- وٌلد الهدى - مقام راست
- سـلوا قلبي - مقام راست
- نهج البردة - مقام هـزام
ظهرت في تلك القصائد روح جديدة في الأغنية العربية تميزت بالأصالة والجدية والتجديد، ونالت إعجاب المستمع العربي في كل مكان ، هنا أصبح رياض ملحنا كبيرا بحق وشتان بين ما قدمه في هذه القصائد وما قدمه قبل ذلك
وقد أضاف شعر شوقي بعدا جديدا هو الجمهور العربي خارج مصر الذي تعلق بالقصيدة العربية. ولا ننسى هنا أن الأفق العربي كان قد ارتاده محمد عبد الوهاب ملحنا ومطربا بقصائد شوقي وغيره ، والتنافس بين قمتي الغناء عبد الوهاب وأم كلثوم يحتم عليهما ارتياد نفس الساحات والميادين
ولا شك أن نتيجة هذا التنافس كانت في صالح الفن عموما كما أنها أثرت الوجدان العربي بما كان يتوق إلى التعبير عنه بعد عهود طويلة من سيادة الثقافات الغريــبة.
وكما يقال فإن الشعر يظل حبيس الكتب إلى أن يغنى فيعرفه من يقرأ ومن لا يقرأ. فإذا علمنا أن أكثر من 90% من الشعوب العربية كانوا أميين ندرك أهمية ما فعله الفنانون سواء ملحنون أم مطربون في نشر الثقافة العربية ومساعدتها على تملك الشعور العام
وهكذا فإن دور السنباطي في هذا المجال لا يقل عن دور محمد عبد الوهاب تلميذ شوقي ووسيلته الإعلامية الأولى. ولا يقل دور الاثنين ، وأم كلثوم أيضا ، عن دور شوقي نفسه وبقية الشعراء الكبار الذين أثروا عصر النهضة بأشعارهم. وكان عبد الوهاب لا يكتفي بإنشاد قصائد مثل دمشق وفلسطين وإنما كان يجوب البلاد العربية بنفسه ويشارك الأمة كلها في إعلاء ثقافتها؟
قبل ذلك الحين لم يكن هناك فن حديث يذكر في أي من بلاد العرب ، ولم يبق لدى الناس غير بعض الفن الشعبي المحلي بلهجات غارقة في المحلية ، وبعض الموشحات الأندلسية القديمة في الشام والمغرب ، أما العراق فقد تاثرت فنونه إلى حد بالغ بالفن التركي والفارسي ولم يبق من عروبة أنغامها الكثير
وإنه لعجب حقيقى أن مثل هذا الدور يقوم به أفراد ، مهما بلغوا من شأن فهم أفراد لا يمثلون كيانا سياسيا ولا حكومات ولا منظمات ولا حتى جمعيات أهلية أو أجهزة إعلام ، فقط أفراد لكنهم تمتعوا بحس عربي عال وجعلوا الموسيقى العربية تحمل لواء نهضة ثقافية يشك في بلوغها دونها
وربما من المناسب هنا أن نذكر أنفسنا بأن محاولات طمس الفنون هي محاولات رجعية لا ينتج عنها سوى الجهل والتخلف والتبعية للغير تركياً كان أم أمريكياَ ، وليس لها من فضل سوى طمس هويات الشعوب ودفن وجدانها تحت أقدام الهيمنة الخارجية فيصبح أفرادها أمواتا وإن أكلوا وشربوا وتنفسوا ، أو عبيدا للغير في أحسن الأحوال!
لنستمع إلى قصائد السنباطي الكبرى لأم كلثوم والتي أثبت بها أنه الملحن الموهوب الذي يستطيع تطويع الشعر العربي للحن والموسيقى بحيث يردده الناس وكأنهم يستخدمون لهجاتهم اليومية!
عام القصائد الكبرى
كان 1946عاما مميزا لأم كلثوم قدمت فيه هذه القصائد لأمير الشعراء أحمد شوقي بألحان رياض السنباطي فاعتلت بها قمة جديدة، ليس في الغناء الشرقى فقط بل في تقديم نفسها كشخصية ثقافية مؤثرة في العالم العربي ، فقد كانت أصداء شعر شوقي تعبر مسافات كبيرة في الجغرافيا والتاريخ بسرعة الصوت على موجة صوت أم كلثوم الشجي فتدخل القلوب وتهز المشاعر
فقصيدة نهج البردة هي على نمط قصيدة البردة التاريخية للإمام البوصيري في مدح الرسول الكريم ، وقصيدة ولد الهدى تتحدث في نفس الموضوع، أما سلوا قلبي فتتحدث عن المجد العربي الإسلامي بكل فخر واعتزاز، كما أنها تدعو للصبر عند الشدائد وتحفز الهمم لاعتلاء قمم المجد القديم وتعزز من شعور الناس بقوميتهم.
ولا شك أن هذه الأفكار قد تلقاها الناس بكل ترحاب بل ساعدتهم على إذكاء روح الانتماء إلى الشخصية العربية الأصيلة ذات الجذور التاريخية العميقة وذات التأثير في تاريخ العالم كله ، وذلك في وقت سادت فيه القوى الأجنبية التي احتلت معظم أنحاء العالم العربي وحاولت في بعض أجزائه محو الهوية العربية تماما
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق