العتبة الدائمة:
المقام في الموسيقى كما اللون في الرسم، و قد اعتاد الناس سماع هذا الاسم خصوصا في الموسيقى العربية التي هي موسيقى مقامية بامتياز، على عكس الغربية التي هي موسيقى هارمونية، لكن أغلب العرب لا يعرف معنى الكلمة ولا دلالتها، فيما سيتقدم سنعمل في كل مرة على تناول مقام من المقامات، و من وجهة نظر ذاتية محض،لأن المسألة متعلقة بالأحاسيس و ليس بالعلم، و سنسعى الوسع أن يكون التعريف مبتعدا عما هو تقني،لهذا سيصطبغ العرض بالانطباعي المحض،و غايتنا من هذا الجهد أن نرفع ،قدر الإمكان ، العجمة و نخلق بعض الألفة عمليا مع هذه "الكائنات الحية" القديمة، قدم الإنسان و الوجدان العربيين.
.
المقام في الموسيقى كما اللون في الرسم، و قد اعتاد الناس سماع هذا الاسم خصوصا في الموسيقى العربية التي هي موسيقى مقامية بامتياز، على عكس الغربية التي هي موسيقى هارمونية، لكن أغلب العرب لا يعرف معنى الكلمة ولا دلالتها، فيما سيتقدم سنعمل في كل مرة على تناول مقام من المقامات، و من وجهة نظر ذاتية محض،لأن المسألة متعلقة بالأحاسيس و ليس بالعلم، و سنسعى الوسع أن يكون التعريف مبتعدا عما هو تقني،لهذا سيصطبغ العرض بالانطباعي المحض،و غايتنا من هذا الجهد أن نرفع ،قدر الإمكان ، العجمة و نخلق بعض الألفة عمليا مع هذه "الكائنات الحية" القديمة، قدم الإنسان و الوجدان العربيين.
.
المقام الثاني : الحجاز
هو مقام الصحراء، قلب الصحراء، مقام القوافل التي تعبر المدى ساعة الأصيل ،و رياح الغرب تميد بالنخيل؛ هو مقام الصحراء بوقارها و نجوم ليلها الساكن ومداها الممتد فوق ما تستطيع العين،هو مقام الخطوط المتعرجات على أديم الكثبان المتلاقيات نحو سموق السماء؛و لعله لهذا سمي باسم مكان هو سلسلة جبال السروات التي "تحجز "تهامة و الغور عن نجد، بمحاذاة "بحر الحجاز" (البحر الأحمر) من الضفة الشرقية..و لأنه مقام الصحراء فهو مقام الرحيل، مقام الأطلال و حوافر الجمال تشق المدى مبتعدة تعلن الفرقة،و لهذا فتسميته مفارقة في العمق ، فلا إقامة مع الرحيل إلا في الحنين،ولهذا فهو مقام الحنين ، من حيث أن الحنين هو لذة اللقاء تختلط بحرقة الفراق، ملاقاة العالم الذي ودعناه في خاطرة تعبر، فالحنين هو سعادة التعاسة، و تعاسة السعادة، و الحجاز حنين العربي المترحّل حين يستبد به وجد الذكرى، هو المحكوم عليه بأن لا يكون له جذر، بأن يحمل معه جذوره أينما حل.
و بجوار الحنين نحس في مادة الحجاز بصوت الحب و شكاوى العاشقين، نحس ببوح صريح ، بوح بالتجربته الوجودية للعربي، فلا أدل على العربي و جغرافية وجوده، بنخيلها و صحرائها و إبلها غير الحجاز، ولهذا ربما فكلما أراد غير العربي أن يصور العربي ، في السينما مثلا، إلا و يورد الحجاز، و ما يورده إلا تأتي لذهن المتلقي صورة الواحة و الجمل و صمت الصحراء المهيب. لا يمكن ألا يطرب العربي للحجاز، فهو مقام العروبة، ومقام العروبة البدوية تحديدا ، فالحجاز مقام البادية و القبيلة و العشيرة، و ليس مقام المدينة أو المدشر، و هذا ما تحسه في مسافاته الصوتية التي هي خلاء و امتداد.كل أشعار الحب العربية و مقدماته الطللية هي حجازية بالضرورة، أشعار الأعشى و قيس ووضاح و عروة حجازية في روحها ،فما يهيج شاعر البادية للصدح بذكر الطلل، هو نفسه ما يهيج مغنيها للترنم بالحجازيات، هو نفسه الأسى والشجن الذي كان يستبد بهما كلما حزم الأهل المتاع على ظهور الرواحل و عزموا الرحيل بعيدا عما ألف القلب،عن بنات العم المعشوقات، تاركا شغاف القلب في لوعة الغرام، و الغرام في اللغة اسم من أسماء النار.
يبنى الحجاز على الدوكاه(ري القرار على مفتاح صول)، و الدوكاه كوتر هي في الطبوع و في تصور نظرية العناصر الأربع عنصر الهواء، و لعله لهذا كان أشجى ما يعزف الحجاز هو الآلات الهوائية، و هو الناي عند العرب، ناي الوجد والنواح، فلا أبدع من الناي في عزف الحجاز.
من الناحية التحليلية خصوصية الحجاز تأتيه من كونه ينبنى على مسافة الثانية الناقصة و الثالثة المزيدة( مي بيمول_فادييز)، و هذا التغيير في المسافة على بساطته، هذه التعرية لما بين المي و الفا، هي ما يفتح كل هذا الأفق البديع، كل هذا المدى الشيق، مدى الصحراء بقوافلها و كثبانها و نجودها، و ليس الأمر غريبا، فقد تطوي الحروف؛ تشاكلات الحروف كما يكشف الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي في" كتاب الحروف " ، كل أسرار الملك و الملكوت.
لا يبقى إنسان في الأرض محايدا أمام الحجاز، فقد لا يفهم غير العربي الراست، ، و قد لا يستعذب البيات، بل قد يرى فيه نشاز، لكنه لا يمكن أن لا يحس بشيء تجاه الحجاز، لهذا فقد استدخلوه في لحونهم، حتى منها تلك التي هي أبعد ما تكون عن بلاد العرب.
و لأنه مقام الوجد و الرحيل فأنت تجد أشباها له و اشتقاقات عند كل الشعوب المترحلة، عند غجر إسبانيا و عند "المانوش" في أوربا الشرقية،و بهذا المعنى فهو مقام عالمي، فإن كان لنا أن نختار مقاما، من بين كل مقامات الموسيقى، ساهم به العرب في الاستطيقا الانسانية، فهو الحجاز.
بماذا نمثل للحجاز؟
بأغاني شهيرة و شجية مثل "جبار" لعبد الحليم حافظ، و من الناحية الموسيقية الخالصة بهذه التقاسيم الرائعة على الناي للمصري رضا بدير
و بجوار الحنين نحس في مادة الحجاز بصوت الحب و شكاوى العاشقين، نحس ببوح صريح ، بوح بالتجربته الوجودية للعربي، فلا أدل على العربي و جغرافية وجوده، بنخيلها و صحرائها و إبلها غير الحجاز، ولهذا ربما فكلما أراد غير العربي أن يصور العربي ، في السينما مثلا، إلا و يورد الحجاز، و ما يورده إلا تأتي لذهن المتلقي صورة الواحة و الجمل و صمت الصحراء المهيب. لا يمكن ألا يطرب العربي للحجاز، فهو مقام العروبة، ومقام العروبة البدوية تحديدا ، فالحجاز مقام البادية و القبيلة و العشيرة، و ليس مقام المدينة أو المدشر، و هذا ما تحسه في مسافاته الصوتية التي هي خلاء و امتداد.كل أشعار الحب العربية و مقدماته الطللية هي حجازية بالضرورة، أشعار الأعشى و قيس ووضاح و عروة حجازية في روحها ،فما يهيج شاعر البادية للصدح بذكر الطلل، هو نفسه ما يهيج مغنيها للترنم بالحجازيات، هو نفسه الأسى والشجن الذي كان يستبد بهما كلما حزم الأهل المتاع على ظهور الرواحل و عزموا الرحيل بعيدا عما ألف القلب،عن بنات العم المعشوقات، تاركا شغاف القلب في لوعة الغرام، و الغرام في اللغة اسم من أسماء النار.
يبنى الحجاز على الدوكاه(ري القرار على مفتاح صول)، و الدوكاه كوتر هي في الطبوع و في تصور نظرية العناصر الأربع عنصر الهواء، و لعله لهذا كان أشجى ما يعزف الحجاز هو الآلات الهوائية، و هو الناي عند العرب، ناي الوجد والنواح، فلا أبدع من الناي في عزف الحجاز.
من الناحية التحليلية خصوصية الحجاز تأتيه من كونه ينبنى على مسافة الثانية الناقصة و الثالثة المزيدة( مي بيمول_فادييز)، و هذا التغيير في المسافة على بساطته، هذه التعرية لما بين المي و الفا، هي ما يفتح كل هذا الأفق البديع، كل هذا المدى الشيق، مدى الصحراء بقوافلها و كثبانها و نجودها، و ليس الأمر غريبا، فقد تطوي الحروف؛ تشاكلات الحروف كما يكشف الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي في" كتاب الحروف " ، كل أسرار الملك و الملكوت.
لا يبقى إنسان في الأرض محايدا أمام الحجاز، فقد لا يفهم غير العربي الراست، ، و قد لا يستعذب البيات، بل قد يرى فيه نشاز، لكنه لا يمكن أن لا يحس بشيء تجاه الحجاز، لهذا فقد استدخلوه في لحونهم، حتى منها تلك التي هي أبعد ما تكون عن بلاد العرب.
و لأنه مقام الوجد و الرحيل فأنت تجد أشباها له و اشتقاقات عند كل الشعوب المترحلة، عند غجر إسبانيا و عند "المانوش" في أوربا الشرقية،و بهذا المعنى فهو مقام عالمي، فإن كان لنا أن نختار مقاما، من بين كل مقامات الموسيقى، ساهم به العرب في الاستطيقا الانسانية، فهو الحجاز.
بماذا نمثل للحجاز؟
بأغاني شهيرة و شجية مثل "جبار" لعبد الحليم حافظ، و من الناحية الموسيقية الخالصة بهذه التقاسيم الرائعة على الناي للمصري رضا بدير
ومن أثره في غير العرب هذه الأغنية الحزينة لمغني الغجر الأشهر"كامارون ديلا إيسلا" في نوع "السيغيرياس" و هو ضرب من الغناء الغجري القديم الذي يبنى على مقام هو نفسه الحجاز، مبنيا على درجة لا، والأكيد أنه أثر من آثار قوافل العرب و سنابك خيلهم هناك، حينما كانوا في يوم من الأيام يترحلون بخيامهم في "الحجاز" السهب الممتد بين شواطئ طريفة و نجود غرناطة.
.
هذه النظرة الفلسفية الأدبية للمقامات العربية فى تأصيل الفن العربى تعكس اجتماع الفن والأدب فى شخصية الكاتب وهذا ما يندر وجوده خاصة فى هذا الزمان ، ولو أنها موجودة بالفعل فى كتب التراث الفنى فشكرا لإحيائها من جديد
ردحذفأعجبنى وصف مقام الحجاز وبيان أصالته وعروبته خاصة بالإشارة بالتعبير "كلما أراد غير العربي أن يصور العربي ، في السينما مثلا، إلا و يورد الحجاز" ..
نسمع هذا فى العديد من أعمال الموسيقى التصويرية للأفلام ذات الخلفية العربية ، وربما خير مثال على ذلك استخدام الموسيقار الفرنسى موريس جار مقام الحجاز فى فيلم الرسالة .. اسمح لى أن أقول مثال جبار أراه بعيدا عن هذه الخلفية بعكس مثال الناى المعبر .. تحياتى
العزيز الدكتور أسامة، ليس أوسع من ادبك إلا علمك، ما أكتبه هنا يا صديقي لا أدعي أبدا أنه الحقيقة، بل هو إحساسي أنا الخاص جدا، و أنا الح على هذا لأني لست في سياق نظام "الحقيقة"، بل في نظام "الإحساس"، لم يكن لي علم بما ذكرته من أمر موريس جار، و انا سأبحث عنه أكيد، كنت أرغب في أن أرفع هنا فيديو لجزء من سمفونية لبارتوك أحدى حركاتها هي على مقام الحجاز، و أنا سأفعل اكيد، لكن عندما أتمكن منها.
ردحذفدمت بهيا أيها البهي.
هذا ثاني موضوع اقرأه منذ ان دلني احد الاصدقاء على هذه المدونة منذ بضع دقائق، و لم استطيع ان اكمل قبل ان ابدي اعجابي باسلوب الطرح الذي لم اجد له مثيل في وصف الموسيقى و المقامات، و ارى اني سامضي هنا طويلا فاحببت ان اسلم علي صاحب او اصحاب هذه المدونة قبل ان اتيه في غياهب مواضيعها و مقاماتها و الحانها.
ردحذفشكرا لك يا عادل و شكرا للاخوان الذين يكتوب مواضيعها الاخرى
هذه اعظم فكرة لتعريف الإنسان العربى بالمقامات.
ردحذفشرح جميل من انسان مبدع .
ليت كل سبل تعليمنا تتبنى روح هذه الفكرة العبقرية فى تبسيط الاشياء
برافو شرح شيق جدا جدا جدا وممتع
ردحذفولا يدل إلا علي شيء جميل بمعني الكلمة
برافو استاذنا
الحجاز اسم على غير مسمى فهو مقام أندلسي إسباني شجني وقابل للتوزيعات الحديثه مثل الفلامنكو والهيب هوب والار أن بي والباسانوفا
ردحذفرائع.....كم كان العربي حاضرا بما حوله انها قماشته التي لا يجب ان يخلعها ابداااا والا ضاه مع نثار الضياع
ردحذف