كلمات حسن صبحي / ألحان زكريا احمد
دور / مقام راست النوا 1935
أم كلثوم تعود إلى ألحان زكريا
هدنة فنية 3 سنوات بين زكريا وأم كلثوم بعد عمل دؤوب لعامين متتاليين
هل يحدث تغيير ما؟
هل سيقدم زكريا شيئا جديدا كالذي يقدمه القصبجي وعبد الوهاب؟
لنلقي نظرة على الساحة الفنية وقتها ونرى ماذا كان يحدث
من كان يلحن لأم كلثوم؟
داود حسني : آخر لحن 1932
أم كلثوم / تجربة التلحين : 1932
السنباطي : لم يكن السنباطي معروفا بعد
محمد القصبجي : يلحن لأم كلثوم بانتظام منذ عام 1924
إذاً لم يكن في الساحة سوى محمد القصبجي
يستمر القصبجي في تيار تحديث الألحان الذي بدأه عام 1928 بمونولوج "إن كنت اسامح" لأم كلثوم ويضيف صوت أسمهان إلى قاطرته عام 1931
على الجانب الآخر تواجه أم كلثوم عبد الوهاب مطربا وملحنا في منافسة شديدة
يبدأ عبد الوهاب موجة تحديث القصيدة من 1933 بقصيدة "جفنه علم الغزل" إلى "سهرت" عام 1935 ويهز عرش لحن القصيدة التقليدي بشدة
تجد أم كلثوم نفسها بين تيارين: التيار التقليدي المحافظ يمثله زكريا أحمد، وتيار التحديث يمثله محمد القصبجي بالإضافة إلى منافسها الأكبر محمد عبد الوهاب
أما تجربة أم كلثوم في التلحين فقد توقفت عنها تماما عام 1934 بعد محاولتين ولم تعد إليها مطلقا
بين القديم والحديث
في هذا الموقف اتخذت أم كلثوم 3 خطوات باتجاهات متعاكسة
الخطوة الأولى عام 1931 عندما اتجهت بقوة إلى تيار زكريا أحمد وسجلت 11 لحنا له في عامين فقط، أي بمعدل لحن كل شهرين وهو معدل عال بكل المقاييس. كان زكريا بالنسبة لأم كلثوم ملحنا جديدا غزير العلم بالتراث، وكان اختيارها له لتعويض خزانة الملحنين الأقدمين الآخذة في النضوب، النجريدي وأبو العلا وداود حسني، وهو نفس السبب الذي جعلها تفكر في التلحين لنفسها
الخطوة الثانية عام 1932 عندما توقفت لمدة 3 أعوام عن ألحان زكريا
الخطوة الثالثة عام 1935 بعودتها لزكريا أحمد
الخطوة الثانية هي ما يهمنا في هذا السياق، أي لماذا بعدت عن زكريا 3 سنوات بعد عامين من شبه التفرغ لألحانه
الإجابة تكمن في الخشية من نجاح تيار التحديث الذي قاده عبد الوهاب بالذات مطربا وملحنا، ولمواجهة التحديث بالتحديث لابد من الاستعانة بالقطب الآخر محمد القصبجي، فتتوقف أم كلثوم عن الانشغال التام بألحان زكريا لتلجأ إلى القصبجي للحاق بركب الحداثة الذي سبق لهما ارتياده معا بنجاح عام 1928
بالفعل تنشغل أم كلثوم من جديد بألحان محمد القصبجي فيقدم لها 7 ألحان في قالب حديث "المونولوج" من عام 1932 إلى 1935
عودة إلى السؤال هل أتت العودة إلى ألحان زكريا بجديد؟
الإجابة لم يحدث تغيير
فاللحن الذي عادا به عام 1935 يعتبر ردة شديدة إلى الطرب القديم حتى أنه ملئ بآثار من ألحان الموشحات
إذا ما الذي يمكن أن يدفع أم كلثوم للعودة للقديم رغم صعود نجم التحديث؟ وهل نجحت هذه الخطوة؟
الإجابة أن الفن القديم لا يفقد بريقه أبدا، بدليل نجاحه في كل مرة يعود فيها إلى الساحة، ويعود نجاحه إلى أن الطرب فن متجذر في المجتمع لما له من تأثير عاطفي هائل يتعدى بكثير تأثير الكلمات ومعانيها، فهو فن يصل إلى مستوى الموسيقى البحتة، ويستطيع احتواء أي كلمات توضع له، مثله في ذلك مثل التقاسيم الآلية التي لا يصاحبها كلمات بالمرة، أو ألحان القدود التي تقدم كل مرة بكلمات مختلفة
