كلاسيكيات الموسيقى العربية * أرشيف * استماع *  تحميل *  نقد فنى *  تحليل موسيقى* أفلام * صور *  تسجيلات * كلاسيكيات الموسيقى العربية
كلاسيكيات الموسيقى العربية * الخمسة الكبار * سيد درويش * محمد القصبجى * زكريا أحمد * محمد عبد الوهاب * رياض السنباطى * نجوم الغناء العربى * أم كلثوم * عبد الوهاب * فيروز * عبد الحليم * ألحان التراث * موشحات * قصائد * أدوار * كلاسيكيات الموسيقى العربية

الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

19. الموسيقى المعاصرة - الأغانى الهابطة


الموسيقى العربية المعاصرة - ظهور الأغانى الهابطة
بعد النكسة ظهر مطرب شعبى يقول كلمات غريبة على لحن يشبه رقص العوالم يقول السح الدح ، قاوم قدومه كثيرون لكنه انتشر فى النهاية ، ثم تبعه فرقة تقول العتبة جزاز وظهرت مطربة تغنى للطشت وأخرى تغنى للشوكولاتة وثالثة تغنى فوق السطوح وغيرهن ، استمرت هذه الموجة حتى آخر القرن العشرين وانتشرت أكثر فى القرن 21
ومما لا شك فيه أن انسحاب العديد من رواد الفن الجاد والراقى سواء بالتقدم فى السن أو الوفاة أو الاعتزال لأسباب صحية أو سياسية قد أسهم فى خلو الساحة للفن الهابط  ، ولابد من الإشارة هنا إلى أنه قد حدث خلط كبير بين الفن الشعبى والفن الهابط ، فالأول تعود جذوره إلى الفولكلور وإلى ما تملكه الطبقات الشعبية من مواد فنية متوارثة سواء فى المضمون أو الشكل أو أسلوب الأداء ، لكن الأغانى الهابطة والتى اعتمد كثير منها على أفراد ينتمون إلى الطبقات الأقل ثقافة والأقل وعيا بالضمير الوطنى العام تم تقديمها على أنها أغانى شعبية لمجرد أن مقدميها كانوا من العمال أو الحرفيين فى مفارقة تامة مع أفراد الطبقة الوسطى الذين قدموا فنونا أكثر رقيا فى فترات سابقة ، وبالتالى اختلف جمهورهم ، والجمهور الذى استمع إلى أحمد عدوية فى السح الدح لم يكن أبدا نفس الجمهور الذى استمع إلى عبد الحليم حافظ وهو يغنى أغانيه الرومانسية

لابد هنا من الإشارة إلى دخول عنصر جديد ساعد على انتشار الأغانى الهابطة لعدة عقود وهو ظهور وسائل تكنولوجية حديثة استطاع من خلالها منتجون جدد إنتاج ونشر ما يحلو لهم من الفن الهابط بعيدا عن سيطرة الرقابة الفنية وهى
  • أشرطة الكاسيت
  • أشرطة الفيديو كاسيت
  • الاسطوانات المدمجة
  • القنوات الفضائية الخاصة
صاحب انتشار هذه الوسائل استخدام المنتجين التجاريين للأفلام السينمائية المعلبة فيما أطلق عليه "أفلام العلب" ، وهى أفلام سينمائية رخيصة التكلفة زهيدة السعر جرى تعبئتها على شرائط فيديو كاسيت ، يحشر فيها أى شيء من شأنه التسلية وإضاعة الوقت ليس إلا ، وكان الهدف الأكبر بيعها للجمهور الذى لا يتمتع فى مكانه بمشاهدة السينما لعدم وجود دور عرض سينمائى وخاصة فى المناطق الريفية وبلاد الخليج العربى ، وبهذا سيطرت الأفلام التجارية على سوق الفيديو المنزلى المتاح لكل شخص تقريبا فإن لم يكن فى منزله ففى نوادى الفيديو التى كانت أيضا تؤجر الشرائط للجمهور للاستخدام المنزلى ، أو على المقاهى الشعبية أو حتى فى حافلات نقل الركاب أثناء رحلات السفر الطويلة

استفاد من هذا التطور التكنولوجى النوعى عدد كبير من المطربين وبالمطربات الذين لم تكن أحلامهم تتعدى إحياء الأفراح والليالى الملاح ، ومعهم جيش من "الآلاتية" العازفين والملحنين المرتزقة الذين لا يهمهم تقديم رسالة راقية أو حتى أى شكل جميل من أشكال الفن

أدى كل هذا إلى ظهور طبقة جديدة من الفنانين ذات نفوذ قوى ناتج عن امتلاك ثروات مالية ضخمة استخدموها جيدا فى سبيل السيطرة على نوافذ ومداخل ومخارج الفن فى مصر والوطن العربى بشراء المخرجين والمصورين وكتاب السيناريو ومقدمى البرامج والمذيعين والصحفيين إلى آخر القائمة من الإعلاميين الذين تم استدراجهم إلى دائرة الفساد والهبوط إلى درجة أن أصبح المال شغلهم الشغال وشرطهم الوحيد لتمرير أى عمل فنى بصرف النظر عن مستواه ، ثم عمل هؤلاء بالتدريج على تحويل المؤسسات التى يعملون ، حتى الرسمية منها ، بها إلى دكاكين خاصة للتربح

لابد أيضا من الإشارة إلى أن كل هذه التحولات لم تكن لتعمل فى ظل الاقتصاد الموجه والإعلام الموجه الذى انقضت موجته مع عصر الانفتاح فى السبعينات حيث حلت سياسة " دعه يعمل .. دعه يمر" محل سياسة الضبط المركزى والانضباط العام ، وكانت سياسة الانفتاح الاقتصادى غير المنضبط هى السقف الكبير الذى ترعرعت تحته هذه العشوائيات والانفلاتات ، فقد تحول الانفتاح الاقتصادى إلى حرية عشوائية فى كل شيء يستخدمها كل من هب ودب حسب هواه الخاص

ظهرت فى تلك الفترة طبقة جديدة من الرأسمالية الانتهازية التى جندت فئات عديدة من المجتمع لحسابها ، كانت تضارب فى العملة وتغش فى المبانى وتتاجر بالغذاء الفاسد والأدوية المغشوشة فما بالنا بالفنون

ماذا كان رد فعل المجتمع أمام هذه التحولات؟

كأى تحولات مجتمعية ظهر فى تلك الحقبة فئات مستفيدة وفئات مشجعة وفئات من الضحايا تم استضعافها أو استغلالها

ارتفعت أسهم التجار والحرفيين مع ازدياد نشاط القطاع الخاص بينما هبطت أسهم الكتاب والمثقفين ، وزاد نشاط النوادى الليلية وعلب الليل والمسرح التجارى بينما ضعف نشاط الإنتاج الفنى الجاد حتى أن التليفزيون الرسمى المصرى لجأ إلى إنتاج الأفلام السينمائية باسم أفلام التليفزيون فى محاولة لكسر احتكار السينما الهابطة دون أى عائد مادى يذكر

أصبحت دور السينما لا يرتادها غير السوقة من أصحاب الحرف وصغار التجار التى تكسب كثيرا فى ظل الانقلاب الاقتصادى وأصبح هذا الجمهور هو الذى يحقق الإيرادات وهو الذى يستخدمه المنتجون لتمرير شعار "الجمهور عاوز كده"

لكن الحق أن الجمهور لم يعد هو نفس الجمهور ولا يمكن بحال أن نتهم المجتمع كله بالانحراف أو حتى تغير المزاج ، وإذا كان قد حصل بالفعل تغير فى مزاج غالبية الجمهور فقد كان ذلك بعزوف الأغلبية عن ارتياد دور السينما والمسرح وعن الاستماع إلى الأغانى الهابطة ، وربما أجبرهم أكثر على هذا العزوف ازدياد أسعار المنتجات الفنية فى معظم صورها ، فقد ارتفعت أسعار تذاكر السينما والمسرح إلى أضعاف كثيرة وارتفعت أسعار الكتب والاسطوانات والشرائط إلى حدود مانعة على الأغلبية الساحقة

لكن هناك فئة جديدة أيضا دخلت إلى الساحة الفنية وساعدت كثيرا فى تمويل الاتجاهات الجديدة وهى المستخدم الخليجى ، سواء فى مكانه أو كسائح يبحث عن التسلية والمتعة فى أى شكل ، وسواء بسبب خلو تلك البلاد من وسائل الترفيه أو بسبب وقت الفراغ الطويل الذى يعيش فيه المواطن الخليجى المرفه ماديا وغير المنشغل بأعباء العمل أو البحث عن عمل. لا نقول أن الفن يجب أن يخلو من التسلية والمتعة ولكن ما يقدم كان تسلية رخيصة لا تعبأ كثيرا بقيم أو أخلاق أو حتى مجرد الحياء أحيانا فضلا عن أى قيمة ذات محتوى فنى راق

من ناحية أخرى يقول بعض المنتجين أن الذى أصبح يتحكم فى سوق السينما هو الموزع وليس المنتج أو المخرج ، ويفسرون ذلك بأن الموزع للبلاد العربية هو الذى كان يختار أسماء الممثلين والممثلات والمطربين والمطربات الذين يطلبهم جمهور الخليج بالذات كأكبر مستهلك لسوق الفيديو كاسيت ، وكنت الأسماء المطلوبة هى الفيصل فى قبول توزيع أو شراء المنتج ، بل كانت بعض شركات التوزيع تمول مقدما إنتاج الأفلام بناء على احتوائها لتلك القوائم بصرف النظر عن المضمون أو المحتوى الدرامى

وكان بعض المطربين فى النوادى الليلية يقدمون عروضهم فى أكثر من ملهى فى نفس الليلة يعلن عنها فى الصحف الرسمية بصفة يومية ، ومنهم من كان يقدم تسعة أو عشرة عروض فى الليلة الواحدة يتقاضى عنها ألوف الجنيهات ، وكان من السهل والأمر كذلك أن يضع المطرب بعضا من هذه الألوف فى يد أحدهم فى التليفزيون أو الإذاعة فى الصباح التالى لاستضافته أو تقديم أعماله أو " تلميعه " بأى شكل

استمرت تلك المتواليات الهابطة لفترة طويلة من الزمان تعدت الأربعة عقود ولا زال الفن والمجتمع يعانى من آثارها للآن ، وأعتقد أن من أهم تلك الآثار صعود تيار مهاجمة الفنون المطالبة بمنعها تماما باعتبارها حرام شرعا مع تجاهل أن الفن مجرد وعاء يمكن أن يحتوى النظيف وغير النظيف ، واعتبار أن العمل بالفن سبة وعار يجب التخلص منه .. هكذا وصل بنا الحال بعد أن كان الفن رائدا وقائدا لحركة المجتمع ..

وربما لهذا السبب نحن نعرض أسباب تخلف الفنون والذى هو مجرد عرض لمرض هو تخلف المجتمع نفسه تعليميا وثقافيا وماديا وحضاريا بشكل عام بسبب انشغال القيادات الأعلى عن شعوبها وفشلها فى تحقيق النمو والتقدم الحضارى الذى ترحب به الشعوب وتتطلع إليه

ولكن أليس هناك أمل فى عودة الفنون إلى دورها الطليعى والطبيعى فى حياة الشعوب؟ .. الإجابة نعم .. والدليل هو أن النهضة الفنية التى بدأت فى أوائل القرن العشرين دبت فيها الحياة فى أحلك ما يمكن من الظروف السياسية والاجتماعية .. حكم جائر مستبد ، احتلال أجنبى ، فقر مدقع للغالبية العظمى ، جهل متفش بين جموع الشعب .. قمع هائل للحركات المجتمعية الحرة .. لكن كل هذا لم يمنع الفنون من التطور والنمو والازدهار ، بل كانت تلك الظروف القهرية هى التى ولدت الحركة الفنية المستنيرة فى تلك الفترة ، ثم ازدهرت الفنون أكثر فأكثر عندما زالت تلك الظروف بانتشار الحركات التحررية فى العالم العربى فى الخمسينات ودخول المد الوطنى والتيار الشعبى إلى الساحة بحيث أصبح الفن يعبر عن الأغلبية ، عن ماضيها وحاضرها وعن أحلامها الصغيرة والكبيرة .. فإذا انتكس المجتمع مرة أخرى بعودة الاستبداد سيحتاج لمن يعيد إليه حريته من جديد بصور شتى من التعبير عن الرأى والفكر والنفس والشعور د.أسامة عفيفى ، نتابع فى المقال القادم  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق