المسرح الغنائي
نشأ المسرح الغنائي على يد سلامة حجازي وازدهر بأعمال كامل الخلعي وداود حسني وسيد درويش وزكريا أحمد
زاوج سلامة حجازى الشعر العربي بالمسرح الغربي بتقديمه المسرحيات العالمية مترجمة ومعربة وموضوعات عربية الأصل في شكل درامي غربي بألحان شرقية خالصة ، واستمر هذا الاتجاه في مسرحيات بألحان الملحنين المخضرمين داود حسني وكامل الخلعي ، إلا أن سيد درويش لم يرق له الاستمرار في تقديم ألحان تقليدية في هذا المسرح
.
لحن مسرحي - مقام حجازكار - كلمات بديع خيرى
أوبريت العشرة الطيبة 1920 - تأليف محمد تيمور
.
قدم سلامة حجازي ألحان سيد درويش إلى الجمهور في مسرحية فيروز شاه من إخراج جورج أبيض عام 1917 ، لم تكن هذه المرة الأولى التى قدمه فيها فقد سبق له تقديمه عام 1914 مغنيا بين الفصول. كان سيد درويش وقتها يلحن الأدوار والموشحات على الطريقة القديمة لكنه بدأ في تلحين بعض الطقاطيق التي ذاعت بين الجمهور رغم انعدام وسائل الإعلام مثل زوروني كل سنة مرة ، ومنها ألحان استخدم فيه تيمات شعبية التقطها بذكاء من ألسنة الباعة والفئات الشعبية
على أنه يجب ملاحظة أن المسرح الغنائي نفسه قد تطور مرورا بنفس هاتين المرحلتين ، على سبيل المثال فإن مسرح سلامة حجازي وهو من فئة المشايخ لم يخرج بالموسيقى عن الأسلوب القديم ، وبينما نشط كل من كامل الخلعي وداود حسني في المسرح الغنائي لم يخرجا بالموسيقى عن إطار التنغيم
نماذج من المسرح الغنائي
لننتقل الآن مباشرة إلى الاستماع لنماذج من فن المسرح الغنائي ولتكتمل الصورة يجب مقارنة ما قدمه المسرح بما كان يقدم قبله والذى عرضنا نماذج منه تحت عنوان فن المشايخ ومشايخ الفن
اخترت لكم هنا نموذجا يمثل كيف تطورت الموسيقى من التنغيم إلى التعبير وهو لحن والله طيب يا زمان لسيد درويش من ألحان أوبريت العشرة الطيبة
والله طيب يازمان - ألحان سيد درويش لحن مسرحي - مقام حجازكار - كلمات بديع خيرى
أوبريت العشرة الطيبة 1920 - تأليف محمد تيمور
بمقدم سيد درويش تغير كل شيء .. حلت المدرسة التعبيرية محل مدرسة التنغيم والطرب من أجل الطرب، وأصبحت الموسيقى هي المدخل للتعبير عن الكلمات والنصوص والجو العام لموضوع القصة المسرحية
كان يمكن لكامل الخلعي مثلا ، وهو أحد الأساتذة الكبار ، أن يقدم لحنا في إحدى الأوبريتات على إيقاع قديم شائع في الموشحات الأندلسية
لكن سيد درويش كان له رأي آخر ، فقد لحن بنفسه الموشحات لكنه أبقاها في إطارها كموشحات وكفن تراثي
كان يريد إيقاعا عصريا وألحان تصل إلى الناس التي فقدت صلتها بالموشحات ، الناس في الشوارع والمحلات والحقول والأحياء الشعبية دون حواجز معرفية تمنع تذوقهم واستيعابهم للموسيقى التي اقتصر الاحتفاء بها على صالونات النخب وحفلات القصور
هكذا فإن المسرح الغنائي مر بفترتين هما ما قبل وما بعد سيد درويش، أو بعبارة أخرى انتقل من عصر التنغيم إلى عصر التعبير
لنلاحظ عند الاستماع لنماذج من ألحان سيد درويش المسرحية كيف كانت الموسيقى أداة تعبير ، وكيف أن هذه الأعمال ليست أغان وإنما غناء مسرحي ، ولذلك نادرا ما يشار إلى عمل لسيد درويش بأغنية كذا وإنما بلحن كذا
وأكبر دليل على أن هذه الألحان ليست أغان مصنوعة بقصد التسلية أن النص فى أجزاء منها عبارة عن حوار بين أشخاص أو مجموعات يتحدثون بأسلوب كلامهم العادي وبلهجاتهم أيضا ، وفي البيت الواحد بل في ذات الشطرة أحيانا يأتى الحديث على لسان أكثر من شخص ، هذا الحوار المسرحي من أعقد ما يمكن تلحينه خاصة إذا اختلف الناطقون في شخصياتهم وخلفياتهم ولهجاتهم ، وهي تخدم النص والموضوع المسرحي بالدرجة الأولى ويعد تلحينها مخاطرة خاسرة في سوق الأغاني التجارية
د. أسامة عفيفى ، نتابع فى المقال القادم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق