كلاسيكيات الموسيقى العربية * أرشيف * استماع *  تحميل *  نقد فنى *  تحليل موسيقى* أفلام * صور *  تسجيلات * كلاسيكيات الموسيقى العربية
كلاسيكيات الموسيقى العربية * الخمسة الكبار * سيد درويش * محمد القصبجى * زكريا أحمد * محمد عبد الوهاب * رياض السنباطى * نجوم الغناء العربى * أم كلثوم * عبد الوهاب * فيروز * عبد الحليم * ألحان التراث * موشحات * قصائد * أدوار * كلاسيكيات الموسيقى العربية

الثلاثاء، 15 يونيو 2010

12.الموسيقى المعاصرة - خارج الغناء


12. الموسيقى العربية المعاصرة - موسيقى خارج الغناء

بينما كان المطربون منهمكين في تقديم أنفسهم وأعمالهم ظهر موسيقييون كبار معظمهم لم يمارس التلحين قدموا الموسيقى البعيدة عن أي لون من الغناء ، ظهرت هذه الموسيقى في عدة أشكال
1. موسيقى على القوالب التركية
في العقود الأولى من القرن العشرين ظهرت موسيقى عربية على القوالب التركية المعروفة وقتئذ وأشهرها السماعيات والبشارف ، كان بعض مؤلفي هذا النوع من الموسيقى معاصرا لفترة سيادة الفن التركى فجاءت موسيقاهم ذات صبغة تركية وإن استخدمت فقط المقامات العربية. البعض الآخر من الموسيقيين المخضرمين نشط فى الثلاثينات والأربعينات ووضعوا موسيقي أقرب كثيرا للذوق العربي وإن كانت على نفس النمط القديم من ناحية الشكل
من الفئة الأولى جميل الطنبوري ، طاتيوس ، إسكندر أستوريان وإسكندر شلفون ، ومن الفئة الثانية مصطفى رضا ، صفر علي ، عبد الفتاح منسي ، وإبراهيم العريان صاحب أشهر سماعى عربي وهو المسمى بسماعي بياتي إبراهيم العريان

سماعى بياتي ابراهيم العريان

2. الموسيقى المقطوعة
وهى قطع موسيقية تخلت عن القوالب الموسيقية التركية لكنها لم تتقيد بقوالب جديدة، وتميزت بحرية التأليف وإمكانية مزج التكتيك الحديث والإيقاعات المتباينة بألوان من الموسيقى الشعبية ساعدت على انتشارها كثيرا بين الجمهور خارج الصالات الخاصة ونوادي الموسيقى الأكاديمية. تميزت هذه الموسيقى أيضا بتأكيد البعد التعبيري فقد أصبح لكل منها عنوان يحاول من خلاله مؤلفها تقديم أفضل صورة موسيقية تعبر عن موضوعها
قدم هذا النوع لأول مرة الموسيقار محمد عبد الوهاب في ثلاثينات القرن العشرين وبرع فيها إلى حد انتشارها كالأغاني في جميع الأوساط. ثم سار على نهجه كثيرون مثل أحمد فؤاد حسن وعطية شرارة وعلى فراج وعبد الحليم علي

لم يكن هذا النوع من الموسيقى معروفا قبل عبد الوهاب ، وظل هو رائده ومحركه الأول حتى الثمانينات أي لحوالى نصف قرن ، وصحيح أن كثيرين قدموه لاحقا لكن الملاحظ أن أيا منهم لم يكن ملحنا فقد ترك الملحنون هذه الساحة تماما للموسيقيين المحترفين الذين لا باع لهم في التلحين كذلك ، أي أنه كان هناك شبه اتفاق بين الجميع على أن التلحين شيء وتأليف الموسيقى شىء آخر. لم يشذ عن هذه القاعدة من الملحنين غير محمد القصبجي ورياض السنباطي والأطرش، لكن أعمالهم في هذا الميدان تعد على أصابع اليد، بينما تعدت مقطوعات عبد الوهاب الخمسين مقطوعة، وبينما لم يدخل هذا المجال ملحنون بارزون مثل زكريا أحمد والموجي والطويل وبليغ وفوزي. وتنطبق نفس الملاحظة على الأجيال الأقدم التي استخدمت القوالب القديمة
 
هناك ملاحظة أخرى "عكسية" ، إذ أن بعض الموسيقيين حاولوا خوض تجربة التلحين ، لكن تلك التجارب لم يكتب لها النجاح وتوقف أصحابها عن التلحين بعد تجربة أو اثنتين
موكب النور - محمد عبد الوهاب

3. موسيقى تصويرية (سبق الحديث عنها في حلقة عصر السينما)
موسيقى الأفلام السينمائية التي برع فيها فؤاد الظاهري وإبراهيم حجاج وعزت الجاهلي وأندريا رايدر وغيرهم من المؤلفين العرب والأجانب

4. موضوع شرقي في قوالب عالمية كلاسيكية
ظهر هذا النوع من الموسيقى في مصر في الستينات من القرن العشرين مثل كونشرتو القانون لجمال عبد الرحيم وموسيقى الأذان لرفعت جرانة، كذلك بعض أعمال عزيز الشوان وأبو بكر خيرت
تمكن هؤلاء من وضع موسيقات شرقية بأسلوب جديد أقرب إلى أساليب الموسيقى الكلاسيكية العالمية بفضل دراساتهم المتعمقة للموسيقى الكلاسيكية الغربية
عطشان يا صبايا
صياغة أوركسترالية : رفعت جرانة
هذه الموسيقى كانت محل جدل كبير بين الموسيقيين بالنظر إلى محتواها والهدف منها. فقد أعلن أنصارها أنهم بصدد تطوير الموسيقى العربية والأخذ بأشكالها إلى القوالب العالمية وأنهم يحافظون على التراث المحلي باستخدام موسيقى محلية كتيمات أساسية في أعمالهم أو تأليف موسيقى جديدة تستلهم روح الشرق من موضوعاتها أو مقاماتها أو ألحانها ، وأنهم فقط يخضعونها لقواعد الهارموني والتوزيع الأوركسترالى العالمي وبهذا يخطون بالموسيقى العربية نحو العالمية
أما معارضوها ، وهم في الغالب من الملحنين الماهرين الذين اكتسبت ألحانهم شعبية كبيرة بفضل بساطتها وخفتها، فقد كانت حجتهم أن الجمهور لن يفهم هذه الموسيقى المعقدة وأنهم يصنعون الموسيقى من أجل الشعب الذى ينتمون إليه وليس من أجل شعوب أخرى

الواقع أن هناك عاملا هاما وراء هذا الاختلاف ، فقد جرى تعليم الموسيقيين في مصر ، وهي موطن هذه الحركة ، من خلال قناتين مختلفتين ، إحداهما شرقية والأخرى غربية ، ولم يكن هناك أدنى اتصال بين المدرستين ، الأولى يقودها معهد الموسيقى العربية العريق بالقاهرة المنشأ منذ العشرينات ، والثانية يقودها المعهد العالى للموسيقى أو الكونسرفاتوار ، وكان عدم التقاء منتسبيهما نتيجة منطقية لانعدام التواصل أثناء الدراسة أو بعدها ، د.أسامة عفيفى. في باقي الأقطار العربية سار الأمر لاحقا على نفس النحو مما ساعد على تكريس الانفصام بين الاتجاهين. 
ورغم أنه قد تم فيما بعد تطعيم كل من المدرستين ببعض المناهج التعليمية من الأخرى وإنشاء معاهد جديدة اهتمت بنوعي الموسيقى لم تسفر هذه التطورات عن حركة موسيقية أفضل بسبب سيطرة وسائل الإنتاج على أنواع الموسيقى المقدمة ومن ناحية أخرى عدم كفاية التعليم الموسيقى الأساسي في المدارس وبالتالي قلة الثقافة الموسيقية لدى الجمهور وضعف قدرته على التذوق الفني، فضلا عن إفراز أجيال جديدة من النقاد 
لم يستمر هذا النوع من الموسيقى لأبعد من الستينات كثيرا د.أسامة عفيفى ، نتابع فى المقال القادم

الثلاثاء، 8 يونيو 2010

الفنان توفيق الباشا علامة على حداثة موسيقية حقيقية

علي عبد الامير
منح جائزة "المجمع العربي للموسيقى" عن مجمل انجازه
توفيق الباشا: لم يبق شكلاً لحنياً وموسيقياً الا وقاربه باقتدار

رأت لجنة جائزة "المجمع العربي للموسيقى" وهي تعلن فوز الموسيقار اللبناني توفيق الباشا في اختتام المؤتمر السادس عشر للمجمع في الجزائر الثالث من ايار 2000 ان صاحب موسيقى "بساط الريح" قدم من الاعمال الموسيقية الالية والالحان ما جعله علامة على حداثة موسيقية عربية حقيقية، مشيرة في هذا الصدد الى قيام الباشا بالاتفاق مع شركتين لانتاج الاسطوانات المضغوطة على تقديم مجمل اعماله، كما ونوهت بثلاثة كتب اصدرها الباشا مؤخراً اثرت النهج الاكاديمي الرصين ضمن منشورات "المعهد الوطني العالي للموسيقى" (الكونسرفاتوار) في لبنان، دون ان تنسى لجنة الجائزة ان تثني على الباشا في مجمل سيرته الفنية.

الموشحات الاندلسية
في كتاب "المختار من الموشحات الاندلسية" يوضح الباشا ان المجموعة المختارة تضم ستة موشحات بكتابة اوركسترالية، كنماذج عن سعي لتطوير عرض الموشح التقليدي والحديث عبر لغة العصر، ويؤكد في لفتة تقصد نقل الموشح الى اجيال الشباب ان كتابة الموشح (اوركسترالياً) تأتي للدلالة على ان الطريقة التي مازالت متبعة منذ ما يقارب المائة عام، اصبحت "لا تليق بهذا التراث الغني بعمق الحانه المقامية والايقاعية "مضيفاً في مقدمة الكتاب:" نحن مطالبون بتوفير كل الامكانيات الغنية لتقديمه بشكل يرضي ذوق محبيه واجيال الشباب جميعاً، الذين يتلاقون على اعتزازهم بتراثهم الثري".
.

وحين يقدم الباشا رؤاه التطبيقية لفن الموشحات، فأنها تبدو رؤى محكمة وثابتة فيها من الرصانة قدر ما فيها من الابداع لاسيما وانه الذي اغنى بتآليفه هذا الشكل الموسيقي العربي الاصيل فلحّن موشحات مثل: "سلم الامر للقضا" و"ترى دهر" و"مالذ لي" و"عين حبي" و"يانزح الغرال الربربي" و"ايامن طرفه سحر" و"رميت قلبي" و"عهد البين" و"ماناحت الورق" و"قل لكرام" و"وقع المحبوب في شركي و"بالله يا قلبي" واللقاء". اما الموشحات "الاوركسترالية" فهي ثلاثة من تأليف توفيق الباشا وثلاثة اخرى من الموروث الموسيقي القديم مثل "زارني المحبوب" و"لما بدا يتثنى" ومن الحان سيد درويش "يا شادي الالحان.



توفيق الباشا:حضور فني واكاديمي في مؤتمرات الموسيقى العربية

الالة الموسيقية الغربية وربع الصوت
وضمن منشورات "المعهد الوطني العالي للموسيقى" في لبنان ذاتها صدر للفنان الكبير توفيق الباشا "الكمان والارباع الصوتية -21 دراسة عالمية" ويصف الباشا جهده هذا "محاولتنا، ما هي الا فتح طريق العزف المتقن والمميز امام عازف الكمان الذي يكون قد استنفذ دراسته تقريباً في المؤلفات التي وضعها كبار المؤلفين والعازفين في العالم السلمي (الكبير) و(الصغير) فقط". وكي يبدو جهد الفنان الباشا مكتملاً في اظهار قدرة الكمان والعازف على اظهار ارباع الصوت، تضمن الكتاب اسطوانتين مضغوطتين فيهما 21 مقطوعة اظهرتا نغمية لمقامات "الرست"، "البيات"و "السيكاه".
.

ايقاعات الموسيقى العربية
والعمل الاكاديمي الثالث للباشا، هو "ايقاعات الموسيقى العربية" الذي يمهد له فناننا بأن "الايقاع في الموسيقى هو الهيكل الاساسي الذي يركب تركيباً فنياً ليصير صالحاً لان تؤلف عليه الالحان، او بالتالي ليكسي بالنغم المناسب له" ويشبه الباشا للايقاع في الموسيقى بانه "الخط العامودي" واللحن بـ"الخط الافقي".
والايقاع كما يكتب الفنان الباشا في تمهيده: "هو العنصر الاول في الموسيقى منذ ان وجدت، ولو انه في بعض المؤلفات او في بعض القوالب اللحنية لا نستمع الى نقراته المميزة، لكنه موجود ومتغلغل في الجملة اللحنية". ويرى ان "البعض قد حول خاصيته الجمالية (الايقاع) النابضة بالحياة، الى قرقعة تضرب الذوق والاحساس وتطغي بصخبها الاهوج على ما تبقى في الموسيقى من جمال اراده الله للانسان تهذيباً ورقياً".
.

وفي تعريفه "الهيكلية الفنية للايقاع الموسيقي العربي " اوضح ان الايقاع مؤلف من ثلاث عناصر، هي: "النقر الثقيل ويسمى دم" و"النقر الخيفي ويسمى تك" و"السكوت او السكون ويسمى اس". وفي ابواب الكتاب يقدم الباشا نماذج منوطة لـ "الايقاعات الرباعية" و"الايقاعات الثلاثية" و"الايقاعات السداسية" و"الايقاعات المركبة" و"الايقاعات الاحادية المركبة" و"ايقاعات النقش و"الايقاعات الاوركسترالية". نظرة الى موسيقى الباشا والحانه في "كتاب الراوي" للشاعر والناقد اللبناني عبيدو باشا نقرأ عن توفيق الباشا وقيمته الفنية: "توفيق الباشا، احد ابرز الذين ارسوا النهضة الموسيقية في لبنان والعالم العربي، مع اخرين تلازموا في اوقات، وتفرقوا في اوقات اخرى، زكي ناصيف، عاصي ومنصور الرحباني، عبد الغني شعبان، فيلمون وهبي وغيرهم".
وحين نفحص هذا القول "احد ابرز الذين ارسوا النهضة الموسيقية في لبنان والعالم العربي" عبر اعماله الموسيقية، نجد ان الباشا حقق في هذا المعنى اشياء كثيرة ولافتة لا يمكن للناقد والمؤرخ والباحث الموسيقي الا ان يتوقف عندها طويلاً.

وفي عمله على قالب "الموشح" نجد ان الباشا كتب وأعد الحاناً باتت تشكل ركناً في هذا القالب الاساسي من قوالب الموسيقى العربية، فلو اخذنا اسطوانته: "في رحاب الاندلس" لوجدنا انها تضمنت اعمالاً تمتد في وقدت كتابتها من منتصف الخمسينات حتى منتصف السبعينات، فهناك عمله "مغناة" اعتماداً عى شعر ابن خفاجة، والذي كتبه الباشا في عام 1954 وغنته وداد بالاشتراك مع زكي ناصيف، ومغناة معتمدة على شعر ابن زيدون من اداء وداد و وديع الصافي في عام 1955 وموشح "ملأ الكاسات" الذي لحنه محمد عثمان واعده توفيق الباشا مثلما اعد موشح "ما احتيالي" الذي لحنه احمد ابو خليل القباني وادته باقتدار صوتها المطربة سعاد محمد عام 1972 كما تضمنت الاسطوانة مغناة "يا ندامى الاندلس" من شعر نزار الحر وغناء وداد وحسن عبد النبي.
.

وضمن اتجاهه في الكتابة للموشح نجد اسطوانة توفيق الباشا: "موشحات حديثة" التي تضمنت 15 موشحاً، بينها "حلم الازل" بصوت نجاح سلام، "سكب الورد" لنور الهدى، "من هام بالغيد" بصوت فدوى عبيد و"ايها الساقي" بصوت نازك وغيرها من الموشحات التي برعت فيها موسيقى الباشا. وانطلاقاً من مزواجته لكتابة اعمال للاوركسترا السيمفوني وتوقه لجماليات الموسيقى العربية واشكالها ومن بينها الموشح، جاءت اسطوانة "متتالية اندلسية" وفيها نجد مقاربة عربية في الروح والنغم لاشكال لحنية غريبة مثل "المقدمات" و"الرابسودي" وبرغم الاستعانة بالشكل الغربي الا ان عمله يظل ايماءة عربية غنية، اضافة الى انه محاولة في تقديم الروحية الموسيقية العربية بتراثها الغني الى جمهور غربي يبدو له متيسراً، تلقي اشكالاً موسيقية قريبة له.
ولو توقفنا عند اسطوانة "موشحات اندلسية" لوجدنا في توفيق الباشا براعة اخرى، هي براعة الاعداد الموسيقي، حين وزع عدداً من الموشحات الاندلسية مثل: "اسق العطاش"، "لما بدا يتثنى"، "ياليل الصب"، "زارني المحبوب" وغيرها، ويتصل هذا المسعى عند الباشا بما كان ثبته في كتابه "المختار من الموشحات الاندلسية".



علي عبد الأمير مع الموسيقار توفيق الباشا في الجزائر 2000

وضمن اتجاهه في الاعداد الموسيقي، يمكن لمحب الاعمال الموسيقية الرصينة ان يكسب وقتاً نافعاً ومثمراً وهو يستمع الى اسطوانة "الحان من بلادي" وفيها يعيد الباشا صياغة الحان غنائية شعبية ومقطوعات موسيقية صارت جزءاً من الذاكرة الموسيقية العربية كما في اعداده البارع لمقطوعتي "زوروني" و" طلعت يا محلا نورها" لسيد درويش ومقطوعات شعبية مثل "يا ام العبايا" و"اوف مشعل" واغنيات مثل "يا مايلا عالصفون" اضافة الى بعض المقطوعات التي كتبها الباشا ذاته مثل "شرقية" و"بيروتي في باريس".
.

الإنشاديات
واوجد الفنان توفيق الباشا نمطاً جمع بين الغناء الجماعي والاوبريت عبر سياق لحني خاص اسماه بالانشادية، وهكذا جاءت اعماله: "الانشادية النبوية" التي وضع موسيقاها اعتماداً على شعر احمد شوقي مع مختارات من شعر محي الدين بن عربي والحسن بن هاني، وعزفت الانشادية اوركسترا القاهرة السيمفوني بالاشتراك مع كورال اوبرا القاهرة مع اداء خاص من الممثل محمود ياسين، كذلك عمله "انشادية عظماء الدنيا وعظماء الاخرة" الذي كتبه الدكتور مصطفى محمود عن تراث الشيخ محي الدين بن عربي وعزفته اوركسترا القاهرة السيمفوني وادت مقاطعه الانشادية اصوات من كورال اوبرا القاهرة. وضمن هذا الاتجاه وضع الباشا موسيقاه لعدد من "الابتهالات" التي جمعتها اسطوانة خاصة وادتها اصوات: وداد، نجاح سلام، نازك، وسعاد هاشم وغيرها، وفيها يبرع الباشا في اجتراح شكل غنائي يقارب "الغناء المتقن" محققاً رفعة روحية غامرة ليست اقل من تلك الرفعة التي زاوجت بين الروحي الديني والاحساس الوطني وكما جاءت عليه اعماله في اسطوانة "انشاديات وقوميات"، وضمنت عملاً دينياً هو "دعاء الحق" ادته سعاد محمد ونشيد "بلادي" الذي ادته نور الهدى.
.

وبراعة توفيق الباشا في صياغة الحان لافتة دينية ووطنية، لم تكن اقل من تلك البراعة التي صاغ فيها الباشا "قصائد حديثة" حين وضع الحاناً لقصائد من عيون الشعر العربي اداته اصوات: نجاح سلام، نازك، نور الهدى، سعاد هاشم و سعاد محمد، واتصالاً مع "الغناء المتقن" الذي جاءت عليه تلك القصائد المغناة جاءت اسطوانة "المختار من اغاني الطرب" والتي ضمت ستة اعمال ابرزها "رباعيات علي محمود طه" بصوت المطرب محمد غازي. لحنه الرشيق: "أجمل سلام" ولو انتقلنا الى اسطوانة "اغاني شعبية" لوجدنا ان توفيق الباشا وقع من الالحان ما هو ناعم وشجي وقريب الى النفس كما هو الحال في لحن اغنية "انا وردة" بصوت نهى هاشم، وما هو من الالحان شيق وتطريبي وخفيف ولكن دون ابتذال كما في لحن اغنية ستظل مؤشراً على رشاقة اللحن العربي الاصيل وهي اغنية "اجمل سلام" التي ادتها بصوتها العذب المطربة سعاد محمد.
.

وحين يعتبر الباشا ايام عمله ومجموعة من فناني لبنان وموسيقيه مع "فرقة الانوار العالمية" و"مهرجان بعلبك" ايام عمل خلاقة وفيها يؤكد "بتواضع اقدر ان اقول انني اوجدت اول مسرح منوعات في الشرق العربي"، فان اسطوانة بعنوان "المختار من المهرجان" تؤكد هذا المسعى عند الباشا فهناك مقطوعات موسيقية تظهر حيوية وابتهاجاً روحياً كما في "افتتاحية بعلبك" و"دبكة الفرسان" واغنيات احتفالية كما في "رقصة السيوف" و"الحياة في القرية" بصوت وديع الصافي ونخبة من المطبين والمطربات. وفناننا لم يبق شكلاً لحنياً وموسيقياً الا وقاربه باقتدار، فله عدة اعمال يسميها "اغاني راقصة" نجدها وقد تأثرت بقوالب موسيقية غربية كما في اشكال الفالس والرومبا والسامبا والتانغو وادتها اصوات سعاد هاشم و نجاح سلام ونازك، مثلما للباشا دور في "اغاني الاطفال" حين غنت له نهى هاشم اغنيات مثل: "عيد ميلادي" و"لعبتي الجميلة" وغيرهما.
.

ويطرح توفيق الباشا اكثر من تساؤل عن الشكل الموسيقي عبر اعماله الاوركسترالية كما في "بساط الريح" و"سيمفونية السلام" و"بيروت 82" و"سيمفونية فوق البنفسجية" فهو حين حاول تسريب الجمل اللحنية العربية الهوية الى الشكل السيمفوني بدا وكأنه ينظر الى الموسيقى العربية نظرة قاصرة، غير التي كان ينظر في مقتبل حياته و اوان نضجها التلحيني، فبدت الانغام العربية وهي تلوذ بالحضور الساطع للاوركسترا السيمفوني، كما ان السؤال الذي تطرحه اعمال الباشا في هذا الجانب يذهب الى التدقيق في مدى تحقيق الاعمال السيمفونية للباشا اي حضور بين متلقي هذا الشكل الموسيقي في الغرب اذا كانت تقصد التوجه اليهم؟ ومن بين هذه الاعمال السيمفونية التي تستحق الانتباه لمتانة تركيبتها النغمية، سيمفونية "السلام" والحركة بين الاولى والثانية في عمله "بيروت 82".
.

وهناك من يقرأ توجه الباشا نحو كتابة اعمال اوركسترالية بوصفه اظهاراً لقدرات غير محدودة للرجل، وليس بالضرورة نكوصاً للجانب الموسيقي العربي فيه، ومثل هذا الرأي يبدو اقرب الى تمثل حقيقة هذا الفنان التي يقول عنها عبيدو باشا في كتاب "الراوي": "عصامي لايهادن، حين لا يني يقيم عقد الاشتباك مع كل ما يقف في وجه تطور الموسيقى، انه عصامي تنويري، حتى في لبوسه الاميل الى الكلاسيكية، اما حداثته فهي تأليفية ونابعة من الصدام مع التراث التركي في حياتنا".

سالم حسين الامير في كتابه "الموسيقى والغناء في بلاد الرافدين"

على عبد الأمير
صدر في بغداد العام 1999كتاب للموسيقار والشاعر العراقي سالم حسين الامير حمل عنوان "الموسيقى والغناء في بلاد الرافدين" وتضمن مقدمة كتبها الاستاذ الدكتور حسين امين، قال فيها ان الكتاب "عمل كبير سيخلد تاريخ الموسيقى والغناء في بلاد الرافدين منذ عصورها القديمة وحتى وقتنا الحاضر كما سيضيف الى المكتبة العربية دراسة موضوعية وتحليلية لفن الموسيقى والغناء تكون نبراساً لكل طالب لهذا الفن الانساني الجميل".
وفي باب اهلية المؤلف الاستاذ سالم حسين يضيف د. حسين امين في مقدمته "انه اهل لتحمل مسؤولية تدوين مثل هذا الموضوع لان الرجل اديب وشاعر وفنان وهو سليل هذه الحضارة العظيمة وتخرج في معهد الفنون الجميلة سنة 1952 كما حصل على دبلوم في الموسيقى من اكاديمية (فرانزليست) في هنغاريا سنة 1972 وحاضر في الاكاديمية نفسها فأبدى النشاط والكفاءة كما حاضر في جامعة كمبردج سنة 1976 وفي جامعة همبولت بالمانيا سنة 1979، وله مؤلفات عديدة في فن الموسيقى والغناء لهذا كله فان الاستاذ سالم حسين جدير بهذا العمل الحضاري المهم".

ويكتب سالم حسين الامير مقدمة لكتابه قائلاً: "وبما ان هذا الكتاب ينحصر في حدود الموسيقى والغناء فلا يسعنا الا ان نقول ما قاله فلاسفة الغرب وحكماؤه في الموسيقى والغناء: اذا اردت ان تعرف حضارة امة ما وما انطوت عليه من طبائع وسجايا فابحث عن الغناء فيها، فهو مسرح تظهر فيه ميول الامة واجواؤها بأبلغ وصف وافصح تعبير" وقال علماء الغرب في المعنى نفسه "اذا اردت ان تعرف مكانة امة من الرقي فابحث عن موسيقاها".



سالم حسين: كتابة عن الموسيقى العراقية من احد اعلامها البارزين

ويبحث الامير في "الالات الموسيقية في العراق: منذ القديم حتى اليوم" مستعرضاً انواعها ووظائفها ومواصفاتها، متوقفاً عند بعضها مطولاً مثل: آلة (العود) وآلة (السنطور) و(القانون). وحين يصل الى بحث "الموسيقى في عصر ما قبل الاسلام" في عنوان منفصل، يفاجئ سالم حسين القارئ بالانتقال بعد سطور قليلة الى بحث الموسيقى في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر الخلفاء الراشدين، ثم العصري الاموي، والعباسي بشىء من التفصيل الذي غاب عن المراحل السابقة فذكر حياة اعلام الموسيقى والغناء في (العصر الذهبي العباسي) ومنهم: حكم الوادي، ابن جامع، المطرب سياط، ابراهيم الموصلي، اسحق الموصلي، الخليفة ابراهيم بن المهدي والاميرة علية بنت المهدي والكندي والفارابي، وابن سينا وعلوية ومليح بن ابي العوراء ومنصور زلزل ومخارق والخليفة الواثق بالله وعبيدة الطنبورية ويحيى بن علي بن يحيى المنجم ودنانير ولحاظ وصفي الدين الارموي البغدادي وزرياب. ويذكر ان للموسيقيين مكانة في عهدي المغول والتركمان (1258-1534)م، ويشير الى اسماء علماء موسيقى مثل زين الدين الموصلي، وفخر الدين الشهرباني وياقوت المستعصمي وشرف الدين السهروري وبدر الدين الاربلي والكمال النوريزي والسلطان ابو سعيد وشمس الدين السروردي والصيرفي ونظام الدين بن الحكيم وجمال الدين الداسني وكمال بن البرهان الصوفي والسلطان احمد الجلائري.

المقام العراقي
ينتقل المؤلف الامير من متابعة موضوعته (الموسيقى في بلاد الرافدين) تاريخياً، الى بحث (المقام العراقي) كلون من الغناء الذي يتميز به العراق ويمتد تاريخه الى عدة قرون خلت -ويتابع ينابيع المقام في العراق واصله والتسميات الاعجمية التي ترافقه وطبيعة ادائه وغنائيه، ووصفه من حيث الايقاع في موسيقاه، وخصائص المقام العراقي في شهر رمضان ويبحث لاحقاً في شكل غنائي هو (الزهيري-الموال)، و(الجالغي) البغدادي -التخت الموسيقي المرافق لغناء المقام -ثم يقدم المؤلف متابعة ارشيفية رصينة لاعلام المقام العراقي خلال قرنين وصولاً الى ايامنا.


غلاف الكتاب
الغناء العراقي: ريفي، بدوي، مربع
ومنولوج، عربي كردي وتركماني

مثلما تتعدد تضاريس العراق وتتعدد اثنياته وقومياته، تتعدد اشكال الغناء فيه، هكذا نصل الى قراءة في الغناء الريفي العراقي واعلامه والغناء البدوي واعلامه وغناء (المربع) و(المونولوج) كسمات لافتة في غناء المدينة العراقية، كذلك نجد رصداً للغناء الكردي، والتركماني في العراق. واذا كان سالم حسين الامير درس الغناء والموسيقى في العراق بحسب المراحل التاريخية تارة وبحسب الانماذ الفنية تارة اخرى، فانه يعمق دراسته بالتوقف عند علامات بارزة ومهمة في الفن الموسيقي الغنائي العراقي، ومن اكثر هذه العلامات "معهد الفنون الجميلة" الذي ترسخت فيه وبوجود عميده ومؤسسه الشريف محي الدين حيدر ومساعده حنا بطرس ابداعات وجميل بشير وسلمان شكر ومنير بشير وغانم حداد وجميل سليم والحاج حسين عبدالله وفريد الله ويردي وزكريا يوسف وروحي الخماش وعشرات غيرهم من كبار المؤلفين والعازفين الذين ادخلوا الموسيقى والغناء في العراق الى افاق الحداثة الواسعة. العراق الرجولي فيه مطربات ناعمات!

وبحكم تاريخ فيه تحولات عنيفة وصاخبة جعلت من تاريخ العراق ذكورياً لعنفه قبل كل شيء، الا ان في الغناء والموسيقى وجوداً لمطربات بما يعادل بعض هذا الحضور الذكوري الطاغي فيذكر المؤلف اسماء: مطربات بدأن الغناء اوكائل هذا القرن، ليصل حتى نهايته، ويذكر مائدة نزهت، غادة سالم، احلام وهبي، لميعة توفيق، زهور حسين، وحيدة خليل، سليمة مراد، منيرة الهموزوز، عفيفة اسكندر، امل خضير، وصولاً الى الاسم الاحدث في الغناء النسوي العراقي: سيناء. وللغناء (الرجولي) مساحة كبيرة في كتاب الامير، قدم خلالها اسماء كثيرة، بل انه لم يتردد عن ذكر فصل خاص للمطربين في التسعينيات. وللتلحين فسحة في كتاب سالم حسين مثلما للعازفين وعلى مختلف الالات شرقية وغربية، كذلك مثلما للفرق الموسيقية العراقية، متوقفاً عند صناعة العود، وثمة فصل خاص بالنقد الموسيقي واعلامه في العراق وكانت خاتمة لطيفة وجميلة حين وضع المؤلف نصوصاً واغنيات ونوتاتها الموسيقية، هي من علامات الغناء الجميل في العراق.


شربل روحانا : أنغام خارج القالب الموسيقي العربي ولكن ضمن روحيته

علي عبد الأمير

ظلت قضية التجديد الموسيقي شاغلة المؤلف وعازف العود اللبناني شربل روحانا, لا لكونها قضية تتعلق بالشكل, وبمدى علاقة مؤلفاته الموسيقية بالقوالب الموسيقية العربية التقليدية, وإنما كونها بيانه الموسيقي الشخصي الذي يشير الى فكرة يمكن تحديد بؤرتها في جوهر نغمي خارج القالب الموسيقي العربي والشرقي التقليدي ولكن من دون انفصال عن روحيته.

وانطلاقاً من هذه الفكرة صاغ شربل روحانا عرضه بصحبة فرقته الموسيقية في "سوق عكاظ" الأردني الأربعاء الماضي وفيه تدفقت انغامه من أعماله: "مدى", "سلامات" و "مزاج علني".
ولأن السياق التجديدي هو الذي يشغل روحانا, كانت الفرقة الموسيقية تنطوي على آلات تفارق بعضها الآخر, ومن خلال هذه المفارقة كان المسعى الى الخروج بتوافق نغمي, لا بل الأكثر جرأة من ذلك والأكثر اتقاناً, وهو صوغ لحن موسيقي لا ينفصل عن فكرة ايجابية لانسان بلداننا يريدها روحانا: ان يكون متطلعاً لمواكبة عصره المتغاير ولكن من دون أن يتخلى عن ملامحه وعن العناصر التي تشكّل مرجعيته الروحية, وهي هنا في حال الموسيقى, القوالب والأنغام والميلوديات.

"مدى" كعمل موسيقي كتبه روحانا بالإشتراك مع هاني سبليني فيه من عناصر المغايرة الموسيقية ملامح كثيرة لجهة الإنفصال عن الشكل, ولجهة الثقة بتصويره فكرة تقوم على تلاقي أجواء غربية وعربية شرقية في نقطة مشتركة, هي ذروة تجليات الآلات الموسيقية وهي تنصهر مع رؤى موسيقيين بمزاجين, بوسيلتين في التعبير, ولكن وصولاً الى نقطة مشتركة. هنا عود روحانا برهافة عزفه على الأوتار, صريح في الإعلان عن مرجعياته ليس بحسب الصورة النمطية للنغم الشرقي العربي, بل نحو ابتكار نغم جديد. وهذا المسعى ذاته انشغل فيه بيانو سبليني, فكانت النقطة المشتركة (عود وبيانو) ينشدان تدفقهما النغمي ولكن من دون اصرار على أن يظلا مخلصين لمرجعياتهما الثابتة.

الشكل الذي لا يخفي جرأته في "مدى" قد يكون لاحقاً تراجع في اسطوانة "سلامات" لشربل روحانا الذي يعوض فيها حرية الشكل, باتقان في التأليف فثمة بناء محكم في القطعة الموسيقية, لكنه ليس إحكام البناء التقليدي, وإنما تعميق اللمسة التجديدية بجوهر نغمي أصيل لا تخفى مرجعياته العربية والشرقية وحتى السلافية ان شئت.
شرقي أكثر كان روحانا في "سلامات" لا في مقاربته قالب "السماعي" الذي يعد أحد قوالب التأليف الموسيقي الآلي الشرقي والعربي, وانما في صوغه نغماً ملتاعاً متأسياً شجياً, وهذه ملامح شرقية الجوهر عربية الطابع, وكي لا تظل هذه الملامح مادة خاماً وراكدة, راحت رؤية روحانا التجديدية تشتغل, فالتمعت الأنغام منبثقة من تراكم مرجعياتها. فهو حين يلعب موسيقى "محلا نورها" فإنه يقدم تنويعات على لحن الأغنية الأصلي, فمن رعشة العود الى (شمس) مشرقة راسخة في البال كما تقول الأغنية (شمس الشموسة) كأنها تطلع من الصوت الصادح البهيج للأوكورديون والتنويعات الرشيقة للإيقاع وفق الرق الذي يكاد يرقص نشواناً من الطرب.
الطرب الفيّاض بروحية تجديدية, هو جوهر موسيقى محمد عبد الوهاب, وهذه لمحة يشترك فيها شربل روحانا مع رمز التجديد في الموسيقى العربية ويجسدها في إعادته لقطعة عبد الوهاب "بلد المحبوب", وبرفقة عوده وتدفقات صوت الأوكورديون والضبط الإيقاعي الرشيق, تأتي القطعة جديدة مرتين, جديدة لأنها خرجت عن شكل الأوركسترا الكبيرة الذي كانت عليه القطعة الأصلية, وجديدة لأن بناءها لا يطابق الأصل تماماً, فهي تبدو قطعة لفرقة موسيقية صغيرة مركزها آلة العود.

"سلامات" شربل روحانا التي عزف منها في إطلالته الأردنية, عمل موسيقي يستحق أكثر من هذه السطور, فهو يلخص فكرة التجديد وجدواها, فكرة الإخلاص للموروث والإنطلاق منه في آفاق تعبيرية جديدة. كذلك فيه براعة المؤلف الموسيقي مثلما فيه فكرة العازف على العود, أهو جيد لحرصه على البراعة المقامية وإحكام الأصول والقوالب, أم أنه متميز لبراعته في إضفاء طابع روحي على العزف؟

وفي حين عزف روحانا من اسطوانته "مزاج علني" فإنما يحيل سامعه الى منطقة جديدة في تجربته. ففي الإسطوانة من "مدى" جرأة المغايرة وتجدد الأنغام مثلما فيها من "سلامات" إحكام الشكل والجوهر المستغرق في الروحية الشرقية العربية. في مقطوعة "سوار" تصوير لبهجة طافحة, وتعبير عن سعادة غامرة وروح نشوى, وكل هذا يبدأه روحانا بعزفه المتقن على العود, ومستوى لا يقل عن هذا لباقي الآلات. انه تجديد نغمي لا يتم عبر الخداع وإرتداء الأقنعة, انه يقترح أنغاماً ولكنه لا يخجل من إعلان الحفاوة بمرجعياتها الشرقية العربية.
كذلك هو أمر مقطوعة "فلامنكو", وفيها جاور روحانا اللحن الإسباني الذي يشير اليه العنوان, انطلاقاً من مجاورة لحنية عربية عبر اتصال وحوار ما كان منبهراً إلا بقدرته على التعبير الخاص والحميم, ومن دون جعجعة, كان ينقّب في الجذور العربية لذلك اللحن الإسباني.

وسعي شربل روحانا الى التجديد, وصوغ موسيقى تنتمي الى الجوهر والموروث لكن من دون إنغلاق على الحياة ومنعطفاتها بل وحتى أحداثها العاصفة, هو الذي دفعه الى اجتراح مغامرة التلحين. ففي عمله الجديد "كي لا ننسى ... محمد الدرة" الذي لحنه وغنّاه اعتماداً على نص محمود درويش, انعطاف نحو قراءة موسيقية للكلام, ونحو بناء موسيقي لا يتوقف عند لغة الآلات وحسب, وانما يتسع لدور الصوت البشري في الغناء.

روحانا الذي إعتاد اجواء الفرقة الموسيقية الصغيرة ينفتح على أفق الأوركسترا السيمفوني, يوزع ويدخل الكورال, ويحدد أي مقاطع من النص الدرويشي يؤديه (هو ليس بالمطرب المحترف) وأي مقاطع تلقيها إلقاءاً جوليا قصّار. وقبل كل هذا, يفاجيء روحانا مستمعيه بمقدرة لافتة على التلحين وعلى مقاربة النص الشعري العربي المعاصر موسيقياً.

لم يذهب الى قالب غناء القصيدة, مثلما لم يخالف نهجه في الإرتكاز على مستندات موسيقية عربية, وهنا في إسطوانته لم يبد روحانا مأخوذاً بفخامة البناء الأوركسترالي, بل أدخل أكثر من ثيمتين لحنيتين موروثتين شعبيتين من أنغام فلسطين وبلاد الشام, لتبدو الناحية التصويرية للحدث: الإنتفاضة الفلسطينية انطلاقاً من مشهد إغتيال محمد الدرة, أكثر دقة وتركيزاً.


السبت، 5 يونيو 2010

أغنية الضحايا Victims فى المركز الأول

حققت أغنية "الضحايا" Victims المركز الأول على القوائم الكلاسيكية العالمية فى موقع ساوند كليك الدولى
بهذا تفوقت الأغنية على أكثر من 30000 ( ثلاثين ألف ) أغنية من جميع أنحاء العالم


الأغنية مهداة إلى ضحايا حصار غزة

هل نستطيع القول بأن الموسيقى العربية لازالت تحيا .. وبخير رغم كل شيء؟!
.
المؤلف د/أسامة عفيفى

تحياتى

الأحد، 30 مايو 2010

حوار الموسيقى والكمنجة مع الأستاذ الفنان أحمد الجوادي 3 من 3

استكمالا للحوار الممتع المفيد مع الأستاذ أحمد الجوادي 1 و 2 .. نواصل ..


فاضل: بالنسبة لنظريات الموسيقى، هل لك أن تقارن لنا باختصار الفروقات الهامة بين الشرقية والغربية والهندية والتركية واليونانية مثلا؟
أحمد: ليس لي علم بنظريات الموسيقى الهندية ولا اليونانية، حتى التركية فعلمي فيها ليس كبيراً. فبالرغم من أنني درست سنة في أنقرة، لكنني كنت قد درست على يد أستاذ بلجيكي وكنت أدرس الكمان الكلاسيكي. لكن اهتمامي بالموسيقى التركية كان منذ صغري. لا يوجد فرق بين نظريات الموسيقى الغربية والشرقية، لأن الموسيقى الشرقية أو العربية تستند على النظريات العالمية أو العامة أو الغربية إنما الفرق هو أن لدينا في موسيقانا العربية وفي الموسيقى التركية سلالم ومقامات ليست موجودة في الموسيقى الغربية و لدينا إيقاعات ليست موجودة في الموسيقى الغربية. فمثلاً، يوجد الإيقاع العراقي الغريب جداً وهو إيقاع الجورجينا. هذا الإيقاع ليس موجوداً (بشكله هذا) في الموسيقى الغربية و لا في أغلب الدول العربية. إن مثل هذا الإيقاع موجود لكن مع بعض الاختلاف في تركيا ويوجد في بعض دول آسيا. الغريب في هذا الإيقاع الطريف والجميل هو أن هذا الإيقاع ينتهي أو يبطل العمل به فقط لدى عبور الحدود العراقية باتجاه سوريا والأردن. ينتهى العمل به حيث أنه غير موجود والغريب هو أنه يعاود الظهور مرة أخرى في تونس! سألت بعض الموسيقيين التونسيين فقالوا لي بأنه ليس إيقاعاً تونسياً في الأصل. وهذا الإيقاع موجود في الموسيقى اليونانية أيضا و هذا الإيقاع اليوناني شبيه كثيراً بالجورجينا العراقي و لكن مع اختلاف بسيط وباسم آخر لا أذكره الآن. في وسط العراق، يكون هذا الإيقاع بطيئا وفي الشمال وتحديداً في الموصل وكركوك، يكون سريعاً، وفي تركيا يكون بطيئا جدا أحياناً. هناك أيضا الكثير من الإيقاعات التي ليس لها مثيل في الغرب. فمثلاً، إيقاع الأقصاق والذي يكتب دليله على شكل 9/8 ليس له مثيل في الموسيقى الغربية و سبب ذلك هو أنه في الموسيقى الغربية حينما يكتب دليل إيقاع 9/8 يعني به أنه إيقاع مركب (أي إيقاع ثلاثي كل ضربة من ضرباته الثلاثة تقسم لثلاث ضربات أصغر) بينما إيقاع الأقصاق هو إيقاع غير منتظم. الجدير بالذكر بأن البعض يعتبره أربعة ونصف على أربعة و أنا أوافق هؤلاء الموسيقيين فهو فعلا أربعة ونصف أي (دم – إس – تك – إس – دم – إس تك – إس – تك). و من الممكن أن يبدأ الإيقاع من مكان آخر و ليس كما هو مكتوب هنا. لقد استخدم بعض المؤلفين الغربيين إيقاع أربعة ونصف كدليل (أنا لم أشاهد مثل هذا الإيقاع لكنني قرأت عنه في أحد كتب النظريات ذات مرة). لو قارنّا الإيقاع السابق بمثيله والذي يحمل نفس العدد في الموسيقى الغربية والذي هو أيضا 9/8، لوجدنا أن الأخير هو عبارة عن (واحد – 2 – 3 إثنين – 2 – 3 – ثلاثة – 2 – 3) و للاحظنا بأنه توجد ثلاث ضربات متساوية كل منها يحوي على ثلاث ضربات صغيرة. (هنا علي أن أنوه إلى أنه توجد ثلاثة أنواع من الموازين الغربية: البسيطة والمركبة وغير المنتظمة).
فاضل: ما الذي ينقص نوتة الكمان الشرقي عندما ندونها؟ هل هناك محاولات لسد الثغرات وتقنين الناقص لنصل لنوتة موسيقية معتمدة لدى الجميع؟
أحمد: ينقصها الكثير. أولا على من يكتب النوتة أن لا يرتكب أخطاءاً نظرية. بعد أن نتخلص من الكتابة الخاطئة، يمكن أن نفكر بكيفية تدوينها لكي تبقى للعصور القادمة حيث أن أسلوب العزف الآن متوارث كما في أغلب الموسيقى الشعبية، حتى في أوروبا. لسد الثغرات الأخرى، وهذا غير ممكن في الوقت الحاضر، يجب أن تكتب الحليات بشكل موحّد ويجب أن يكتب التعبير الموسيقي، مثل التدرج في ارتفاع الصوت أو انخفاضه وقوة الصوت وضعفه (كريشيندو وديمنويندو وفورتي وبيانو وغير ذلك) وباقي العلامات الموسيقية المستخدمة في الموسيقى العالمية. أنا أكتب هذا الكلام و أنا في الوقت الحاضر لا أحبذه أبدا، لأن جمال موسيقانا العربية والشرقية هي في التنوع والاختلاف والفروقات بين عازف وآخر. أي أن كل عازف يعزف الجملة الموسيقية بإحساسه ويضع الحليات الخاصة به. مثل هذه الخلطة العجيبة هي التي تعطي لموسيقانا الشرقية سحرها ولو كتبناها بشكل موحّد لفقدنا هذه الخاصية والميزة المتفردة بها موسيقانا. سبق وأن قلت عن الأقواس الموحدة بأنني لا أحبذها و ذلك لنفس السبب. في العام 1997، كنت مشاركاً مع الوفد الأردني للعزف في مهرجان الموسيقى العربية في أوبرا القاهرة. كنت رئيسا للفرقة الموسيقية حينها. وطلب مني مدير المعهد أن أكتب أقواساً موحّدة للفرقة. حاولت أن أشرح له وجهة نظري لكنه أجبرني أن أكتب أقواس توحّد شكل الفرقة.

لكن مع ذلك، نجد الآن في بعض التسجيلات من يحاول من عازفي الكمان أن يوحّد الحليات ليصبح العزف أكثر أناقة، حيث يدخل الاستوديو أربعة أو خمسة عازفي كمان و عادة ما يكونون متوحدين في طريقة العزف لأنهم عادة ما يعملون سوية في كل التسجيلات ويستطيعون التفاهم فيما بينهم بسرعة ويسر مما يمكنهم من أن يوحدوا الحليات أحيانا. لكن يبقى شيء مهم وهو أن كل عازف يفرق عن الآخر في أشياء كثيرة. فمثلا سرعة الفيبراتو عند كل واحد تختلف عن الآخر وسرعة التريل يختلف أيضاً. وكذلك طريقة الضغط على القوس تختلف من واحد لآخر، وهذه الفروقات هي التي تعطي جمالية للعزف.

فاضل: هل تختلف دروس الكمان عن دروس أخواتها من الآلات من نفس الفصيلة؟
أحمد: لكل آلة ميزتها وتكنيكها التي تختلف عن الآلة الأخرى حتى لو كانت قريبة منها. لنبتعد قليلا عن الآلات الوترية ونتناول بعض آلات النفخ. فمثلا آلتي الأوبوا والفاجوت (أو الباسسون)، هاتان الآلتان تعزفان بريشة مزدوجة ولكن بتكنيك مختلف تماماً. ولهذا لا يمكن لعازف الأوبوا أن يعزف الباسسون وبالعكس. ربما أن عازف الأوبوا لو أمسك آلة الباسسون سوف يستطيع أن يعزف شيئاً قليلاً وبالتأكيد سوف يكون الأمر أسهل عليه بكثير مما لو أمسكت أنا هذه الآلة. لنعود للآلات الوترية. هناك تقارب كبير جداً بين آلتي الكمان والفيولا حتى في التكنيك. وبما أن آلة الفيولا هي تعتبر من الآلات الفقيرة في برامجها وفي المناهج الدراسية المكتوبة لها، لذا يستعان بالدراسات المكتوبة لآلة الكمان ويتم تصويرها لآلة الفيولا، وأحيانا تستخدم بعض أعمال الشيللو مثل سويتات باخ ويتم عزفها بواسطة الفيولا (طبعا بعد إعادة كتابتها على المفتاح المناسب لهذه الآلة). ولهذا السبب، نجد الكثير من العازفين يعزفون الكمان والفيولا. لنأخذ مثالا بسيطاً، لو شاهدنا فيديو ديفيد أويستراخ وهو يعزف مع ابنه إيجور أويستراخ عمل سيمفوني كونشيرتانت، لوجدنا أن أويستراخ الأب يعزف الفيولا مع ابنه الذي يعزف الكمان. ولو شاهدنا أعمالاً كثيرة مثل خماسي البيانو لشوبرت حينما يعزف إيزاك بيرلمان الكمان، نجد بأن زوكرمان يعزف الفيولا في حين أن زوكرمان أيضا هو من أشهر العازفين على الكمان في الوقت الحاضر. ولو ابتعدنا قليلا إلى الفرق بين آلتي الشيللو والكمان، لأصبح الأمر مشابهاً للفارق بين آلتي الأوبوا والباسسون، بسبب أن المسافات بين النوتات هي أكبر بكثير مما هي عليه في آلة الكمان، هذا ناهيك عن الفارق في استخدام القوس، لأن الشيللو يوضع بين رجلي العازف. وبالإضافة لذلك، فإن سمك الأوتار في الشيللو والمسافة بينها تكون أكبر مما هي عليه في الكمان. ولو ابتعدنا أيضاً إلى الكونتراباص، لحصلنا على نفس النتيجة. هذا بالإضافة إلى أن الكونتراباص هو الآلة الوحيدة من أسرة الوتريات (عدا الهارب) التي يكون الدوزان فيه عبارة عن رابعات بين وتر وآخر وليس خامسات كما في الكمان والفيولا والشيللو.

في هذا الفيديو نرى فيه خمسة من أكبر العازفين في العالم، أحب بعضهم أن يمزح وتبادل عازف الكمان والذي هو بيرلمان - ويعتبر أهم عازف في العالم - مع عازفة الشيللو جاكلين دي بري والتي كانت أهم عازفة شيللو في العالم في وقتها (حيث أنها تركت العزف وهي في سن 28 بسبب المرض وتوفيت في سن 42)، نلاحظ كيف أن بيرلمان وجاكلين استطاعا العزف على غير آلاتهما:





فاضل: ما هي أفضل الطرق للتمرين للمبتدئين ثم المتقدمين؟ المدة والبرنامج المثالي والأهداف؟
أحمد: قبل فترة كنت أتفرج على مدرس معروف على الإنترنيت وتطرق إلى هذه النقطة بالذات. وقال ما معناه: أن في بريطانيا يوجد نظام المراحل الدراسية للآلات الموسيقية وقال: أجريَت إحصائية بين الطلاب فوجدوا أن بعض الطلاب تخطوا الامتحان للمرحلة الثانية أو الثالثة في فترة ستة أشهر بينما غيرهم من الطلاب اجتازوا نفس الامتحان بفترة سنتين. كان كل الطلاب يتمرنون مدة نصف ساعة يوميا فقط لكن النقطة المهمة هي: كيف يتمرن الطالب؟ كان ذلك بالنسبة للامتحانات البريطانية، لكن على العموم، يجب على الطالب الذي يتمرن يومياً لمدة ساعتين على سبيل المثال (هذا لو كان في المراحل البدائية)، عليه أن يقسم وقته. يستحسن له البدء في السلالم والأربيجات وبعد ذلك يبدأ بعزف التمارين ومن ثم القطع. نفس الكلام نقوله بالنسبة للمتقدمين ولكن المتقدمين عليهم أن يضاعفوا ساعات التمرين لتصل أحيانا إلى ثمان وتسع وعشر ساعات (بحسب القابلية الجسدية للطالب أو للموسيقى). هناك شيء مهم وهو لو أن عازف الكمان كان يتدرب عشر ساعات فمن الصعب جداً على عازف الكونتراباص أن يتمرن نفس الكم من الوقت، وكذلك الآلات الهوائية أو آلات النفخ فتكون فترة التمرين أقل مما هي عليه في الكمان والبيانو.
فاضل: حدثنا عن المناهج التي تدرسها وطريقتك في التدريس وفلسفتك مع طلابك؟
أحمد: ليس عندي أي اختلاف عما ذكرته أعلاه، فأنا أتبع هذه الطرق مع طلابي ولكني كنت قد تعلمت من أستاذي الأخير زاريه ساهاكيانتس رحمه الله (وكان من الاتحاد السوفيتي وهو من جمهورية أرمينيا) شيئا مهما وهو أنني حينما أجد مشكلة تقنية تجابه طالباً في مكان معين، أحاول أن أجد سبب المشكلة. فيمكن أن تكون بعيدة جداً عن الأشياء المتعارف عليها. لقد قال لي أستاذي رحمه الله بأنه كان قد تعلم ذلك من أستاذه يان كليفيتش في موسكو والذي كان أحد أهم وأشهر الأساتذة في الاتحاد السوفيتي سابقاً.
فاضل: كيف يمكن للعازف أن يتعلم نوتة موسيقية من البداية حتى النهاية منذ قراءتها الى التعود عليها وعزفها كاملة؟
أحمد: ذلك يأتي مع الممارسة وبالاستفادة من دروس الصولفيج. وطبعاً لا يمكن أن ننسى النظريات. لكن الصولفيج هو درس مساعد كثيراً للقراءة، وإن كان درس الصولفيج هو لا يعني فقط قراءة النوتة الموسيقية بواسطة الأحرف الموسيقية (دو ري مي) بل هو أبعد وأعمق من ذلك بكثير.
فاضل: كيف ترى قيمة النوتة الموسيقية، هل هي وسيلة للتوثيق والحفظ التاريخي والعزف الحي أم ترى لها قيمة أخرى؟
أحمد: لولا وجود النوتة الموسيقية لما سمعنا وعزفنا أعمال باخ وموتسارت وهايدن وبيتهوفن وبراهمز ودفورجاك وتشايكوفسكي وماهلر وغيرهم. نعم الحفظ شيء في غاية الأهمية ولولا التسجيلات الحية لما استطعنا سماع عزف سامي الشوا وتوفيق الصباغ وأنور منسي وياشا هايفتس وديفيد أويستراخ.
فاضل: هل يجب على العازف ان يعزف من حفظه أم عليه أن يعزف مهما كان يعزف بكمال، من النوتة الموسيقية؟
أحمد: نعم، على العازف الذي يمارس عزف الشرقي، أن يعزف بالطريقتين. أي أنه يجيد العزف على النوتة ويجيد العزف بشكل سماعي فكثيراً ما يجابه في أن يعزف أغنية لأم كلثوم أو محمد عبد الوهاب بدون وجود نوتة موسيقية و ذلك باستخدام العزف السماعي.
فاضل: حدثنا عن عازفين تراهم قدوة للمتعلمين؟
أحمد: هناك الكثير من عازفي الكمان الشرقي الذين أراهم أنهم من الممكن أن يكونوا قدوة، وأعتقد بأن وأعتقد بأن أغلب عازفي الكمان يشاطرونني الرأي. من أهم هؤلاء العازفين الكبار : أمير الكمان سامي أفندي الشوا وأحمد الحفناوي وأنور منسي وعبود عبد العال وعبده داغر و من العازفين العراقيين الكبار صالح الكويتي وجميل بشير، والذي يعتبر امتداداً لصالح الكويتي، و يوجد غيرهم ممن كانوا قدوة لنا ولي أنا شخصياً.
إليك بعضا منهم:
سامي الشوا




أحمد الحفناوي




عبود عبد العال




وهذا أسطورة الكمان محمود الجرشة




وهذا المبدع الرائع الأستاذ الحاج سعد محمد حسن




صالح الكويتي




جميل بشير




فاضل: نبقى مع تسجيلات من روائع الفنان الاستاذ أحمد الجوادي نختم بها هذا الحوار الذي أفادني كثيراً وسيفيد المهتمين بالموسيقى والكمنجة شرقية وغربية على السواء. شكراً لك كثيراً.
وقتاً ممتعاً مع التسجيلات:





























***


لونجا نهاوند، توزيع أحمد الجوادي، أوركسترا كابيللا السويدية، مايسترو فين روسينجرين عزف السولو شيللو إسكيل إدمار وكمان أحمد الجوادي (حفلة الحديقة: في 2009 في مدينة جوثنبورج السويدية)


كان أجمل يوم، أغنية لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب توزيع وعزف أحمد الجوادي:

علي بابا، أوركسترا كابيللا السويدية مايسترو يويل إريكسون، تأليف وعزف السولو أحمد الجوادي الحفلة عام 2004 في مدينة جوثنبورج

أغنية يا زهرة في خيالي، أوركسترا كابيللا السويدية، مايسترو فين روسينجرين التوزيع الموسيقي وعزف السولو أحمد الجوادي (حفلة الحديقة: في 2009 في مدينة جوثنبورج السويدية)

وهذه سماح، للفنان محمد قنديل وألحان عبدالعظيم محمد:



و نشيد العراق وهو عمل جديد للأوركسترا بلا كلمات:



وتقاسيم قديمة الأستاذ سجلت عام 1971 قبل الدراسة والتعمق في الموسيقى:

أجرى الحوار: ::. فاضل التركي - دروب

الاثنين، 3 مايو 2010

حوار الموسيقى والكمنجة مع الأستاذ الفنان أحمد الجوادي 2

يمكن الضغط على هذا الرابط لقراءة الجزء الأول من الحوار

فاضل: الكمان آلة تصدر صوتاً على الوتر أينما وضعنا الاصبع. كيف يمكن أن نضمن عزف الأصوات بدقة حسب تعريف المقامات في المناهج والمدارس المذكورة أعلاه؟ مثلا، درجة المي في السيكا تختلف عن المي في البيات، وهكذا؟ هل ذلك مدون في النوتة الموسيقية والمناهج بدقة؟
أحمد: هذا موضوع يطول شرحه وهو موضوع غاية في الأهمية. العزف الدقيق يأتي من الخبرة الطويلة ومن الدراسة الجيدة والممتازة. أما الكلام عن الفروقات بين أرباع التون واختلافها من مقام لمقام، فهذا موضوع شائك. فأولاً ربع التون، يختلف بحسب المنطقة الجغرافية ويختلف استخدامه من بعض المقامات للبعض الآخر. فربع التون في مقام الراست على سبيل المثال هو ليس نفسه الذي يشابهه في مقام الصبا! ولو تعمقنا أكثر فحتى أنصاف التون تختلف من مقام لآخر! لكن أثناء العزف اليوم مع الفرق الكبيرة والتي تحوي على آلات ثابتة مثل الأورج والجيتار، يكون على العازفين هنا أن يتناسوا هذا الموضوع لأنهم لو عزفوا مثلا نوتة مي بيمول بشكلين، فسوف يتسبب ذلك في أن يصبح العزف نشازاً بسبب اختلافهم مع الآلات الثابتة. لكنه حينما يعزف مع تخت عربي يخلو من مثل هذه الآلات، فعلى العازف أن يراعي هذه الفروقات. هذا الكلام ليس موجوداً في الموسيقى العربية فحسب، بل هو نفسه في الموسيقى الكلاسيكية. فحينما يعزف عازف الكمان عملا مع البيانو، فذلك يطلب منه أن يراعي السلم المعدل، وحينما يعزف مع رباعي وتري، يتحول العزف ليصبح على السلم الطبيعي.
فاضل: كيف يتعلم المتعلم على دوزان غربي وشرقي معا؟ متى يبدأ في التعلم على دوزانين وكيف يوفق في تمارينه؟ هل يقدم أحدهما في الأهمية على الآخر؟
أحمد: هذا ليس صعباً، وهو يحتاج لبعض الممارسة. هو بالضبط كالكتابة على لوحة المفاتيح للحاسوب. فمن لديه خبرة جيدة في الكتابة على الحاسبوب باستخدام الأصابع التسعة وبدون النظر إلى لوحة المفاتيح، حينها، يقوم بتغيير اللغة من العربية إلى الإنجليزية إلى السويدية - على سبيل المثال- و يصبح ذلك عملية تلقائية وتكون بدون تفكير. أغلبنا يكتب بأكثر من لغة ونعرف ماذا أقصد. استخدام دوزانين شيء مشابه لكتابة أكثر من لغة على لوحة المفاتيح. لا ننسى بأن هناك الكثير من العازفين ممن يجيدون قراءة مفتاح صول في الكمان وهم أنفسهم حينما يعزفون آلة الفيولا، يقرأون مفتاح دو وبمنتهى السهولة والتلقائية. ولدي الكثير من الأصدقاء والزملاء ممن يجيدون هذا. أما بالنسبة للأهمية والأولوية، فهناك بعض العازفين ممن يستخدمون الدوزان الشرقي أكثر بكثير من الدوزان الغربي. مثل هؤلاء، يسهل عليهم استخدام دوزان واحد و لكن مثل هؤلاء في يومنا هذا قلةٌ. لكن العازفين الذين يتمكنون من العزف على الدوزانين بنفس الكفاءة يمكنهم أن يختاروا الأسهل حسب الأغنية أو المعزوفة وذلك أثناء التسجيل في الاستوديو. فمثلا لو كانت الأغنية من سلم الصبا على درجة صول، فسيصعب نسبياً عزفها على الدوزان الغربي ولو كان السلم بياتاً على درجة سي وكانت هناك لازمات موسيقية سريعة وعلى المكان العالي في الكمان، فسيفضل بعض العازفين استخدام الدوزان الغربي.
فاضل: ما هو الدوزان الشرقي الذي تفضله؟ هناك الدوزان الشهير صول ري صول ري وهناك صول ري صول دو وعدة دوزانات أخرى؟
حينما أنصب الكمان على الدوزان الشرقي، فإني أفضل استخدام الدوزان المستخدم الآن وهو صول ري صول ري. لكنني أحياناً قليلة أحب أن أستخدم الدوزان القديم. هناك أيضاً الدوزان التركي وتوجد عدة أنواع من الدوزان للكمان.
هناك الكثير من يسمون الدوزان العربي القديم باسم "دوزان تركي"، في حين أن الدوزان التركي يختلف عن الدوزان العربي القديم (لست متأكدا وربما يكون الأتراك استخدموا هذا الدوزان في زمن مضى). أنا أتكلم عن الدوزان الذي هو من الوتر الغليظ (صول ري صول دو)، هذا الدوزان كان هو الشائع وأشهر من بقي يستخدمه حتى اليوم هو عازف الكمان الكبير عبدو داغر و قبله كان أحمد الحفناوي و قبلهما كان سامي الشوا. الدوزان التركي هو من الوتر الغليظ (صول ري لا ري)، أما الدوزان العربي الحديث فهو (صول ري صول ري).

هنا علي أن أنوه إلى أنه توجد أنواع أخرى من الدوزان. ففي الموسيقى الشعبية السويدية يستخدم بعض العازفين دوزاناً يشبه كثيراً الدوزان العربي الحديث، لكنه مرفوع توناً كاملاً للأعلى أي (لا مي لا مي). وأحيانا يستخدم بعض المؤلفين دوزاناً مختلفاً لعزف سولو معين. مثلا، في الحركة الثانية من سيمفونية ماهلر الرابعة، يستخدم عازف الكمان الأول أو الكونسيرتماستر، كمانين. الأول يستخدمه في باقي الحركات وفي الحركة الثانية يستخدم كماناً آخر يقوم بدوزانه الدوزان الغربي لكن بتون أعلى أي تكون الأوتار (لا مي سي فا دييز). لكن باقي عازفي الأوركسترا يستخدمون الدوزان العادي و يبقى عازف الكمان الأول هو الوحيد الذي يستخدم هذا الدوزان لعزف السولو الذي كتبه ماهلر. هذا هو تسجيل لهذه الحركة. لاحظ أن الكونسيرتماستر (أو رائد الأوركسترا) كما يسميه البعض أو كما يسميه البعض (Leader).:


وهذا هو عبدو داغر وهو يستخدم الدوزان العربي القديم (يجدر بالذكر بأن العم عبدو يحلو له أن يستخدم ما تسمى بالطبقة الصغيرة أي أن يصار إلى خفض جميع أوتار الكمان توناً للأسفل:

وهذا المبدع الكبير الأستاذ الحاج سعد محمد حسن يستخدم الدوزان العربي الحديث

فاضل: كيف ترى فكرة نظام الكومات؟ أين هي الآن؟
أحمد: أنا لا أؤمن به لأننا وببساطة شديدة الآن في عصر الحاسوب و من الممكن أن تقسم التون إلى أي نوع من الأجزاء سواءاً كانت تسعة أو ثمانية أو مائة أو ألف أو حتى أكثر من ذلك. في بداية القرن المنصرم أي القرن العشرين، بدأ الكثير من المؤلفين بالاتجاه لاستخدام سلالم أخرى للتأليف الموسيقي، مثل السلم السداسي وسلالم الكروماتيك وحتى ربع التون (لا أقصد هنا بربع التون في مفهومنا نحن الشرقيين)، وبعضهم استخدم ما يدعى بالمايكروتون. وفي أيامنا هذه يوجد الكثير من المؤلفين ممن يؤلفون على المايكروتون. لقد كان الموسيقيون العاملون في المجال النظري، كثيراً ما يستخدمون هذه الألفاظ. ولا زال الكثير حتى يومنا هذا متمسكاً بها، علما بأنها أصبحت قديمة جداً. وكيف يمكن تقسيم التون لتسعة أجزاء متساوية بدون استخدام أجهزة متطورة؟ هناك من يقسم التون إلى ثمانية أجزاء صغيرة وهناك من يقسم الأوكتاف إلى 22 ربع تون بدلا من 24 ربع تون. نعم، الموسيقى مقترنة إلى حد كبير بالرياضيات والفيزياء، لكن ليس بهذا الشكل. في كل عصر، كان هناك ثائرون على الموسيقى التي في وقتهم. فمثلا موتسارت لم يتبع من قبله مثل باخ وهاندل، بل مشي في طريق جديد. وأتى بيتهوفن ليجدد أكثر وهكذا دواليك. و نحن حتى يومنا هذا، لازلنا نتكلم عن الكوما. هل هناك عازف كمان على سبيل المثال يستطيع التحكم بنظام الكوما والعزف عليه بشكل دقيق بحيث لو أننا أدخلنا عزفه على أحد برامج الكومبيوتر وحللنا هذا العزف لوجدنا أنه أثناء العزف فهو يقسم التون إلى تسع كومات باستمرار و على طول الطريق؟ هذا غير ممكن بتاتاً و حتى في الموسيقى الغربية ولدى كبار العازفين، فالنوتات تختلف من حين إلى آخر ولا أعني أن العازف يعزف نشازاً، بل هكذا يجب أن يكون.

هنا علي أن أشير إلى أن هذا النظام قد وجد قبل فترة طويلة، و لو كان الغرض منه وضع أو تثبيت الفرق بين النوتات المتشابهة في الاسم فهذا لا بأس به ولكن كيف يكون ذلك؟ لو قسمنا المسافة بين نوتتي ري و مي إلى تسعة أقسام أو كومات، وحاولنا أن نعزف في آلة ثابتة مثل البيانو نوتة مي بيمول فهي سوف تقع بين الكومة الرابعة و الخامسة، أي أنها تقع على الكومة رقم 4:5 وبتقسيم الكومات فهذا غير موجود. لكن على أرض واقع الموسيقى العربية، لو عزفت نوتة مي بيمول التابعة لسلم نهاوند على دو، فسوف تقع على الكومة الرابعة ولو عزفت نوتة مي بيمول التابعة لسلم الكرد (على ري)، لوقعت على الكومة الخامسة. هذا شيء مقبول جداً حتى الآن. لكن، لو واصلنا وعزفنا مي نصف بيمول التابعة لسلم البيات، لوقعت على الكومة السادسة، و لو عزفنا نوتة مي نصف بيمول التابعة لسلم الراست لوقعت على الكومة السابعة، و لو عزفنا نوتة مي نصف بيمول التركية (التابعة لسلم الراست أو السيكاه التركي) لوقعت على الكومة الثامنة. و بالطبع فنوتة مي الطبيعي سوف تقع على الكومة التاسعة. لكن من وضع مثل هذه القوانين نسي (أو لا أعرف السبب)، بأن نوتتي مي بيمول الناقصة والعالية هي الاخرى ليست ثابتة أي أنه من الممكن أن تكون في أماكن أعلى بقليل أو أوطأ. كذلك الحال بالنسبة لربع التون، فقد نسي من وضع هذه القوانين شيء في غاية الأهمية وهو أن ربع التون، و ببساطة شديدة، يختلف من منطقة جغرافية لأخرى (هذا عدا اختلافه بين سلم وآخر). أي أن ربع التون يختلف من منطقة لأخرى، فمثلا ربع التون في بلاد الشام أي سوريا والاردن وفلسطين هو ربع تون واطئ وليس كما هو في ربع التون المصري والذي يعتبر الأكثر اعتدالا. و ربع التون العراقي هو أعلى من ربع التون المصري، أين سيكون موقع ربع التون العراقي وربع التون الشامي من هذه الكومات التسعة؟ لو سمعنا أغنية أردنية شعبية، لوجدنا أن ربع التون فيها منخفض. لو حاولنا أن نعزف نفس الأغنية على ربع التون العراقي لأصبحت مزعجة جداً. ولو عزفنا أغنية مصرية للسيدة كوكب الشرق، وعزفنا ربع التون فيها أردنياً، لأصبحت غاية في السوء و هكذا. إذاً، فإن هذا التقسيم غير واقعي ويمكن تطبيقه على القانون و ليس الآلات غير الثابتة مثل الكمان والشيللو، لأن هذه الآلات يمكن أن تعزف نوتات غير ثابتة.
فاضل: حدثنا عن تعليم الكمان الشرقي؟ حدثنا عن المعاهد والمدرسين والتوجهات والمستقبل وانتاج المتعلمين؟
هنا علي أن أعود للوراء قليلا. كانت هناك محاولات لكتابة ميتودات للكمان الشرقي. هذه فقط محاولات، و كما أسلفت فهي تحتاج لمجهود كبير وليس مجهوداً من شخص واحد. لكن شي جيدٌ أن يبدأ البعض في وضع بعض الميتودات التي يمكن الاعتماد عليها في المستقبل. هنا علي أن أذكر حادثة حصلت معي: في نهايات السبعينات من القرن المنصرم، أتاني تكليف رسمي من وزارة التربية العراقية حينما كنت مدرساً في معهد الفنون الجميلة في بغداد. كان التكليف هو أن أقوم بتأليف كتاب للكمان الشرقي! لقد اختارت وزارة التربية إثنين من مدرسي الكمان. الأول كان زميلاً لي وهو أكبر مني بكثير وهو معروف على نطاق واسع. والثاني هو أنا وقد كنت في العشرينات من العمر حينها. حاولت أن أتهرب من التكليف وفي النهاية قمت برفضه. كان رفضي هو لسببين. الأول هو أنني كنت سوف أقوم بأغلب العمل أو ربما بالعمل كله تقريباً بسبب أن المدرس الثاني كبير نسبياً في السن والسبب الثاني هو أنهم سوف يكتبون اسمي تحت اسم ذلك المدرس علماً بأنني أنا من كان سينجز العمل. بذلك خسرت وزارة التربية العراقية كتاباً كنت سوف أقوم بتأليفه. لو كانوا قد طلبوا ذلك مني لوحدي لفعلت ذلك وبكل حب، لكن ان يهضم حقي فهذا ما لا أرتضيه لنفسي مع شديد حبي واحترامي للأستاذ الآخر، والذي تربطني به زمالة واحترام و صداقة طويلة.

أتمنى أن يكون مستقبل المعاهد الموسيقية في البلاد العربية أفضل مما هو عليه الآن، لكن يتوجب عليّ أن أذكر بأن هناك الكثير من المعاهد في الوطن العربي تتحلى بمستويات عالية فعلاً وخير مثال لذلك هو المعهد العالي للموسيقى في القاهرة (كونسيرفتوار القاهرة)؛ هذا المعهد مستواه عالٍ جداً وهو نفس المعهد الذي تخرجت منه. وهناك معهد الموسيقى العربية في القاهرة وهو الآخر معهد رصين جداً، قد قام بتخريج الكثير من كبار العازفين. وعلي أن لا أنسى كلية التربية الموسيقية في حلوان القاهرة. هذه الكلية أيضاً خرجت عازفين كباراً من أمثال الدكتور رضا رجب والعازف الكبير المرحوم محمود الجرشة وغيرهما الكثيرين. وهنا أرى من واجبي أن أذكر معهد الفنون الجميلة في بغداد والذي هو الآخر قد خرج أفضل العازفين في العراق. في معهد الفنون الجميلة في الموصل قد تخرج على يدي الكثير من الموسيقيين الذين أصبحوا اليوم أساتذة معروفين. و أيضا يجب أن لا أنسى مدرسة الموسيقى والباليه التي خرجت الكثير من العازفين المحترفين وقد كنت مدرساً في هذه المدرسة كذلك. أرجو أن لا يتهمني البعض بالطائفية أو بالعنصرية لأنني ذكرت المعاهد الذي كنت فيها مدرساً.
فاضل: كيف تنظر لتقييم مهارة العازف وشخصيته؟ ما هو الأهم، المهارة والتكنيك أم الشخصية؟
لي صديق أعتز به وهو أستاذ في معهد الكونسيرفتوار واسمه الدكتور نبيل غنيم وهو عازف مصري كبير ومشهور. كان يسبقني في الدراسة قليلاً و كان قد تخرج حديثاً من الاتحاد السوفييتي حينما كنت طالباً. سألته ذات مرة هذا السؤال فرد علي: "العازف الذي لديه تكنيك ممتاز هو العازف الذي يتمكن من عزف أي عمل بإتقان تام مهما كانت صعوبة أو سهولة العمل". من كلام الدكتور نبيل، نجد أنه لا يمكن الفصل بين التكنيك والشخصية، فبدون التكنيك الصحيح لا يمكن للعازف أن يعزف بشخصيته أو يجد له شخصية، لأنه بدون التكنيك سوف يحاول أن يعزف ما يريد أو ما يتخيل لكن التكنيك يخذله ويقف حائلاً دون ذلك.
فاضل: لم لا يؤلف عازفوا اليوم مثلما كان يؤلف عازفوا الأمس؟
لا أعرف السبب، لكنني أنا أؤلف كثيراً ولدي الكثير من الأعمال سواءاً الشرقية البحتة أو حتى الأعمال الأوركسترالية. لابد وأن يوجد بعض العازفين ممن يهتمون بالتأليف. هنا علي أن أذكر بأن عازف اليوم هو ليس نفسه عازف الأمس. ففي الأمس كانت الحياة أسهل بكثير من يومنا هذا مما يستدعي العازف اليوم لأن يقوم بالعزف في هذه الفرقة وبعد أن يفرغ يذهب ليعزف في فرقة أخرى ثم إلى حفلة وثم يذهب لينام ليستيقظ في اليوم الثاني ويذهب لكي يعطي دروساً في المعهد أو المدرسة التي يعمل بها، ما معناه أن أغلب العازفين لا يجدون الوقت للتأليف.
فاضل: كيف يتأثر التأليف بالآلة؟ هل عازف الكمان تأليفه يختلف جذرياً عن عازف العود او المغني مثلا؟
بالنسبة للتأليف الموسيقي، فهو يتطلب أولاً دراية كافية بآلة البيانو. لكن اليوم و بوجود الكومبيوتر، يستطيع البعض ممن لديهم دراية كافية بأصول وقواعد التأليف الموسيقي استخدام الكومبيوتر مباشرة. أما بالنسبة لتأثير الآلة بالتأليف الموسيقي فهذا شيء أكيد حيث أن عازف الكمان حينما يكتب للأوركسترا نجد أنه يجيد الكتابة لآلات الكمان والفيولا وحتى الشيللو والكونتراباص وليس هو مثل عازف الفلوت على سبيل المثال. وبالعكس، فعازف الترومبيت مثلا لو ألف للأوركسترا نجده يجيد الكتابة لآلات النفخ النحاسية وربما لو لم يكن قد درس قواعد الكتابة للأوركسترا بشكل جيد لكانت كتابته للآلات الوترية على سبيل المثال ليست بنفس المستوى. وهذا هو السبب الذي نجد أن أعمال بعض المؤلفين تصعب على بعض الآلات. فمثلا تشايكوفسكي، لم يكن يعزف الكمان، لذا نجد أن كتابته لهذه الآلة صعبة بسبب عدم درايته بتكنيك الآلة وهذا هو السبب الذي يجعل كونشيرتو تشايكوفسكي هو أحد أصعب الكونشيرتات التي كتبت للكمان لأن تشايكوفسكي كان يكتب كما يأتيه الإلهام وبدون التفكير بتكنيك الآلة أي أنه يكتب موسيقى بحتة. وبعكسه مثلا موتسارت وبيتهوفن، حيث نجد أن كتابتهما للآلات الوترية تعتبر وكأنها مركبة على تلك الآلات، و سبب ذلك يعود إلى أن كلا منهما كان يعزف الكمان. هنا علي أن أنوه إلى أن الكثير من المؤلفين مثل تشايكوفسكي وغيره الذين لا يعزفون الكمان على سبيل المثال، يستشيرون أصدقاءاً لهم عن تكنيك الآلة.

أنا حينما أكتب عملا للأوركسترا وأضع فيه آلة لم أستخدمها من قبل، كأن تكون آلة الكورانجلي، عادةً ما أستشير أحد أصدقائي الذين يعزفون الأوبوا، وكثيراً ما أرسل لهم النوتة لكي آخذ برأيهم كسؤالي مثلا: هل أن ذلك ممكن للآلة أم لا أو أن أسأل موسيقياً يحمل خبرة أكبر من خبرتي. ذات مرة كتبت عملا كبيراً للأوركسترا وكنت أكتب لأوركسترا كبير نسبيا. لم أكن أعرف المشاكل التي يعاني منها عازفوا الترومبيت، وسألت بعضاً من معارفي الذين يعزفون الترومبيت الجاز وقالوا لي بأن ذلك ممكن بل وعادي جداً. وحينما كتبت العمل وأرسلته بواسطة الإنترنيت لكي يعزف من قبل الأوركسترا أرسلوا لي عازفي الترومبيت رسائل يطلبون مني أن أغير بعض الأماكن مما كتبته لأنه صعب عليهم. لم تكن المرة الأولى التي أكتب فيها للترومبيت حيث أنني كنت أكتب كثيراً لهذه الآلة في أوركسترا الإذاعة في بغداد حيث كان لدينا عازفا ترومبيت وكنت أستشير أكبرهما عن كيفية الكتابة لهذه الآلة لكنني في هذه المرة، أحببت أن أكتب أشياءاً أصعب مما كنت معتاداً على كتابته سابقاً. لقد كان السبب أن عازفوا الجاز زودوني بتلك المعلومات وفي الحقيقة فإن عازف الجاز يختلف تكنيكيا عن عازف الأوركسترا.

فاضل: هل معاهد اليوم وطرق تدريس اليوم قتلت المواهب في التأليف والاحساس وبناء الشخصية؟
معاهد اليوم هي امتداد لمعاهد الأمس. لا يمكن للدراسة أن تقتل إحساس العازف و لكن العازف هو من يحاول أن يبني شخصيته ومن الممكن أن يكون ذلك بمساعدة الأستاذ أحياناً. على الأستاذ أن يقوم بتدريس الطالب الطريقة الصحيحة وبعد ذلك على الموسيقي بعد أن يصبح محترفاً، أن يجد طريقه.
فاضل: ما هي المعاهد الشهيرة في تعليم الكمان التي تعرف وتنصح بها؟
توجد الكثير من المعاهد أو الطرق الرصينة في العالم، و لكن في رأيي ورأي الكثيرين، أن أفضلها للآلات الوترية هي المدرسة الروسية.
فاضل: ما هي الكتب التي تنصح الطلاب في التدرج فيها غربياً وشرقياً أو لنقل للعازف الشرقي وهل هي متوفرة؟
لا أستطيع أن أنصح الطلاب؛ لأن لكل طالب مدرس ولكل مدرس خبرته وطريقته وينعكس على اختياره للكتب وللميتودات. لكن على العموم، هناك خط مشترك أو لنقل متقارب. بعد المراحل الأولية، على المدرس أن يؤهل ذلك الطالب ليصل للمستوى الذي يستطيع عزف مسـتوى كرويتزر ، سـوف أسـتخدم كلمة "دراسـة" وهي الترجــمة لكلـمة (Etude) وهي الكلمة المرادفة لـ (Study)، وكلمة كابريس (Caprice) والتي تعني لغويا نزوة. هناك الكثير من الكتب التي تمهد للوصول لمستوى كرويتزر منها هانز سيت (Hans Sitt Op. 32)، و هو عبار عن مائة دراسة وتمرين. و هناك كتاب كايزر وهو يحتوي على 36 دراسة أو تمرين (Op. 20 Kayser) و كتاب دونت ( Dont Op. 37) والذي يحتوي على 24 دراسة تمهيدية لكرويتزر. و هناك كتاب مازاس (Mazas). كل هذه كتب قديمة التأليف. و توجد كتب جيدة جداً وهي حديثة وهي تسير على نفس الخط مع هذه الكتب القديمة.

بعد ذلك تأتي مرحلــة كرويتـزر ، وفي هذه المرحلــة يسـتخدم بالطبع كتـاب كرويتــزر الذي يحتــوي على 42 دراسـة (Kreutzer) والذي يعتبر الأهم في عالم الكمان. و هناك كتاب فيوريللو (Fiorillo) ويحتوي على 36 دراسة ودونت (Dont Op. 35) والذي يحوي على 24 دراسة و كتاب رود (Rode) و الذي يحتوي على 24 دراسة متقدمة. وهناك الكثير غيرها. وأثناء ذلك يأتي الدور للدخول لمرحلة كابريسات باجانيني (Paganini) وفينيافسكي (Wieniawski) وفيتامبس وغيرهما. لكن الأشهر في هذه المرحلة وهي تعتبر الأكثر شهرة هو كابريسات باجانيني.

في كل مرحلة يجب أن ترافق الدراسات أشياء أخرى، و هي السلالم بمراحلها وأشكالها المتنوعة من أشكال الأقواس إلى الأشكال الأخرى مثل الثالثات والسادسات والأوكتافات والأوكتافات بالاصابع والفلاجيوليت وأخيراً دوبل فلاجيوليت. أشهر كتاب للسلالم هو كتاب كارل فليش (Carl Flesch)، لكن توجد كتب غير هذا الكتاب. ويرافق كل ذلك عزف المقطوعات من كونشيرتات وسوناتات و مقطوعات مكتوبة للآلة وكل ذلك متروك بحسب مدرسة وخبرة المدرس. لا يمكن لأي طالب كمان في المرحلة المتقدمة والتي هي مرحلة كرويتزر وما بعدها، إلا وأن يعزف سوناتات وبارتيتات باخ الستة الشهيرة. هنا، علي أن أنوه لمدرسة شهيرة وهامة جداً وهي المدرسة الجيكية، وهذه المدرسة تستخدم سلسلة كتب لمؤلف الكمان الجيكي المعروف سيفجك أو شيفتشيك (Sevcik) أو كما في اللغة الجيكوسلوفاكية (Ševčík). ويوجد الكثير من المدرسين ممن يستخدمون بعض التمارين من هذه السلسلة الهامة جداً. هنا بعد كل هذا الكلام، عليّ أن أنوه إلى أنهم يستخدمون أغلب هذه الكتب لآلة الفيولا بعد تحويل المفتاح لمفتاح دو. وحتى بعضاً منها تستخدم لآلة الشيللو و سيفجيك وباجانيني يعزفان. في آلة الشيللو، تعزف من كابريسات باجانيني وعلى الأخص الكابريس الأخير رقم 24 وهو الأشهر. هنا علي أن أشير إلى أنه حينما يدرس طالب في كتاب معين مثل كايزر، فليس عليه أن يعزف الكتاب بأكمله، بل على المدرس أن يختار الدراسات التي تعالج المشاكل التي يعاني منها الطالب.

هذا هو فيديو لهايفتز يعزف كابريس رقم 24 لباجانيني:


وهذا نفس الكابريس بعزف يويوما وهو أكبر عازف شيللو في عصرنا

وهذا نفس الكابريس على الكونتراباص:

وهذه طفلة بعمر خمس سنوات تعزف هذا الكابريس:

وهذا فيديو لأحد الكابريسات وهو بعزف أشهر العازفين في العالم بيرلمان وزوكرمان


وهذا أحد أعمال فينيافسكي من أداء هذه الطفلة الرائعة:

وهذا كرويتزر الدراسة رقم 13 لكن على آلة الفيولا:

وهذا أيضا كرويتزر الدراسة رقم 42 من عزف هذه الشابة الصغيرة

وهذه الدراسة رقم 28 من كتاب فيوريللو من هذا الطفل الرائع:

وهذه الدراسة رقم 24 من كتاب رود:

وهذه الدراسة رقم 24 من كتاب كايزر:

وهذا أحد تمارين كتاب دونت الذي يسبق كرويتزر:

وهذا أحد تمارين سلسلة كتب المؤلف الجيكي سيفجيك:

الحوار متواصل
::. فاضل التركي

الاثنين، 26 أبريل 2010

حوار الموسيقى و الكمنجة مع الأستاذ الفنان احمد الجوادي 1

نلتقي اليوم في حوار غنيّ شائق، عن الموسيقى، شرقية وغربية، وعن الكمنجة والكتب وأساليب التعلم والصعوبات وعوالم شائقة في عالم رحب عذب؛ حوار مع أستاذ ومعلم بارع، عازف ومؤلف ومتبحر ذو خبرة طويلة؛ نلتقي الفنان أحمد الجوادي. نبدأ بالسيرة المختصرة، ثم نتابع بالأسئلة ونحاول أن نغني الحوار بمواد موسيقية وتسجيلات و روابط تمتع القارئ المهتم والمختص.

سيرة مختصرة
الاستاذ الفنان أحمد الجوادي، من مواليد الموصل عام 1952. درس الكمان في انقرة لسنة واحدة ودرس الموسيقى في كونسرفتوار القاهرة في الفترة من 1972 حتى 1977. عزف مع اشهر الفرق العربية كفرقة النيل وفرقة التخت العربي وفرقة هاني مهنا وفرقة الكونسرفتوار السمفوني. اشتغل مع كثير من المطربين الكبار والمؤلفين والمغنين من مثل موسيقار الأجيال الاستاذ محمد عبدالوهاب و بليغ حمدي وكمال الطويل وشادية وسعاد حسني وهدى سلطان ومحمد عبده.وغيرهم الكثيرين.

عمل استاذاً في معهد الفنون الجميلة في العراق في الفترة بين 1977 و 1991 و استاذاً في مدرسة الموسيقى والباليه في بغداد بين 1980 و 1983.
وعمل أستاذا في المعهد الوطني للموسيقى في عمان/ الأردن التابع لمؤسسة الملكة نور الحسين، وترأس قسم الصولفيج وبعدها ترأس قسم المساقات المساندة 1992 و 2001. ودرّس في الأكاديمية الأردنية للموسيقى في عمان بين 1991 و 2001.
عمل مدرساً للكمان الشرقي في أكاديمية الموسيقى في غوتنبرغ بين 2004 و 2005.

عمل عازفاً للكمان في الفرقة السمفونية العراقية بين 1977 و 1983. وقاد فرقة الراديو والتلفزيون العراقي بين 1977 و 1988. قاد الفرقة العربية في كونسرفتوار الموسيقى الوطنية وكان عازف الكمان الثاني في الاوركسترا.
عمل مع فرق سويدية كثيرة و فرق كفرقة سومر والأندلس وفرقة كابيلا كورديالس منذ 2001 حتى اليوم.

وزع العشرات من الأغاني للإذاعة والتلفزيون العراقي بين 1978-1988 ووزع الكثير من الأعمال للأوركسترا التابع للمعهد الوطني للموسيقى في عمان بين 1991-2001.
ألف العديد من الأعمال الأوركسترالية مثل "بغداد في ألألم" و "علي بابا" و "نغمة حب" و "بابل" و "رقصة الأناضول" وأعمالا لمجاميع أخرى مثل و سماعي حجاز وغيرها. تم عزف كثير من هذه الأعمال في السويد وخارجها.
قدم الكثير من المحاضرات وورش العمل عن الموسيقى الشرقية في السويد وشارك في الكثير من المهرجانات في ألمانيا الغربية وايطاليا ويوغسلافيا ومهرجان قرطاج في تونس وجرش في الأردن ومهرجان اوزباكستان العالمي ومهرجان الموسيقى العربية في دار الأوبرا في القاهرة واسبوع العراق في لندن و مهرجانات أخرى في السويد.

يمكن زيارة هذه المواقع للتمتع بموسيقاه وانتاجه:
http://www.youtube.com/ahmadjawadi
http://www.myspace.com/ahmadjawadi

لنبدأ الحوار في تعلم وتعليم الكمان (الكمنجة)، بين الشرقي والغربي ونظريات الموسيقى بين الاختلاف والاتفاق.
فاضل: عندما نلقي نظرة على مناهج تدريس الكمان عند المجتمع الغربي، نجد فصيلتين من المناهج. المناهج الحديثة المبسطة التي يستهدف منها شريحة كبيرة من المتعلمين صغاراً وكباراً مثل سلسلة سوزوكي الشهيرة وغيرها و على الناصية الأخرى نجد مناهج المدرسين القدامى ومن هم على نهجهم. كيف ترى المناهج الشرقية والعربية في تعليم الكمان من هذا المنظور؟
أحمد: بالنسبة للمدارس الحديثة والمنتشرة في الولايات المتحدة، وهي تعتبر امتداد لسوزوكي، فإن هدف هذه المدارس هو أن يصار إلى تدريس الكمان أو الآلات الوترية لعدد كبير من الطلاب؛ غالبُ هذه المدارس تبدأ بدون استخدام الأصبع الرابع حيث سيتم التركيز عليه فيما بعد. و غرض هذه الطريقة أو الطرق أو المدارس هو مادي، أي لكسب أكبر عدد ممكن من الطلاب ليعزفوا الكمان، بعد ذلك يتم إكمال المشوار بالطرق العادية.

توجد مدارس أخرى مثل المدرسة الروسية. وتعتبر الروسية هي الأفضل في العالم ولكنها مدرسة جادة جداً مما يمكن أن يتسبب في أن يترك الطالب الآلة لو لم يكن يحبها جداً. في رأيي أنه الآن ونحن في عصر آخر، يفضل أن يبدأ الطالب على هذه المدارس الحديثة وبعد ذلك يكمل المدرس تدريس الطالب بواسطة المدارس الأخرى مثل المدرسة الروسية أو الفرنسية أو غيرهما. هنا علي أن أنوه بأننا حينما نقول بالمدرسة الروسية، فإننا نقصد دول الاتحاد السوفيتي سابقا حيث أن كل الدول التي انبثقت من الاتحاد السوفيتي لازالت تستخدم المدرسة الروسية لحد الآن مثل أذربيجان وأرمينيا وغيرهما. وكثير من الموسيقيين ذوي المستوى العالي الذين هاجروا إما إلى الولايات المتحدة أو إلى كندا أو استراليا أو حتى بعض الدول الأوروبية؛ هؤلاء كلهم يحملون معهم المدرسة أو الطريقة الروسية.
فاضل: هل هناك منهج شرقي أو عربي لتعليم الكمان كامل من البدايات يتسلسل ويقدم بالتوازي، التمارينَ والمقاماتِ والتقنياتِ – التكنينك - أسوةً بالمناهج الغربية؟
أحمد: لا أعرف بمثل هكذا برامج. ربما توجد بعض المحاولات هنا وهناك لكن الموضوع أكبر من أن يكون محاولات فردية لأن الميتود الغربي الذي يُعمل به في كل أنحاء العالم والذي يبدأ الطالب فيه من مرحلة الصفر إلى أن يصل مراحل عالية متقدمة (حسب كفاءة الطالب)، هذه الميتودات عُمُرٌ: قسم منها يصل إلى مئات من السنين وتوجد ميتودات حديثة أيضاً، أي أنه ما بعد مرحلة البداية توجد الكثير من الكتب أو المدارس لكل مرحلة وكل كتاب يعالج فيه المؤلف مشاكل معينة. فالمدرِّسُ عادة يعطي لطلابه تمارين من عدة كتب وليس من كتاب واحد. أغلب كتب الميتودات تعالج أغلب المشاكل التقنية للآلة. أنى نحن من ذلك؟ نحن نحتاج لوقت طويل جدا ولمجهود عدد كبير من الموسيقيين الأكفاء والذين يحملون خلفية عالية في كل من الموسيقى الشرقية والغربية لكي نصل للمرحلة التي يبدأ فيها الطالب من الصفر وإلى أن يصل إلى أن يصبح محترفا بدرجة عالية وذلك بالاعتماد على الكتب العربية، أجزم بأن ذلك في الوقت الحاضر هو غير ممكن.
فاضل: كيف تقيّم كتب ومناهج تعليم الكمان المتوفرة مثل كتاب أميل غصن وكتاب توفيق الصباغ وكتاب يسري قطر والآخرين؟ هل من أمثلة مهمة وهل يمكن أن تستعرض لنا ولو باختصار ما هو متوفر وشيئا من التقييم؟
أحمد: مع الأسف لم أتعرف على كتاب الأستاذ إميل غصن، لكنني أعرف عن كتاب الموسيقار توفيق الصباغ و كتاب الأستاذ يسري قطر. والأستاذ يسري قطر كان أستاذي في معهد الكونسيرفتوار لمادة الموسيقى العربية. أنا أثني على كتاب الأستاذ يسري قطر لأنه قد حاول أن يستخدم التكنيك الغربي، حيث استخدم كتابة الأقواس واستخدام نقل المواقع في اليد اليسرى. كنتُ أعمل معه في فرقة التخت العربي حينما كنت طالباً في القاهرة وكان هو المايسترو. وقد كان هو يكتب الأقواس للفرقة لكي تكون موحدة، لكن فيما بعد، كنتُ أحيانا أكتب الأقواس للفرقة. هذه خطوة تعتبر نسبياً إلى الأمام (لكنني شخصيا لدي تحفظات على توحيد الأقواس في الموسيقى العربية والموضوع يطول شرحه).

فاضل: هناك من يتبنى فكرة تعلم الكمان الشرقي بدأ بالغربي ثم الانتقال بعدها للشرقي. هناك عدة وجهات نظر بعضها يتعلق بتعلم النوتة أو التعلم سماعياً وهلم جراً. ما هي الطريقة التي تراها مناسبة لتعلم الكمان؟
أحمد: أنا أحد هؤلاء الذين يتبنون هذه الفكرة بل أنصح بها وبشدة وذلك للأسباب التي ذكرتها أعلاه، لأن المشكلة الحقيقية كما أسلفت هي عدم توفر المادة التي تمكن المدرس والطالب من البدء من مرحلة الصفر وتتدرج إلى درجة الاحتراف. لكن هذا الشيء موجود في الميتود الغربي، هذا بالإضافة إلى أن عازف الكمان أو الشيللو الشرقي في أيامنا هذه سوف يحتاج كثيراً للتكنيك الغربي والذي بدونه لن يستطيع مواكبة العزف مع الفرق، حيثُ الآن يوجد التوزيع الموسيقي وكثيراً ما يكتب الموزع الموسيقي بعض ألأماكن الصعبة للآلة مما يتطلب دراية كافية في التكنيك الغربي. فكما نرى بأن الوضع الآن مختلف تماماً عن الوضع أيام كوكب الشرق السيدة أم كلثوم حيث كان الكثير من كبار العازفين ليست لديهم دراية بالتكنيك الغربي وقسم كبير منهم لا يستطيعون حتى قراءة النوتة الموسيقية، حتى أن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب كان كثيراً ما يعتمد على العازفين الذين يجيدون بل يحترفون الموسيقى الغربية. لنستمع إلى الكثير من أعماله مثل (أصبح الآن عندي بندقية، ولأ مش أنا الي أبكي) وغيرهما من الأغاني التي يستخدم فيها الأوركسترا السيمفوني. في أيامنا هذه، الموسيقي الذي لا يستطيع قراءة النوتة الموسيقية ولا يمتلك دراية بالتكينك الغربي ليس له مكان بين الفرق الموسيقية إذ أنه في يومنا هذا يدخل العازف إلى الاستوديو وينجز أغنية في وقت قصير بدون أن يعرفها مسبقاً (وربما حتى لا يعرف من هو الملحن أو من الذي سيغني هذه الأغنية). كذلك الحال في الحفلات، حيث يتطلب من العازف أن يعزف برنامجا كبيراً وعددا كبيراً من الأغاني في أقل عدد ممكن من البروفات وليس الحال كما في الأمس حيث كانوا يُجرون بروفات لعدة أسابيع لكي يعزفوا أغنية واحدة. أما عن تعلم الآلة بدون النوتة الموسيقية، فهنا نعود إلى المدارس أو الميتودات الحديثة مثل ميتود شيللا جونسون أو ميتود رولاند وهو ميتود أمريكي شهير. ولأننا في عصر المادة، أي أن هناك الكثير من المعاهد الموسيقية تدعم نفسها بنفسها مادياً، حيث لا يوجد دعم مادي من الحكومة، ولو وجد فيكون محدوداً ولا يمكن أن يغطي تكلفة المدرسين، في مثل هذه المدارس أو الطرق، تبدأ الدروس بدون استخدام النوتة الموسيقية المعهودة حيث تستخدم بدلا من ذلك أرقام الأوتار أو ترسم الأوتار مع أرقام الأصابع، وبعد أن يبدأ الطالب في العزف يبدأ بإعادة نفس المقطوعات أو الأعمال التي عزفها سابقاً بدون النوتة لكن هذه المرة مع النوتة الموسيقية. هذه الطريقة متبعة أيضا في ميتود سوزوكي واسع الانتشار. أما في بلادنا العربية وبعض البلاد الشرقية مثل تركيا، فهناك الكثيرين ممن يتعلمون العزف بشكل سماعي وبعد ذلك يتجهون أو أحيانا يضطرون لتعلم النوتة الموسيقية و يكون ذلك على يد أستاذ أو في معهد موسيقي (بحسب البلد وبحسب ظروف الطالب ربما حتى المادية).
فاضل: هل هناك سلم تعليمي يتدرج فيه المتعلم في تعلم آلة الكمان الشرقي، وما هي درجاته على التوالي أو التوازي. أقصد هل هناك عدة تمارين أو دروس يتبعها المتعلم بالتوازي وهل هناك تمارين ودروس يتبعها بعد أن ينتهي من سابقٍ من التمارين والدروس؟ أرجو التفصيل.
أحمد: في بعض المعاهد مثل معهد الموسيقى العربية في القاهرة، يكون لكل طالب كمان مدرسين، مدرس يقوم بتدريس الطالب الكمان والتكنيك الغربي ومدرس آخر يقوم بتدريس الطالب الكمان الشرقي. نحن يجب أن لا نستهين أبداً بالكمان الشرقي حيث أنهم في الغرب يطلقون على عزف الأسلوب الشرقي اسم "تكنيك شرقي"، أي عزف الكمان بالطريقة الشرقية، بينما هو يعتبر تكنيك خاص وهو ليس سهلا أبدا بل هو غاية في الصعوبة و لكن ربما نحن لا نجده بتلك الصعوبة لأنها موسيقانا ونعزفها بشكل تلقائي و لأننا نستطيع تحسسها بسهولة فهي لغتنا. أنا شخصيا كنت قد قمت بتدريس الكمان الشرقي أحيانا لبعض الطلاب لكن هؤلاء الطلاب لم يكونوا مبتدئين أبدا بل كانوا في مرحلة الاحتراف، أي أنهم عازفون محترفون وقسم منهم معروف.
فاضل: هناك عدة صيغ للموسيقى النظرية الشرقية أو العربية، تتراوح بين طريقة الاستاذ سامي الشوا في كتابه "القواعد الفنية للموسيقى الشرقية والغربية" وبين تلك التي تحاول تبسيط نظريات ومفاهيم الموسيقى مثل كتاب الاستاذ سليم الحلو مثلا. وهناك نظريات قدمها أساتذة كبار من أمثال عبدالحميد مشعل و الدكتور صالح المهدي. هذا يؤدي الى اختلافات كثيرة في تعريف كل مقام على حدة حسب الجنس والعقد وشخصية المقام وسيره وسلمه سواء في اوكتاف من ثماني درجات أو على أساس 24 درجة مفصلا تفصيلا كاملاً. أين ترى نفسك من هذا الزخم؟
أحمد: أنا لم أطلع على أغلب هذه الكتب، لذا أفضل عدم الإدلاء برأيي عنها. لكنني اطلعت على كتب أخرى غيرها وشبيهة بها وأحب أن أقول بأن هناك فوضى عارمة في نظريات الموسيقى العربية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، توجد كتب تعتبر الدرجة السادسة في سلم البيات مرفوعة ثلاثة أرباع التون أثناء الصعود أي أنها سي نصف بيمول وفي الهبوط تكتب سي بيمول، بينما هناك كتب أخرى تعتبر أن النوتة السادسة مخفوظة صعودا وهبوطا، أي أنها سي بيمول في الصعود والهبوط. هناك الكثير من مثل هذه الفوضى. ما يؤسفني أن أقول بأن الكثير من الأساتذة الذين يعملون في حقل التنظير للموسيقى العربية لديهم مشاكل حقيقية وقسم منهم لديهم مشاكل كبيرة في النظريات العامة أو نظريات الموسيقى الغربية. يمكن أن يتساءل البعض: وما علاقة نظريات الموسيقى العربية بالغربية؟ ردي لمن يسأل مثل هذا السؤال هو: نحن نعتمد في كتابتنا للموسيقى العربية على النظريات العالمية ويجب علينا أن نحترم قواعد هذه النظريات وأن نتبعها وأن لا نحاول تخطي قواعدها وقوانينها. الكثير من الموسيقيين وقسم كبير منهم من المحترفين يرتكبون أخطاءً كثيرة أثناء التدوين. مثل هؤلاء هم أنفسهم من ينظر للموسيقى العربية. الكثير من الموسيقيين مع شديد الأسف يرتكبون أخطاء نظرية لا تغتفر ويستخدمون مصطلحات ما أنزل الله بها من سلطان و لا يمكن أن تجد مثل هكذا مصطلحات في أي كتاب للنظريات. وحينما تواجه هؤلاء الموسيقيين بهذه الأخطاء يردون عليك بأنها موسيقى عربية، و بمعنى آخر، علينا أن لا نرمي بكل أخطائنا على شماعة الموسيقى العربية. بل ويتبجح بعض الموسيقيين بأنهم قد اخترعوا المرجع الكبير على سبيل المثال ومثل هكذا رمز من المستحيل أن تجدها في أي عمل غربي. أنا أقول لمثل هؤلاء الذين يتبجحون بمثل هكذا أمور: بما أنكم تستطيعون الاختراع بهذه البراعة، إذاً لماذا لا تخترعون لأنفسكم طريقة للتدوين الموسيقي؟ حينها لن يعترض أي موسيقي على ما تكتبون.

نبقى مع بعض المعزوفات على كمنجة الأستاذ:
يا زهرة في خيالي: فريد الأطرش

لونجا نهاوند

علي بابا
و الحوار متواصل ...
::. فاضل التركي