لعلنا نتساءل ما الذي يجذبنا الآن إلى لحن وضع عام 1941 بعد عشرات السنين؟
الإجابة لن تكون إجابة واحدة فهناك أسباب عديدة لهذا النجاح أهمها اللحن الأصيل.
والأصالة هنا تعني أنك تستمع إلى شيء يشعرك أنك تقف أمام المرآة فترى نفسك ، إنه ينقلك إلى عالم الذات الداخلية ، لا تشعر أنك أمام شيء غريب عنك بل تتحقق منتهى الألفة من أول لحظة حتى ينتهى اللحن. وهي ألفة مع نفسك ومع الآخرين ، ومع روح الشرق وسمائه الصافية ولياليه ونجومه ، باختصار تشعر أنك تنتمي إلى هذه الموسيقى أو أنها تنتمي إليك.
ثم يمكنك إعادة الاستماع إليها مرات ومرات دون ملل ، بل إنك في بعض المقاطع قد تصيح معجبا.. الله .. وقد يتكرر نفس الشعور في كل مرة.
ثم هناك الإحساس بأنك أمام شيء فخم ، في تمام هندسته وروعة بنائه ، وأنك أمام شيء جميل تحرص على اقتنائه إذا استطعت
رق الحبيب - مقام نهاوند - غناء أم كلثوم
كلمات أحمد رامي - ألحان محمد القصبجي
أذكر صديقا لي وكان طبيبا شابا جاء إلي منزلي ذات مساء فسمع أم كلثوم تغني رق الحبيب. كان ذلك الطبيب من هواة الموسيقى الغربية الأمريكية ، وكان يحفظ عن ظهر قلب كما كبيرا من أغاني البوب ، ليس لحنا فقط بل وكلمات أيضا. جاء وهو يردد إحدى تلك الأغاني منتشيا ، ثم عند سماعه صوت أم كلثوم صمت فجأة وكأنه نسي ما كان يردده ، بل نسي ما جاء من أجله.
وعندما انتهت من مقطع معين طلب مني إعادة ذلك المقطع. ولما كنت مشغولا ذهب بنفسه إلى جهاز التسجيل وأداره ليعيد سماعه ، فلما انتهى أعاد سماعه مرة أخرى ، وبعد عدة مرات أراد أن يلفت انتباهي لما أعجبه فقال: "اسمع" ، وكنت مستمعا بالطبع لكنه كرر "اسمع كيف تغني أم كلثوم .. من فرحتي بدي اتكلم .. قلت: "ماذا أعجبك بالذات" قال: "إن الكلمات تكاد ترقص من الفرحة .. وما أستعجب له كيفية الانتقال إلى التعبير عن تلك الكلمات في لحظة" ، ثم أعاد الاستماع مرة أخرى وهو في أشد العجب.
وعندما انتهت من مقطع معين طلب مني إعادة ذلك المقطع. ولما كنت مشغولا ذهب بنفسه إلى جهاز التسجيل وأداره ليعيد سماعه ، فلما انتهى أعاد سماعه مرة أخرى ، وبعد عدة مرات أراد أن يلفت انتباهي لما أعجبه فقال: "اسمع" ، وكنت مستمعا بالطبع لكنه كرر "اسمع كيف تغني أم كلثوم .. من فرحتي بدي اتكلم .. قلت: "ماذا أعجبك بالذات" قال: "إن الكلمات تكاد ترقص من الفرحة .. وما أستعجب له كيفية الانتقال إلى التعبير عن تلك الكلمات في لحظة" ، ثم أعاد الاستماع مرة أخرى وهو في أشد العجب.
وتفسير ذلك الموقف في اللحن أن الملحن انتقل من جو السرد في البيتين السابقين
وفضلت افكر في ميعادي واحسب لقربه ألف حساب
وكان كلامي مع اصحابي عن المحبـــة والأحبــــاب
إلى التعبير في البيت التالي
وكان كلامي مع اصحابي عن المحبـــة والأحبــــاب
إلى التعبير في البيت التالي
من فرحتي بدي اتكلــــــم واقول حبيبي مواعــــدني
وقد استعمل في ذلك ما يعرف موسيقيا بالإقلاب ، أي أنه قد قلب الإيقاع مع تعليق أساس الوحدة الزمنية حتى بعد بداية المازورة الأولى. ورغم أن حركة الإقلاب تبدو مفاجئة إلا أنه مهد لها بتغيير إيقاع الفوكس الموحي بحالة السرد في البيت الأول إلى الوحدة الشرقية العادية في البيت الثاني ثم استخدم الإقلاب مع بداية البيت الثالث لإظهار جمال الإيقاع المعبر عن البهجة والفرحة ، وأضاف إلى ذلك تغيير في النغمة بالعودة إلى درجات مقام الراست الشرقي فأكمل الصورة التعبيرية.
وهذه التغييرات في زمن يقدر باللحظات تدل على تمكن الملحن التام من أدواته كما تدل على معايشته الكلمات والمواقف معايشة دقيقة واستغراقه التام في التعبير حتى يصل إلى أفضل صورة يتحقق بها التواصل مع وجدان المستمع
بعدها بأيام زارني صديق آخر عرف عنه ولعه الشديد بالموسيقى الكلاسيكية الغربية. ورغم أنها موسيقى صعبة الحفظ إلا أنه كان يتعرف على ما يسمعه غالبا ، فإن لم يكن باسم المقطوعة فعلى الأقل اسم مؤلفها. فسمع حينئذ مقطعا موسيقيا من أغنية رق الحبيب فصاح " تشايكوفسكى" .. وضحكت بالطبع فلم يكن مؤلفها غير محمد القصبجي ، والمقطع هو عزف آلات التشيلو الغربية منفردة في هدوء تام وتأثير ساحر بعد إيقاع الفالس الطائر في البيتين "هجرت كل خليل ليّ .. إلى "من كتر خوفي على روحي" .. والقصبجي هو أول من أدخل آلة التشيلو إلى التخت الشرقي
وقد استعمل في ذلك ما يعرف موسيقيا بالإقلاب ، أي أنه قد قلب الإيقاع مع تعليق أساس الوحدة الزمنية حتى بعد بداية المازورة الأولى. ورغم أن حركة الإقلاب تبدو مفاجئة إلا أنه مهد لها بتغيير إيقاع الفوكس الموحي بحالة السرد في البيت الأول إلى الوحدة الشرقية العادية في البيت الثاني ثم استخدم الإقلاب مع بداية البيت الثالث لإظهار جمال الإيقاع المعبر عن البهجة والفرحة ، وأضاف إلى ذلك تغيير في النغمة بالعودة إلى درجات مقام الراست الشرقي فأكمل الصورة التعبيرية.
وهذه التغييرات في زمن يقدر باللحظات تدل على تمكن الملحن التام من أدواته كما تدل على معايشته الكلمات والمواقف معايشة دقيقة واستغراقه التام في التعبير حتى يصل إلى أفضل صورة يتحقق بها التواصل مع وجدان المستمع
بعدها بأيام زارني صديق آخر عرف عنه ولعه الشديد بالموسيقى الكلاسيكية الغربية. ورغم أنها موسيقى صعبة الحفظ إلا أنه كان يتعرف على ما يسمعه غالبا ، فإن لم يكن باسم المقطوعة فعلى الأقل اسم مؤلفها. فسمع حينئذ مقطعا موسيقيا من أغنية رق الحبيب فصاح " تشايكوفسكى" .. وضحكت بالطبع فلم يكن مؤلفها غير محمد القصبجي ، والمقطع هو عزف آلات التشيلو الغربية منفردة في هدوء تام وتأثير ساحر بعد إيقاع الفالس الطائر في البيتين "هجرت كل خليل ليّ .. إلى "من كتر خوفي على روحي" .. والقصبجي هو أول من أدخل آلة التشيلو إلى التخت الشرقي
وبالمناسبة فقد استوحى رياض السنباطي من هذا المقطع أحد مقاطع أغنيته " أقبـل الليل" لأم كلثوم أيضا عام 1969 بعد ربع قرن من رق الحبيب ، واستخدم له آلة الأورج. وهو الموسيقى بين " لقيا حبيب لحبيب" و" النوم ودع مقلتي" ، والتشابه شديد ببن المقطعين فلحناهما متقاربان ، وكلاهما جاء حرا دون إيقاع ، واستخدم في المقطعين أداء منفردا لآلة واحدة ، كما أنهما استغرقا نفس الزمن!
ولا عجب .. إنه محمد القصبجي
اصطلاحات:
المازورة: الوحدة الزمنية المكتوبة
الفوكس: إيقاع ثنائي سريع
الفالس: إيقاع ثلاثي
الوحدة العادية: إيقاع رباعي متوسط السرعة
التشيلو: آلة وترية تشبه الكمان لكنها أكبر حجما وتؤدي الأصوات المنخفضة
تشايكوفسكي: مؤلف كلاسيكي روسي من القرن التاسع عشر من مؤلفاته بحيرة البجع وكسارة البندق
i love aum kathom
ردحذف