الصوت وهي الضعيف جدا pp  ثم ضعيف p متوسط الضعف mp ومتوسط القوة mf وقوي f  وقوي جدا ff   و fff و ffff فغالبا ما لا يكتب المؤلف الموسيقي إلى أي مستوى يجب أن يصل هذا الكريشيندو! هنا أيضا يأتي دور المايسترو لكي يقرر ذلك.

في صالات العرض نحن نسمع النتيجة النهائية حيث انهم في البروفات قد أتقنوا كل شيء.
هنا تحظرني طرفة على أن المايسترو يتكلم بيديه:
ذات مرة وحينما كنت عازفا في الفرقة السيمفوينة الوطنية (الأوركسترا السيمفوني العراقي) وكان الكلام في نهايات السبعينات أي بعد تخرجي من كونسيرفتوار القاهرة، كنت أجلس في المقعد الثاني في مجموعة الكمان الأول، كان يجلس في المقعد الأول على اليمين الكونسيرتماستر وهو روسي وإلى خلفه نجلس أنا وعازف آخر وهو روسي أيضا وهو أكثر تمكنا من الكونسيرتماستر، ذات مرة غاب المايسترو عن إحدى البروفات بسبب مرضه، فكان على الكونسيرتماستر أن يقود الأوركسترا بدلا من المايسترو، كان الكونسيرتماستر عازفا متمكنا جدا لكنه ليس مايسترو، في أثناء البروفة كان يوقفنا بين الحين والآخر ويبدأ في كلام وشرح طويل جدا، استاء زميلي الروسي الذي يجلس إلى جانبي وقال لي ساخراً:
المايسترو لا يتكلم كثيرا بلسانه فهو يتكلم بيديه. كلام زميلي أثار ضحكي حينها وهو كلام حقيقي فالمايسترو لا يحتاج لأن يوقف الأوركسترا لكي يقول لهم هنا العزف قوي أو ضعيف أو هنا تسريع أو تبطيء أو افعلوا كذا وكذا، لأن يديه من تقول ذلك فالمايسترو المحترف لا يقول هنا يجب أن نسرع قليلا وهنا العرف قوي أو غير ذلك، المايسترو يفعل ذلك بيديه ويشد الأوركسترا بدييه مثلما يفعل روبنشتاين في الفيديو أعلاه.
مع تحيات أحمد الجوادي

هناك تعليقان (2):

  1. شكرا جزيلا للأستاذ الفنان أحمد الجوادى على هذه المحاضرة الشيقة والسيناريو الرائع خاصة الجهد الذى بذل فى إدراج الأمثلة المسموعة والمرئية بحرفية تامة ..
    بالتأكيد سيكتشف المتابع دقة العرض وتسلسل الأفكار ولا شك أنها إضافة ممتازة لمعلوماتنا الموسيقية الهواة منا والدارسين .. تحياتى

    ردحذف
    الردود
    1. صديقي العزيز دكتور أسامة المحترم
      شكرا جزيلا لك على تعليقك الجميل وكلماتك اللطيفة.
      قريبا الجزء الثالث والأخير إنشاء الله.
      خالص المحبة/ أحمد الجوادي

      حذف