معنى هذا أن نجاحه مضمون نسبيا ولا يتأثر كثيرا بالمغامرة التي ينطوي عليها تقديم ألحان حديثة قد تعجب أو لا تعجب الجمهور
وإذا اتفقنا على أن الجميع، مطربون وملحنون وشعراء، يخاطبون الجمهور في النهاية فلا ضير من مخاطبة الجمهور بشيء يكسب مشاعرهم حتى ولو كان فنا قديما
لذا تعود أم كلثوم التي تخشى منافسة عبد الوهاب وأسمهان لتلجأ إلى ألحان زكريا الطربية دون تردد فتقدم عدة أدوار لزكريا أحمد الذي لم يعد غيره يلحن الأدوار بعد أن توقف عنها عبد الوهاب عام 1932. دور "آه يا سلام" 1935 ثم ثلاثة أدوار عام 1936 هي "إمتى الهوى"، "ابتسام الزهر" و "مين اللي قال" وتضيف إلى القائمة دورين آخرين لزكريا عام 1938. وبين هذا وذاك تدخل أم كلثوم إلى عالم السينما لأول مرة بفيلم "وداد" ويكون لزكريا أحمد نصيب وافر في هذا الظهور السينمائي بثلاثة ألحان تميل إلى التيار المحافظ
أما السؤال هل نجحت خطوة أو خطط العودة للقديم فإجابته أنها حققت نجاحا مؤقتا، أما مستقبليا فالإجابة قطعا بالنفي .. فلم يمر وقت طويل حتى هجر الجميع كل القديم، وبحلول عام 1940 سار كل الفنانين في تيار التحديث بكل قوة ووضوح بمن فيهم أم كلثوم وزكريا نفسه
دور "آه يا سلام"
ينتمي هذا الدور إلى فن القرن 19 بامتياز، وكأننا نستمع إلى عبده الحامولي. والسبب ليس بالطبع في صوت أم كلثوم وإنما في اللحن الذي صاغه زكريا أحمد على نسق الطرب القديم بكل طوابعه
ملامح من الفن القديم
· قالب قديم / الدور
· طرب خالص
· سيطرة المقام الأساسي
· قفلات احترافية متقنة
· آثار من ألحان الموشحات
· سيطرة المطرب على العمل، خاصة بالقفلات الاحترافية المخصصة للمطرب
اختزال فقرة الردود
رغم احتواء قالب الدور على مقاطع من الغناء الجماعي يلاحظ اختزال ردود الكورس لصالح أداء المطرب حتى أن أصوات الكورس لا تسمع لأكثر من 30 ثانية في عمل زمنه نحو 6 دقائق، أي أن فقرة الغناء الجماعي أصبحت مجرد حلية بدلا من أن تكون ذروة العمل كما هو المعتاد في الأدوار القديمة، وهو اتجاه تم تكريسه في فترة الثلاثينات أشرنا إليه سابقا في معرض الحديث عن أدوار زكريا لأم كلثوم، وساهم في تخفيض زمن الدور إلى النصف
النسخ من ألحان أقدم
الفاصل الموسيقي أو "اللازمة" الموسيقية قبل البيت "حبيت يا قلبي ..." هي نسخة طبق الأصل من اللازمة الموسيقية في موشح "يا ترى بعد البعاد" لسيد درويش
الجملة اللحنية المتصاعدة في "لما انكويت" نسخة من الجملة المتصاعدة الشهيرة "والدمع بيفيض من عيني .. غصبٍ عني" في لحن "الليل يطوّل" لزكريا أحمد نفسه
هكذا كانت عودة أم كلثوم إلى زكريا أحمد تكريسا للقديم وإمعانا في استمالة الجمهور عن طريق الطرب الخالص .. استمر هذا الوضع مع زكريا طوال الثلاثينات، لكن أم كلثوم استمرت في التعامل مع القصبجي لتحصل على توازن بين القديم والحديث فيما تقدمه .. أما في الأربعينات فقد تغير الجميع نحو الأحدث بفعل التجارب الفنية الجديدة التي أطلقها عبد الوهاب والقصبجي لنحو عقد من الزمان وكان من شأنها تغيير مزاج الجمهور الذي بدأ يهفو إلى التحديث
آه يا سلام زاد وجدي آه والصبر طال من غير أمل
كوى الهيام قلبي وضناه واللي كواه عنه انشغل
إمتى الجميل يصنع جميل وافرح واقول حبي عدل
آه يا سلام زاد وجدي آه
حبيت يا قلبي وإيه رأيت غير الأسية والهوان
وبتشكي ليه لما انكويت يا ما نهيتك من زمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق